المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التطبير والضرب بالسلاسل من خلال اراء المرجع فضل الله مقارنة بالاراء الفقهية الاخرى'



سيد مرحوم
10-11-2003, 08:39 PM
الجزء الاول


«التطبير وضرب الظهور بالسلاسل» من كتاب «حركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية» لمؤلفه سماحة الشيخ جعفر الشاخوري البحراني.[

وممن تعرض لهذا البحث من الفقهاء المعاصرين، آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله). ولابأس بإيراد نص كلامه، قال دام ظله:


http://tahqeq.jeeran.com/5ف55ف5ف5555.jpg

«في الواقع نحن لسنا أول من أثار المسألة، إنما من أثارها من قبل وبطريقة علمية السيد محسن الأمين، ولكنها لقيت معارضة شديدة من الغوغاء، وكذلك أثارها السيد أبو الحسن الأصفاني، والسيد مهدي البروجردي في أحاديثه الخاصة، وكذلك السيد الخميني.

كما إن السيد الخوئي أفتى حول هذا الموضوع، وورد الإفتاء في كتاب خاص نشرته الجماعة الإسلامية في أمريكا وكندا، فحين سُئل عن جواز التطبير وضرب السلاسل، قال.. «إذا أوجبت هتك حرمة المذهب فلا يجوز». قالوا.. كيف ذلك.. قال «إذا أوجبت سخرية الناس الآخرين».

أما نحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي، وأن من واجبنا أنا وآية الله العظمى السيد الخامئني أن نفتي بذلك، ومع ما سنواجه من حالات التخلف والعواطف الثائرة، فإننا مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة.

ونلفت الانتباه بأننا لسنا معصومين، فمن كان لديه أفكار، فليتفضل بمناقشتها بروح علمية، بعيدة عن الضوضاء والغوغائية، لأن الغوغاء تذهب أدراج الرياح، فكم علت الغوغاء أمام رسول الله (ص) وأمام الإمام علي (ع)، فذهبت تلك الغوغاء وبقي رسول الله (ص) وبقى علي (ع).

وبما أننا ندرك الظروف التي أحاطت بفتوى الحلية من قبل بعض العلماء، والأساس الذي استند إليه العلماء الذين أفتوا بالحرمة، سنحاول استعراض مادار من جدل فقهي بين العلماء حول المسألة: هل إن الإضرار بالنفس محرم في ذاته، حتى لو لم يؤد إلى التهلكة؟ أو إن الإضرار بالنفس ليس محرما إلا إذا أدى إلى التهلكة؟

يرى بعض العلماء أن الإضرار بالنفس ليس محرما، إلا إذا أدى إلى التهلكة. وقد ذهب إلى هذا الرأي الميرزا النائيني والسيد الحكيم، وجماعة من العلماء الآخرين.

وهناك رأي آخر يقول، إن الإضرار بالنفس محرم، إلا إذا كان هناك مصلحة لذلك، فلا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك حتى لو لم يؤد ذلك إلى التهلكة، وبناء على هذا الرأي لا يمكن أن يتحول الإضرار بالنفس إلى شعار، لأنه لمجرد إقحامه في الشعار لا يصير حلالا في ذاته، فإنه لا يمكنك أن تشرب الخمر من جهة إحياء الشعائر، من قبيل ما كان يحصل في العراق، حيث كان بعض الناس يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر، مما ينحو بنا إلى القول أي حزن هو هذا على الحسين (ع) عندما يصبح الإنسان في غيبوبة؟

وبناء عليه فإن مسألة الإضرار بالنفس محرمة، وتعتبر قبيحة عقليا حتى لو لم تؤد إلى التهلكة.

نعم في بعض حالات الجهاد، المسألة تختلف، لأن الله جعل الجهاد لمصلحة حفظ الأمة، وحفظ الوطن؛ إن مصلحة الوقوف بوجه الأعداء هي أهم من حفظ الذات، ولكن لا يعني ذلك جواز انتحار الإنسان الذي يختلف كليا عن العمليات الاستشهادية التي يخوضها المقاومون.

وقد أشار الشهيد مطهري رحمه الله في بعض أبحاثه إلى أن عادة التطبير هي من العادات المستوردة من المسيحيين. قال رحمه الله «إذا تجاورت النحل وتعاشرت، تـُبدِلـَت العقائد والأذواق، وإن تباعدت في شعاراتها، من ذلك مثلا سريان عادة (التطبير)، أي ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات، وضرب الطبول والنفخ في الأبواق من المسيحيين الأرثوذوكس القفقازيين إلى ايران، وانتشرت فيها انتشار النار في الهشيم، بسبب استعداد النفوس والروحيات لتقبلها».»

ولما كانت هذه المسألة وغيرها كالتدخين وتعريض الإنسان نفسه للعدوى، وغيرها من المسائل مرتبطة بمسألة كبرى وهي حرمة الإضرار بالنفس آثرنا دراسة هذه المسألة من خلال البحث العلمي الذي ألقاه سماحة السيد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في هذا المجال وهذا نص كلامه: (( لو فرضنا أننا أحرزنا ضرر شيء مثل التدخين، فهل إن القاعدة تقتضي حرمة كل ما يضرالبدن، أو إن القاعدة حرمة ما كان مؤديا إلى التهلكة، أو كان الضرر بالغا، بحيث نعرف من ارتكاز المتشرعة أن الشارع يرفضه، مثل قطع الأعضاء الحيوية – اليد والعين –، بحيث يعرف من الشارع أنه لايريدها من جهة تسالم المتشرعة))

استعراض الأدلة التي ذكرت في المقام

وهذه الأدلة ذكرها السيد الخوئي في قاعدة (لا ضرر) في علم الأصول، والمعروف بين المشهور – كما ذكره السيد الروحاني – إن الاشياء الضارة للبدن محرمة كلها بجميع أصنافها قليلها وكثيرها.... - يعني ما أضره كثيره فقليله حرام، بل ادعي الإجماع بكلا قسميه عليه، وفي رسالة الشيخ الأعظم إنه استفيد من الأدلة العقلية تحريم الإضرار بالنفس، فالمسألة مشهورة بين الفقهاء، ادعي الإجماع عليها. بل ادعى الشيخ الأنصاري أن العقل يقتضي حلية مايضر أو ينفع. ولكن السيد الخوئي تبعا لـ النائيني وبعض تلامذته كـ الروحاني قال إن الضرر المحرم هو مايؤدي إلى التهلكة أو الضرر البالغ.

