دشتى
10-02-2006, 08:49 PM
بشار دراغمه من رام الله
وقعت المعلومات كالصدمة على جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" عندما تبين أن أكبر عملاء إسرائيل خدع "الموساد" لأكثر من 20 عاما من خلال تقارير غير صحيحة ومفبكرة اعتمدها "الموساد" كوقائع مسلم بها حول سوريا.
وكان هذا العميل يقدم تقاريره على أن معلوماته تأتيه من ضابط كبير جدا في سوريا.وكادت المعلومات الخاطئة التي كان يقدمها أن تؤدي إلى إندلاع حرب بين إسرائيل وسوريا في عام 1996 إلا أن هذا العميل والذي يدعى " يهودا غيل" تم اعتقاله بعد أن بدأ الموساد يشك بأن الضابط السوري هو الذي ينتزع المعلومات من غيل وليس العكس.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت عن التفاصيل الكاملة لهذه الواقعة التي استمرت 20 عاما. وتبين أن غيل كان له دور كبير في جمع المعلومات حول الفرن الذري في العراق قبل قصفه في العام 1981، كما كان له دور في استجلاب "الفلاشا- يهود أثيوبيا"، إلا أنه فشل في تجنيد المصدر السوري المذكور، فاضطر إلى فبركة التقارير، الأمر الذي تسبب بأضرار خطيرة لا يمكن تقدير حجمها.
وبحسب الصحيفة فان يهودا غيل يعتبر ضابط جمع معلومات ذو أقدمية ومن أفضل من استخدمتهم الإستخبارات الإسرائيلية في تاريخها. أطلق سراحه من السجن قبل 6 سنوات، وهو جاسوس متقاعد منذ ذلك الحين، ويعتبر نفسه ضحية. وفي المقابل، فإن الغضب والحقد عليه لا يزال يضطرم في المؤسسة التي عمل فيها سنوات طويلة وهي الموساد. وحتى في جنازة صديق غيل وأطلت عليه الصحيفة اسم "أ" قبل سنتين، وعندما تحدث "الأصدقاء" من الموساد عن الميت فوق القبر المفتوح، أحس الجاسوس السابق، يهودا غيل، بالكراهية تخترق جسده كالسكين.
المدعو "أ" رجل الموساد القديم، ضابط جمع معلومات وإرشاد، وصديق غيل. جلس معه سوية في "الكلية"، مركز الإرشاد التابع للموساد. "أ" كان المثقف الجدي، في حين كان غيل الجامع الاستعراضي، والذي استخف بالمتدربين حديثي العهد، وتلذذ بالإحساس بموجات الإعجاب التي كانت تنبعث من ضباط جمع المعلومات المستقبليين.
في شهر آب/أغسطس، قبل سنتين، تلقى غيل اتصالاً هاتفياً من صديق قديم له يخبره أن المدعو "أ" قد توفي. كان ذلك بعد 4 سنوات من خروجه من السجن، بعد أن ضبط وهو يفبرك تقارير أحد المصادر، في قضية هزت منظمة التجسس الإسرائيلية. وهناك من يقول بأنها أكبر من أي قضية أخرى سبقتها، ووضعت علامة سؤال كبيرة حول "موثوقية الموساد". وتحول التقدير الكبير الذي كان يحظى به طيلة السنوات التي عمل فيها في المؤسسة، إلى غضب عارم في تلك الليلة السوداوية التي اعتقل فيها في تشرين ثاني/نوفمبر 1997.
يرتفع علم إسرائيلي كبير على مدخل عائلة غيل في "غديرا"، وذلك كإشارة إلى رغبته في الإنتماء إلى المجموعة التي كان يريد أن ينتمي إليها، ورغبته في أن يكون "مقبولاً" و"محط التقدير"، وإرضاءاً لغريزة حب العظمة التي أسقطته في النهاية. ومنذ أن قدم إلى البلاد من مدينة سرت في وسط ليبيا، حيث كان إسم عائلته "جناح" وهو يحاول الإندماج في "الإسرائيلية الجديدة" وانتشال نفسه من ماضيه، زاعماً أن جذوره إيطالية، ووالده خدم في البحرية الإيطالية..
