فاطمي
09-24-2006, 10:56 AM
العقيدة القتالية لحزب الله
عبد المنعم شفيق(*) : بتاريخ 23 - 9 - 2006
في الحرب العراقية الإيرانية وقف أحد العلماء الإيرانيين على جبهة القتال يذكر المقاتلين باستقبال الحور العين للشهيد حين يسقط على الأرض مضرجا بدمه ، فصرخ فيه أحد الجنود قائلا : دع الحور العين لك أنت وحدك ، أما أنا فحدثني كيف وأين أرى الإمام الحسين !! .
يعلق أحد منظري حزب الله على هذه القصة فيقول : وهذا ، أي رؤية الحسين ، هو ما يردد الرغبة فيه كل شهداء المقاومة الإسلامية وما يعربون عن الأمل في الحصول عليه ويقاتلون في سبيله ويرونه ثمنا لبذل دمهم وحياتهم !!(1)
هذه إشارة أولى نلتقطها في البداية.
الإشارة الثانية نلتقطها من حديث ما بعد الحرب الأخيرة على لبنان ، ومن أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كيهان ،وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران ،وهو حسين شريعتمداري في افتتاحية له في مطلع شهر أغسطس 2006م تحمل عنوان ( هذه حربنا ) حيث يقول: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيا كانت في أي وقت ، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي !! .
ثالثة الإشارات أو ثالثة الأثافي جاءت عقب وقف إطلاق ( النار) وبعد ( صمت أفواه المدافع ) مباشرة ، نلتقطها من ( الخطاب الساخن ) للرئيس السوري بشار الأسد حين قال :إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي ، وقال : إن المقاومة ليست نقيضا للسلام بل هي والسلام جزء واحد !!
الإشارات الثلاث السابقة ترسم لنا ثلاثة خطوط متوازية تسير في اتجاه واحد .. إلى هدف واحد ، وتكشف في الوقت نفسه وبوضوح شديد معالم الأيدولوجيات والاستراتجيات والتحالفات المستدامة ، أو ما يمكن أن نسميه ( عقيدة التثليث الجديدة ) وأهدافها في المنطقة .
عندما كنت أشاهد ما تبثه نشرات الأخبار عن الحوار الوطني اللبناني ، وأشاهد حسن نصر الله ، على المائدة المستديرة ،كنت أشعر في ابتسامته بالاستخفاف ، وقد علا وجهه الكثير من الريبة ، فها هي المائدة المستديرة تضم أطياف الشأن اللبناني ، يتناقشون في قضية قضية ومسألة مسألة ويتفقون ويتفقون ، وكان الرجل يبيّت ما لا يعلمون ، وكنت أقطع بأن هذا الحوار سينتهي إلى لا شيء ، و عندما ناقشوا نزع سلاح حزب الله كان توقيتا مناسبا لكي لا تنقلب طاولة الحوار فقط ، بل.. ينفجر لبنان بكامله في وجه الجميع .
قد يكون التوقيت مصادفة عند البعض ، أما عند أصحاب النظرية التآمرية ، فإن له دلالات ورسائل لجهات متعددة .
ونحن في هذا الحاضر الذي تمخض عنه تحولات ضخمة تؤثر في الحاضر والمستقبل معا ، لا ينبغي لنا أن نستدعي ( كل ) التاريخ ، لأن ذلك سيغرقنا فيه وننسى ما ألم بنا وما هو في قابل أيامنا ، بيد أن التذكير بجزء من ( التاريخ القريب ) هام لتنشيط الذاكرة التي لم تعد تحتمل مزيدا من المآسي المتلاحقة و المستفحلة ، والتي لا ينبغي لها أن تنسى رغم مرارة الآلام .
يقول صاحب ( دولة حزب الله) : وإذا غدا استمرار الثورة - يقصد الثورة الإيرانية - ودوامها من بعد حدوثها إنجاز الثورة الأعظم ، وجب تجديد الإعجاز كل يوم والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ ولا يرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة وحفظ معناها والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف ، ولا يتم ذلك إلا ( بالإقامة على الحرب وفي الحرب ) وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة ولو طالت قرونا لأنها تؤذن بتجديد العالم كله وطي صفحة الزمان . ص 276
إذن نحن لا نستطيع بأي حال، ببراءة كانت أو بسذاجة أو بعاطفة أو تناسٍ أن نقتلع ما يقوم به حزب الله أو حزب الدعوة أو حزب الفضيلة ، أو منظمة بدر ،أو غيرهم من الأحزاب والمنظمات الشيعية من هذا السياق العقدي القائم على ( التوسع بالذبح ) ، ولذلك لم يكن مستغربا أبدا ألا يستنكر أو يندد ( سيد المقاومة ) حسن نصر الله بما يقوم به إخوانه في العراق من ( ذبح ) مئة ألف سني ، و ( تعذيب ) المعتقلين و ( حرق ) المساجد ، و ( تخريب ) البيوت ، و( تشتيت ) الناس خارج قراهم ومدنهم ، كل هذه ( المصائب ) التي جرها إخوة نصر الله على العراقيين لم تحرك له ساكنا ، بل اصطف صفهم ووصف ( سيد المقاومة ) المقاومين العراقيين بأن نصفهم صداميون والنصف الآخر تكفيريون . أليسوا مقاومين لأمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا، كما تقاوم أنت أمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا !!