ومن الأدلة التي ذكرت أن العقل مستقل بقبح ذلك، بحيث أنه يكون في سلسلة علل الأحكام، لا في سلسلة معلولاتها كقبح الظلم، وعندما يستكشف العقل من إدراك قبح هذا الشيء بنحو ملزم، فإن الشارع جعل الحرمة، لأن الشارع ينطلق من المفاسد الملزمة بقاعدة الملازمة في عملية الحرمة بين الحكم الشرعي والعقل.

ولكن السيد الروحاني يورد على ذلك بأن العقلاء لا يحكمون بقبح الضرر مع وجود المنفعة، كقطع الأسفار البعيدة، وسهر الليالي لطلب العلم أو غيره، حكم العقل ينطلق من حكم العقلاء. ويشكل عليه بما أشكلناه على هذه الفكرة دائما، وهو أن هذا المورد خارج عن مورد النزاع، لأن محل كلامنا في القبح في ارتكاب الضرر نفسه، وأما مع وجود المصالح والمنافع التي تتدارك هذا الضرر، والعقلاء من جهة أهمية هذه المصالح والمنافع لا يقبحون للإنسان أن يرتكب ما فيه قبح بنسبة 20 في المائة إذا زاحمه حسن بنسبة 70 في المائة، وهذا يشمل حتى الحرام، وذلك من باب التزاحم، وذلك إذا توقف إنقاذ الغريق على عبور الأرض المغصوبة، أو تهديم البيت، فهنا يقولون بالجواز، ولا أحد يقول أن تهديم البيت ليس قبيحا، لأنه ضرر بالناس، ولكن العقلاء يرون أن ماهو قبيح في نفسه إذا عارضه وزاحمه ما يكون حسنه أهم من قبح، هذا فإنهم يرخصون للإنسان أن يفعل القبيح الأضعف لمصلحة الحسن الأقوى.

ومن الامثلة الأخرى، أن شق البطن في نفسه قبيح، ولكن من أجل العملية الجراحية التي يتوقف عليها إنقاذه، فهنا يرتفع القبح لمصلحة الأهم.



http://tahqeq.jeeran.com/pix4300.jpg


حرمة الإضرار بالنفس من المستـقلات العقلية

وعليه فإن الكلام إنما هو في الضرر نفسه، وليس مايقوله السيد الروحاني نقضا على المسألة، ألا ترى أن إلقاء النفس في التهلكة حرام، في حين أنه يجوز ذلك في الجهاد، أو تسليم النفس للقصاص، أو قطع الرجل اذا خيف انتشار المرض إلى الجسم.



تصوير حكم العقل

وحكم العقل هو من الأحكام الاقتضائية التي تندرج تحت عملية ظلم النفس، لأن الإنسان بحسب فطرته وبحسب ما يريده الشارع مكلف أن يحفظ نفسه ولا يضرها. وقد ورد في القرآن الكريم في مقام ذم الذين كفروا وعصوا وتمردوا بأنهم ظلموا أنفسهم

«وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»،

و«وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين»، وهي تتحدث عنهم بعنوان ظلم النفس، وهكذا في دعاء كميل «ظلمت نفسي»، مما يعني أن عنوان الظلم ينطبق على كل مايسيء إلى النفس، سواء بتوريطها نحو الهلاك، أو كان ببعض الأمور الأخرى، كالعذاب والبلاء. والعقلاء عندما يرتكب الإنسان شيئا يؤذيه أو يخلق له مشاكل، يقولون «ظلم نفسه». فانطباق عنوان الظلم على كل التصرفات المضرة بالبدن والتي تؤدي إلى مرض أو ألم أو أي خسارة وما إلى ذلك، يقتضي أن تأخذ حكم الظلم. غاية الأمر أظلم النفس أخف من ظلم الغير، فيمكن أن يقال أن ظلم الغير علة تامة للقبح، بينما ظلم النفس مقتض للقبح، فإذا لم يعارضه شيء أثـّر أثره. وعليه فإن حكم العقل ثابت ومقتض لحكم الشرع.

وعلى ضوء هذا قلنا بحرمة جرح النفس أو ضرب السلاسل أو اللطم لحكم الشرع.


وقد يقول قائل إنك تقول أن الضرر إذا زاحمته منفعة أخرى يكون حلالا، وقضية التطبير هي من شعائر الحسين، فيقتضي أن تكون حلالا.