برز دوماً بجديته، كشاب يتشدد مع نفسه ومع الآخرين، ويتحدث الإيطالية والعربية بمستوى لغة الأم، ويبقي خلفه ذيولاً من القصص جعلت معارفه في حيرة من أمره، وحتى عندما تحول إلى ضابط جمع معلومات أسطوري، ورجل جاسوسية إسرائيلي رابط الجأش، ومجند العملاء الأول للموساد والمهمات الخاصة.
ولدى الإطلاع على قصة العميل غيل، الذي أدين بتهمة الإبلاغ بمعلومات كاذبة على لسان مصدر كبير في سورية، وهي معلومات كادت تؤدي إلى نشوب حرب، يتبين أنه شخصية يكرهها كثيرون، محتقر من قبل عدد كبير من زملائه في الماضي، ولكن في "غديرا"، مكان سكناه، لا يزال يتم التعامل مع هذا المتقاعد بهيبة من كان عميلاً سرياً لا يزال يلف نشاطه الماضي هالة من السرية والتعظيم.
كان غيل الجاسوس الكلاسيكي، وتحدث كثيرون من كبار المسؤولين، كم كان عظيماً، وبنفس الروح يتطاير الشرر غضباً منه. وهناك من ينسب له التوتر مع سورية في خريف 1996، والذي كاد يؤدي إلى حرب. كما أن هناك من يرى في هذا الإدعاء محاولة من الجهاز لتضخيم الأضرار التي تسبب بها. وحتى اليوم، وبعد مرور 10 سنوات على اعتقاله، فإن مجرد ذكر اسمه أمام عناصر الأجهزة الأمنية، لا يبقي أحداً لامبالياً، فقد تمكن من إثارة إعجابهم جميعاً، ثم خيب أملهم.
يقول معدا التقرير:" سافرنا كثيراً في الأسبوعين الأخيرين، وقابلنا كثيرين من أصدقائه وزملائه في السابق. وبالضبط مثلما حصل في خريف 1996، يحصل الآن إزاء سورية. فعندها لم يعرف الإسرائيليون إلى أين ستتجه سورية، فقط تقارير غيل، نقلاً عن لسان "مصدره" الذي قام بتشغيله، كانت مؤشراً لما كان يحصل في دمشق، وهي التقارير التي تبين لاحقاً أنها من محض خياله".
منذ سنوات السبعينيات وحتى بداية التسعينيات كان إسم يهودا غيل رمزاً في الموساد. كان رمزاً للنجاح، ورمزاً للمهنية في مهنة لا يوجد أقدم منها سوى الدعارة. كان ضابط التجنيد (للموساد) الذي لا يشق له غبار. وقالوا عنه في الموساد أنه كان "قادراً على تجنيد الذباب أيضاً".
وساعده في ذلك مظهره الخارجي الذي يشير إلى العم الطيب والودود، بصحة جيدة، مع شارب صغير، ولا يلفت النظر إليه في الشارع أو في القطار أو في المقهى. وينضاف إلى ذلك كله طلاقته في اللغتين الإيطالية والعربية، وتمكنه من اللغة الإسبانية والإنجليزية، فضلاً عن قدرته على بناء علاقات وإنشاء حوار، واتقان "اللعبة".
لم يكن هناك "لاعب" يتقن اللعبة أفضل منه في الموساد في الأيام التي أشرق فيها نجمه. ويقول عنه أحد الذين تدربوا على يديه، وأصبح فيما بعد أحد كبار قادة الموساد:" لقد قرأ كثيراً وعندما تقمص دور شخصية، كان يتقن ذلك لدرجة أنها أصبحت مصدر إزعاج في عمله. فعلى سبيل المثال، عندما يتقمص دور محاضر في البيولوجيا في جامعة أوروبية، فقد كان يتعمق في الموضوع ويقرأ الكثير عنه، لدرجة أنه بات يؤمن بالدور. وكانت قدرته على إثارة الإعجاب فناً".
