المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في الجنوب اللبناني هدوء مريب وفوضى تعويضات وطفرة قوات دولية



زوربا
09-29-2006, 04:32 PM
بنت جبيل (جنوب لبنان) - حازم الأمين الحياة - 29/09/06//


يجهد الجنوبيون اللبنانيون في إزالة ركام منازلهم المدمرة بسرعة لافتة. ربما كان ثمة من يدفعهم الى ذلك خصوصاً ان استحقاقات ما بعد ازالة الركام لم تحن بعد. اعادة البناء خطوة مرتبطة بتعويضات غير تلك التي تقاضوها من الحزب. لكن وعلى رغم ذلك، ثمة رغبة واضحة بأزالة الركام. يمكنك ملاحظة ذلك في بنت جبيل وصديقين والخيام وعيتا الشعب والكثير من القرى التي دمرت كلياً او جزئياً. ويمكنك ايضاً ملاحظة غياب مدوٍ للدولة اللبنانية وهيئاتها في مقابل حضور «حزب ال»له واجهزته وهيئاته. مجلس الجنوب مثلاً حاضر في عملية مسح الأضرار وتدوينها ولكنه هناك في الجنوب ليس الدولة على رغم انه مؤسسة حكومية انه حركة «أمل» على هذا النحو يفهم الجنوبيون مجلس الجنوب ويرون دوره. إذا نجح هذا الأخير في شيء نجحت الحركة فيه واذا فشل فشلت هي.

يقول علي ان الجيش اللبناني وصل الى الجنوب منهكاً وضعيفاً ولهذا فهو لم يستثر المشاعر المؤيدة او الخائفة. في بلدته القريبة من شبعا تمركز احد عشر جندياً في اسفل تلة يتمركز على رأسها الأسرائيليون. يؤكد علي ان الجنود خائفون وان سلاحهم لا يشكل رادعاً للإسرائيليين على تلك التلة. يحب علي الجيش او هو يشفق عليه وفي مقابل ذلك يقدر قوة «حزب الله» ويخاف منها في آن. يتحدث عن قدرات مخبأة تحت الأرض وعن مقاتلين يترقبون ما يجرى حولهم. اما القوات الدولية فيقول ان الجنوبيين سبق ان اختبروا علاقتهم بهذا في السابق وهي لم تكن علاقة سلبية على كل حال ولكن ذلك مرتبط بـ «حزب الله» ايضاً ولا شيء نهائياً.

في بنت جبيل رفع الكثير من الأنقاض. الطريق المؤدي الى السوق يطل على منحدر فيه الكثير من المنازل المدمرة. ثمة مدرسة انهار جدارها فأنكشفت غرف التدريس للعابرين على طريق السوق. طاولات الطلاب لم تهو على رغم انهيار الجدران. الركام ازيل والطاولات المبعثرة بقيت غير منسجمة مع شكل البناء العاري.

سيارات كثيرة تعبر محملة بالحديد، ويقول أحد السكان ان سائقيها يضعون في سياراتهم آلات قطع الحديد وهم يجمعون كميات منه ويبيعونها لمصانع الصهر.

بالنسبة الى حسن الصحافي المحلي الذي يراسل وكالة اخبار أجنبية، فإن الخبر اليوم في الجنوب هو انتظار الناس التعويضات والصورة هي صورة القوات الدولية التي يصل عناصرها تباعاً بحسب جنسياتهم. صور هؤلاء ضرورة لأن بلادهم وصحفهم تنتظر صور وصولهم الى قرى الجنوب بعد ان ودعتهم على مرافئها. الآليات التي يهرع حسن لالتقاط صورها تعبر الطرق بين القرى متباطئة، فيما الجنود فيها يبدون باردي الهمم وحائرين بما يفعلونه في تلك القرى. الإسبان في مرجعيون والفرنسيون في ديركيفا والإيطاليون في صور. وحسن يتخيل كل يوم ان الصور التي يلتقطها ستذهب الى بلاد هؤلاء وستنشرها الصحف هناك ويقول انه يتمنى ان يحصل على بعض تلك الصحف ليضعها في أرشيفه هو الذي يفقد عمله كلما استقر الوضع في الجنوب سنوات قليلة.

القوات الدولية اشعلت مخيلة كثيرين في الجنوب اللبناني. بعضهم يأمل في ان تساهم في انعاش الوضع الاقتصادي عبر تحولها الى قوة مستهلكة في اسواق الجنوبيين وبعضهم الآخر يأمل في ان يتحول الجنوب الى منطقة تهتم بها دول تلك القوات ومجتمعاتها وصحفها ووسائل اعلامها وربما شعر بعضهم أيضاً بأن مجيئها سيفتح افق «الجهاد» على مناطق جديدة واخريات رأين في الجنود الأوروبيين فرساناً محتملين. لكن الجنوبيين يشعرون بأن ثمة قادماً جديداً ربما حمل اليهم اوضاعاً مختلفة هم عاجزون عن توقعها.

