المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كتاب جديد ......سنوات صدام .. الغول الذي صنعه الغرب فــي قفــص الاتهــام



سمير
09-29-2006, 03:05 PM
ترجمة: صافي الياسري

عن التايمز اللندنية

كتاب (سنوات صدام: شهادة مترجم الرئيس المخلوع) كان متوقعاً له ان يحظى بما حظي به من اهتمام بالغ اعلامياً في فرنسا واوروبا وفي الولايات المتحدة الاميركية نفسها، حيث صرحت المستشارة الاعلامية للسفارة الاميركية في باريس عن اعجابها بشجاعة الصحفيين (كريستيان شيسنو) و(جورج مالبرونو) اللذين استجوبا بدقة متناهية سامان عبد المجيد، المترجم الخاص للرئيس العراقي المخلوع ليخرجا الى العالم هذه الشهادة الجديدة في كتاب مثير عن رجل وعن نظام قيل فيهما الكثير، والكتاب عند نشره وصل بسرعة مدهشة الى الملايين من القراء في اوروبا، وصدرت بنفس السرعة طبعتاه الالمانية والروسية، وببساطة راجت الحكاية بين اكثر من ربع سكان الكرة الارضية.

وسنوات صدام ليس في الحقيقة شهادة شاهد عيان، حتى لو كان المصدر الرئيس لتلك المعلومات هو المترجم الخاص للرئيس العراقي المخلوع الذي لم يكن مطلوباً من قبل الاميركان، مع ان الذي كانوا مقربين من الرئيس المخلوع طلبوا بموجب قانون الطوارئ العسكري على الطريقة الاميركية، حتى طباخ الرئيس للاستجواب، وكان اسمه مدرجاً ضمن ما سمي بالقائمة الصغيرة التي كانت تضم ايضاً اسماء السائقين والمشرفين حتى على التنظيف في قصور الرئاسة، الا المترجم الخاص للمخلوع فقد ظل منسياً، بل انه وبمجرد انهيار النظام غادر الى الخارج واستفاد من عمله في احدى القنوات الفضائية واستغل نسيانه من قبل الجميع قبل ان يعود الى السطح من جديد باعترافات نقلها عنه الصحفيان الفرنسيان اللذان ذكرناهما آنفاً.

صدام حسين من هو ؟

اولاً- يتساءل الكتاب عمن هو صدام حسين؟ ذلك السؤال الذي حير الكثيرين، ربما لأنه بقدر ما بدا للعالم بصورته الكارزماتية، ظهر ايضاً معقداً حد الجنون، ولعل الوجه الاغرب في الحكاية هو التقارب بين خطة التنسيق الاميركية والرئيس العراقي، يوم كان نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية، أي قبل فترة من المسرحية التي برع صدام حسين في كتابتها واخراجها والتي ادت الى عملية تصفية كل الاسماء المهمة من مجلس قيادة الثورة (المنحل) بمن فيهم ابن خاله، كانت تلك المحاكمة بمثابة الوجه الحقيقي لرجل متلون حسب المرحلة، وحسب الحركات السياسية الداخلية التي كانت فيها المعارضة عملاً سرياً غاية في الخطورة لهذا كانت الطريقة الافضل للوصول ليس الى السلطة فقط بل الى القيادة والزعامة والقوة في آن واحد، كانت محاكمة اعضاء مجلس قيادة الثورة منقولة بطريقة ما الى العراقيين الذين اذهلهم بطش الرجل الذي باشارة من ابهامه كانت الرؤوس تطير،

لانها ارتبطت بذاكرتهم الحية ولأن القتل ظل مستمراً كوسيلة من وسائل الصيرورة لنظام عامل الناس بحد السيف، قبل بداية كل الحساسيات الاميركية المضادة للنظام العراقي المخلوع، وكان الاميركان انفسهم يعدون صدام حسين صديقاً مخلصاً، فقد كان يحقق الرغبات الاميركية في المنطقة، وبخاصة من خلال الحرب على ايران التي من خلالها اكتشف الاميركان براعة المنظومة العسكرية العراقية المستفيدة لوجستيكياً من اميركا، لهذا فان الذين كانوا يشعرون بالفخر بالعراق هم الذين اوصلوا صدام الى الحكم في اعنف عملية انقلابية ذهب ضحيتها الجنرال عبد الكريم قاسم، ويومها كان صدام طالباً في كلية الحقوق، وكان ابعد ما يكون عن القدرة على الوصول الى شيء، أي شيء، لولا الدعم الذي اوصله اليه وللعديد من العناصر العراقية التي أسست في السر تنظيماً سياسياً وعسكرياً لمقاومة الشيوعيين الذين اوصلهم الجنرال عبد الكريم قاسم الى مناصب حساسة في العراق، كانت الضربة تستدعي البحث عن اشخاص كاميكازيين (انتحاريين) بامكانهم التضحية بأي شيء، ليس للقضاء على نظام عبد الكريم قاسم فقط بل للاستحواذ على السلطة المطلقة ايضاً.
البديل الافضل