وفي إطار عمله كمرشد في المركز لتقييم قدرات المتدربين في الشارع، كان يشير غيل إلى رجل جالس في أحد المقاهي، ويطلب منهم مصادقته والحصول على رقم بطاقة اعتماده خلال نصف ساعة. وبينما كان يفشل الجميع، كان باستطاعته تنفيذ ذلك خلال مدة زمنية وصل أقصاها إلى 15 دقيقة!
ويقول عنه عضو الكنيست إيهود ياتوم، رئيس الموساد سابقاً، أن محاضرات الإرشاد التي كان يقدمها كانت مطلوبة في الموساد، وهو بدوره كان "استعراضياً وملموساً ومحط الإعجاب، لقد كان اسمه اسطورياً".
كانت حملات تجنيد جنرالات من دول عربية "مواداً" بيد الفنان غيل. فقد كان جاسوساً من الصنف القديم الذي أخذ بالإنقراض في عالم الإستخبارات العصري.
لقد انضم إلى الموساد في بداية سنوات السبعينيات، وتجلت مواهبه بشكل سريع. وبعد أن أنهى دورة التدريب انضم إلى العمليات. وكان له دور في جمع المعلومات عن الفرن الذري العراقي الذي تم قصفه في العام 1981، وحملة جلب ما يسمى "يهود أثيوبيا" في منتصف سنوات الثمانينيات.
إلا أن عنوان عمله في "المكتب" (كان عملاء الموساد القدامي يطلقون هذا الإسم على الموساد) كان تجنيد مصدر سوري، والذي كان أحد كبار الضباط في الجيش والمقرب إلى المستويات القيادية العليا في دمشق. وقد بدأت لقاءاته مع المسؤول السوري في منتصف سنوات السبعينيات. وفي العام 1978 كتب تقريراً قال فيه أنه تمكن من جعل المسؤول السوري مصدراً للمعلومات. ومنذ ذلك الحين وحتى اعتقاله، في العام 1997، كانت تقارير غيل بعد لقاءاته مع المسؤول السوري المدماك المركزي في تقديرات شعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي بشأن نوايا السوريين تجاه إسرائيل.
ويقول ضابط استخبارات سابق، والذي كان على صلة بالتقارير التي كان تصل من غيل نقلاً عن المصدر السوري، أن التقارير كانت مثيرة وغنية بالتفاصيل. ويضيف:" كنا نعتبر المصدر السوري قيمة استيراتيجية. فالمواد التي كانت تصل تشير إلى أنه على صلة بما يدور في سورية. وكانت المواد التي تصل تبدو موثوقة وتتماشى مع الصورة الإستخبارية العامة".
وفي المحكمة ادعت النيابة العامة أن غيل كان قد أدرك أن دوره على وشك الإنتهاء، ولما لم يزوده المصدر السوري المذكور بالمعلومات، قرر أن "يخترع" هذه المعلومات. وفي هذا السياق يعتقد كبار المسؤولين السابقين في الموساد أن غيل لم يجند المصدر السوري المذكور. وفي أعقاب المحاكمة، أصدر الموساد وثيقة رسمية طلب فيها من جميع العاملين في المكتب قطع علاقاتهم مع غيل.
وعندما كان على وشك الخروج إلى التقاعد، طلب منه الموساد تأهيل شخص آخر ليحل مكانه في لقاءاته مع المصدر السوري، إلا أنه رفض ذلك بشدة. ورفض أيضاً اقتراحاً بضم شخص آخر إليه. وعلل ذلك بأن المصدر لن يتحدث إلى أحد سواه. وواصل غيل علاقاته مع المصدر حتى بعد أن خرج إلى التقاعد في العام 1989.
وبينما كانت الإستخبارات العسكرية تتلقى تقارير غيل، بدأ الموساد بالتشكك، وفي مرحلة معينة طلب رئيس الموساد في حينه، شبتاي شافيط، قطع العلاقات مع غيل، إلا أن إصرار الإستخبارات العسكرية (أمان) جعلت شافيط يتراجع عن قراره. وعندما طلب منه تسجيل إحدى محادثاته مع المصدر السوري، عاد ومعه شريط لم يصدر منه سوى ضجيج الشوارع وتمتمات بكلمات غير مفهومة، وادعى غيل عندها أن آلة التسجيل معطوبة.