ولا يعقل أن المطالبة بتحرير عميد الأسرى !! سمير القنطار أهم من حفظ الدم السني المسال في العراق ، ولا يعقل كذلك أن من يدافع عن القضية الفلسطينية ويدعم القضية الفلسطينية ، ويدندن حول القضية الفلسطينية ، يترك أهل المخيمات الفلسطينية في العراق يذبحون ويهجرون على أيدي إخوان الطائفة والمرجعية الواحدة !!
وكيف يفسر حسن نصر الله قصر مطالبته بتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية ، وينسى أن يطالب سوريا وهي الجارة والحليفة أن تفرج عن المعتقلين السياسيين من الإسلاميين والشرفاء ؟
كما ينسى أن يطالب إيران ولو بالكف عن سوء معاملة أهل السنة والسماح لهم ببناء مسجد واحد على الأقل في طهران .
كل هذا وغيره يجعلنا نشكك وبقوة في نوايا حزب الله اللبناني وقيادته ومشروعه وارتباطاته وتحالفاته .
أبعد من الأسرى .. وأهم من شبعا .
ومن التاريخ القريب أيضا نستدعي بعض الذكريات التي نسترجع بها علامات التحذير والإشارات الحمراء التي أضيئت في وجوهنا وأغمضنا أعيينا عنها كي لا نتأذى بها ، أو تركناها لتختبئ بين السطور الكثيرة التي لم نعد نقرأها .. ومنها:
* في عام 1982 م اعتذر نائب وزير الخارجية الإيراني محمد عزيزي عن ضعف مشاركة القوات الإيرانية في القتال بلبنان بأن الطريق إليه تمر عبر العراق ، فلا تصبح قوات إيران حرة تماما في أن تلعب دورا فعليا وجوهريا في لبنان إلا بعد سقوط النظام العراقي . (2)
* وفي ذكرى أسبوع أحد موظفي السفارة الإيرانية ببيروت ( مصطفى توراني ) قال الشيخ حسن طراد إمام جمعة مسجد الإمام المهدي بالغبيري : إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحد وكما قال أحد العلماء الأعلام إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعتنا الإيرانية سياسيا وعسكريا . (3)
وبعد إحياء بعض التحذيرات القديمة التي آمل أن تبقى حية نعود لنقف على امتدادات ذلك التاريخ وتطوره الطبيعي .
يقول هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجمع تشخيص النظام والرجل القوي في إيران :
تعتقد إيران أن مساعدتها لحزب الله في لبنان ( واجب مذهبي وثوري ) وأنها سوف تستمر في دعمه طالما ظلت أراضيه محتلة أو ( مهددة ) وأنها مع تقديرها للمواقف الشجاعة لشعب لبنان وحكومته في دعم جبهة المقاومة أمام محاولات التوسع للنظام الصهيوني تؤكد استمرار دعم إيران للمقاومة الشعبية في لبنان . (4)
ويرتبط حسن نصر الله وأحمدي نجاد بعلاقة صداقة قديمة ، فقد تدربا سوية – حسب مصادر أوربية- في بلد آسيوي على أعمال استخباراتية ، ثم عندما أصبح نصر الله أمينا عاما لحزب الله جاء نجاد إلى لبنان مشرفا على ( مؤسسة الشهداء الإيرانية ) ، وعندما تم تنصيب نجاد رئيسا لإيران العام الماضي حضر نصر الله مراسم الاحتفال ، ثم قفل عائدا إلى لبنان .. سريعا .. بعد ثمانية أيام كاملة في إيران !! ويبدو أن يوما واحدا لم يكن كافيا للتبريك وتبادل القبلات والأشواق .
ونبقى مع نصر الله أيضا ، وفي يوم الجمعة 25-11-2005 و في ( حفل ) أقيم في ضاحية بيروت الجنوبية بمناسبة ( تسلم جثث ) ثلاثة مقاتلين من حزب الله قال حسن نصر الله : حقنا الطبيعي أن نأسر جنودا إسرائيليين ومن واجبنا أن نفعل ذلك لمبادلتهم بلبنانيين لا يزالون معتقلين في السجون الإسرائيلية ، وقال أن إسرائيل اعتقدت أن "لبنان تغير، وسوريا خرجت منه وخروج هذه القوات بحسب فهمها أضعف المقاومة وإرادتها". وأكد على أنه "يجب أن يفهم كل العالم أن المقاومة الإسلامية ستواصل الطريق حتى تحقيق الأهداف وحماية الوطن مهما كانت التضحيات.
وقد وفى نصر الله بوعده ،كما عهدته جماهير الأمة العربية ، وضحى بأكثر من 1300 لبناني ، وبضعة وستين مقاتلا من حزبه البالغ عدده 8000 مقاتل !!