الاميركان عرفوا ذلك بمجرد التقائهم عدداً من الشخصيات العراقية ومن بينهم صدام (ولم يكن يومها يتجاوز الـ22 سنة) ويضيف مؤلف الكتاب: ان مكتب الاستخبارات المركزية الاميركية تورط حتى العنق في العملية الانقلابية التي اطاحت بالجنرال قاسم، والتي فتحت المجال للبحث عن البديل المثالي لوضعه في السلطة، وكان صدام افضل بديل بالنسبة للاميركان، لكن الامور لم تكن جيدة دائماً كما يقول الكتاب، فقد حدثت اشياء كثيرة اهمها القدرة العجيبة التي كان يتمتع بها الرئيس المخلوع لخلط الاوراق، كان صدام يريد شيئاً واحداً من الاميركان، هو ان تكون له الصلاحية المطلقة لفعل أي شيء وقتما يشاء، وكيفما يشاء وكانت تلك الصلاحية ترتكز في الاساس على رغبته في السيطرة على جيرانه عبر تخويفهم من جهة ومن جهة اخرى على مساومتهم والعمل على اثارة الخطر من حولهم، تلك الطريقة ارضت الاميركان كثيراً، فهم كانوا على هذا يعتبرون الرئيس العراقي المخلوع اشبه بفزاعة وضعوها في المنطقة، كان الغزو العراقي للكويت اكثر من خطأ فادح، بموجبه كان جورج بوش الاب قادراً على القضاء على النظام العراقي لكنه لم يفعل، لماذا؟

لانه كان يريد حرباً اخرى تعطي الاميركان فرصة اكبر للقضاء على انظمة المنطقة بطريقة يختارها الاميركان وليس صدام حسين، يقول سامان عبد المجيد: لا يمكنك ان تسأل من هو صدام حسين، ولكن بامكانك ان تسأل كيف كان يتصرف، لانه ليس من الدقة الحديث عنه كما لو كان شخصاً ميتافيزيقياً او خرافياً، كان شخصاً حياً وكان يريد ان يبقى حياً الى الابد، او مخلد الذكرى، وقد اعتبر نفسه على حق دائماً، ولم يكن يحب ان يتكلم شخص في حضوره من دون ان يعطيه الاذن بالكلام، حتى لو اضطر ذلك الشخص الى الانتظار ساعة كاملة بصمت ومن دون حراك، كان صدام يراقب بعينيه الثاقبتين كل ما حوله، وربما كان يتصرف بحزم اقل في حضور الاجانب، سواء اكانوا سياسيين او شخصيات عامة، لكنه في العموم كان يكره ان يتكلم شخص قبله الا انه حين كان يأذن بالكلام لاحدهم، كان يصغي اليه بكل اهتمام ولا يقاطعه الا نادراً، وكان حين يقاطعه فلكي يعلق بشيء من الخشونة الشديدة وقبل ان اصبح مترجمه الخاص كنت اسمع الكثير من الحكايات التي ربما لم تكن تصدق أول وهلة، سمعت مثلاً ان صدام كاد يطلق النار من مسدسه الشخصي على سائقه السابق (عنتر زعران) لأن هذا الاخير قاطعه في اثناء الحديث، كنت اعتبر مثل هذه الحكايات جزءاً من (البروبوغاندا) التي تشبه في بعض الحالات حزاماً واقياً من التمرد، فالرعب كان جزءاً من عملية الامن التي كانت سلوكاً مرتبطاً بلا شك بنظام صدام حسين نفسه.