وقعت المعلومات كالصدمة على جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد" عندما تبين أن أكبر عملاء إسرائيل خدع "الموساد" لأكثر من 20 عاما من خلال تقارير غير صحيحة ومفبكرة اعتمدها "الموساد" كوقائع مسلم بها حول سوريا.
وكان هذا العميل يقدم تقاريره على أن معلوماته تأتيه من ضابط كبير جدا في سوريا.وكادت المعلومات الخاطئة التي كان يقدمها أن تؤدي إلى إندلاع حرب بين إسرائيل وسوريا في عام 1996 إلا أن هذا العميل والذي يدعى " يهودا غيل" تم اعتقاله بعد أن بدأ الموساد يشك بأن الضابط السوري هو الذي ينتزع المعلومات من غيل وليس العكس.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرنوت عن التفاصيل الكاملة لهذه الواقعة التي استمرت 20 عاما. وتبين أن غيل كان له دور كبير في جمع المعلومات حول الفرن الذري في العراق قبل قصفه في العام 1981، كما كان له دور في استجلاب "الفلاشا- يهود أثيوبيا"، إلا أنه فشل في تجنيد المصدر السوري المذكور، فاضطر إلى فبركة التقارير، الأمر الذي تسبب بأضرار خطيرة لا يمكن تقدير حجمها.
وبحسب الصحيفة فان يهودا غيل يعتبر ضابط جمع معلومات ذو أقدمية ومن أفضل من استخدمتهم الإستخبارات الإسرائيلية في تاريخها. أطلق سراحه من السجن قبل 6 سنوات، وهو جاسوس متقاعد منذ ذلك الحين، ويعتبر نفسه ضحية. وفي المقابل، فإن الغضب والحقد عليه لا يزال يضطرم في المؤسسة التي عمل فيها سنوات طويلة وهي الموساد. وحتى في جنازة صديق غيل وأطلت عليه الصحيفة اسم "أ" قبل سنتين، وعندما تحدث "الأصدقاء" من الموساد عن الميت فوق القبر المفتوح، أحس الجاسوس السابق، يهودا غيل، بالكراهية تخترق جسده كالسكين.
المدعو "أ" رجل الموساد القديم، ضابط جمع معلومات وإرشاد، وصديق غيل. جلس معه سوية في "الكلية"، مركز الإرشاد التابع للموساد. "أ" كان المثقف الجدي، في حين كان غيل الجامع الاستعراضي، والذي استخف بالمتدربين حديثي العهد، وتلذذ بالإحساس بموجات الإعجاب التي كانت تنبعث من ضباط جمع المعلومات المستقبليين.
في شهر آب/أغسطس، قبل سنتين، تلقى غيل اتصالاً هاتفياً من صديق قديم له يخبره أن المدعو "أ" قد توفي. كان ذلك بعد 4 سنوات من خروجه من السجن، بعد أن ضبط وهو يفبرك تقارير أحد المصادر، في قضية هزت منظمة التجسس الإسرائيلية. وهناك من يقول بأنها أكبر من أي قضية أخرى سبقتها، ووضعت علامة سؤال كبيرة حول "موثوقية الموساد". وتحول التقدير الكبير الذي كان يحظى به طيلة السنوات التي عمل فيها في المؤسسة، إلى غضب عارم في تلك الليلة السوداوية التي اعتقل فيها في تشرين ثاني/نوفمبر 1997.
يرتفع علم إسرائيلي كبير على مدخل عائلة غيل في "غديرا"، وذلك كإشارة إلى رغبته في الإنتماء إلى المجموعة التي كان يريد أن ينتمي إليها، ورغبته في أن يكون "مقبولاً" و"محط التقدير"، وإرضاءاً لغريزة حب العظمة التي أسقطته في النهاية. ومنذ أن قدم إلى البلاد من مدينة سرت في وسط ليبيا، حيث كان إسم عائلته "جناح" وهو يحاول الإندماج في "الإسرائيلية الجديدة" وانتشال نفسه من ماضيه، زاعماً أن جذوره إيطالية، ووالده خدم في البحرية الإيطالية..
