سيد مرحوم
10-11-2003, 08:39 PM
الجزء الاول
«التطبير وضرب الظهور بالسلاسل» من كتاب «حركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية» لمؤلفه سماحة الشيخ جعفر الشاخوري البحراني.[
وممن تعرض لهذا البحث من الفقهاء المعاصرين، آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله). ولابأس بإيراد نص كلامه، قال دام ظله:
http://tahqeq.jeeran.com/5ف55ف5ف5555.jpg
«في الواقع نحن لسنا أول من أثار المسألة، إنما من أثارها من قبل وبطريقة علمية السيد محسن الأمين، ولكنها لقيت معارضة شديدة من الغوغاء، وكذلك أثارها السيد أبو الحسن الأصفاني، والسيد مهدي البروجردي في أحاديثه الخاصة، وكذلك السيد الخميني.
كما إن السيد الخوئي أفتى حول هذا الموضوع، وورد الإفتاء في كتاب خاص نشرته الجماعة الإسلامية في أمريكا وكندا، فحين سُئل عن جواز التطبير وضرب السلاسل، قال.. «إذا أوجبت هتك حرمة المذهب فلا يجوز». قالوا.. كيف ذلك.. قال «إذا أوجبت سخرية الناس الآخرين».
أما نحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي، وأن من واجبنا أنا وآية الله العظمى السيد الخامئني أن نفتي بذلك، ومع ما سنواجه من حالات التخلف والعواطف الثائرة، فإننا مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة.
ونلفت الانتباه بأننا لسنا معصومين، فمن كان لديه أفكار، فليتفضل بمناقشتها بروح علمية، بعيدة عن الضوضاء والغوغائية، لأن الغوغاء تذهب أدراج الرياح، فكم علت الغوغاء أمام رسول الله (ص) وأمام الإمام علي (ع)، فذهبت تلك الغوغاء وبقي رسول الله (ص) وبقى علي (ع).
وبما أننا ندرك الظروف التي أحاطت بفتوى الحلية من قبل بعض العلماء، والأساس الذي استند إليه العلماء الذين أفتوا بالحرمة، سنحاول استعراض مادار من جدل فقهي بين العلماء حول المسألة: هل إن الإضرار بالنفس محرم في ذاته، حتى لو لم يؤد إلى التهلكة؟ أو إن الإضرار بالنفس ليس محرما إلا إذا أدى إلى التهلكة؟
يرى بعض العلماء أن الإضرار بالنفس ليس محرما، إلا إذا أدى إلى التهلكة. وقد ذهب إلى هذا الرأي الميرزا النائيني والسيد الحكيم، وجماعة من العلماء الآخرين.
وهناك رأي آخر يقول، إن الإضرار بالنفس محرم، إلا إذا كان هناك مصلحة لذلك، فلا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك حتى لو لم يؤد ذلك إلى التهلكة، وبناء على هذا الرأي لا يمكن أن يتحول الإضرار بالنفس إلى شعار، لأنه لمجرد إقحامه في الشعار لا يصير حلالا في ذاته، فإنه لا يمكنك أن تشرب الخمر من جهة إحياء الشعائر، من قبيل ما كان يحصل في العراق، حيث كان بعض الناس يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر، مما ينحو بنا إلى القول أي حزن هو هذا على الحسين (ع) عندما يصبح الإنسان في غيبوبة؟
وبناء عليه فإن مسألة الإضرار بالنفس محرمة، وتعتبر قبيحة عقليا حتى لو لم تؤد إلى التهلكة.
نعم في بعض حالات الجهاد، المسألة تختلف، لأن الله جعل الجهاد لمصلحة حفظ الأمة، وحفظ الوطن؛ إن مصلحة الوقوف بوجه الأعداء هي أهم من حفظ الذات، ولكن لا يعني ذلك جواز انتحار الإنسان الذي يختلف كليا عن العمليات الاستشهادية التي يخوضها المقاومون.
وقد أشار الشهيد مطهري رحمه الله في بعض أبحاثه إلى أن عادة التطبير هي من العادات المستوردة من المسيحيين. قال رحمه الله «إذا تجاورت النحل وتعاشرت، تـُبدِلـَت العقائد والأذواق، وإن تباعدت في شعاراتها، من ذلك مثلا سريان عادة (التطبير)، أي ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات، وضرب الطبول والنفخ في الأبواق من المسيحيين الأرثوذوكس القفقازيين إلى ايران، وانتشرت فيها انتشار النار في الهشيم، بسبب استعداد النفوس والروحيات لتقبلها».»