ونحاول هنا فك رموز أو غموض كلام نصر الله حول الحرب الأخيرة ، هل تم استدعاؤها من قبل حلفاءه أم أن كانت مجرد عملية أسر عادية ولم يكن يتوقع تداعياتها ، أو لم يكن يفهم العقلية الصهيونية التي يحاربها منذ عقود !!؟
ففي حواره مع صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 5/9/2006م قال ما نصه : " أنا كنت واضحا وقلت إن الحرب ليس سببها عملية الأسيرين. الحرب هي قرار أميركي إسرائيلي ومغطى من أماكن معينة، والحرب مجهزة ويستكمل التجهيز لها و}التوقيت محدد{ وكانت تعتمد على عنصر المفاجأة بشكل أساسي ولها سيناريو وحتى إن السيناريو الذي طبق ليس هو المقرر. عندما حصلت عملية الأسيرين وسقط هذا العدد من القتلى استُفز الإسرائيليون ووجدوا أنفسهم أمام واقع إما أن يتحملوا ما حصل أو يذهبوا إلى المعركة } المقررة في أوائل الخريف{ معلوماتنا أنه بعد التشاور مع الأميركيين في اليوم الأول تقرر الذهاب إلى المعركة التي } كانت معدة للتنفيذ في تشرين{ . نحن أفقدناهم عنصر المفاجأة. }فرضنا عليهم توقيتاً غير التوقيت الذي أعد له بدقة وبالتالي حصلت المعركة ونحن مستنفرون ومتهيئون { وهم ليسوا جاهزين ... الحرب التي كانت ستبدأ في تشرين كانت ستبدأ بشكل مفاجئ جدا ومن دون أي ذرائع "
ويضيف نصر الله :
" نعم الأسر استغل لتوقيت الحرب وبرأينا هذا كان من مصلحتنا ومصلحة لبنان وانه استعجل حربا كانت ستحصل بشكل قاطع ولذلك إذا كنت أريد أن استعمل عبارات لا يمكن اجتزاؤها أو اقتطاعها، أنا أقول لم نخطئ التقدير وكانت حساباتنا دقيقة وصحيحة وأيضا لسنا نادمين!! وأنا لم ألق خطاب ندم أو هزيمة ... واعتقد وهذا قلته أكثر من مرة أن ما حصل في توقيت وقرار العملية وما أدت إليه كان توفيقا إلهيا ولطفا إلهيا، }ولو أننا لم نذهب إلى تلك العملية وبقينا غافلين إلى تشرين { لكان لبنان غير لبنان ... لذلك أكرر وأقول لسنا نادمين ولم نرتكب أي خطأ وكانت تقديراتنا صحيحة وأن ما حصل هو أهم بكثير من التقديرات التي كنا نتحسب لها " أ. هـ
إذن فالكلام الذي جاء بعد وقف إطلاق النار مع تليفزيون الجديد من أنه لم يتوقع أن تؤدي عملية الأسر لما أدت إليه وأنه لو كان يعلم ولو واحد بالمائة لما خاضها كلام كاذب ومخادع ولعب بدماء اللبنانيين قبل عقولهم ومشاعرهم .
وانسجاما وتوافقا مع كلام حسن نصر الله من ( استدعاء الحرب ) وجر إسرائيل إليها ، فقد كانت هناك أحاديث دولية متفرقة حول هذا الاستدعاء .
ففي تاريخ 6 /1 /2006م أي قبل ستة أشهر من اندلاع الحرب المستدعاة كتبت مديرة مكتب جريدة الحياة في نيويورك ، مقالا بعنوان: سيناريوات لـ «استدعاء» ضربة عسكرية للبنان وسورية. جاء لينبه إلى إعدادات واستعدادات وسياسات خطيرة كانت تصنع حينذاك، تقول فيه: يتحدثون في الأوساط الدولية عن سيناريوات تدق في عصب القرارات «الوجودية» لكل من النظام في سورية ولـ «حزب الله» ويحذرون من عواقب ضرب مدن إسرائيلية عبر الحدود اللبنانية على كامل سورية ولبنان. هذا الكلام ليس عشوائياً وإنما ينطلق من مؤشرات على أرجحية لجوء دمشق إلى إجراءات استدعاء ضربة عسكرية إسرائيلية للبنان، وسورية...
وتضيف : أهم حلقة في الإجراءات على الساحة اللبنانية وعبرها هو «حزب الله» الذي يمتلك أدوات تنفيذ الإجراءات أو تعطيلها. لذلك فإن مسؤولية توريط لبنان في قصف أو غزو إسرائيلي له تقع على أكتاف قيادة «حزب الله» التي عليها أن تختار اليوم بين تحصين لبنان ضد الاستخدام والانتقام وبين التضحية به خدمة لسورية أو لإيران...
القيادتان في هاتين الدولتين قد تجدان أن من مصلحتهما في هذا المنعطف استفزاز إسرائيل عبر «حزب الله» .. إما لتحويل الأنظار والضغوط عليهما، أو لحشد العاطفة المعادية لإسرائيل لتخدمهما محلياً وإقليميا... أي عمليات عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يقوم بها «حزب الله» في هذه المرحلة ستعد قراراً مدروساً لاستدعاء قصف لبنان. وأي تشجيع سوري لمثل هذا التطور سيعد رغبة مبيتة لاستفزاز قصف إسرائيلي لسورية أيضا يؤدي إلى تمكين دمشق من أن تعلن أمام العرب أنها في حال حرب مع إسرائيل... أما إيران فإنها حسب قول علي لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «وضعت سيناريو للرد» على محاولات إجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وخططت لـ «جر المنطقة إلى حرب» حسب تعبيره حينذاك. و «هذا تماماً ما تداولته الأوساط الدولية من سيناريو حرب إقليمية لإشعال المنطقة تستدرجها طهران وتستفزها سورية» بما «يقتضي تفجير العلاقات اللبنانية - اللبنانية، الطائفية منها والحزبية، واختلاق مشاكل على الصعيد اللبناني الداخلي».