برز دوماً بجديته، كشاب يتشدد مع نفسه ومع الآخرين، ويتحدث الإيطالية والعربية بمستوى لغة الأم، ويبقي خلفه ذيولاً من القصص جعلت معارفه في حيرة من أمره، وحتى عندما تحول إلى ضابط جمع معلومات أسطوري، ورجل جاسوسية إسرائيلي رابط الجأش، ومجند العملاء الأول للموساد والمهمات الخاصة.
ولدى الإطلاع على قصة العميل غيل، الذي أدين بتهمة الإبلاغ بمعلومات كاذبة على لسان مصدر كبير في سورية، وهي معلومات كادت تؤدي إلى نشوب حرب، يتبين أنه شخصية يكرهها كثيرون، محتقر من قبل عدد كبير من زملائه في الماضي، ولكن في "غديرا"، مكان سكناه، لا يزال يتم التعامل مع هذا المتقاعد بهيبة من كان عميلاً سرياً لا يزال يلف نشاطه الماضي هالة من السرية والتعظيم.
كان غيل الجاسوس الكلاسيكي، وتحدث كثيرون من كبار المسؤولين، كم كان عظيماً، وبنفس الروح يتطاير الشرر غضباً منه. وهناك من ينسب له التوتر مع سورية في خريف 1996، والذي كاد يؤدي إلى حرب. كما أن هناك من يرى في هذا الإدعاء محاولة من الجهاز لتضخيم الأضرار التي تسبب بها. وحتى اليوم، وبعد مرور 10 سنوات على اعتقاله، فإن مجرد ذكر اسمه أمام عناصر الأجهزة الأمنية، لا يبقي أحداً لامبالياً، فقد تمكن من إثارة إعجابهم جميعاً، ثم خيب أملهم.
يقول معدا التقرير:" سافرنا كثيراً في الأسبوعين الأخيرين، وقابلنا كثيرين من أصدقائه وزملائه في السابق. وبالضبط مثلما حصل في خريف 1996، يحصل الآن إزاء سورية. فعندها لم يعرف الإسرائيليون إلى أين ستتجه سورية، فقط تقارير غيل، نقلاً عن لسان "مصدره" الذي قام بتشغيله، كانت مؤشراً لما كان يحصل في دمشق، وهي التقارير التي تبين لاحقاً أنها من محض خياله".
منذ سنوات السبعينيات وحتى بداية التسعينيات كان إسم يهودا غيل رمزاً في الموساد. كان رمزاً للنجاح، ورمزاً للمهنية في مهنة لا يوجد أقدم منها سوى الدعارة. كان ضابط التجنيد (للموساد) الذي لا يشق له غبار. وقالوا عنه في الموساد أنه كان "قادراً على تجنيد الذباب أيضاً".
وساعده في ذلك مظهره الخارجي الذي يشير إلى العم الطيب والودود، بصحة جيدة، مع شارب صغير، ولا يلفت النظر إليه في الشارع أو في القطار أو في المقهى. وينضاف إلى ذلك كله طلاقته في اللغتين الإيطالية والعربية، وتمكنه من اللغة الإسبانية والإنجليزية، فضلاً عن قدرته على بناء علاقات وإنشاء حوار، واتقان "اللعبة".
لم يكن هناك "لاعب" يتقن اللعبة أفضل منه في الموساد في الأيام التي أشرق فيها نجمه. ويقول عنه أحد الذين تدربوا على يديه، وأصبح فيما بعد أحد كبار قادة الموساد:" لقد قرأ كثيراً وعندما تقمص دور شخصية، كان يتقن ذلك لدرجة أنها أصبحت مصدر إزعاج في عمله. فعلى سبيل المثال، عندما يتقمص دور محاضر في البيولوجيا في جامعة أوروبية، فقد كان يتعمق في الموضوع ويقرأ الكثير عنه، لدرجة أنه بات يؤمن بالدور. وكانت قدرته على إثارة الإعجاب فناً".