ولما كانت هذه المسألة وغيرها كالتدخين وتعريض الإنسان نفسه للعدوى، وغيرها من المسائل مرتبطة بمسألة كبرى وهي حرمة الإضرار بالنفس آثرنا دراسة هذه المسألة من خلال البحث العلمي الذي ألقاه سماحة السيد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في هذا المجال وهذا نص كلامه: (( لو فرضنا أننا أحرزنا ضرر شيء مثل التدخين، فهل إن القاعدة تقتضي حرمة كل ما يضرالبدن، أو إن القاعدة حرمة ما كان مؤديا إلى التهلكة، أو كان الضرر بالغا، بحيث نعرف من ارتكاز المتشرعة أن الشارع يرفضه، مثل قطع الأعضاء الحيوية – اليد والعين –، بحيث يعرف من الشارع أنه لايريدها من جهة تسالم المتشرعة))
استعراض الأدلة التي ذكرت في المقام
وهذه الأدلة ذكرها السيد الخوئي في قاعدة (لا ضرر) في علم الأصول، والمعروف بين المشهور – كما ذكره السيد الروحاني – إن الاشياء الضارة للبدن محرمة كلها بجميع أصنافها قليلها وكثيرها.... - يعني ما أضره كثيره فقليله حرام، بل ادعي الإجماع بكلا قسميه عليه، وفي رسالة الشيخ الأعظم إنه استفيد من الأدلة العقلية تحريم الإضرار بالنفس، فالمسألة مشهورة بين الفقهاء، ادعي الإجماع عليها. بل ادعى الشيخ الأنصاري أن العقل يقتضي حلية مايضر أو ينفع. ولكن السيد الخوئي تبعا لـ النائيني وبعض تلامذته كـ الروحاني قال إن الضرر المحرم هو مايؤدي إلى التهلكة أو الضرر البالغ.
ومن الأدلة التي ذكرت أن العقل مستقل بقبح ذلك، بحيث أنه يكون في سلسلة علل الأحكام، لا في سلسلة معلولاتها كقبح الظلم، وعندما يستكشف العقل من إدراك قبح هذا الشيء بنحو ملزم، فإن الشارع جعل الحرمة، لأن الشارع ينطلق من المفاسد الملزمة بقاعدة الملازمة في عملية الحرمة بين الحكم الشرعي والعقل.
ولكن السيد الروحاني يورد على ذلك بأن العقلاء لا يحكمون بقبح الضرر مع وجود المنفعة، كقطع الأسفار البعيدة، وسهر الليالي لطلب العلم أو غيره، حكم العقل ينطلق من حكم العقلاء. ويشكل عليه بما أشكلناه على هذه الفكرة دائما، وهو أن هذا المورد خارج عن مورد النزاع، لأن محل كلامنا في القبح في ارتكاب الضرر نفسه، وأما مع وجود المصالح والمنافع التي تتدارك هذا الضرر، والعقلاء من جهة أهمية هذه المصالح والمنافع لا يقبحون للإنسان أن يرتكب ما فيه قبح بنسبة 20 في المائة إذا زاحمه حسن بنسبة 70 في المائة، وهذا يشمل حتى الحرام، وذلك من باب التزاحم، وذلك إذا توقف إنقاذ الغريق على عبور الأرض المغصوبة، أو تهديم البيت، فهنا يقولون بالجواز، ولا أحد يقول أن تهديم البيت ليس قبيحا، لأنه ضرر بالناس، ولكن العقلاء يرون أن ماهو قبيح في نفسه إذا عارضه وزاحمه ما يكون حسنه أهم من قبح، هذا فإنهم يرخصون للإنسان أن يفعل القبيح الأضعف لمصلحة الحسن الأقوى.
ومن الامثلة الأخرى، أن شق البطن في نفسه قبيح، ولكن من أجل العملية الجراحية التي يتوقف عليها إنقاذه، فهنا يرتفع القبح لمصلحة الأهم.
http://tahqeq.jeeran.com/pix4300.jpg
حرمة الإضرار بالنفس من المستـقلات العقلية
وعليه فإن الكلام إنما هو في الضرر نفسه، وليس مايقوله السيد الروحاني نقضا على المسألة، ألا ترى أن إلقاء النفس في التهلكة حرام، في حين أنه يجوز ذلك في الجهاد، أو تسليم النفس للقصاص، أو قطع الرجل اذا خيف انتشار المرض إلى الجسم.