لو أضفنا الكلام السابق ، خاصة كلام علي لاريجاني ، إلى ما صدرته في المقدمة من كلام حسين شريعتمداري حين قال: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيا كانت في أي وقت ، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي !! .
وضممنا إليه كذلك كلام الرئيس السوري : إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي ، وقال : إن المقاومة ليست نقيضا للسلام بل هي والسلام جزء واحد !!ثم راجعنا كلام حسن نصر الله في بداية الحرب حين قال أن ( قواعد اللعبة ) قد تغيرت ، وهي ما يعني وجود ( قواعد متفق عليها) ، ووجود ( اتفاق على اللعب بالمنطقة) ، لأدركنا بوضوح وجلاء أن ما كان تاريخا أصبح واقعا ، وأن الواقع صنع في التاريخ ، وأن المنطقة الآن توشك أن يكتمل فيها الهلال الشيعي من البحرين حتى لبنان .
وينبغي لنا هنا أن نتساءل : لماذا مقاومة حزب الله غير مستدامة طالما أن هناك عدو ينبغي أن يزول ، كما هو الحال في فلسطين والعراق ؟ الأهم من ذلك، أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف ، ولماذا توقفت ( الحرب المفتوحة ) التي أعلنها نصر الله فجأة ؟ رغم أن الجيش الإسرائيلي مازال موجودا في الجنوب وحصاره البحري والجوي بقي حتى منتصف شهر سبتمبر 2006، وأصبح أقصى ما أراده حزب الله هو قرار دولي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ، أين ما قاله نصر الله (حرب مفتوحة... أردتموها حرباً مفتوحة؟ نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها... إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا ) !! ولماذا لم تضرب المنشآت الكيماوية في حيفا ؟ ولماذا لم تقصف تل أبيب طالما أنها في مرمى صواريخ حزب الله ؟ ثم لماذا يقاتل حزب الله دفاعا عن مزارع شبعا وهي أرض سورية ؟ ولماذا يذبح اللبنانيون من أجل مزرعة جارهم الصغيرة ، ويسكت الجار عن كامل الجولان المحتل؟!
وقواعد اللعبة التي ذكرها نصر الله يقصد بها اتفاق التفاهم الذي تم قبل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000م ، والذي كان أبرز بنوده ما تم نشره بعد تسريبه في صحيفة شبيجل الألمانية يوم 13 / 6 /2004 م ، وكما جاء في نص الوثيقة التي وصلتني نسخة مترجمة لها كانت بنود الاتفاق كما يلي :
المرحلة الأولى من الاتفاق : تشكيل لجنة أمنية من ميليشيا حزب الله وجيش الدفاع الإسرائيلي لوضع خطة ميدانية لترتيب عملية انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي بإشراك بعض الضباط الأمنيين في الجيش اللبناني الذين يختارهم الحزب .
المرحلة الثانية بند ( أ) يقوم الجيش الإسرائيلي بسحب قواته كافة من كامل الأراضي اللبنانية والحزام الأمني إلى الحدود الدولية في مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للقرارات الدولية المتعلقة بجنوب لبنان وإنهاء حالة الحرب هناك. كما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بحل وتفكيك مليشيات جيش لبنان الجنوبي ، و لا يشمل الانسحاب مزارع شبعا على أساس أنها أرض سورية ، مرتبطة أمنيا بهضبة الجولان .وأمن دولة إسرائيل.
فقرة ( ب ) تقوم ميليشيا حزب الله بتسلم المواقع العسكرية والأمنية من جيش الدفاع الإسرائيلي ،وجيش لبنان الجنوبي فورا بعد إخلائها . للحيلولة دون وقوعها بأيدي منظمات فلسطينية أو إرهابية معادية لإسرائيل .
فقرة ( ت ) يتعهد الجيش الإسرائيلي إطلاق سراح أسرى ميليشيا حزب الله ممن استكمل معهم التحقيق ، على أن يتم إطلاق الشيخ عبد الكريم عبيد في مرحلة لاحقة بعد تسوية وضع الطيار الإسرائيلي .وسيقوم الوسطاء الألمان بمعالجة هدا الملف .
فقرة ( ج ) يتعهد الجيش الإسرائيلي بعدم استهداف أعضاء أو مؤسسات تابعة لهذا الحزب ، وأن يسمح للحزب بتحريك أسلحته الثقيلة في المنطقة الحمراء للحفاظ على الأمن والهدوء .
فقرة ( د ) أن تعمل ميليشيا حزب الله على الانتشار في المنطقة الحمراء كلها { الحزام الأمني }حتى الشريط الحدودي بين لبنان ودولة إسرائيل وإحلالها مكان ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بعد حل الأخرى .
فقرة ) و ) أن يعمل الحزب على ضمان الأمن في هذه المناطق التي ستصبح تحت سيطرته ،وذلك { بمنع المنظمات الإرهابية من إطلاق الصواريخ على شمالي إسرائيل } ووقف التسلل، واعتقال ، العناصر التي تهدد أمن حدود إسرائيل الشمالية .وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم ، كما يتعهد الحزب بمنع الأنشطة العسكرية وغير العسكرية لمنظمات إرهابية فلسطينية أو لبنانية معادية لإسرائيل في المنطقة الحمراء ، يتعهد حزب الله بالمساعدة في جمع وتقديم المعلومات عن الطيار الإسرائيلي { كوخاي }الذي اختفى في لبنان أثناء الحرب .
