المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستقبل الإنترنت.. بعد 15 عاما على انطلاقها



على
10-03-2006, 10:52 AM
من تصاميم لشبكات محدودة نحو بحر لملايين الصفحات من المواقع والمدونات الشخصية


لندن: «الشرق الأوسط»

اصبحت شبكة الانترنت الدولية على ما هي عليه اليوم من التطور والتعقيد خلال 15سنة فقط. وخلال تلك الاعوام الحافلة تعرضت الشبكة الى العديد من التغيرات والإعادة والتكرار، وتحولت الى أداة للمشاركة في الوثائق والمستندات خدمة للباحثين، ومصدرا مهما للأخبار والمعلومات، ومكانا للتسوق، ومسرحا لوسائط الاعلام المتعدد.. النص والصورة والصوت، كما انها باتت وسيلة شعبية للفعاليات الاجتماعية، والتعبير عن الذات.. فكيف إذن وصلت الإنترنت الى هذا الحد بهذه السرعة؟
لا.. لم تصل هكذا بسرعة على وجه التدقيق، فلفهم كيف تطورت الشبكة اليوم، شأنها شأن العديد من الاختراعات الأخرى، علينا النظر الى الوراء قبل اطلاقها الرسمي، لأن بذور الشبكة زرعت قبل عام 1991 بكثير.

* البدايات

* من الغريب أن النسخة الاولى من الشبكة العالمية كانت تطوف في أذهان أكثر من شخص خلال الحرب العالمية الثانية، ففي مقالة بعنوان «كما نفكر» التي ظهرت في مجلة «أتلانتيك مانثلي» عام 1945، أشار فانيفار بوش المهندس الاميركي والاداري العلمي الى «انه مع خروج المجتمع من الحرب العالمية الثانية ينبغي على جهودنا العلمية أن تتركز حول الحفاظ على كل المعرفة الانسانية السابقة، وجمعها».

ولجمع وعرض هذه المعلومات قام بوش حتى بابتكار نظام سماه «ميميكس» Memex، وهو خليط من إذاعات تلفزيونية وشرائط صغيرة جدا «ميكروفيلم». وكان من شأن هذا النظام نظريا إتاحة المجال أمام الباحثين الوصول الى «ميكروفيلم» معين من اماكن بعيدة وبسرعة، لوصله بـ «ميكروفيلم» آخر عن كتاب مثلا يتعلق بالموضوع ذاته عبر وسائل كهرومغناطيسية.

وكانت «ميميكس» صرخة بعيدة عن فكرة نصوص الـ «هايبرتيكست» Hypertext النصوص الفائقة المترابطة التي قادت الى ظهور الانترنت الحالية والكومبيوترات في الاربعينات، وتفتقر الى أي نوع من العناصر المرئية التي تتعدى حدود البطاقات المثقوبة. غير أن نظرية بوش القائلة ان على البشرية تجميع معلوماتها للرجوع اليها بسرعة من جهات متعددة، أثبتت صحتها تماما.

لقد كان بوش سباقا لزمانه وعصره، بيد أن «ميميكس» أثبتت انها معقدة وصعبة التحقيق، لكن نظرياته أثرت جدا على تيد نيلسون، ذلك العالم الاجتماعي والرائد في تقنيات المعلومات الذي ابتكر نظرية رقمية تتعلق بهندسة المعلومات، وعلى دوغلاس إنجيليبارت مهندس الابحاث الذي يرجع له الفضل في اختراع ماوس الكومبيوتر.

وفي عام 1960وضع نيلسون فكرة الوثائق المتبادلة المتصلة ديناميكيا عبر تشبيك بسيط من قبل المستخدم. وتحولت النظرية الى «مشروع زاندو»Project Xanadu الذي كان الخطوة الاولى المعروفة لاستخدام كلمة «هايبرتيكست».

وفي الوقت الذي كان فيه نيلسون يطور نظرياته المعقدة كان إنجيليبارت المخترع الأميركي يضعها موضع التنفيذ، وقد عكس آراء كل من بوش ونيلسون حول تأثير كل من التقنية والمعلومات الواحدة على الأخرى، وكانت ورقته عام 1962تعزيز الذكاء البشري: فكرة لاطار عمل» ثبتت مبدأ الشبكة الكومبيوترية المعلوماتية. وفي عام 1963حول إنجيليبارت نظرياته الى واقع ملموس بعدما اسس مركز «تعزيز الأبحاث ذات الرؤية المستقبلية» ARC وهنا اوجد أول تنفيذ وتطبيق ناجح لنصوص «هايبرتيكست»، والدعائم الاولية لتشبيكات استخدام الغرافيكس GUI وعلى صعيد الاهمية ذاتها أوجد جهازا يتيح للمستخدمين التصفح والنقر عبر تشبيكات سطح المكتب والمعلومات، ألا وهو ماوس الكومبيوتر.