تصوير حكم العقل
وحكم العقل هو من الأحكام الاقتضائية التي تندرج تحت عملية ظلم النفس، لأن الإنسان بحسب فطرته وبحسب ما يريده الشارع مكلف أن يحفظ نفسه ولا يضرها. وقد ورد في القرآن الكريم في مقام ذم الذين كفروا وعصوا وتمردوا بأنهم ظلموا أنفسهم
«وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»،
و«وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين»، وهي تتحدث عنهم بعنوان ظلم النفس، وهكذا في دعاء كميل «ظلمت نفسي»، مما يعني أن عنوان الظلم ينطبق على كل مايسيء إلى النفس، سواء بتوريطها نحو الهلاك، أو كان ببعض الأمور الأخرى، كالعذاب والبلاء. والعقلاء عندما يرتكب الإنسان شيئا يؤذيه أو يخلق له مشاكل، يقولون «ظلم نفسه». فانطباق عنوان الظلم على كل التصرفات المضرة بالبدن والتي تؤدي إلى مرض أو ألم أو أي خسارة وما إلى ذلك، يقتضي أن تأخذ حكم الظلم. غاية الأمر أظلم النفس أخف من ظلم الغير، فيمكن أن يقال أن ظلم الغير علة تامة للقبح، بينما ظلم النفس مقتض للقبح، فإذا لم يعارضه شيء أثـّر أثره. وعليه فإن حكم العقل ثابت ومقتض لحكم الشرع.
وعلى ضوء هذا قلنا بحرمة جرح النفس أو ضرب السلاسل أو اللطم لحكم الشرع.
وقد يقول قائل إنك تقول أن الضرر إذا زاحمته منفعة أخرى يكون حلالا، وقضية التطبير هي من شعائر الحسين، فيقتضي أن تكون حلالا.
ولكن هذا الكلام غير صحيح، لأن هذا الكلام فيه ما يشبه الدور، لأن ما يكون تعظيما لذكراه، جوازه موقوف على أن يكون حلالا. وإلا اذا فرضنا كانت محرمة، فلا أحد يجوزه، فلو فرضنا أن أحدا يبكي على الحسين بشكل يؤدي إلى أن يقتل نفسه، فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل شخص مع العباس، فقطع يده فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل مع القضية بجدل فقطع اصبعه، فهل يجوز ذلك؟
والحاصل إن ذلك موقوف أن يكون حلالا بنفسه، حتى أن ذلك الكلام الذي يتداوله الناس أنه من الشعائر، فإن السيد الخوئي في المسائل الشرعية يكذبه، حيث يقول: إنها ليست من الشعائر، لأنها ليست من الأمور التي تـُرك للناس أن يبتدعوها، بل ماجاء النص بها، وثبت استحبابه. وعليه إن أردنا أن نعرف السبب الذي جعل بعض العلماء الذين جوزوه في حد نفسه كالنائيني، هو أنهم لايرون حرمة الضرر، إذا لم يؤد إلى التهلكة. ولكن رأينا أن مشهور العلماء خلاف ذلك، بل إن الشيخ الأنصاري يقول إنه مما استقل العقل بقبحه، وهناك نص لجامع المدارك، بعد أن أورد مرسل تحف العقول قال: «إن مقتضى مرسل تحف العقول المذكور حرمة ما كان مضرا، ولو لم يصل ضرره إلى الهلاك، فيشكل التحديد بكون المضر موجبا للقتل والهلاك، فإن كثيرا من المأكولات والمشروبات تكون مضرة للأبدان، ولا يوجب القتل والهلاك، ولازم هذا لزوم الاحتراز عن مثل شرب الماء وأكل الغذاء زائدا على اللازم بالنسبة إلى من يتضرر...». وعليه فإننا نوافق الشيخ الانصاري والمشهور في ذلك، ولا نرى أن ما ذكره الروحاني تاما.