عبد المنعم شفيق(*) : بتاريخ 23 - 9 - 2006
في الحرب العراقية الإيرانية وقف أحد العلماء الإيرانيين على جبهة القتال يذكر المقاتلين باستقبال الحور العين للشهيد حين يسقط على الأرض مضرجا بدمه ، فصرخ فيه أحد الجنود قائلا : دع الحور العين لك أنت وحدك ، أما أنا فحدثني كيف وأين أرى الإمام الحسين !! .
يعلق أحد منظري حزب الله على هذه القصة فيقول : وهذا ، أي رؤية الحسين ، هو ما يردد الرغبة فيه كل شهداء المقاومة الإسلامية وما يعربون عن الأمل في الحصول عليه ويقاتلون في سبيله ويرونه ثمنا لبذل دمهم وحياتهم !!(1)
هذه إشارة أولى نلتقطها في البداية.
الإشارة الثانية نلتقطها من حديث ما بعد الحرب الأخيرة على لبنان ، ومن أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كيهان ،وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران ،وهو حسين شريعتمداري في افتتاحية له في مطلع شهر أغسطس 2006م تحمل عنوان ( هذه حربنا ) حيث يقول: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيا كانت في أي وقت ، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي !! .
ثالثة الإشارات أو ثالثة الأثافي جاءت عقب وقف إطلاق ( النار) وبعد ( صمت أفواه المدافع ) مباشرة ، نلتقطها من ( الخطاب الساخن ) للرئيس السوري بشار الأسد حين قال :إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي ، وقال : إن المقاومة ليست نقيضا للسلام بل هي والسلام جزء واحد !!
الإشارات الثلاث السابقة ترسم لنا ثلاثة خطوط متوازية تسير في اتجاه واحد .. إلى هدف واحد ، وتكشف في الوقت نفسه وبوضوح شديد معالم الأيدولوجيات والاستراتجيات والتحالفات المستدامة ، أو ما يمكن أن نسميه ( عقيدة التثليث الجديدة ) وأهدافها في المنطقة .
عندما كنت أشاهد ما تبثه نشرات الأخبار عن الحوار الوطني اللبناني ، وأشاهد حسن نصر الله ، على المائدة المستديرة ،كنت أشعر في ابتسامته بالاستخفاف ، وقد علا وجهه الكثير من الريبة ، فها هي المائدة المستديرة تضم أطياف الشأن اللبناني ، يتناقشون في قضية قضية ومسألة مسألة ويتفقون ويتفقون ، وكان الرجل يبيّت ما لا يعلمون ، وكنت أقطع بأن هذا الحوار سينتهي إلى لا شيء ، و عندما ناقشوا نزع سلاح حزب الله كان توقيتا مناسبا لكي لا تنقلب طاولة الحوار فقط ، بل.. ينفجر لبنان بكامله في وجه الجميع .
قد يكون التوقيت مصادفة عند البعض ، أما عند أصحاب النظرية التآمرية ، فإن له دلالات ورسائل لجهات متعددة .
ونحن في هذا الحاضر الذي تمخض عنه تحولات ضخمة تؤثر في الحاضر والمستقبل معا ، لا ينبغي لنا أن نستدعي ( كل ) التاريخ ، لأن ذلك سيغرقنا فيه وننسى ما ألم بنا وما هو في قابل أيامنا ، بيد أن التذكير بجزء من ( التاريخ القريب ) هام لتنشيط الذاكرة التي لم تعد تحتمل مزيدا من المآسي المتلاحقة و المستفحلة ، والتي لا ينبغي لها أن تنسى رغم مرارة الآلام .
يقول صاحب ( دولة حزب الله) : وإذا غدا استمرار الثورة - يقصد الثورة الإيرانية - ودوامها من بعد حدوثها إنجاز الثورة الأعظم ، وجب تجديد الإعجاز كل يوم والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ ولا يرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة وحفظ معناها والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف ، ولا يتم ذلك إلا ( بالإقامة على الحرب وفي الحرب ) وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة ولو طالت قرونا لأنها تؤذن بتجديد العالم كله وطي صفحة الزمان . ص 276
إذن نحن لا نستطيع بأي حال، ببراءة كانت أو بسذاجة أو بعاطفة أو تناسٍ أن نقتلع ما يقوم به حزب الله أو حزب الدعوة أو حزب الفضيلة ، أو منظمة بدر ،أو غيرهم من الأحزاب والمنظمات الشيعية من هذا السياق العقدي القائم على ( التوسع بالذبح ) ، ولذلك لم يكن مستغربا أبدا ألا يستنكر أو يندد ( سيد المقاومة ) حسن نصر الله بما يقوم به إخوانه في العراق من ( ذبح ) مئة ألف سني ، و ( تعذيب ) المعتقلين و ( حرق ) المساجد ، و ( تخريب ) البيوت ، و( تشتيت ) الناس خارج قراهم ومدنهم ، كل هذه ( المصائب ) التي جرها إخوة نصر الله على العراقيين لم تحرك له ساكنا ، بل اصطف صفهم ووصف ( سيد المقاومة ) المقاومين العراقيين بأن نصفهم صداميون والنصف الآخر تكفيريون . أليسوا مقاومين لأمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا، كما تقاوم أنت أمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا !!