وقدم إنجيليبارت في عرض للتقنية أقيم عام 1968خلال مؤتمر مشترك للكومبيوتر ما يدعى الآن «أم جميع العروض». وكانت فكرة عرض نصوص «هايبرتيكست» عبر تشبيكات استخدام الغرافيكس GUI عن طريق الماوس من التقدم على زمانها بحيث إن بعض المشاهدين اعتقدوا أن ما يفعله إنجيليبارت هو نوع من الكذب والخداع. لقد كان وقع هذه الافكار كبيرا وثوريا حتى ولو استغرق الأمر سنوات لكي تثمر هذه وتنضج.

ومثله مثل بوش ونيلسون وأنجيليبارت قبله كان دافع بيرنرز ـ لي رغبته العميقة في تسهيل الدخول الى المعلومات والمشاركة فيها من قبل العلماء والاكاديميين. وفي عام 1980بينما كان يعمل في مختبر الفيزياء الجزيئية «سيرن» أنجز صنع «إنكواير» ENQUIRE الذي يصل المعطيات والمعلومات الاساسية (دايتا بايس) بين بعضها البعض الموجودة في عقد متعددة على الشبكة والتعاون في ما بينها عبر وصلات الـ «هايبر». وشكل «إنكواير» الأساس وقاعدة المعلومات للشبكة العالمية.

* انطلاقة الويب

* وفي ورقته التي نشرها عام 1990بعنوان «الشبكة العالمية: اقتراح لمشروع النصوص الفائقة» كتب بيرنرز ـ لي يقول: «النصوص الفائقة Hypertext هي الطريق للوصول الى المعلومات من كل الانواع وربطها على شاكلة عقد يمكن للمستخدم تصفحها حاصلا على جميع المعلومات التي يرغبها. ونقترح هنا مشروع بسيط يشمل على خادمات متوفرة سلفا في «سيرن».

وفي عام 1991 كان بيرنرز ـ لي قد أوجد المتصفح الاول للشبكة تحت اسم «وورلد وايد ويب» World Wide Web إضافة الى الخادم الأول الذي دعاه nxoc1.cern.ch الذي سماه بعد ذلكinfo.cern.ch وبعد ذلك قام هذا العالم الفذ وزملاؤه بوضع مشروع www الذي أتاح لفيزيائي الطاقة العالية التشارك والتعاون في المعلومات والنشرات والمستندات بعد دخول خادمات البوابات التي تتضمن المعلومات الأخرى. لقد بدأ عصر الترحيب بالمتعاونين والمشاركين.

واستنادا الى تيم براي أحد الرواد في محركات البحث الذي يشغل حاليا مدير «ويب تكنولوجيز» التابع لـ «صن مايكروسيستمز» فإن نجاح الشبكة العالمية راجع الى بساطة تصميمها، فالأفكار الخاصة بوصلات «هايبرتيكست» والوصول الى المعلومات كانت سلفا هناك بفضل تيد نيلسون، لكن كانت هناك بعض التعقيدات التي استطعنا تذليلها بعدما أخذنا أفكارا من الماضي بمعاونة www وبسطناها».

وهذا التأكيد على البساطة أدى الى العناوين الانترنتية URL ذات الوثائق والمستندات المفردة من دون أن يكون ملحق بها أي معلومات وصفية. وهذا أدى بدوره الى صيغة لغة مبسطة يمكن بلوغها بسهولة هيHTML بدلا من لغات البرمجة المعقدة التي كانت مألوفة لمستخدمي الكومبيوتر في ذلك الوقت.

* التصفح الجيد

* وبالطبع كان حجر الرحى في نجاح الشبكة هو نظام التصفح عن طريق الوصل والربط عن طريق نص الـ «هايبرتيكست» مع القدرة على الإبحار جيئة وذهابا عبر صفحات الشبكة التي أوصلت الى مستوى بات بالإمكان معه تبني عالميا نظام التشبيك مع إدخال التحسينات عليه بشكل مستمر، خاصة بعد قيام بيرنرز ـ لي بإنجاز متصفح الشبكة العالمية. وعقب ذلك جرى تطوير العديد من متصفحات الصور والرسوم والنصوص، وكان من أكثرها شعبية ViolaWWW الذي طوره بيي ـ يان وي لمنصة «إكس ويندو». وهذا المتصفح شبيه بـ «هايبر كارد» من «ماك» الذي كان الأول الذي يدعم التصفح الحديث المتطور الذي يشتمل على أزرار (أسهم) للعودة الى الصفحات التي جرى تصفحها أولا، والعودة ثانية الى الصفحات التي جرى تصفحها أخيرا، مع علامات للصفحات المفضلة bookmarks للرجوع اليها بسهولة.