يقول علي ان الأوضاع في بلدته هادئة الى حد الريبة. يحاول ان يقول ان الحرب التي انتهت اعقبها صمت لا يستطيع الجنوبيون تحمله. «حزب الله» بالنسبة اليهم قوة مرئية وغير مرئية. وزع تعويضات وترافق معها كلام كثير غالباً ما يرافق خطوة توزيع التعويضات. عدنان يقول وبشيء من السخرية ان اقتصاد المنطقة الحدودية صار قائماً على معادلة التعويضات التي تعقب كل عملية اسرائيلية وان ثمة من يستثمر معتمداً على توقعاته في العدوان المقبل.

ويشير حسن الى ان «حزب الله» لا يجيد فن توزيع التعويضات كما تجيده حركة «أمل» التي احترفت التوزيع من خلال مجلس الجنوب الذي صار في عهدتها منذ اكثر من 20 سنة. كما يشير الى احتمال ان يلزم الحزب اعادة بناء الكثير من القرى الى الحركة نظراً الى اكتشافه ان لهذا النوع من العلاقات بالناس أثماناً لا يرغب هو في دفعها. ثم ان الحزب أوكل ايضاً الى حليفه المسيحي اي «التيار الوطني الحر» أمر توزيع التعويضات على القرى والمناطق المسيحية المتضررة.

الكثير من جوانب عملية التعويض وإعادة البناء ما زالت غير واضحة للجنوبيين. أن تقرر قطر مثلاً اعادة بناء بلدة بنت جبيل فهل يعني ذلك ان تتم العملية من خلال التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والقطرية؟ أم إن الأخيرة ستتولى مباشرة الإشراف على عملية الاعمار تلك؟ ام ان الحكومة القطرية ستقيم علاقة مع القوى الموجودة في الجنوب اي حركة «أمل» و «حزب الله»؟.

وللاحتمالات الثلاثة وجوه ونتائج متباينة. لقطر علاقة متينة مع «حزب الله» وهي راغبة على ما يبدو في ان يتم البناء من خلاله والحكومة اللبنانية ضعيفة الى حد يمكن دولة صغيرة كقطر من تجاوزها وإقامة علاقة مباشرة مع حزب او جماعة فيها.

بنت جبيل عينة عما يجري في الكثير من المناطق الجنوبية. مؤسسة «جهاد البناء» التابعة لـ «حزب الله» معنية بمسألة اعادة اعمارها والدولة معنية ايضاً من خلال حركة «أمل» او مجلس الجنوب. «جهاد البناء» ترى ان تراعى في عملية اعادة البناء شروط جديدة مثل توسيع الطرق الداخلية وتغيير حقوق الأستثمار بينما يرى مجلس الجنوب ونواب من حركة «أمل» ان يعطى الناس تعويضات ويتولوا هم اعادة بناء منازلهم.

قطر ممول المشروع وهي لم تحدد، بحسب احد ابناء بنت جبيل، موقفها وتحاول الموازنة بين علاقتها بالحزب وبين رغبتها بعدم تخطي الدولة ممثلة بمجلس الجنوب. هذه الوقائع ستواجه قرى أعلنت دول مثل سورية واليمن إعادة بنائها أيضاً.

صعوبات كثيرة، يشعر بها زائر المناطق الجنوبية، تحول دون وصول الدولة وتوليها عملية اعادة البناء كخطوة اولى بأتجاه بناء الثقة بينها وبين المواطنين الجنوبيين. حركة «أمل» ومجلس الجنوب هما القناة الأساسية لهذه العودة ولكنهما قناة اهلية ايضاً. فالمدرسة حين يبنيها مجلس الجنوب تكون حركة «أمل» هي من بناها. الدولة هنا وسيط ضعيف. وعندما أعيدت الكهرباء والمياه سريعاً الى الكثير من القرى المدمرة والمتضررة في الجنوب فسر كثيرون ذلك بأنه عائد الى همة الوزير محمد فنيش وهو ممثل «حزب الله» في الحكومة وليس الى رغبة الدولة في تأمين شروط العودة الى القرى.

الدولة في عرف الجنوبيين ليست كائناً قانونياً مستقلاً عن القوى الأهلية وقد تم تكريس هذه القناعة عبر ممارسة استمرت عشرات السنين. واذا كان الجيش اللبناني هو احد تعبيرات الدولة بمعزل عن ذلك الفهم اي انه جهاز دولتي اكثر استقلالاً عن البنى الأهلية فهو وصل الى الجنوب ضعيفاً وتسبقه الشروط والحدود المفترضة لنشاطه ودوره وهو وان لم يستدع مخاوف منه لكنه استدعى خوفاً عليه.

فصل الشتاء يقترب والكثيرون من الجنوبيين بلا منازل. كثيرون تقاضوا تعويضات من «حزب الله» لأستئجار منازل وشراء «أثاث لائق». الأرجح ان كثيرين اختاروا مغادرة قراهم وآخرين عادوا اليها بانتظار حصولهم على تعويضات تسمح بالانتقال خصوصاً ان الوضع الأمني شديد الغموض وان الهدوء الحالي ولد ريبة لدى كثيرين.