----------------------
في الجزء الثاني : ادلة اخرى على الحرمة
«التطبير وضرب الظهور بالسلاسل» من كتاب «حركية العقل الاجتهادي لدى فقهاء الشيعة الإمامية» لمؤلفه سماحة الشيخ جعفر الشاخوري البحراني.[
وممن تعرض لهذا البحث من الفقهاء المعاصرين، آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله). ولابأس بإيراد نص كلامه، قال دام ظله:
http://tahqeq.jeeran.com/5ف55ف5ف5555.jpg
«في الواقع نحن لسنا أول من أثار المسألة، إنما من أثارها من قبل وبطريقة علمية السيد محسن الأمين، ولكنها لقيت معارضة شديدة من الغوغاء، وكذلك أثارها السيد أبو الحسن الأصفاني، والسيد مهدي البروجردي في أحاديثه الخاصة، وكذلك السيد الخميني.
كما إن السيد الخوئي أفتى حول هذا الموضوع، وورد الإفتاء في كتاب خاص نشرته الجماعة الإسلامية في أمريكا وكندا، فحين سُئل عن جواز التطبير وضرب السلاسل، قال.. «إذا أوجبت هتك حرمة المذهب فلا يجوز». قالوا.. كيف ذلك.. قال «إذا أوجبت سخرية الناس الآخرين».
أما نحن نشعر أن هذا يمثل مظهر تخلف في الوجه الشيعي الإسلامي، وأن من واجبنا أنا وآية الله العظمى السيد الخامئني أن نفتي بذلك، ومع ما سنواجه من حالات التخلف والعواطف الثائرة، فإننا مستعدون لمواجهتها بكل قوة وصلابة.
ونلفت الانتباه بأننا لسنا معصومين، فمن كان لديه أفكار، فليتفضل بمناقشتها بروح علمية، بعيدة عن الضوضاء والغوغائية، لأن الغوغاء تذهب أدراج الرياح، فكم علت الغوغاء أمام رسول الله (ص) وأمام الإمام علي (ع)، فذهبت تلك الغوغاء وبقي رسول الله (ص) وبقى علي (ع).
وبما أننا ندرك الظروف التي أحاطت بفتوى الحلية من قبل بعض العلماء، والأساس الذي استند إليه العلماء الذين أفتوا بالحرمة، سنحاول استعراض مادار من جدل فقهي بين العلماء حول المسألة: هل إن الإضرار بالنفس محرم في ذاته، حتى لو لم يؤد إلى التهلكة؟ أو إن الإضرار بالنفس ليس محرما إلا إذا أدى إلى التهلكة؟
يرى بعض العلماء أن الإضرار بالنفس ليس محرما، إلا إذا أدى إلى التهلكة. وقد ذهب إلى هذا الرأي الميرزا النائيني والسيد الحكيم، وجماعة من العلماء الآخرين.
وهناك رأي آخر يقول، إن الإضرار بالنفس محرم، إلا إذا كان هناك مصلحة لذلك، فلا يجوز أن تقلع عينك أو تقطع يدك حتى لو لم يؤد ذلك إلى التهلكة، وبناء على هذا الرأي لا يمكن أن يتحول الإضرار بالنفس إلى شعار، لأنه لمجرد إقحامه في الشعار لا يصير حلالا في ذاته، فإنه لا يمكنك أن تشرب الخمر من جهة إحياء الشعائر، من قبيل ما كان يحصل في العراق، حيث كان بعض الناس يحتفلون في يوم عاشوراء بشرب الخمر، مما ينحو بنا إلى القول أي حزن هو هذا على الحسين (ع) عندما يصبح الإنسان في غيبوبة؟
وبناء عليه فإن مسألة الإضرار بالنفس محرمة، وتعتبر قبيحة عقليا حتى لو لم تؤد إلى التهلكة.
نعم في بعض حالات الجهاد، المسألة تختلف، لأن الله جعل الجهاد لمصلحة حفظ الأمة، وحفظ الوطن؛ إن مصلحة الوقوف بوجه الأعداء هي أهم من حفظ الذات، ولكن لا يعني ذلك جواز انتحار الإنسان الذي يختلف كليا عن العمليات الاستشهادية التي يخوضها المقاومون.
وقد أشار الشهيد مطهري رحمه الله في بعض أبحاثه إلى أن عادة التطبير هي من العادات المستوردة من المسيحيين. قال رحمه الله «إذا تجاورت النحل وتعاشرت، تـُبدِلـَت العقائد والأذواق، وإن تباعدت في شعاراتها، من ذلك مثلا سريان عادة (التطبير)، أي ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات، وضرب الطبول والنفخ في الأبواق من المسيحيين الأرثوذوكس القفقازيين إلى ايران، وانتشرت فيها انتشار النار في الهشيم، بسبب استعداد النفوس والروحيات لتقبلها».»