ولكن هذا الكلام غير صحيح، لأن هذا الكلام فيه ما يشبه الدور، لأن ما يكون تعظيما لذكراه، جوازه موقوف على أن يكون حلالا. وإلا اذا فرضنا كانت محرمة، فلا أحد يجوزه، فلو فرضنا أن أحدا يبكي على الحسين بشكل يؤدي إلى أن يقتل نفسه، فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل شخص مع العباس، فقطع يده فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل مع القضية بجدل فقطع اصبعه، فهل يجوز ذلك؟

والحاصل إن ذلك موقوف أن يكون حلالا بنفسه، حتى أن ذلك الكلام الذي يتداوله الناس أنه من الشعائر، فإن السيد الخوئي في المسائل الشرعية يكذبه، حيث يقول: إنها ليست من الشعائر، لأنها ليست من الأمور التي تـُرك للناس أن يبتدعوها، بل ماجاء النص بها، وثبت استحبابه. وعليه إن أردنا أن نعرف السبب الذي جعل بعض العلماء الذين جوزوه في حد نفسه كالنائيني، هو أنهم لايرون حرمة الضرر، إذا لم يؤد إلى التهلكة. ولكن رأينا أن مشهور العلماء خلاف ذلك، بل إن الشيخ الأنصاري يقول إنه مما استقل العقل بقبحه، وهناك نص لجامع المدارك، بعد أن أورد مرسل تحف العقول قال: «إن مقتضى مرسل تحف العقول المذكور حرمة ما كان مضرا، ولو لم يصل ضرره إلى الهلاك، فيشكل التحديد بكون المضر موجبا للقتل والهلاك، فإن كثيرا من المأكولات والمشروبات تكون مضرة للأبدان، ولا يوجب القتل والهلاك، ولازم هذا لزوم الاحتراز عن مثل شرب الماء وأكل الغذاء زائدا على اللازم بالنسبة إلى من يتضرر...». وعليه فإننا نوافق الشيخ الانصاري والمشهور في ذلك، ولا نرى أن ما ذكره الروحاني تاما.



----------------------
في الجزء الثاني : ادلة اخرى على الحرمة

سيد مرحوم
10-13-2003, 02:29 AM
الجزء الثاني


ادلة اخرى على الحرمة

وربما يستدل بأدلة أخرى على الحرمة منها، دليل «لاضرر» بناءً على إرادة النهي من النفي، أما بالملازمة أو بشكل مباشر، كما ذهب إليه شيخ الشريعة رحمه الله، حيث ذهب أن وزان "لا ضرر ولا ضرار" وزان "لا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج"، فكما أن هذه الفقرة من الآية دالة على حرمة الرفث والفسوق والجدال، فكذلك هذه الكلمة تدل على حرمة الضرر والضرار.

ولكن يمكن أن يرد عليه بإيرادين:

الايراد الاول : إننا لن نوافق على أن المراد بقوله
«لاضرر ولاضرار» الحرمة، بل حققنا في محله أنها واردة في مقام نفي الأحكام الضررية، بمعنى أن الشارع لم يجعل حكما ضرريا، أو كما يقول صاحب الكفاية إنها واردة في مقام نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم، بمعنى لا موضوع ضرري، بمعنى أن الشارع لم يجعل الموضوع الضرري متعلقا للحكم.

وعلى كل حال فقد حقق في محله أن الفقرة ليست واردة في مقام النهي، وعلى فرض التسليم فهي واردة في حرمة الإضرار بالغير، خصوصا أن النبي (ص) قال لسمرة بن جندب: إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار.كما يقول السيد الخوئي رحمه الله، أن "لا ضر ولا ضرار" واردة في مقام الامتنان على المكلفين، ولا امتنان في تحريم الضرر على الإنسان، لأن الإنسان عادة ما يتحمل الضرر في صورة حاجته لذلك، أو في صورة وجود منفعة غالبة. فالإنسان عندما يتحمل المشقات والآلام والأمراض التي تصيبه في سفره الطويل، باعتبار ما يستهدف من الحصول على المال في التجارة، أو المجد بالاتصال بالناس، أو العلم.

فتحريم الإضرار بالنفس في هذا المورد مخالف للامتنان، فلا يشمل هذا المورد. ولكن هذا الرد ليس ردا، باعتبار أننا أنكرنا أن تكون هذه قاعدة – كقاعدة البراءة - واردة في مقام الامتنان على الأمة، بل إن حالتها حالة جميع الرخص الواردة في مقام رفع حكم ملزم، أو جعل حكم مرخص.

وقد يكون نفس الحكم مما يكون مصداقا للامتنان، وليس من الضروري أن يكون جعله بلحاظ الامتنان مقيدا للحكم، فعندما يجعل الله الماء أو اللحم مباحا، أو يقول: كل شيء لك حلال حتى تعرف إنه حرام بعينه، أو إن الناس في سعة مالم يعلموا؛ عندما تعرف مثل هذه الأمور، فليس من الضروري أن يكون جعلها بمقام الامتنان، وإن كانت في ذاتها فيها منة.

وثانيا: إن محل كلامنا في مسألة حرمة الضرر ككلامنا في حرمة أي شيء، هو حرمته في نفسه، بقطع النظر عن عروض عنوان ثانوي، أو حالة تزاحم تجعل الحكم الآخر أكثر أهمية منه.

ولذلك ففي صورة عدم وجود المنفعة الغالبة يكون الامتنان حاصلا بجعل الحرمة بالنسبة للإضرار بالنفس، كما في تحريم قتل النفس الذي يكون مصداقا للامتنان على الإنسان.

الوجه الثالث: مارواه الكليني في الكافي بإسناد إلى طلحة بن زيد «الجار كالنفس غير مضار ولا آثم»، فهذا المعنى استدل به على حرمة الإضرار بالنفس، لأن الله جعل الجار كالنفس، فهي واردة في مقام تحريم الإضرار بالجار، وممارسة الإثم معه. وذلك بتشبيه الجار بالنفس، فلو لم يكن الإضرار بالنفس محرما، لما كان هناك وجه لهذا التشبيه.