وفي عام 1993 كانت موزايكMosaic المتصفح الاول الذي أدخل النصوص والغرافات (الرسوم البيانية) في النافذة ذاتها. كما كان المتصفح الأول الذي اعتمدته كل من «ويندوز» و«ماك». ومع مجيء المتصفحات التي أساسها «ويندوز» و«ماك»، جرى وضع الأساس لانفجار الشبكة العالمية. ومع السنوات الخمس أو الست من عمر هذه المتصفحات جرى إطلاق الملايين من المواقع الجديدة على الشبكة من قبل الشركات ومؤسسات النشر ومحلات البيع وغيرها، مع إمكانية قراءة الصحف والمجلات العالمية. وجاءت بعد ذلك جميع أنواع الوسائط المتعددة مثل الشبكات التلفزيونية ومحطات الإذاعة وكل المواقع التي تغطي شتى المواضيع التي يمكن الوصول اليها فورا.

* آفاق المستقبل

* وبعد منعطف القرن جاء النشر على الإنترنت ومواقع المدونات اليومية (بلوغس) التي باتت تغطي حتى على الصحف والمجلات، لا سيما بعد أن دخلت الصور والفيديو اليها، الى جانب النصوص المكتوبة.

ومع كل هذه التطورات السريعة والمشاريع الجديدة أصبحت العائدات المالية الشغل الشاغل للكثيرين، خاصة الشركات التي رأت في الشبكة مصدرا كبيرا للدخل، سواء عن طريق الدعاية، أو التسويق، أو البيع، أو الخدمات. ولعل أهم تطور جرى للشبكة هو إنشاء محركات البحث مثل محرك «غوغل» الذي يقوم بمسح الشبكة وتصنيفها خدمة لمستخدميها، وإلا كيف يمكن العثور على المطلوب واكتشافه وسط الملايين من الادخالات الجديدة للمحتويات كل يوم؟

في الماضي كان عدد المواقع محدودا، بحيث انتفت الحاجة الى البحث، فإذا كنت تطلب معلومة معينة كان يتوجب الذهاب الى المصدر مباشرة، أو الذهاب الى موقع «ما هو الجديد» الذي كان عبارة عن لائحة بسيطة لمواقع الشبكة الجديدة التي كانت تظهر يوميا، أو الذهاب الى Jerry Guide to the World Wide Web الذي أصبح فيما بعد «ياهو». وأصبح هناك اليوم العديد من محركات البحث الاخرى التي لا تقل أهمية عن «غوغل».

ومع تطور الشبكة ومجيء أدوات سهلة الاستخدام بات بالإمكان بسهولة بالنسبة الى المستخدمين إنشاء مواقع لـ «البلوغس» ومواقع للمشاركة في أفلام الفيديو والصور وغيرها، والنتيجة باتت أن الناس العاديين أصبحوا مشاركين أيضا في الشبكة وليس مجرد مستهلكين. المهم في الأمر أنه بعد تأسيس الشبكة 2.0 ستأتي الشبكة 3.0 التي ستنطوي على مستوى معين من الذكاء الصناعي الأوتوماتيكي الذي سيدير نواحي مختلفة ومتنوعة من حياتنا الرقمية، كتنظيم جداول عملك انطلاقا من جداول عمل الآخرين، من دون أي تدخل من قبلك، أي أن الفكرة هنا هي عدم قيام الشبكة فحسب بتزويدك بالمعلومات التي ترغبها، بل تطويع هذه المعلومات لخدمتك وفائدتك.

وأخيرا وبعد أن قطعنا مسيرة 15سنة من عمر الإنترنت، لا يستطيع أحد أن يتنبأ كيف سيكون شكل الشبكة هذه في المستقبل، في السنوات الـ 15 المقبلة.

* «أب الشبكة».. العالم الذي أسس أول موقع فيها

* تيم بيرنرز لي الباحث، خريج جامعة اوكسفورد البريطانية الذي منحته ملكة بريطانيا لقب فارس، هو «أب الشبكة الدولية، كان صاحب أول موقع على شبكة المعلومات الدولية. ويعود اليه الفضل في معادلة «النصوص الفائقة» + الانترنت = الشبكة العنكبوتية العالمية Hypertext + Internet = WorldWideWeb ، حيث الانترنت هي البنية التحتية للشبكة والويب هو الشكل الذي يرتكز عليها وتنفذ فيه الاعمال عبر النصوص الفائقة المترابطة. ومع انطلاق الشبكة تفجرت الثورة المعلوماتية عبر العالم. وكان السير لي يرغب في تحويل الشبكة الى موقع للقراءة والتفاعل والكتابة ، واسس في أغسطس عام 1991 أول موقع الكتروني، وهو يشير متذكرا اوائل تصوراته، الى ان أسلوب كتابة اليوميات في المدونات الالكترونية الشخصية «بلوغ» blog الذي اصبح شائع الانتشار اليوم هو الأقرب لفكرته الأصلية.

ويرى العالم الفذ في الانترنت وسيلة مرنة لا يجب استخدامها في غايات لفرض نوع معين من المعلومات على الجمهور. الا انه يدعو الافراد العمل على وضع محتوى جيد فيها وحماية انفسهم من المحتوى الرديء. ويتوقع ان تصبح الانترنت اكثر استقرارا وتتحول خلال الـ 15 عاما المقبلة الى وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها تتصف بالانفتاح والمرونة والعالمية.