ولا يعقل أن المطالبة بتحرير عميد الأسرى !! سمير القنطار أهم من حفظ الدم السني المسال في العراق ، ولا يعقل كذلك أن من يدافع عن القضية الفلسطينية ويدعم القضية الفلسطينية ، ويدندن حول القضية الفلسطينية ، يترك أهل المخيمات الفلسطينية في العراق يذبحون ويهجرون على أيدي إخوان الطائفة والمرجعية الواحدة !!
وكيف يفسر حسن نصر الله قصر مطالبته بتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية ، وينسى أن يطالب سوريا وهي الجارة والحليفة أن تفرج عن المعتقلين السياسيين من الإسلاميين والشرفاء ؟
كما ينسى أن يطالب إيران ولو بالكف عن سوء معاملة أهل السنة والسماح لهم ببناء مسجد واحد على الأقل في طهران .
كل هذا وغيره يجعلنا نشكك وبقوة في نوايا حزب الله اللبناني وقيادته ومشروعه وارتباطاته وتحالفاته .
أبعد من الأسرى .. وأهم من شبعا .
ومن التاريخ القريب أيضا نستدعي بعض الذكريات التي نسترجع بها علامات التحذير والإشارات الحمراء التي أضيئت في وجوهنا وأغمضنا أعيينا عنها كي لا نتأذى بها ، أو تركناها لتختبئ بين السطور الكثيرة التي لم نعد نقرأها .. ومنها:
* في عام 1982 م اعتذر نائب وزير الخارجية الإيراني محمد عزيزي عن ضعف مشاركة القوات الإيرانية في القتال بلبنان بأن الطريق إليه تمر عبر العراق ، فلا تصبح قوات إيران حرة تماما في أن تلعب دورا فعليا وجوهريا في لبنان إلا بعد سقوط النظام العراقي . (2)
* وفي ذكرى أسبوع أحد موظفي السفارة الإيرانية ببيروت ( مصطفى توراني ) قال الشيخ حسن طراد إمام جمعة مسجد الإمام المهدي بالغبيري : إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحد وكما قال أحد العلماء الأعلام إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعتنا الإيرانية سياسيا وعسكريا . (3)
وبعد إحياء بعض التحذيرات القديمة التي آمل أن تبقى حية نعود لنقف على امتدادات ذلك التاريخ وتطوره الطبيعي .
يقول هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق ورئيس مجمع تشخيص النظام والرجل القوي في إيران :
تعتقد إيران أن مساعدتها لحزب الله في لبنان ( واجب مذهبي وثوري ) وأنها سوف تستمر في دعمه طالما ظلت أراضيه محتلة أو ( مهددة ) وأنها مع تقديرها للمواقف الشجاعة لشعب لبنان وحكومته في دعم جبهة المقاومة أمام محاولات التوسع للنظام الصهيوني تؤكد استمرار دعم إيران للمقاومة الشعبية في لبنان . (4)
ويرتبط حسن نصر الله وأحمدي نجاد بعلاقة صداقة قديمة ، فقد تدربا سوية – حسب مصادر أوربية- في بلد آسيوي على أعمال استخباراتية ، ثم عندما أصبح نصر الله أمينا عاما لحزب الله جاء نجاد إلى لبنان مشرفا على ( مؤسسة الشهداء الإيرانية ) ، وعندما تم تنصيب نجاد رئيسا لإيران العام الماضي حضر نصر الله مراسم الاحتفال ، ثم قفل عائدا إلى لبنان .. سريعا .. بعد ثمانية أيام كاملة في إيران !! ويبدو أن يوما واحدا لم يكن كافيا للتبريك وتبادل القبلات والأشواق .
ونبقى مع نصر الله أيضا ، وفي يوم الجمعة 25-11-2005 و في ( حفل ) أقيم في ضاحية بيروت الجنوبية بمناسبة ( تسلم جثث ) ثلاثة مقاتلين من حزب الله قال حسن نصر الله : حقنا الطبيعي أن نأسر جنودا إسرائيليين ومن واجبنا أن نفعل ذلك لمبادلتهم بلبنانيين لا يزالون معتقلين في السجون الإسرائيلية ، وقال أن إسرائيل اعتقدت أن "لبنان تغير، وسوريا خرجت منه وخروج هذه القوات بحسب فهمها أضعف المقاومة وإرادتها". وأكد على أنه "يجب أن يفهم كل العالم أن المقاومة الإسلامية ستواصل الطريق حتى تحقيق الأهداف وحماية الوطن مهما كانت التضحيات.
وقد وفى نصر الله بوعده ،كما عهدته جماهير الأمة العربية ، وضحى بأكثر من 1300 لبناني ، وبضعة وستين مقاتلا من حزبه البالغ عدده 8000 مقاتل !!