ولكن سيدنا الأستاذ السيد الخوئي رحمه الله لا يرى في هذه الرواية دليلا على المطلوب، بل يقول إن الرواية واردة في مقام الشيء الفطري الذي يتحرك به الإنسان بشكل طبيعي لا شعوري، فكما إنك لاتضر نفسك بشكل طبيعي، فعليك أن لا تضر جارك. ولا دلالة فيها على الحرمة الشرعية.

ولكننا يمكن أن نلاحظ على إشكال سيدنا رحمه الله، بأن هذه الرواية هي أكثر دلالة على الحرمة من غيرها، لأن ما يكون ناتجا عن الفطرة أعمق مما ينطلق بالجعل.

والوجه في ذلك: هو إنه اعتبر مسألة عدم الإضرار بالنفس من المسائل الفطرية، بمعنى أن الذي يخرج عنها كأنه خارج عن فطرته وإنسانيته، فهي أبلغ في مقام الدلالة علىالحرمة، وعلى كون هذا مرفوضا باعتبار أنه لا يحتاج إلى تحريم، فكأن هذا الأمر من الأمور المرتكزة في واقع الإنسان، مما لا يحتاج إلى تحريم، وإن كان محرماَ بذاته، لأن التحريم إنما من أجل إيجاد الداعي للعمل، فإذا كان الإنسان يندفع إليه فطريا وغريزياً، فلا يحتاج إلى إصدار حكم بالحرمة.

الرابعة:- مارواه الكليني (ره) في الكافي عن عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل من قوله (ع) «إن الله لم يحرم ذلك على عباده، وأحل لهم ما سواه لا رغبة منه فيما حرم عليهم ولا زهدا فيما أحل لهم، ولكن خلق الخلق، فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم، فأحله وأباحه تفضلا عليهم به لمصلحتهم، وعلم مايضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم.» إلى أن قال (ع):- «أما الميتة فإنه لا يدمنها أحد، إلا ضعف بدنه ونحف جسمه وذهبت قوته...».

فربما يستدل بها لحرمة الإضرار بالنفس، لكون الظاهر منها أن علة حرمة المحرمات هي أضرارها، فالحرمة تدور مداره. ولكن السيد الخوئي لا يرى دلالتها على ذلك.

أولا :- لأن هذا وارد في مقام الحكمة، وليس في مقام العلة، وذلك من قبيل اختلاط المياه الذي هو الأساس في العدة، ولكن العدة لا تدور مداره وجودا وعدما.

ثانياً :- إذا أردنا أن نلتزم بهذه الرواية، فينبغي أن نلتزم بحرمة الإدمان، وليس تناول الميتة.

يقول (قدس سره): «ولكن التأمل فيها يشهد بعدم دلالتها على حرمة الإضرار بالنفس، فإن المستفاد منها أن الحكمة في تحريم جملة من الأشياء، كونها مضرة بنوعها، لا أن الضرر موضوع للتحريم. والذي يدلنا على هذا أمور:-

(الأول):- إن الضرر لو كان علة للتحريم، يستفاد عدم حرمة الميتة من نفس هذه الرواية، لأن المذكور فيها ترتب الضرر على إدمانها، فلزم عدم حرمة الميتة من غير الإدمان، لأن العلة المنصوصة كما توجب توسعة الحكم، توجب تضييقه أيضا، فإذا ورد أن الخمر حرام لكونه مسكرا، فالتعليل المذكور كما يدل على حرمة الخمر من المسكرات، يدل على عدم حرمة الخمر إن لم يكن فيه سكر. من حيث القاعدة مع قطع النظر عن النص الخاص الدال على حرمة الخمر قليله وكثيره

(الثاني):-

إنه لو كان الضرر علة للتحريم، كانت الحرمة دائرة مدار الضرر، فإذا انتفى الضرر في المورد انتفت الحرمة. ولازم ذلك أن لايحرم قليل من الميتة مثلاَ بمقدار نقطع بعدم ترتب الضرر عليه، مع إن ذلك خلاف الضرورة من الدين

(الثالث) :-إنا نقطع بعدم كون الميتة بجميع أقسامها مضرة للبدن، فإذا ذبح حيوان إلى غير جهة القبلة، فهل يحتمل أن يكون أكله مضراً بالبدن مع التعمد في ذبحه إلى غير جهة القبلة، وغير مضر مع عدم التعمد في ذلك، أو يحتمل أن يكون مضرا في حال التمكن من الاستقبال، وغير مضر في حال العجز عنه؟

(الرابع):-ماورد في الروايات من ترتب الضرر على أكل جملة من الأشياء، كتناول الجبن في النهار، وإدمان أكل السمك، وأكل التفاح الحامض، إلى غير ذلك مما ورد في الأطعمة والأشربة، فراجع أبواب الأطعمة والأشربة من الوسائل، مع إنه لا خلاف ولا إشكال في جواز أكلها.

ومن الروايات التي يمكن أن يستدل بها للمقام، ما رواه في الوسائل في باب الأطعمة والأشربة عن تحف العقول، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، بعد تقسيم ما أخرجته الأرض، إلا ثلاث أصناف، من قوله عليه السلام (ع): «فكل شيء من هذه الأشياء فيه غذاء للإنسان ومنفعة وقوة، فحلال أكله، وما كان منها فيه مضرة فحرام أكله، إلا في حال التداوي...» وفي باب الأطعمة والأشربة من المستدرك عن دعائم الإسلام مثله، وفي المستدرك أيضا فقه الرضا (ع) قريب منه مع الاختلاف في العبارة.