ولما كانت هذه المسألة وغيرها كالتدخين وتعريض الإنسان نفسه للعدوى، وغيرها من المسائل مرتبطة بمسألة كبرى وهي حرمة الإضرار بالنفس آثرنا دراسة هذه المسألة من خلال البحث العلمي الذي ألقاه سماحة السيد آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في هذا المجال وهذا نص كلامه: (( لو فرضنا أننا أحرزنا ضرر شيء مثل التدخين، فهل إن القاعدة تقتضي حرمة كل ما يضرالبدن، أو إن القاعدة حرمة ما كان مؤديا إلى التهلكة، أو كان الضرر بالغا، بحيث نعرف من ارتكاز المتشرعة أن الشارع يرفضه، مثل قطع الأعضاء الحيوية – اليد والعين –، بحيث يعرف من الشارع أنه لايريدها من جهة تسالم المتشرعة))
استعراض الأدلة التي ذكرت في المقام
وهذه الأدلة ذكرها السيد الخوئي في قاعدة (لا ضرر) في علم الأصول، والمعروف بين المشهور – كما ذكره السيد الروحاني – إن الاشياء الضارة للبدن محرمة كلها بجميع أصنافها قليلها وكثيرها.... - يعني ما أضره كثيره فقليله حرام، بل ادعي الإجماع بكلا قسميه عليه، وفي رسالة الشيخ الأعظم إنه استفيد من الأدلة العقلية تحريم الإضرار بالنفس، فالمسألة مشهورة بين الفقهاء، ادعي الإجماع عليها. بل ادعى الشيخ الأنصاري أن العقل يقتضي حلية مايضر أو ينفع. ولكن السيد الخوئي تبعا لـ النائيني وبعض تلامذته كـ الروحاني قال إن الضرر المحرم هو مايؤدي إلى التهلكة أو الضرر البالغ.
ومن الأدلة التي ذكرت أن العقل مستقل بقبح ذلك، بحيث أنه يكون في سلسلة علل الأحكام، لا في سلسلة معلولاتها كقبح الظلم، وعندما يستكشف العقل من إدراك قبح هذا الشيء بنحو ملزم، فإن الشارع جعل الحرمة، لأن الشارع ينطلق من المفاسد الملزمة بقاعدة الملازمة في عملية الحرمة بين الحكم الشرعي والعقل.
ولكن السيد الروحاني يورد على ذلك بأن العقلاء لا يحكمون بقبح الضرر مع وجود المنفعة، كقطع الأسفار البعيدة، وسهر الليالي لطلب العلم أو غيره، حكم العقل ينطلق من حكم العقلاء. ويشكل عليه بما أشكلناه على هذه الفكرة دائما، وهو أن هذا المورد خارج عن مورد النزاع، لأن محل كلامنا في القبح في ارتكاب الضرر نفسه، وأما مع وجود المصالح والمنافع التي تتدارك هذا الضرر، والعقلاء من جهة أهمية هذه المصالح والمنافع لا يقبحون للإنسان أن يرتكب ما فيه قبح بنسبة 20 في المائة إذا زاحمه حسن بنسبة 70 في المائة، وهذا يشمل حتى الحرام، وذلك من باب التزاحم، وذلك إذا توقف إنقاذ الغريق على عبور الأرض المغصوبة، أو تهديم البيت، فهنا يقولون بالجواز، ولا أحد يقول أن تهديم البيت ليس قبيحا، لأنه ضرر بالناس، ولكن العقلاء يرون أن ماهو قبيح في نفسه إذا عارضه وزاحمه ما يكون حسنه أهم من قبح، هذا فإنهم يرخصون للإنسان أن يفعل القبيح الأضعف لمصلحة الحسن الأقوى.