الغول الابن (عدي)

يحكي سامان عبد المجيد في فصل آخر بعنوان (في خدمة عدي رغماً عني) عن الابن الاكبر عدي، الغول الذي صنعه الاب صدام، لارعاب الجميع، وانه كان يحلم به رئيساً من بعده على الرغم من كل المساوئ التي كان يعرفها عنه، والتي يكفي لحرمانه من مجرد التفكير به كرئيس دولة، صحيح انه ليس من الممكن القول ان صدام كان يعارض تصرفات ابنه، فقد كان يحبه كثيراً ويصر على ان شجاعة المرء يجب ان تكون نسخة من جرأته، وكان عدي يعرف ان قوته تكمن في سلطة ابيه اولاً، وفي سلطته هو ثانياً، فالجميع كانوا يعرفون ان عدي هو الشخص الثاني في العراق، وقد استطاع ان يصنع بطرقه الخاصة دولة داخل دولة، صنع امبراطوريته المالية من المساومة ومن المتاجرة بالنفط والسلاح، وبكل ما يخطر لك على بال، هذا النفوذ المالي الرهيب، صنع منه دولة اسمها (عدي) بكل تفاصيلها المرعبة، فكان بذلك يتحدى والده لكي يكون جريئاً، ولكي يقطع الطريق امام اية فرصة قد تأتي لأخيه الاصغر الذي عرف بالانعزال، بالرغم من انه لم يكن اقل قسوة من اخيه الاكبر عدي لكن حادثة الضربة القاضية ضد عدي حولته الى شخص مقعد لا قيمة له وزادته عدوانية وغيظاً وحنقاً على الناس، تلك الحادثة غيرت كل شيء، فأول مرة اكتشف صدام ان التهديد لا يقتصر على الخارج، ولا على الجهات المعارضة،

بل من العائلة نفسها، كان يعرف جيداً ان ابنه تجاوز كل الخطوط الحمر، وفي (ليلة الحادث) قال.. (عدي يستحق الموت) كان غاضباً ومصدوماً الى اكبر حد. العجز الذي اصاب عدي بعد الحادث اعطى الفرصة لاخيه الاصغر الذي استطاع ان يتقرب الى والده اكثر فاكثر، كان عدي وقتها كالمجنون، وكان الاطباء يأتون من كل بقاع الدنيا، لكن الاطباء الاختصاصيين من فرنسا والمانيا استطاعوا تاكيد عودته الى المشي وليس الى السياسة، فقد كانت صحته في تدهور ومزاجه يزداد فظاعة.

كانت حياة عدي فارغة، محاطاً بكل الاطباء والممرضين والاصدقاء الذين ادخل بعضهم الى السجن لاسباب غامضة، والبعض كان عليه ان يؤدي دور المهرج لتسليته، فقد كان الجميع يعي انه مختل لا يمكن التعايش معه، رجل لا يمكنه العيش من دون اثارة الضغائن من حوله، فقد كان عدي كما عرفته شخصياً غير متوازن نفسياً، شكاكاً، يعتبر الحياة حرباً مستمرة تتحدد متعتها على عدد الاعداء الذين يصنعهم يومياً والذين كانوا يكنون له الكراهية، وربما يحلمون بيوم ينتقمون منه فيه.

هدايا بالملايين

ويستعرض الكتاب الاسلوب الذي كان يتعامل به الرئيس العراقي المخلوع مع زعماء الدول الافريقية والاسيوية، كان سخياً جداً لانه كان يريد ان يكون هؤلاء حلفاء له يحققون له حلم القيادة التي تعني خلق مسار احادي الاتجاه، تشكل بموجبه، وعبره، العلاقات الاستراتيجية المستقبلية (في حالة الحرب) التي كان يطمح إلى ان تكون تجسيداً لفكرة التحالف من منظوره، ويقول سامان عبد المجيد في هذا الفصل:-
في سنوات السبعينيات بدأ صدام حسين يصنع زبائن من القارة الافريقية السمراء، بنسبة من ايرادات النفط كانت تصرف على تلك الدول النامية تحت غطاء المساعدات المباشرة، او استثمارات عراقية مغرية، اذكر انه ذات مرة، بينما كان ينهي لقاءاً مع رئيس دولة افريقية وضع صدام يده على كتفي وقال لضيفه الافريقي :

-اليوم سيسلمك هذا الرجل مليون دولار!

كنت مذهولاً من معرفة ان الرئيس يوزع مبالغ بهذا الحجم كأنه يترك بقشيشاً لنادل في المطعم! في اليوم التالي رافق صدام بنفسه ضيفه الافريقي الى المطار وكان صدام يقود السيارة بنفسه، شكره الضيف الافريقي بحرارة على هديته القيمة فرد عليه صدام- هذا لا شيء، سيكون مثل هذا المبلغ لك ولا هلك سنوياً- زعماء افارقة واسيويون كانوا يحصلون على مثل هذه الهدايا.