والجواب عنها.... إن ظاهرها تقسيم الحبوب والثمار والبقول إلى قسمين: فما كان منها مضرا للإنسان بنوعه فهو حرام، إلا في حال التداوي، وما كان منها نافعا للإنسان بنوعه فهو حلال، أي إن الحكمة في حرمة بعض الأشياء هي كونه مضراً بحسب النوع، والحكمة في حلية بعض الأشياء هي كونه ذا منفعة ومصلحة نوعية، فلا دلالة لها على كون الحرمة دائرة مدار الضرر. وهذا مضافا إلى ضعف الروايات المذكورة من حيث السند. فإنا تعرضنا في بحث المكاسب لعدم صحة الاعتماد على روايات تحف العقول، وروايات دعائم الإسلام. وأما فقه الرضا (ع) فلم يثبت مافيه رواية، فضلاَ عن صحة سنده، ويحتمل كونه كتاب فتوى كما يظهر عند المراجعة.

فتحصل من جميع ما ذكرناه في المقام عدم حرمة الإضرار بالنفس، وصحة ما ذهب إليه المشهور من الحكم بصحة الطهارة المائية، مع كون المكلف جاهلا بكونها موجبا للضرر.


http://tahqeq.jeeran.com/india300.jpg

والواقع إن هذه الإشكالات بأجمعها لا ترد على الاستدلال بهذه الرواية.

فأما قوله إنا إذا أردنا أن نلتزم بحرمة ذلك، لكان المحرم هو الإدمان، فهو غير وارد، باعتبار الأحكام الشرعية فيما جعله الله منها دائرة مدار الضرر النوعي، وليست دائرة مدار الضرر الشخصي.

فكما حرم الله سبحانه وتعالى هذه الأمور من جهة الضرر النوعي، والذي لا يكون فعليا، فالشارع يريد أن يمنع الإنسان من المبدأ، لأن أكله قد يدفع الإنسان إلى الإدمان، وهذا من قبيل ما أسكر كثيره فقليله حرام، فالإسكار علة في تحريم الخمر، ولكن ليس في فعليته، بل في نوعه وطبيعته، ويكفي في الحرمة أن يكون الشيء مضرا في طبيعته.

وأما الإشكال الثاني والذي أورده السيد رحمه الله، فنحن نقول في عالم الحكمة والعلة إن كون حكمة على مقصودنا أدل، وذلك لأننا نلتزم بحرمة الإضرار بالنفس، بما يكون مضرا بحسب طبعه، وإن كان هذا الأمر غير فعلي بلحاظ بعض المزاحمات التي تؤثر في فعليته.

فنحن نفهم من تحريم الميتة من جهة الإضرار بالجسد، أنه يحرم أي شيء من جهة الضرر النوعي، وليس الضرر الشخصي.

وأما الإشكال بأنا لو التزمنا بالحرمة، للزم الالتزام بحرمة أشياء كثيرة كالتفاح الحامض والجبن والجوز إلخ، فهذه الأمور تكون محرمة، إذا كانت مضرة بالبدن عرفا.

وبعبارة أخرى، من أفتى بحلية هذه الأمور، أما باعتبار الضرر بلغ من الضعف مستوى لا يعد ضررا عند العرف، أو إنه لا يرى حرمة الإضرار بالنفس، وإلا فلو ثبت حرمة الإضرار بالنفس، وكان مثل هذا يوجب الإضرار بالنفس بشكل معتد به، ولا يزاحمها منفعة، فإننا نلتزم بالحرمة.

ولذلك فإننا نلتزم بحرمة شرب الماء بعد العملية الجراحية، إذا أدى ذلك إلى الخطر. وهكذا فاننا نلتزم بحرمة التخمة. وبعض الأحاديث الواردة في المقام لا بد أن نرد علمها إلى أهلها، فهي مثل الأحاديث التي تقول إن من يتكلم أثناء الجماع، يكون ولده أخرس، مع إننا لو عملنا إحصائية لما وجدنا الأولاد مصابين بالعمى أو الخرس، فهذه الأحاديث التي تتحدث عن التفاح الحامض والجبن من هذا القبيل، فلابد من رد علمها إلى أهلها.

وأما قضية من ذبح إلى غير القبلة متعمدا فهو محرم، وإن لم يكن مضرا، فإن الآية التي حرمت «والميتة» أن مقصوده ما مات حتف أنفه بقرينة «والموقوذة والمخنقة»، ولذلك أعطاها الشارع عنوانا آخر هو «ما أهل به لغير الله»، وهومما يكون محرما بسبب آخر كالجانب الروحي، أو لأي سبب آخر، فهذا لا يكون ضررا ماديا، ولكن ضرره معنوي، لأن الله يريد أن يستقبلوا القبلة، أو يذكروا اسم الله عليه.

الرابعة: مارواه في عيون الرضا: وحرمت الميتة لما فيها من فساد... إلخ.

الخامسة: حديث الأربعمئة : «فلا تأكلا الطحال». ويظهر الجواب عنهما مما تقدم. وأقول: ويظهر الجواب عما ذكره السيد الخوئي مما تقدم.

وقد ذكرنا سابقا أن رواية تحف العقول غير موثقة، التي تقول «كل مافيه مضرة فحرام أكله» التي تؤسس قاعدة كلية وهو نص على المطلوب.

ولكن السيد الخوئي يقول إن الرواية غير موثقة، ولكننا على المبنى الذي سلكناه من حجية الخبر الموثوق خاصة مع الانجبار بعمل المشهور يتم الاستدلال.

ومن جهة أخرى فإنه يناقش في أن ماتدل الرواية عليه الضرر الشخصي فلا تنفع للاستدلال.

ولكن الصحيح إنها تدل على الضرر النوعي ونستفيد حرمة الضرر الشخصي بالأولوية.