ومن الامثلة الأخرى، أن شق البطن في نفسه قبيح، ولكن من أجل العملية الجراحية التي يتوقف عليها إنقاذه، فهنا يرتفع القبح لمصلحة الأهم.
http://tahqeq.jeeran.com/pix4300.jpg
حرمة الإضرار بالنفس من المستـقلات العقلية
وعليه فإن الكلام إنما هو في الضرر نفسه، وليس مايقوله السيد الروحاني نقضا على المسألة، ألا ترى أن إلقاء النفس في التهلكة حرام، في حين أنه يجوز ذلك في الجهاد، أو تسليم النفس للقصاص، أو قطع الرجل اذا خيف انتشار المرض إلى الجسم.
تصوير حكم العقل
وحكم العقل هو من الأحكام الاقتضائية التي تندرج تحت عملية ظلم النفس، لأن الإنسان بحسب فطرته وبحسب ما يريده الشارع مكلف أن يحفظ نفسه ولا يضرها. وقد ورد في القرآن الكريم في مقام ذم الذين كفروا وعصوا وتمردوا بأنهم ظلموا أنفسهم
«وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»،
و«وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين»، وهي تتحدث عنهم بعنوان ظلم النفس، وهكذا في دعاء كميل «ظلمت نفسي»، مما يعني أن عنوان الظلم ينطبق على كل مايسيء إلى النفس، سواء بتوريطها نحو الهلاك، أو كان ببعض الأمور الأخرى، كالعذاب والبلاء. والعقلاء عندما يرتكب الإنسان شيئا يؤذيه أو يخلق له مشاكل، يقولون «ظلم نفسه». فانطباق عنوان الظلم على كل التصرفات المضرة بالبدن والتي تؤدي إلى مرض أو ألم أو أي خسارة وما إلى ذلك، يقتضي أن تأخذ حكم الظلم. غاية الأمر أظلم النفس أخف من ظلم الغير، فيمكن أن يقال أن ظلم الغير علة تامة للقبح، بينما ظلم النفس مقتض للقبح، فإذا لم يعارضه شيء أثـّر أثره. وعليه فإن حكم العقل ثابت ومقتض لحكم الشرع.
وعلى ضوء هذا قلنا بحرمة جرح النفس أو ضرب السلاسل أو اللطم لحكم الشرع.
وقد يقول قائل إنك تقول أن الضرر إذا زاحمته منفعة أخرى يكون حلالا، وقضية التطبير هي من شعائر الحسين، فيقتضي أن تكون حلالا.
ولكن هذا الكلام غير صحيح، لأن هذا الكلام فيه ما يشبه الدور، لأن ما يكون تعظيما لذكراه، جوازه موقوف على أن يكون حلالا. وإلا اذا فرضنا كانت محرمة، فلا أحد يجوزه، فلو فرضنا أن أحدا يبكي على الحسين بشكل يؤدي إلى أن يقتل نفسه، فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل شخص مع العباس، فقطع يده فهل يجوز ذلك؟ وإذا تفاعل مع القضية بجدل فقطع اصبعه، فهل يجوز ذلك؟
والحاصل إن ذلك موقوف أن يكون حلالا بنفسه، حتى أن ذلك الكلام الذي يتداوله الناس أنه من الشعائر، فإن السيد الخوئي في المسائل الشرعية يكذبه، حيث يقول: إنها ليست من الشعائر، لأنها ليست من الأمور التي تـُرك للناس أن يبتدعوها، بل ماجاء النص بها، وثبت استحبابه. وعليه إن أردنا أن نعرف السبب الذي جعل بعض العلماء الذين جوزوه في حد نفسه كالنائيني، هو أنهم لايرون حرمة الضرر، إذا لم يؤد إلى التهلكة. ولكن رأينا أن مشهور العلماء خلاف ذلك، بل إن الشيخ الأنصاري يقول إنه مما استقل العقل بقبحه، وهناك نص لجامع المدارك، بعد أن أورد مرسل تحف العقول قال: «إن مقتضى مرسل تحف العقول المذكور حرمة ما كان مضرا، ولو لم يصل ضرره إلى الهلاك، فيشكل التحديد بكون المضر موجبا للقتل والهلاك، فإن كثيرا من المأكولات والمشروبات تكون مضرة للأبدان، ولا يوجب القتل والهلاك، ولازم هذا لزوم الاحتراز عن مثل شرب الماء وأكل الغذاء زائدا على اللازم بالنسبة إلى من يتضرر...». وعليه فإننا نوافق الشيخ الانصاري والمشهور في ذلك، ولا نرى أن ما ذكره الروحاني تاما.
----------------------
في الجزء الثاني : ادلة اخرى على الحرمة