كان صدام يحب ان يبدو سخياً امام زعماء دول العالم الثالث كي يكونوا في النهاية جزءاً من ايديولوجية السياسة التي كان يسعى من خلالها الى فرض قيادة واسعة، ليس هذا وحسب، بل ان الكرم كان يحظى به القريبون منه مثل طارق عزيز وطه ياسين رمضان، وهذان الاخيران كانا يملكان حق التصرف بنسبة من البراميل التي كانوا يبيعونها الى دول افريقية واسيوية واوروبية بمعدل 12 دولاراً للبرميل الواحد كي يبيعها المشتري بما قيمته 28 الى 30 دولاراً للبرميل فيقتسم معه الارباح، الاصدقاء كانوا يستفيدون من الشيء نفسه تقريباً، فكانوا يربحون ثروات طائلة بهذه العملية.

الاصدقاء الفرنسيون

في اذار 1998 حضرت اللقاء المكهرب بين صدام حسين وبرتران دوفورك، المبعوث الشخصي للرئيس الفرنسي جاك شيراك، كان صدام ينتظرنا في مدينة تكريت حيث فوجئت بكونه لم يقم باي استقبالات خاصة أو رسمية للوفد القادم كما هو معمول به بروتوكولياً في مثل هذه اللقاءات المهمة، كنا مدعوين الى الدخول مباشرة الى قاعة شاسعة مكيفة وشبه خالية من الاثاث، فلم تكن تلك القاعة تضم اكثر من اربعة كراسي للجلوس، لفت انتباهي ايضاً، الرئيس الذي دخل علينا يومها وهو يرتدي العباءة العربية السوداء، وعندما يلبس صدام العباءة فان ذلك له معانيه الكثيرة، قال باختصار –اجلسوا- وعندها عرفنا جميعاً ان اللقاء سيكون مكهرباً وقبل ان يتم احضار الشاي، كان صدام قد علم بمحتوى الرسالة التي نقلها اليه برتران دوفورك من الرئيس الفرنسي، قال اخيراً تعليقاً على هذه الرسالة –علي ان اخبركم انني اشعر بالخيبة من رئيسكم بهذه اللهجة، نحن دولة عمرها قرون عديدة من تاريخ وحضارة، نحن من علم العالم كيف يقرأ وكيف يكتب، اول قانون حضاري وضعه العراقيون القدامى على يد حمورابي، واعتبر انه من غير المقبول ان يأتي شخص لاعطائنا دروساً بهذا الشكل المهين.

كان الكلام كله يعبر عن حالته النفسية وعن الغضب الشديد الذي حاول كبحه بابتسامة لم تكن الا لتزيد من كهربة الجو، كان الوفد الفرنسي محرجاً وقد عاد في اليوم نفسه الى بلده من دون حتى انتظار الاجتماع باعضاء من (البرلمان العراقي) كما كان مقرراً من قبل.

صدام يأمر بقصف بغداد

يقول سامان عبد المجيد في كتابه هذا ايضاً - ان الخطة كانت شبه جنونية، لمنع تقدم الاميركان الى العاصمة بغداد فقد كلف صدام حسين شخصياً، الجنرال ماهر سفيان التكريتي باطلاق صواريخ على العاصمة العراقية حتى لو استدعى ذلك قتل مدنيين عراقيين، فقد كان المهم هو ارباك الاميركان وتخويفهم من فكرة الدخول الى بغداد، الجنرال الذي رفض تنفيذ الاوامر، اعلن لبعض اقربائه انه فعل ذلك كي لا يتسبب في قتل العراقيين، وقد اختفى بعد ذلك، وكان سهلاً على العراقيين ان يضعوا الجنرال ماهر في صف الطابور الخامس، وكان الدليل واضحاً، وهو عدم ادراج اسمه في قائمة المطلوبين مع انه كان متورطاً شخصياً في العديد من الجرائم، زد على ذلك ان بيته ظل سالماً وكذلك بيوت اقربائه، ناهيك عن ان الاميركان كادوا ان يصرحوا باسمه حين ارادوا التأكيد على ان عدداً من العراقيين من داخل النظام ساهموا في اسقاطه.

كتاب سامان عبد المجيد هذا اوضح خطوطاً عميقة في شخصية صدام حسين وتاريخه ظلت خافية على الكثيرين وجاءت على لسان احد المقربين منه لتثبت مصداقيتها، وقد عرف العالم حقيقة هذه الشخصية ويقول كل من قرأ هذا الكتاب، اليوم وهو ينظر الى الاعيب صدام في المحكمة، انه شخصية كارتونية ونمر من ورق، وانه شرير وسريع التلون.