النتيجة:

إننا نستطيع أن نستفيد من خلال مجموع الأحاديث التي تجعل العلة في حرمة هذه
الأشياء الضرر النوعي بالبدن، أن حكمة الله سبحانه
وتعالى على أن يسير الإنسان إلى ما فيه منفعته
من خلال التشريع، ويبعده عما فيه المفسدة
والمضرة، ونستفيد أن كل ما كان من
قبيل هذه الأشياء مضرا بحسب نوعه، فيقتضي الحكم بحرمته.
وعليه فما ذكره سيدنا الأستاذ رحمه الله، وتبعه عليه بعض المتأخرين من عدم حرمة الإضرار بالنفس، لا نوافق عليه. ونحن نوافق المشهور من حرمة الإضرار بالنفس، ولاسيما الشيخ الأنصاري الذي هو شيخ العلماء الذي قال أنه مما استقل به العقل ويؤيده النقل.

ومن خلال هذا البحث العلمي الواسع نعرف أن مذهب مشهور علماء الشيعة الإمامية حرمة التطبير وضرب الظهور بالسلاسل والتدخين، وكل ما يضر بالبدن ضررا معتدا به، لا بالمعنى الدقيق، بل بالمعنى العرفي.



--------------------------
الجزء الثالث : بعض إشكالات دعاة التطبير

التلميذ
10-13-2003, 10:18 PM
السلام عليكم

الاخ المحترم سيد مرحوم

اشكركم على هذه الدرر القيم وأسالكم أن كان بالامكان أن تجمعوا مواضيعكم القيمة وارسالها بالبريد اللالكتروني yaq266@hotmail.com وأكون شاكرا لكم جميل ما صنعتم

أخوكم الصغير
التلميذ

سيد مرحوم
10-15-2003, 09:10 AM
لجزء الثالث


بعض إشكالات دعاة التطبير

ولما كانت الإشكالات التي يثيرها المتحمسون للتطبيرفي الوقت المعاصر هي نفسها التي أثيرت منذ أكثر من نصف قرن، آثرنا نقلها بحذافيرها من خلال رسالة ألفها أحد المعترضين، والأجوبة عليها من قبل الإمام الأكبر السيد محسن الأمين العاملي (رحمه الله).

http://arabic.islamicweb.com/images/ashura.gif

قال المعترض «ومن فواجع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور ما نقلته بعض جرائد بيروت في هذا العام عمن نحترم أشخاصهم من المعاصرين الوطنيين من تحبيذ ترك المواكب الحسينية والاجتماعات العزائية بصورها في النبطية وغيرها، فما أدري أصدق الناقل أم كذب، فإن كان صادقا، فالمصيبة على الدين جسيمة عظيمة، لا ينوء بها ولا ينهض بعبئها عاتق المتدينين (إلخ).

وأجابه السيد الأمين بقوله: «هذا التهويل وتكثير الأسجاع لا يفيد شيئا، ولو أضيف إليه أضعافه من قاطعات النحور ومجففات البحور ومفطرات الصخور ومبعثرات القبور ومهدمات القصور ومسقطات الطيور، بل أن من فجائع الدهور وفظائع الأمور وقاصمات الظهور وموغرات الصدور، اتخاذ الطبول والزمور، وشق الرؤوس على الوجه المشهور، وإبراز شيعة أهل البيت وأتباعهم بمظهر الوحشية والسخرية أمام الجمهور، مما لا يرضى به عاقل غيور، وعد ذلك عبادة ونسبته إلى أهل البيت الطهور. والمواكب الحسينية والاجتماعات العزائية لا تتحسن ولا تحل إلا بتنزينها عما حرمه الله تعالى، وعما يشين ويعيب وينسب فاعله إلى الجهل والهمجية، وقد بينا أن الطبل والزمر وإيذاء النفس والبروز بالهيئة المستبشعة مما حرمه ولم يرضه لأوليائه، سواء وقع في النبطية أوالقرشية أو مكة المكرمة.

ومما جاء في الرسالة «قالوا إنا نجد قراء التعزية كثيرا ما يسردون على مسامع الجالسين أحاديثـنا (كذا) مكذوبة وأجاب بما لفظه: وكثيرا من أساطين العلماء يعلمون بضعاف الأخبار من السنن، ومن المعلوم أن روايات التعزية من سنخ الرخص، لا العزائم، والله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يحب ان يؤخذ بعزائمه».

السيد الأمين : وإنا نسأله ما يربط عمل العلماء بالخبر الضعيف في السنن بإخبار التعزية التي هي أمور تاريخية لا أحكام شرعية، وما يربط الخبر الضعيف بالمقام، والقائل الموهوم، إنما قال إنهم يوردون أحاديث مكذوبة، ولم يقل ضعيفة الإسناد، وما معنى أن روايات التعزية من سنخ الرخص لا العزائم، فالرخصة خاصة بالمباح والمستحب والمكروه، والعزيمة بالحرام والواجب، فما معنى أن روايات التعزية من الرخص، فهل تلك الروايات نفسها مباحة أومكروهة أو مستحبة؟ فإن كان المراد نقلها، فأي معنى لقول نقلها رخصة لا عزيمة، مع إنها كانت كذبان كان نقلها محرمان وإن كان المراد مضمونها، فهو قصة تاريخية لا تتصف برخصة أو عزيمة، ولو فرض أن مضمونها حكم شرعي، فلا بد أن يكون أحد الأحكام الخمسة التكليفية، فكيف جعل رخصة فقط؟ (وقوله) إن الله يحب أن يؤخذ برخصه إلخ، لا ربط له بالمقام، إذ معناه أن الله يحب أن يخفف على عبده بترك المستحب مثلا، كما يحب أن يلتزم بفعل الواجب وترك المحرم، فما ربط ذلك بإيراد الرواية المكذوبة في التعزية.


