بهلول
10-05-2006, 01:48 AM
جريدة السياسة - الكويت
تتغير الفتوى بتغير الحال والزمان والمكان بسبب التغيير الذي يطرأ على الناس سواء أكان سببه فساد الزمان, كما يعبر الفقهاء, أم تطور المجتمع, أم نزول ضرورات به, ومن ثم أجاز فقهاء الشريعة تغيير الفتوى بتغير الأزمان والأمكنة والأعراف والأحوال, مستدلين في ذلك بهدي الصحابة وعمل الخلفاء الراشدين, رضوان الله عليهم, الذين أمرنا النبي, صلى الله عليه وسلم, أن نهتدي بسنتهم ونعض عليها بالنواجذ. بل هو ما دلت عليه السنة النبوية, وقبلها القرآن الكريم. وفي هذه الحلقات نعرض لبعض الفتاوى الغريبة.. التي رغم غرابتها لم يحلل فيها المفتى حراما أو يحرم حلالا.
أحيانا يداعب الرجل زوجته فيمص ثدييها وقد يكون بهما اللبن فهل تحرم عليه في هذه الحالة? و هل إذا تناول البالغ, الكبير, عن طريق صب لبن المرضعة في كوب, رضعة مشبعة تصبح المرضعة أمه? فقد ورد عن عائشة أنها كانت تأمر أخواتها وبناتهن أن يرضعن من الرجال من أرادت أن يدخل عليها وهي غير محجبة أو غير مخفية للعورة?
مباح
يقول فضيلة الشيخ فيصل مولوي إنه من المتفق عليه بين الفقهاء أن المحرم في العلاقات الزوجية هو الجماع أثناء الحيض, و الإيلاج في الدبر وكل ما سوى ذلك من أنواع الاستمتاع مباح بشرط أن يتم بتراضي الزوجين.
وشرب الحليب من ثدي الزوجة لا يؤدي إلى اعتبارها أماً بالرضاعة, لأن الشرب الذي يؤدي إلى ذلك هو ما كان في فترة رضاع الطفل, أي دون السنتين من عمره, لأنه هو الذي ينمي اللحم وينشز العظم. هذا هو رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية والجعفرية, إلا أن بعض المالكية سمحوا بالزيادة عن السنتين لمدة شهر أو شهرين, وأبو حنيفة اعتبر الرضاعة المحرمة تمتد إلى سنتين ونصف من الولادة.
أما الحديث الذي أخرجه مسلم (أن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله, إن سالم يدخل علي وهو رجل, وسالم هو مولى أبي حذيفة, وفي نفس أبي حذيفة منه شيء, فقال (أرضعيه حتى يدخل عليك) هذا الحديث لم يأخذ به أي من المذاهب رغم صحته من حيث السند, لأنه من حيث المتن يخالف نصوص القرآن الكريم, ويخالف أحاديث أخرى صحيحة, كما يخالف أحكاماً شرعية متفقاً عليها.
وجاء في كتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني ما نصه بتصرف: وقد استدل بهذا الحديث من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم, وأما ابن عبد البر فأنكر الرواية عنه في ذلك وقال: لا يصح وإليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وحكاه النووي عن داود الظاهري وإليه ذهب ابن حزم ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة".
حكم الصناع
وذهب الجمهور إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير وأجابوا عن قصة سالم بأنها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهن عائشة بذلك محتجة به وأجيب بأن دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة ولا حجة في إبائهن لها كما أنه لا حجة في أقوالهن ولهذا سكتت أم سلمة لما قالت لها عائشة :أما لك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُسوة حسنة ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين.
وأجيب أيضاً بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة واستدل على ذلك بأنها كانت في أول الهجرة عند نزول قوله تعالى }ادعوهم لآبائهم{ وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر بأنهما لم يصرحا بالسماع من النبي وأيضاً حديث ابن عباس مما لا تثبت به الحجة كما سيجيء ولو كان النسخ صحيحاً لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين.
وبه يحصل الجمع بين الأحاديث وذلك بأن تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم إنما الرضاع من المجاعة ولا رضاع إلا في الحولين ولا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ولا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم, وهذه طريق متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقاً وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقاً لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين, ويؤيد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب وهى مصرحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل كقضية سالم وما كان مماثلاً لها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الأشخاص ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم. والله أعلم.
تتغير الفتوى بتغير الحال والزمان والمكان بسبب التغيير الذي يطرأ على الناس سواء أكان سببه فساد الزمان, كما يعبر الفقهاء, أم تطور المجتمع, أم نزول ضرورات به, ومن ثم أجاز فقهاء الشريعة تغيير الفتوى بتغير الأزمان والأمكنة والأعراف والأحوال, مستدلين في ذلك بهدي الصحابة وعمل الخلفاء الراشدين, رضوان الله عليهم, الذين أمرنا النبي, صلى الله عليه وسلم, أن نهتدي بسنتهم ونعض عليها بالنواجذ. بل هو ما دلت عليه السنة النبوية, وقبلها القرآن الكريم. وفي هذه الحلقات نعرض لبعض الفتاوى الغريبة.. التي رغم غرابتها لم يحلل فيها المفتى حراما أو يحرم حلالا.
أحيانا يداعب الرجل زوجته فيمص ثدييها وقد يكون بهما اللبن فهل تحرم عليه في هذه الحالة? و هل إذا تناول البالغ, الكبير, عن طريق صب لبن المرضعة في كوب, رضعة مشبعة تصبح المرضعة أمه? فقد ورد عن عائشة أنها كانت تأمر أخواتها وبناتهن أن يرضعن من الرجال من أرادت أن يدخل عليها وهي غير محجبة أو غير مخفية للعورة?
مباح
يقول فضيلة الشيخ فيصل مولوي إنه من المتفق عليه بين الفقهاء أن المحرم في العلاقات الزوجية هو الجماع أثناء الحيض, و الإيلاج في الدبر وكل ما سوى ذلك من أنواع الاستمتاع مباح بشرط أن يتم بتراضي الزوجين.
وشرب الحليب من ثدي الزوجة لا يؤدي إلى اعتبارها أماً بالرضاعة, لأن الشرب الذي يؤدي إلى ذلك هو ما كان في فترة رضاع الطفل, أي دون السنتين من عمره, لأنه هو الذي ينمي اللحم وينشز العظم. هذا هو رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية والجعفرية, إلا أن بعض المالكية سمحوا بالزيادة عن السنتين لمدة شهر أو شهرين, وأبو حنيفة اعتبر الرضاعة المحرمة تمتد إلى سنتين ونصف من الولادة.
أما الحديث الذي أخرجه مسلم (أن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله, إن سالم يدخل علي وهو رجل, وسالم هو مولى أبي حذيفة, وفي نفس أبي حذيفة منه شيء, فقال (أرضعيه حتى يدخل عليك) هذا الحديث لم يأخذ به أي من المذاهب رغم صحته من حيث السند, لأنه من حيث المتن يخالف نصوص القرآن الكريم, ويخالف أحاديث أخرى صحيحة, كما يخالف أحكاماً شرعية متفقاً عليها.
وجاء في كتاب نيل الأوطار للإمام الشوكاني ما نصه بتصرف: وقد استدل بهذا الحديث من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم, وأما ابن عبد البر فأنكر الرواية عنه في ذلك وقال: لا يصح وإليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وحكاه النووي عن داود الظاهري وإليه ذهب ابن حزم ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة".
حكم الصناع
وذهب الجمهور إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير وأجابوا عن قصة سالم بأنها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهن عائشة بذلك محتجة به وأجيب بأن دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة ولا حجة في إبائهن لها كما أنه لا حجة في أقوالهن ولهذا سكتت أم سلمة لما قالت لها عائشة :أما لك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُسوة حسنة ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالجذع من المعز واختصاص خزيمة بأن شهادته كشهادة رجلين.
وأجيب أيضاً بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة واستدل على ذلك بأنها كانت في أول الهجرة عند نزول قوله تعالى }ادعوهم لآبائهم{ وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر بأنهما لم يصرحا بالسماع من النبي وأيضاً حديث ابن عباس مما لا تثبت به الحجة كما سيجيء ولو كان النسخ صحيحاً لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين.
وبه يحصل الجمع بين الأحاديث وذلك بأن تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم إنما الرضاع من المجاعة ولا رضاع إلا في الحولين ولا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ولا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم, وهذه طريق متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الأحاديث على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقاً وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقاً لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين, ويؤيد هذا أن سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب وهى مصرحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل كقضية سالم وما كان مماثلاً لها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الأشخاص ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم. والله أعلم.