وفي إطار عمله كمرشد في المركز لتقييم قدرات المتدربين في الشارع، كان يشير غيل إلى رجل جالس في أحد المقاهي، ويطلب منهم مصادقته والحصول على رقم بطاقة اعتماده خلال نصف ساعة. وبينما كان يفشل الجميع، كان باستطاعته تنفيذ ذلك خلال مدة زمنية وصل أقصاها إلى 15 دقيقة!
ويقول عنه عضو الكنيست إيهود ياتوم، رئيس الموساد سابقاً، أن محاضرات الإرشاد التي كان يقدمها كانت مطلوبة في الموساد، وهو بدوره كان "استعراضياً وملموساً ومحط الإعجاب، لقد كان اسمه اسطورياً".
كانت حملات تجنيد جنرالات من دول عربية "مواداً" بيد الفنان غيل. فقد كان جاسوساً من الصنف القديم الذي أخذ بالإنقراض في عالم الإستخبارات العصري.
لقد انضم إلى الموساد في بداية سنوات السبعينيات، وتجلت مواهبه بشكل سريع. وبعد أن أنهى دورة التدريب انضم إلى العمليات. وكان له دور في جمع المعلومات عن الفرن الذري العراقي الذي تم قصفه في العام 1981، وحملة جلب ما يسمى "يهود أثيوبيا" في منتصف سنوات الثمانينيات.
إلا أن عنوان عمله في "المكتب" (كان عملاء الموساد القدامي يطلقون هذا الإسم على الموساد) كان تجنيد مصدر سوري، والذي كان أحد كبار الضباط في الجيش والمقرب إلى المستويات القيادية العليا في دمشق. وقد بدأت لقاءاته مع المسؤول السوري في منتصف سنوات السبعينيات. وفي العام 1978 كتب تقريراً قال فيه أنه تمكن من جعل المسؤول السوري مصدراً للمعلومات. ومنذ ذلك الحين وحتى اعتقاله، في العام 1997، كانت تقارير غيل بعد لقاءاته مع المسؤول السوري المدماك المركزي في تقديرات شعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي بشأن نوايا السوريين تجاه إسرائيل.
ويقول ضابط استخبارات سابق، والذي كان على صلة بالتقارير التي كان تصل من غيل نقلاً عن المصدر السوري، أن التقارير كانت مثيرة وغنية بالتفاصيل. ويضيف:" كنا نعتبر المصدر السوري قيمة استيراتيجية. فالمواد التي كانت تصل تشير إلى أنه على صلة بما يدور في سورية. وكانت المواد التي تصل تبدو موثوقة وتتماشى مع الصورة الإستخبارية العامة".
وفي المحكمة ادعت النيابة العامة أن غيل كان قد أدرك أن دوره على وشك الإنتهاء، ولما لم يزوده المصدر السوري المذكور بالمعلومات، قرر أن "يخترع" هذه المعلومات. وفي هذا السياق يعتقد كبار المسؤولين السابقين في الموساد أن غيل لم يجند المصدر السوري المذكور. وفي أعقاب المحاكمة، أصدر الموساد وثيقة رسمية طلب فيها من جميع العاملين في المكتب قطع علاقاتهم مع غيل.
وعندما كان على وشك الخروج إلى التقاعد، طلب منه الموساد تأهيل شخص آخر ليحل مكانه في لقاءاته مع المصدر السوري، إلا أنه رفض ذلك بشدة. ورفض أيضاً اقتراحاً بضم شخص آخر إليه. وعلل ذلك بأن المصدر لن يتحدث إلى أحد سواه. وواصل غيل علاقاته مع المصدر حتى بعد أن خرج إلى التقاعد في العام 1989.
وبينما كانت الإستخبارات العسكرية تتلقى تقارير غيل، بدأ الموساد بالتشكك، وفي مرحلة معينة طلب رئيس الموساد في حينه، شبتاي شافيط، قطع العلاقات مع غيل، إلا أن إصرار الإستخبارات العسكرية (أمان) جعلت شافيط يتراجع عن قراره. وعندما طلب منه تسجيل إحدى محادثاته مع المصدر السوري، عاد ومعه شريط لم يصدر منه سوى ضجيج الشوارع وتمتمات بكلمات غير مفهومة، وادعى غيل عندها أن آلة التسجيل معطوبة.