ومما قاله في تحسين لبس الأكفان وكشف الرؤوس وشقها بالمدى والسيوف يوم عاشوراء: «ما الذي نقموه على هذه الفئة، وسفهوا لأجله أحلامها، وأخرجوها به عن دائرة الإنسانية، ألبسها لبس الموتى فهذا عمل غير معيب عقلا، وهو مشروع دينا في إحرام الحج، ومندوب في كل تذكرة للآخرة، وتأهبا للموت، وكفى بالموت واعظا، ومن الغرور بالدنيا محذرا ومنذرا، أما كشفها رؤوسها، وهذا أيضا مستحسن طبا، مشروع بالإحرام دينا، أما بضعها لرؤوسها بآلة جارحة، وهذا أيضا مسنون شرعا، إذ هو ضرب من الحجامة، تلحقها الأحكام الخمسة التكليفية مباحة بالأصل، والراجح منها مستحب، والمرجوح مكروه، والمضر محرم، والحافظ للصحة واجب، فقد تمس الحاجة إلى عملية جراحية تفضي إلى بتر عضو، أو أعضاء رئيسية، حفظا لبقية البدن، وسدا لرمق الحياة الدنيوية، والحياة الدنيا بأسرها وشيكة الزوال والاضمحلال. أتباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية، ولا تباح جراحة ما في إهاب الرأس لأعظمها فائدة، وأجلها سعادة أخروية، وحياة أبدية وفوزا بمرافقة الأبرار في جنة الخلد إلخ – انتهى».

قوله الحجامة مباحة بالأصل، بل هي محرمة بالأصل، لأنها ضرر وإيذاء للنفس، ولا تحل إلا مع الضرورة لدفع مرض أو ألم أعظم منها، وإلا لكانت كفعل حجام ساباط الذي ضرب به المثـل فقيل: افرغ من حجام ساباط، وكان إذا لم يجد من يحجمه، حجم زوجته وأولاده. (قوله) والمرجوح مكروه، فيه أنه يشمل المكروه والحرام، ولم يبين متى يكون مرجوحا.

(قوله) والراجح مستحب فيه، أنه يشمل الواجب والمستحب. (قوله) والحافظ للصحة فيه أنه لا يجب دائما، فمع الخوف على النفس يجب، وبدونه يستحب. وحيث جعل شق الرؤوس نوعا من الحجامة، فهو أما واجب، وذلك حينما يخشى الضارب على نفسه الهلاك، لو لم يضرب نفسه، بأن يخبره الطبيب الحاذق أن في رأسه مرضا مهلكا لا يشفيه إلا جرح رأسه وشقها، ومستحب أن يكون الضارب محموما حمى شديدة، ويخبره الطبيب الحاذق أن دواءه في شق رأسه وإخراج الدم منه، ويشترط في هذين عدم التعرض للشمس وشدة الحركة الذي قد يوجب شدة مرضه أو هلاكه، وأما محرم، وذلك حيث يكون إيذاء صرفا وضررا بحتا.

وحيث الذين يضربون أنفسهم ليس في رؤوسهم داء، ولا في أبدانهم حمى، فانحصر فعلهم في الحرام، وإن كان محرما، لم يكن مقربا إلى الله، ولا موجبا لثوابه، بل لعقابه، ومغضبا لله ولرسوله (ص) وللحسين (ع)، الذي قتل لإحياء شرع جده (ص). (قوله) قد تمس الجراحة إلى عملية جراحية إلخ.... فيه أن العملية الجراحية المفضية إلى بتر عضو أو أعضاء تباح، بل تجب، لأنها مقدمة لحفظ النفس الواجب، وتباح لأجل الضرورة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، فيقدم الأهم، وهو حفظ النفس، على المهم، وهو عدم الإيذاء والإضرار، ويرتكب أخف الضررين، ولكن الحرام لا يـباح لإدراك المستحب، فالاستحباب لا يعارض الحرمة، ولا يطاع الله من حيث يعصى، ولا يقبل الله إلا من المتقين. ومن ذلك تعلم أن قوله أتباح هذه الجراحة الخطرة لفائدة ما دنيوية، ولا تباح جراحة ما في إهاب الرأس لأعظمها فائدة، وأجلها سعادة أخروية، وهي الثواب، لا تـترتب على فعل المحرم، فلا يكون في هذا الفعل إلا الضرر الدنيوي.


وما أشبه هذا الكلام الشعري بما يحكى أن رجلا صوفيا سرق تفاحة وتصدق بها، فسأله الإمام الصادق (ع) عن سبب فعله ذلك، فقال إنه لما سرقها كتبت له سيئة، فلما تصدق بها كتب له عشر حسنات، لأن من جاء بالحسنة فله عشرة أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا بها، فإذا أسقطنا سيئة من عشر حسنات، بقي تسع حسنات، فقال الإمام الصادق (ع): إن هذا جهل، أما سمعت قوله تعالى «إنما يتقبل الله من المتقين»؟ إنك لما سرقت التفاحة كتبت عليك سيئة، فلما تصدقت بها كتبت عليك سيئة أخرى، لأنك تصدقت بغير مالك، أو ما هذا معناه.