ونحاول هنا فك رموز أو غموض كلام نصر الله حول الحرب الأخيرة ، هل تم استدعاؤها من قبل حلفاءه أم أن كانت مجرد عملية أسر عادية ولم يكن يتوقع تداعياتها ، أو لم يكن يفهم العقلية الصهيونية التي يحاربها منذ عقود !!؟
ففي حواره مع صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 5/9/2006م قال ما نصه : " أنا كنت واضحا وقلت إن الحرب ليس سببها عملية الأسيرين. الحرب هي قرار أميركي إسرائيلي ومغطى من أماكن معينة، والحرب مجهزة ويستكمل التجهيز لها و}التوقيت محدد{ وكانت تعتمد على عنصر المفاجأة بشكل أساسي ولها سيناريو وحتى إن السيناريو الذي طبق ليس هو المقرر. عندما حصلت عملية الأسيرين وسقط هذا العدد من القتلى استُفز الإسرائيليون ووجدوا أنفسهم أمام واقع إما أن يتحملوا ما حصل أو يذهبوا إلى المعركة } المقررة في أوائل الخريف{ معلوماتنا أنه بعد التشاور مع الأميركيين في اليوم الأول تقرر الذهاب إلى المعركة التي } كانت معدة للتنفيذ في تشرين{ . نحن أفقدناهم عنصر المفاجأة. }فرضنا عليهم توقيتاً غير التوقيت الذي أعد له بدقة وبالتالي حصلت المعركة ونحن مستنفرون ومتهيئون { وهم ليسوا جاهزين ... الحرب التي كانت ستبدأ في تشرين كانت ستبدأ بشكل مفاجئ جدا ومن دون أي ذرائع "
ويضيف نصر الله :
" نعم الأسر استغل لتوقيت الحرب وبرأينا هذا كان من مصلحتنا ومصلحة لبنان وانه استعجل حربا كانت ستحصل بشكل قاطع ولذلك إذا كنت أريد أن استعمل عبارات لا يمكن اجتزاؤها أو اقتطاعها، أنا أقول لم نخطئ التقدير وكانت حساباتنا دقيقة وصحيحة وأيضا لسنا نادمين!! وأنا لم ألق خطاب ندم أو هزيمة ... واعتقد وهذا قلته أكثر من مرة أن ما حصل في توقيت وقرار العملية وما أدت إليه كان توفيقا إلهيا ولطفا إلهيا، }ولو أننا لم نذهب إلى تلك العملية وبقينا غافلين إلى تشرين { لكان لبنان غير لبنان ... لذلك أكرر وأقول لسنا نادمين ولم نرتكب أي خطأ وكانت تقديراتنا صحيحة وأن ما حصل هو أهم بكثير من التقديرات التي كنا نتحسب لها " أ. هـ
إذن فالكلام الذي جاء بعد وقف إطلاق النار مع تليفزيون الجديد من أنه لم يتوقع أن تؤدي عملية الأسر لما أدت إليه وأنه لو كان يعلم ولو واحد بالمائة لما خاضها كلام كاذب ومخادع ولعب بدماء اللبنانيين قبل عقولهم ومشاعرهم .
وانسجاما وتوافقا مع كلام حسن نصر الله من ( استدعاء الحرب ) وجر إسرائيل إليها ، فقد كانت هناك أحاديث دولية متفرقة حول هذا الاستدعاء .
ففي تاريخ 6 /1 /2006م أي قبل ستة أشهر من اندلاع الحرب المستدعاة كتبت مديرة مكتب جريدة الحياة في نيويورك ، مقالا بعنوان: سيناريوات لـ «استدعاء» ضربة عسكرية للبنان وسورية. جاء لينبه إلى إعدادات واستعدادات وسياسات خطيرة كانت تصنع حينذاك، تقول فيه: يتحدثون في الأوساط الدولية عن سيناريوات تدق في عصب القرارات «الوجودية» لكل من النظام في سورية ولـ «حزب الله» ويحذرون من عواقب ضرب مدن إسرائيلية عبر الحدود اللبنانية على كامل سورية ولبنان. هذا الكلام ليس عشوائياً وإنما ينطلق من مؤشرات على أرجحية لجوء دمشق إلى إجراءات استدعاء ضربة عسكرية إسرائيلية للبنان، وسورية...
وتضيف : أهم حلقة في الإجراءات على الساحة اللبنانية وعبرها هو «حزب الله» الذي يمتلك أدوات تنفيذ الإجراءات أو تعطيلها. لذلك فإن مسؤولية توريط لبنان في قصف أو غزو إسرائيلي له تقع على أكتاف قيادة «حزب الله» التي عليها أن تختار اليوم بين تحصين لبنان ضد الاستخدام والانتقام وبين التضحية به خدمة لسورية أو لإيران...
القيادتان في هاتين الدولتين قد تجدان أن من مصلحتهما في هذا المنعطف استفزاز إسرائيل عبر «حزب الله» .. إما لتحويل الأنظار والضغوط عليهما، أو لحشد العاطفة المعادية لإسرائيل لتخدمهما محلياً وإقليميا... أي عمليات عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يقوم بها «حزب الله» في هذه المرحلة ستعد قراراً مدروساً لاستدعاء قصف لبنان. وأي تشجيع سوري لمثل هذا التطور سيعد رغبة مبيتة لاستفزاز قصف إسرائيلي لسورية أيضا يؤدي إلى تمكين دمشق من أن تعلن أمام العرب أنها في حال حرب مع إسرائيل... أما إيران فإنها حسب قول علي لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «وضعت سيناريو للرد» على محاولات إجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وخططت لـ «جر المنطقة إلى حرب» حسب تعبيره حينذاك. و «هذا تماماً ما تداولته الأوساط الدولية من سيناريو حرب إقليمية لإشعال المنطقة تستدرجها طهران وتستفزها سورية» بما «يقتضي تفجير العلاقات اللبنانية - اللبنانية، الطائفية منها والحزبية، واختلاق مشاكل على الصعيد اللبناني الداخلي».
