فاطمي
10-04-2006, 05:46 AM
كتاب ومفكرون أجمعوا على اختلاق شخصيته
القاهرة - سحر سامي
في الحلقة السابقة تناولنا بصفة عامة الأسباب التي دفعت سيف بن عمر إلى تحريف وقائع التاريخ واختلاق الشخصيات, خاصة وأن واحدة من أكبر الفوائد التي تحققها شخصياته المختلقة ليس فقط الفخر لقومه لكن أيا تحمل اللوم عن المؤاخذات التي كان يلام عليها بعض سادة مضر, إذ عزاها سيف لغيرهم سواء أكان غير المضري هذا له وجود تاريخي أو اختلقه فقط ليلصق به ما عيب عليه المضري, ومن هذا النوع من الانحرافات أيضا ما كان بين سادة مضر أنفسهم مما كانوا يؤاخذون عليه, فإن سيفا قد حرف ما روي في ذلك كما فعل في ما وقع بين السيدة عائشة, رضي الله عنها, وطلحة والزبير وعثمان من خصومة حتى واقعة الدار ومقتل عثمان, وما وقع بينهم وبين علي حتى واقعة الجمل.
لكن كيف عالج سيف كل ذلك? كان هذا, فيما يرى بعض الباحثين, ويناقضهم فيه غيرهم, عن طريق اختلاق واحد من أكبر أساطيره وهو شخصية عبد الله بن سبأ زاعما أن هذا الرجل, اليهودي الأصل, أسلم نفاقا ورياء, وأنه جاء من صنعاء اليمن وألقى الفتن في البلاد وبين العباد. وقد نسبه إلى سبأ ليكون قد ألصق باليمانية وأجلى نسبه إلى القحطانية, ذلك أن سبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو أحياء عظيمة من القحطانية, وسمى جماعته بالسبئية, وتكاد تكون "السبئية" ترادف لفظة اليمانية في النسب, لتكون أشهر في يمانية أهل الفتن.
إلا أن هناك من أكد وجود اثنين يحملان اسم ابن سبأ أحدهما يشار إليه باسم "ابن السوداء" لأنه ولد لأم حبشية وكان أسود البشرة مثلها. وقد اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ, ومن ذلك اختلفوا في بلده وقبيلته, فيذكر القلقشندي في قلائد الجمان أنه يعرب بن قحطان ولد يشجب, وولد ليشجب (سبأ) واسم سبأ هذا عبد شمس, وقد ملك اليمن بعد أبيه, وأكثر من الغزو والسبي, فسمي (سبأ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره, ثم أطلق الاسم على بنيه. ويقول المؤكدون لوجوده إنه جاء إلى المدينة متظاهرا بالإسلام ثم ليعمل على تكوين طائفة تضر بالإسلام وتدس في تعاليمه وتطلق على نفسها "الشيعة لعلي" وهي لا علاقة لها به وقد تبرأ منهم وعذبهم أشد العذاب في حياته, وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده.
شخصيتان
ويرى عدد كبير من الباحثين, خاصة الشيعة, أن هناك شخصيتين حملتا اسم ابن سبأ هما عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني, عند البلاذري, وعبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني, عند الأشعري القمي. وأن واحدة من هذه الشخصيات اختلقها سيف بن عمر لكي يستغلها في الترويج لأفكاره الهدامة ودس الأحاديث والروايات المنسوبة للمسلمين. ويرفض الشيعة وجود ابن سبأ في التاريخ بسبب الدور الذي نسب إليه في الفتنة الكبرى ومقتل عثمان وما حدث بعدها في خلافة علي بن أبي طالب, رضي الله عنه.
ومع ذلك, فليس الباحثون الشيعة فقط, من أنكروا وجود ابن سبأ, ولم يكن السيد مرتضى العسكري وحده على رأس القائمة, بل أنكره عدد من الكتاب من السنة, منهم الدكتور طه حسين, عميد الأدب العربي, الذي يقف على رأس الكتاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل وأنكروه. (أنظر كتاب الفتنة الكبرى, عثمان, (ص 132), وعلي وبنوه (ص 90), والدكتور على سامي النشار الذي يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتباره شخصية وهمية (كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام).
أنكره أيضا الدكتور حامد حنفي داود, وهو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها, وذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى), ومن ضمن رأيه في عبد الله بن سبأ قوله: (ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص. وكذلك ضمن كتابه: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية.
مشككون
وأنكر وجوده أيضا الدكتور محمد كامل حسين (كتاب أدب مصر الفاطمية) وعبد العزيز الهلابي في كتابه "عبد الله بن سبأ" حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار. ومن المنكرين والمتشكيين والمترددين في إثبات ونفي شخصية عبد الله بن سبأ, الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان (عبد الله بن سبأ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس (ص 84, 100) وأيضاً في مجلة الرسالة العدد (778) (ص 609-610). والدكتور : محمد عمارة في كتابه الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية, فيقول: (وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً وجهداً خرافيا), ويقول: (فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده) إلى غيرها من النقولات, والدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية (ص 86), إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ, من غير جزم بوجود صاحبها.
بل ومن الشيعة من ينكر وجود ابن سبأ مثل محمد الحسين كاشف الغطاء في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" إذ يقول: "على أنه لا يستبعد أن يكون هو, أي عبد الله بن سبأ, ومجنون بني عامر وأبو هلال.. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ وشغل أوقات الناس". ومحمد جواد مغنيه, وقد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12). وكتاب التشيع (ص 18). والدكتور علي الوردي, في كتاب وعاظ السلاطين إذ يقول: (يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير).