قال: «ولو كان الشاق وإن دخل تحت القدرة والطوق غير مشروع ما فعلته الأنبياء والأولياء؛ ألم يقم النبي (ص) للصلاة حتى تورمت قدماه؟ ألم يضع حجر المجاعة على بطنه، مع اقتداره على الشبع؟ ألم تحج الأمة مشاة حتى تورمت أقدامهم مع تمكنهم من الركوب؟ ألم يتخذ علي ابن الحسين البكاء على أبيه دأبا، والامتـناع عن تـناول الطعام والشراب، حتى يمتزجها بدموع عينه، ويغمى عليه في كل يوم مرة أو مرتين؟ أيجوز للنبي وآله (صلى الله عليه وعليهم) إدخال المشقة على أنفسهم طمعا بمزيد من الثواب، ولا يجوز لغيرهم؟ أيـباح لزين العابدين أن ينزل لنفسه ما ينزل من الآلام تأثرا وانفعالا من مصيبة أبيه، ولا يباح لوليه أن يؤلم نفسه لمصيبة إمامه؟ أينفض العباس (ع) الماء من يده، وهو على ما هو عليه من شدة الظمأ، تأسيا بعطش أخيه، ولا نقتص أثره؟ أيقرح الرضا جفون عينيه من البكاء، والعين أعظم جارحة نفيسة، ولا نتأس به، فنقرح على الأقل صدورنا، ونجرح بعض رؤوسنا؟ أتبكي السماء والأرض، تلك بالحمرة، وتلك بالدم العبيط، ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه وجوارحه؟ ولعل إذن الله لسمائه وأرضه أن ينزفا (كذا) على الحسين ما تشعر بترخيص الإنسان الشاعر لتلك المصيبة من دمه ما استطاع نزفه إجلالا وإعظاما، وهب أنه لا دليل على الندب، فلا دليل على الحرمة، مع أن الشيعي الجارح نفسه لا يعتقد بذلك الضرر، ومن كان بهذه المثابة لا يلزم بالمنع من الجرح، وإن حصل له منه الضرر – اتفاقا – انتهى».»،

وقد عرفت أن المشقة إذا وصلت لحد العسر والحرج، أوجبت رفع التكليف بالإجماع، لقوله تعالى «ما جعل عليكم في الدين من حرج»، ولم توجب تحريم الفعل، وإذا وصلت إلى حد الضرر، أوجبت رفع التكليف وحرمة الفعل، (أما) استشهاده بقيام الرسول الكريم (ص) للصلاة حتى تورمت قدماه، فإن صح، فلا بد أن يكون من باب الاتفاق، أي ترتب الورم عى القيام اتفاقا، ولم يكن النبي (ص) يعلم بترتبه، وإلا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون أنه يؤدي إلى ذلك، لأنه ضرر يرفع التكليف، ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه، وإلا فأين ما اتفق عليه الفقهاء من إذا خاف المكلف حصول الخشونة في الجلد وتشققه من استعمال الماء في الوضوء، انتقل فرضه إلى التيمم، ولم يجز له الوضوء، مع أنه أقل ضررا وإيذاءً من شق الرؤوس بالمدى والسيوف، إلى غير ذلك، وأما وضعه حجر المجاعة على بطنه مع اقتداره على الشبع، فلو صح، لحمل على صورة عدم خوف الضرر الموجب، لحرمة ذلك، لكن من أين ثبت أنه كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختيارا مع القدرة على الشبع؟ وكذا استشهاده بحج الأمة مشاة، وهو من هذا القبيل. أما بكاء علي ابن الحسين (ع) على أبيه المؤدي إلى الإغماء وامتـناعه عن الطعام والشراب، فإن صح، فهو أجنبي عن المقام، فإن هذه الأمور قهرية، لا يتعلق بها تكليف، وما كان منه اختياريا فحاله حال ما مر. وأما نفض العباس (ع) الماء تأسيا بعطش أخيه، فلو صح، لم يكن حجة لعدم العصمة، وأما استشهاده بتـقريح الرضا (ع) جفون عينه من البكاء، فإن صح، فلا بد أن يكون حصل ذلك قهرا واضطرارا، لاقصدا واختيارا، وإلا لحرم، ومن يعلم أو يظن أن البكاء يقرح عينيه، فلا يجوز له البكاء، إن قدر على تركه، لوجوب دفع الضرر بالإجماع وحكم العقل. وأما قوله «أتبكي السماء... » فكلام شعري صرف، لا يكون دليلا ولا مؤيدا لحكم شرعي، وأما قوله: وهب أنه لا دليل على الندب، فلا دليل على الحرمة، فطريف، لأن الأصل في المؤذي والمضر الحرمة، ودفع الضرر واجب عقلا ونقلا، ومثـله قوله الشيعي الجارح لايعتـقد بذلك الضرر، فإن الحرج نفسه ضرر وإيذاء محرم، لا يحتاج إلى اعتقاد أنه يترتب عليه ضرر أولا، وذلك لا يتفاوت فيه الشيعي وغيره، فالكل ذو لحم ودم ولا دخل فيه للمذهب.

ثم نقول عطفاعلى قوله: «أيقرح الرضا جفون عينه، ولا نتأسى به، فنقرح على الأقل صدورنا، ونجرح بعض رؤوسنا» إننا لم نركم جرحتم مرة بعض رؤوسكم، ولا كلها، ولا قرحتم صدوركم من اللطم، ولا فعل ذلك من العلماء وإنما يفعله العوام والجهلة. «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»، «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؛ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون».


ونقول عطفا على قوله «أتبكي السماء والأرض بالحمرة والدم ولا يبكي الشيعي بالدم المهراق من جميع أعضائه» إننا ما رأيناكم أهرقتم دما طول عمركم للحزن من بعض أعضائكم، ولا من جميعها، فلماذا تركتم هذا المستحب المؤكد تركا أبديا، وهجرتموه هجرا سرمديا، ولم يفعله أحد من العلماء في عمره، ولو بجرح صغير كبضعة الحجام، ولماذا لم يلبسوا الأكفان، ويحملوا الطبول والأبواق، وتركوا هذه المستحبات، وتفوز بها العوام والجهلة دونهم.

والحمدلله رب العالمين..

hsein_iran
07-09-2004, 02:59 AM
مولانا أحسنتم على الموضوع
ولكن هناك مشكلة في الألوان الجديدة
"تعتير عالآخر" هههه

وأريد منكم اختصار الموضوع بشكل لا يقلل من قيمته الحالية الكبيرة