لو أضفنا الكلام السابق ، خاصة كلام علي لاريجاني ، إلى ما صدرته في المقدمة من كلام حسين شريعتمداري حين قال: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيا كانت في أي وقت ، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي !! .
وضممنا إليه كذلك كلام الرئيس السوري : إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي ، وقال : إن المقاومة ليست نقيضا للسلام بل هي والسلام جزء واحد !!ثم راجعنا كلام حسن نصر الله في بداية الحرب حين قال أن ( قواعد اللعبة ) قد تغيرت ، وهي ما يعني وجود ( قواعد متفق عليها) ، ووجود ( اتفاق على اللعب بالمنطقة) ، لأدركنا بوضوح وجلاء أن ما كان تاريخا أصبح واقعا ، وأن الواقع صنع في التاريخ ، وأن المنطقة الآن توشك أن يكتمل فيها الهلال الشيعي من البحرين حتى لبنان .
وينبغي لنا هنا أن نتساءل : لماذا مقاومة حزب الله غير مستدامة طالما أن هناك عدو ينبغي أن يزول ، كما هو الحال في فلسطين والعراق ؟ الأهم من ذلك، أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف ، ولماذا توقفت ( الحرب المفتوحة ) التي أعلنها نصر الله فجأة ؟ رغم أن الجيش الإسرائيلي مازال موجودا في الجنوب وحصاره البحري والجوي بقي حتى منتصف شهر سبتمبر 2006، وأصبح أقصى ما أراده حزب الله هو قرار دولي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ، أين ما قاله نصر الله (حرب مفتوحة... أردتموها حرباً مفتوحة؟ نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها... إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا ) !! ولماذا لم تضرب المنشآت الكيماوية في حيفا ؟ ولماذا لم تقصف تل أبيب طالما أنها في مرمى صواريخ حزب الله ؟ ثم لماذا يقاتل حزب الله دفاعا عن مزارع شبعا وهي أرض سورية ؟ ولماذا يذبح اللبنانيون من أجل مزرعة جارهم الصغيرة ، ويسكت الجار عن كامل الجولان المحتل؟!
وقواعد اللعبة التي ذكرها نصر الله يقصد بها اتفاق التفاهم الذي تم قبل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000م ، والذي كان أبرز بنوده ما تم نشره بعد تسريبه في صحيفة شبيجل الألمانية يوم 13 / 6 /2004 م ، وكما جاء في نص الوثيقة التي وصلتني نسخة مترجمة لها كانت بنود الاتفاق كما يلي :
المرحلة الأولى من الاتفاق : تشكيل لجنة أمنية من ميليشيا حزب الله وجيش الدفاع الإسرائيلي لوضع خطة ميدانية لترتيب عملية انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي بإشراك بعض الضباط الأمنيين في الجيش اللبناني الذين يختارهم الحزب .
المرحلة الثانية بند ( أ) يقوم الجيش الإسرائيلي بسحب قواته كافة من كامل الأراضي اللبنانية والحزام الأمني إلى الحدود الدولية في مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وفقا للقرارات الدولية المتعلقة بجنوب لبنان وإنهاء حالة الحرب هناك. كما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بحل وتفكيك مليشيات جيش لبنان الجنوبي ، و لا يشمل الانسحاب مزارع شبعا على أساس أنها أرض سورية ، مرتبطة أمنيا بهضبة الجولان .وأمن دولة إسرائيل.
فقرة ( ب ) تقوم ميليشيا حزب الله بتسلم المواقع العسكرية والأمنية من جيش الدفاع الإسرائيلي ،وجيش لبنان الجنوبي فورا بعد إخلائها . للحيلولة دون وقوعها بأيدي منظمات فلسطينية أو إرهابية معادية لإسرائيل .
فقرة ( ت ) يتعهد الجيش الإسرائيلي إطلاق سراح أسرى ميليشيا حزب الله ممن استكمل معهم التحقيق ، على أن يتم إطلاق الشيخ عبد الكريم عبيد في مرحلة لاحقة بعد تسوية وضع الطيار الإسرائيلي .وسيقوم الوسطاء الألمان بمعالجة هدا الملف .
فقرة ( ج ) يتعهد الجيش الإسرائيلي بعدم استهداف أعضاء أو مؤسسات تابعة لهذا الحزب ، وأن يسمح للحزب بتحريك أسلحته الثقيلة في المنطقة الحمراء للحفاظ على الأمن والهدوء .
فقرة ( د ) أن تعمل ميليشيا حزب الله على الانتشار في المنطقة الحمراء كلها { الحزام الأمني }حتى الشريط الحدودي بين لبنان ودولة إسرائيل وإحلالها مكان ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بعد حل الأخرى .
فقرة ) و ) أن يعمل الحزب على ضمان الأمن في هذه المناطق التي ستصبح تحت سيطرته ،وذلك { بمنع المنظمات الإرهابية من إطلاق الصواريخ على شمالي إسرائيل } ووقف التسلل، واعتقال ، العناصر التي تهدد أمن حدود إسرائيل الشمالية .وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم ، كما يتعهد الحزب بمنع الأنشطة العسكرية وغير العسكرية لمنظمات إرهابية فلسطينية أو لبنانية معادية لإسرائيل في المنطقة الحمراء ، يتعهد حزب الله بالمساعدة في جمع وتقديم المعلومات عن الطيار الإسرائيلي { كوخاي }الذي اختفى في لبنان أثناء الحرب .