القاهرة - سحر سامي
في الحلقة السابقة تناولنا بصفة عامة الأسباب التي دفعت سيف بن عمر إلى تحريف وقائع التاريخ واختلاق الشخصيات, خاصة وأن واحدة من أكبر الفوائد التي تحققها شخصياته المختلقة ليس فقط الفخر لقومه لكن أيا تحمل اللوم عن المؤاخذات التي كان يلام عليها بعض سادة مضر, إذ عزاها سيف لغيرهم سواء أكان غير المضري هذا له وجود تاريخي أو اختلقه فقط ليلصق به ما عيب عليه المضري, ومن هذا النوع من الانحرافات أيضا ما كان بين سادة مضر أنفسهم مما كانوا يؤاخذون عليه, فإن سيفا قد حرف ما روي في ذلك كما فعل في ما وقع بين السيدة عائشة, رضي الله عنها, وطلحة والزبير وعثمان من خصومة حتى واقعة الدار ومقتل عثمان, وما وقع بينهم وبين علي حتى واقعة الجمل.
لكن كيف عالج سيف كل ذلك? كان هذا, فيما يرى بعض الباحثين, ويناقضهم فيه غيرهم, عن طريق اختلاق واحد من أكبر أساطيره وهو شخصية عبد الله بن سبأ زاعما أن هذا الرجل, اليهودي الأصل, أسلم نفاقا ورياء, وأنه جاء من صنعاء اليمن وألقى الفتن في البلاد وبين العباد. وقد نسبه إلى سبأ ليكون قد ألصق باليمانية وأجلى نسبه إلى القحطانية, ذلك أن سبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو أحياء عظيمة من القحطانية, وسمى جماعته بالسبئية, وتكاد تكون "السبئية" ترادف لفظة اليمانية في النسب, لتكون أشهر في يمانية أهل الفتن.
إلا أن هناك من أكد وجود اثنين يحملان اسم ابن سبأ أحدهما يشار إليه باسم "ابن السوداء" لأنه ولد لأم حبشية وكان أسود البشرة مثلها. وقد اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ, ومن ذلك اختلفوا في بلده وقبيلته, فيذكر القلقشندي في قلائد الجمان أنه يعرب بن قحطان ولد يشجب, وولد ليشجب (سبأ) واسم سبأ هذا عبد شمس, وقد ملك اليمن بعد أبيه, وأكثر من الغزو والسبي, فسمي (سبأ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره, ثم أطلق الاسم على بنيه. ويقول المؤكدون لوجوده إنه جاء إلى المدينة متظاهرا بالإسلام ثم ليعمل على تكوين طائفة تضر بالإسلام وتدس في تعاليمه وتطلق على نفسها "الشيعة لعلي" وهي لا علاقة لها به وقد تبرأ منهم وعذبهم أشد العذاب في حياته, وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده.
شخصيتان
ويرى عدد كبير من الباحثين, خاصة الشيعة, أن هناك شخصيتين حملتا اسم ابن سبأ هما عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني, عند البلاذري, وعبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني, عند الأشعري القمي. وأن واحدة من هذه الشخصيات اختلقها سيف بن عمر لكي يستغلها في الترويج لأفكاره الهدامة ودس الأحاديث والروايات المنسوبة للمسلمين. ويرفض الشيعة وجود ابن سبأ في التاريخ بسبب الدور الذي نسب إليه في الفتنة الكبرى ومقتل عثمان وما حدث بعدها في خلافة علي بن أبي طالب, رضي الله عنه.
ومع ذلك, فليس الباحثون الشيعة فقط, من أنكروا وجود ابن سبأ, ولم يكن السيد مرتضى العسكري وحده على رأس القائمة, بل أنكره عدد من الكتاب من السنة, منهم الدكتور طه حسين, عميد الأدب العربي, الذي يقف على رأس الكتاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل وأنكروه. (أنظر كتاب الفتنة الكبرى, عثمان, (ص 132), وعلي وبنوه (ص 90), والدكتور على سامي النشار الذي يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتباره شخصية وهمية (كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام).
أنكره أيضا الدكتور حامد حنفي داود, وهو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها, وذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى), ومن ضمن رأيه في عبد الله بن سبأ قوله: (ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص. وكذلك ضمن كتابه: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية.
مشككون
وأنكر وجوده أيضا الدكتور محمد كامل حسين (كتاب أدب مصر الفاطمية) وعبد العزيز الهلابي في كتابه "عبد الله بن سبأ" حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار. ومن المنكرين والمتشكيين والمترددين في إثبات ونفي شخصية عبد الله بن سبأ, الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان (عبد الله بن سبأ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس (ص 84, 100) وأيضاً في مجلة الرسالة العدد (778) (ص 609-610). والدكتور : محمد عمارة في كتابه الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية, فيقول: (وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً وجهداً خرافيا), ويقول: (فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده) إلى غيرها من النقولات, والدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية (ص 86), إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ, من غير جزم بوجود صاحبها.
بل ومن الشيعة من ينكر وجود ابن سبأ مثل محمد الحسين كاشف الغطاء في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" إذ يقول: "على أنه لا يستبعد أن يكون هو, أي عبد الله بن سبأ, ومجنون بني عامر وأبو هلال.. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ وشغل أوقات الناس". ومحمد جواد مغنيه, وقد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12). وكتاب التشيع (ص 18). والدكتور علي الوردي, في كتاب وعاظ السلاطين إذ يقول: (يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير).