المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مغامرة العرب بعد ربع قرن: معركة جديدة في... خورمشهر!



مقاتل
09-28-2006, 04:53 PM
خليل حرب - السفير اللبنانية


تتوالى جلسات محاكمة صدام حسين، حتى باتت تسلية يومية للمواطن العربي كالمسلسلات التلفزيونية الرمضانية.

تطورت الإثارة تدريجيا. تقدمت جلسات المحاكمة في قضية الدجيل، وعندما بدأت تظهر علامات فتور المشاهدين، تم استبدال القاضي الاكثر اتزانا بقاض مشاكس. تكرر سيناريو الاستبدال هذا في جلسات قضية الأنفال التي بدأت تعقد فيما القضية الاولى ما زالت مفتوحة. فالمطلوب خلق اقصى درجات الاثارة الممكنة. والذروة ربما كانت قبل يومين بعدما طرد القاضي الجديد صدام حسين للمرة الثالثة على التوالي.
لم يعد غريبا ان تسمع بعض من كانوا يحتقرون صدام خلال سنوات حكمه، يظهرون تعاطفا معه، لا بسبب إشفاقهم عليه لما يجري خلال جلسات المحاكمتين، بل لان العراق لم يكن بمثل هذا التخبط الدموي حتى في عز ايام صدام القمعية.

وصدام ليس اغلى من أي عراقي يتناثر اشلاء بانفجار انتحاري او سيارة مفخخة فيما يقبع الحكام الجدد، في المنطقة الخضراء المحصنة، أو في ثكنات الاحتلال.
ولهذا، فإن القضية ليست هنا. ليست في تعاطف بعض المشاهدين العرب مع مسلسل <كريم قوم ذل>. القضية أن بعض الزعماء العرب الذين شاركوا في الحرب التي ادت الى احتلال العراق وإسقاط صدام ومحاكمته، يظهرون الآن حنينا عجيبا وتوقا غريبا لظهور صدام حسين الجديد.

هؤلاء هم ذاتهم كانوا سابقا من المهللين لحرب صدام على ايران، والمشجعين بالاموال والسلاح بسخاء لمن كان يوصف تمجيدا قبل اكثر من ربع قرن بأنه المدافع عن الجبهة الشرقية ضد الخطر الفارسي. هل من حاجة الى التذكير بأنها الحرب الاكثر عبثية في تاريخ العرب والمسلمين.

مستخدمو تعبير <المغامرة> حول أسر الجنديين في الجنوب، كانوا هم ذاتهم شركاء في فاجعة الغوص في مستنقعات شط العرب والمدن الايرانية التي صرفت انظار ملايين العرب والمسلمين عن الجبهة الغربية: إسرائيل. تلك، الحرب ضد الفرس، خدمت الانظمة ذاتها بتشتيت الاهتمام عن القضية الام، فلسطين. تلك الحرب اهلكت مليون انسان. تلك <المغامرة> شاركت فيها هذه الانظمة العربية ذاتها، وبرحابة صدر، انفقت عليها مئات المليارات من الدولارات. قال بعض العرب لاحقا إن إيران ظلمت فيها، وإن صدام بعد غزوه إيران والكويت وسقوط بلاده محتلة، كان المذنب فيها.

استغرق الامر ربع قرن لمراجعة الذات، وليكتشفوا ان صدام كان مجرما. هؤلاء هم ذاتهم، من يصدقهم الآن بعدما تحدثوا عن <مغامرة> حزب الله ويلهثون هذه الايام بحثا عن صدام حسين الجديد؟.
هؤلاء بخليط من الدوافع والهواجس، المذهبية والسياسية والعقائدية، التي تخدم الانظمة ذاتها، والحليف الاميركي المتحرق شوقا لاستقرارنا، بدأوا يلفتون انظار شعوبهم مجددا الى ان امامنا معركة جديدة على <الجبهة الشرقية>.

ملوك ورؤساء وزعماء وسياسيون وصحافيون ومحللون من مصر الى السعودية وصولا الى الاردن وغيرها. تتعالى الصيحات: هل من مبارز؟. تردفها أصوات لبنانية كانت احترفت المعارك العبثية خلال الحرب الاهلية، أصبحت غيرتها المستجدة على سيادتها اللبنانية، تستفزها للخروج، لا إلى ملاقاة عدوها على مرمى حجر منها، في بنت جبيل ومارون الراس، بل الى الجبهة الايرانية.

بوش يخطط للحرب ويعطي تعليماته لزعماء <الدول العربية المعتدلة> للاصطفاف استعدادا لها، وسيقدم رشوة فلسطينية لشعوبهم. بلير يريد ان يفعل شيئا لفلسطين قبل ان يتنحى. اولمرت يتفهم، ومستعد لدخول اللعبة الجديدة طالما انها تستهدف <محور الشر> في المنطقة.

ونحن في مثل هذه الاجواء المحمومة لا يمكننا السكوت ولن نرضى بدور المتفرج حتى لو كان صدام حسين في الزنزانة. ولهذا فإن الجيوش العربية المترهلة التي لم تقدم النجدة لفلسطين ولبنان، ولا تجد عربيا إلا ويلعنها، تخرج حاليا من مخازنها الصدئة. هناك فقط صوت فريد هب للدفاع عما تبقى من هيبة اوسمة جنرالاتها. لكن لان لا صوت يعلو فوق صوت <المغامرة> الجديدة، فإن جيوشنا تتأهب الآن لمعركة خورمشهر!.