فاتن
09-15-2006, 02:46 PM
http://www.aawsat.com/2006/09/15/images/ksa-local.382792.jpg
«الشرق الأوسط» تدخل الروضة الشريفة في الوقت المخصص لزيارة النساء
المدينة المنورة: حليمة مظفر
قبل أن تعلن سماء المدينة المنورة اللحظات الأخيرة من الليل لتستقبل الشروق، يتهافت زوار المسجد النبوي رجالا ونساء بقلوب شغفة، وفي الأمتار الأولى من إحدى بوابات المسجد المخصصة للنساء، تقبل الزائرات بخطواتهن على الساحة البيضاء المحيطة بالمسجد المضيء كوسن الفجر، والممتلئة بكلماتهن العربية وغير العربية.
وحينها لن تندهش من خفة وسرعة خطوات مجموعة من المسنات، ومنهن من تعاني السمنة، يميزهن شريط أخضر وضعنه حول حجابهن، وما أن اقتربن من البوابة حتى سجدت إحداهن تبكي فرحا، لأنها نالت شرف زيارة أرض النبوة، ولم تكن الوحيدة، إذ كثيرا ما ترى هذا المشهد بين من يتميزن بالعاطفة المتدفقة.
البوابة 29 عند البوابة رقم 29، اتجهت إليها من دون كاميرا، أو جهاز تسجيل، لأنه لا يسمح بإدخال النساء ممن يحملن الأجهزة الإلكترونية أو جوال الكاميرا، ولهذا يتم تفتيش كل امرأة من قبل موظفات الحرم ممن لا ترى منهن سوى فتحات صغيرة جدا في أعينهن، في ظل التزامهن بارتداء ملابس ساترة تغطيها عباءات من على الرأس، والقفازات والجوارب السوداء، حتى لا تكاد الزائرة تفرق بين الموظفات المسؤولات عن مراقبة الزائرات للمسجد النبوي الشريف.
ولا تمل المراقبات من تكرار السؤال «هل معك جوال كاميرا» فإذا كانت الإجابة «نعم» تمنع الزائرة من الدخول، ويتم توجيهها إلى قسم الأمانات في المسجد، لكن بعض الزائرات، خصوصا من المواطنات يتذمرن غاضبات، ولا يترددن في الدخول بشجار مسموع مع الحارسات والمراقبات بصوت عال، خاصة إذا ما اقترب موعد الصلاة وجاءت متأخرة.
وعن هذا الإجراء سألتُ إحدى الحارسات بطريقة عفوية؛ لتجيب «نخشى من أعمال غير مسؤولة، كأن يتم تصوير المصليات» وبعفوية تكمل «والتفتيش مهم جدا، خاصة في ظل وجود الإرهاب» ومع ذلك فإنك في الداخل ستجد من معها جوال الكاميرا، كونها نفذت من تفتيش عشوائي.
مريم دهيثم إحدى الموظفات المتابعات سابقا في الحرم النبوي تعلق قائلة «الحارسات يتم التهجم عليهن أحيانا من قبل بعض الزائرات، ولا يمكنهن الدفاع عن أنفسهن، وتجبرهن الإدارة على الصبر والسكوت من باب احتساب الأجر، بما أنها قبلت هذا العمل، ولا يتم تعويضهن بصرف بدل تعرض للأذى».
وبعد الدخول، لا تتردد الزائرات للتوقف لحظة، كي يتنسمن هواء نقيا مطيبا بالمسك، ويبللن حناجرهن بماء زمزم البارد، لتجول أعينهن حينها بين أرجاء المكان المضيء كاللؤلؤ الصافي، ويدلفن باطمئنان الى أروقة المسجد.
وعلى السجاد الأحمر الناعم والرخام الفخم حتما تشدك نجفات المسجد المتلألئة والعمارة المتميزة التي تتماوج مع وجوه نساء خاشعات، وقد اختلفن فيما بينهن حتى في حجابهن، ما بين الحجاب الشرق آسيوي، إلى البنجابي والإيراني والسعودي، متخذات أماكن للتسبيح والصلاة وقراءة القرآن في زوايا وصفوف شطر المسجد المخصص لهن، والذي يفصل بينه وبين شطر الرجال حواجز خشبية عالية لا تمكنهن من رؤية الإمام والمصلين.
وما أن يعلن الأذان وتقام الصلاة حتى يمتثلن له، محاولات الانتظام في الصفوف، تعمد خلالها مرشدات المسجد إلى توجيههن لإكمالها بالود والألفة، لكن بعضهن يتخذ أسلوب الزجر، خاصة مع الزائرات غير العربيات، ليقف الجميع على اختلافهن المذهبي وانتماءاتهن في صفوف منتظمة بخشوع ووقار، لا يفسدها سوى صراخ الأطفال ولعبهم وركضهم بين المصليات.
طريق النساء إلى الروضة الشريفة بعد انتهاء صلاة الفجر، وقبل موعد الزيارة المرتقب تنهض الكثيرات للاتجاه إلى الروضة الشريفة، التي تقع حدودها من شرق دار السيدة عائشة المعروفة بالحجرة النبوية، حيث يضم ثراها قبر الرسول عليه السلام وصاحبيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي عليه السلام، ومن الشمال الخط المار من نهاية بيت عائشة شرقا إلى المنبر غربا.
وعبر ممر يتمّ تحديده وفصله عن شطر الرجال بالحواجز الخشبية، تمشي النساء في لهفة للقاء بقعة من بقاع الجنة، وخلال السير باتجاه الروضة الشريفة سيلفت نظرك عدم مشاهدة عربات لذوات الاحتياجات الخاصة أو المسنات، وتبقى قدماك القويتان هما الوحيدتان القادرتان على حملك حيث المكان الطاهر.
وبسبب الزحام الشديد الذي يبدأ قبل موعد بدء الزيارة والصلاة في الروضة عند الساعة السابعة وتنتهي في الـ11 صباحا، ليتم استئنافها مرة أخرى 1 ظهرا وحتى الثالثة عصرا، وهي أوقات لا تروق لكثير من النساء خصوصا المواطنات من سكان المدينة لعدم مناسبتها بسبب الالتزام الوظيفي لهن أو لأزواجهن.
وتقول مريم دهيثم «خلال عملي في الحرم، لم ألحظ أي نوع من المساعدة للمعاقات، فلا توجد عربات مخصصة لهن، رغم أن أهل الخير يتبرعون بعربات خاصة بالمعاقين والعجزة، لكني لاحظت أن الإدارة في الحرم تأخذها، ولا يتم الاستفادة منها أو استخدامها، بل حتى التبرعات المالية للأسف بعض الموظفات في الحرم لا يوصلنها إلى الإدارة».
وعلى اختلاف لغات الزائرات من النساء اللاتي يتجمعن بشكل كبير قبل موعد بدء الزيارة، فإن لغة واحدة توحدهن، هي لغة العيون التي امتلأت باللهفة، وترجمته إحدى الزائرات العربيات بما قالته لموظفة الحرم «ليتني أكن حذاء في قدميك، لأتمكن من المجيء والدخول إلى هذا المكان الطاهر كل يوم».
وحين يؤذن للمصطفات بالدخول الى الروضة الشريفة يكون ذلك على دفعات، تفاديا لحوادث الاختناق، إلا أنها غير منتظمة بعدد معين، وخلال الدخول إلى الروضة تزداد وتيرة التدافع حدة، وتبدأ جولة جديدة من السباق بين الراغبات في الصلاة للاتجاه إلى مقدمة الروضة، والحصول على حيز صغير جدا لأداء الصلاة التي يقطعها دهس المارة والتدافع وأوامر الموظفات بإنهائها سريعا.
وكثيرا ما تحرم النساء من الخشوع في الصلاة والاطمئنان بالدعاء بسبب الأصوات العالية التي تكثر من النهي والتحذير وبضرورة التخفيف من وقت الجلوس في الروضة لإتاحة الفرصة للمنتظرات في الخارج.
متر واحد للنساء وتبدو المساحة المتاحة لزيارة النساء في الروضة التي يصل طولها 22 متر وعرضها 15 متر صغيرة، وكما قالت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة سهيلة زين العابدين ابنة إمام وخطيب المسجد النبوي الراحل زين العابدين حماد «إنها تمثل المتر الأخير تقريبا من آخر الروضة الشريفة، بينما يتمتع شطر الرجال بكاملها، فما هو مخصص للنساء فهي مساحة ما بعد الروضة».
وتتابع زين العابدين حديثها عنها «الروضة الشريفة هي التي تقع ما بين المنبر وبيت الرسول عليه السلام، حيث الحجرة النبوية الطاهرة التي يرقد فيها قبره وقبر صاحبيه، وهذه المساحة موجودة حتى الصف الأول من المنبر، وما يخصص للنساء هو ما بعد ذلك».
وعن الحجة التي أدت إلى منع النساء من التمتع بحقهن في زيارة كامل الروضة الشريفة والرسول عليه السلام تقول زين العابدين «لا توجد أي حجة تمنعنا من التمتع بحقوقنا الدينية، التي ساوى الله تعالى فيها بين النساء والرجال، ومن يقل بتحريم زيارة المرأة للقبور، لكون الحجرة النبوية بجوار الروضة، فذلك غير صحيح، لأن الرسول عليه السلام فيما ذكر في صحيح البخاري، أنه رأى امرأة تبكي على قبر، فقال لها اصبري، ولم يأمرها بترك القبر والزيارة».
وكان الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)، مفتي المملكة العربية السعودية سابقا، قد أفتى بعدم مشروعية زيارة المرأة لقبر الرسول عليه السلام وصاحبيه حيث أفتي بقوله «ان هذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور» كما استشهد المفتي ابن باز في حكمه بما ثبت عن الرسول عليه السلام أنه لعن زوارات القبور من النساء، أما قصد المدينة للصلاة في المسجد النبوي والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو المشروع في حق النساء.
ومع معاناة النساء من الازدحام في الروضة، فإنهن أيضا لا يتمتعن بها بسبب ضيق الوقت المتاح لهن، فبعد مرور دقائق معدودة تقل عن خمس دقائق أحيانا كي يسمح للدفعة التالية بالدخول، تعمل موظفات الحرم على إخراج النساء بشكل سريع، متبعات أغلبهن طرقا جافة، وزاجرة وبصوت عال لا يلتزمن فيه آداب المكان المجاور للرسول، مستخدمات الضرب على الحواجز أحيانا، حتى أن بعضهن لا يتردد في دفع النساء بقوة للخارج.
أصوات عالية إحدى الموظفات تحدثت بكلمات أوردية آمرة وزاجرة لبعض النساء الآسيويات أثناء أداء صلاتهن بالقرب من ممر الخروج بسبب الزحام، ولأنهن لم يرغبن في قطع صلاتهن ضربت بيدها على الحاجز أمامهن لإخافتهن كي ينهضن سريعا، وهو ما كان.
وبسؤالها: ألا يجب عليكن أن لا ترفعن أصواتكن فوق صوت النبي عليه السلام وهو قريب من الروضة؟.. أجابت بحدة بادية في صوتها العالي «ماذا نفعل، فهذا عملنا، وهؤلاء لا يفهمن مهما تحدثت معهن، وهناك أخريات ينبغي أن يدخلن الى الروضة».
امرأة عربية أخرى أخذت تقبل الأرض والحاجز المحاذي للروضة بلهفة وإيمان وهي باكية، لكنها فوجئت بإحدى مرشدات الحرم توجهها بقولها «ما تفعلينه محرم، اتقي الله، هذا شرك، فلا تمارسيه» ورغم هذه الكلمات فإن المرأة لم تبادلها سوى بعبرات مرسلة وتمتمت بصوت خفيض تخبرها أنها مخطئة في ظنها، وما هذه القبلات سوى الفرحة بزيارة مسجد رسول الله وقبره الشريف.
وفي وسط هذا الزحام، وأصوات موظفات الحرم الآمرة بالانتهاء من الصلاة سريعا والخروج، نطقت فتاة مراهقة تقف الى جوار والدتها في انتظار انتهاء المصليات لأخذ مكانهن بصوت مسموع «من الخطأ أن يرفعن صوتهن على الزائرات، نحن بهذه الطريقة نعطي انطباعا سيئا لهم عنا أهل الحرمين الشريفين».
وهذه المعاملة من بعض موظفات الحرم ممن يسئن استخدام عملهن في تعنيف الزائرات ومضايقتهن، تؤكده مريم دهيثم التي كان عملها السابق متابعة هؤلاء الموظفات، وتقول «للأسف كثيرات منهن يجهلن طرق التعامل المتسامحة مع الزائرات وغير مؤهلات لأداء هذه المهمة الجليلة في خدمة المسجد النبوي». وتتابع بقولها «الأمر الذي يحزنني أن بعض الموظفات يدخلن الروضة الشريفة وهن لسنا في طهر، وما أعرفه أنه لا يجوز، إلا أن الإدارة أجازت ذلك من قبيل العمل رغم إمكانية وجود حلول تنظيمية بالمبادلة».
وتتابع مريم بقولها «عندما كنت أشرف على متابعة الموظفات وأرى عدم المبالاة بمشاعر الزائرات الروحانية، كنت أتوجه إلى المسؤولة وأخبرها بذلك، إلا أنها كانت تقول لي انهم ليسوا مسؤولين عن أخلاقهن، وكثيرا ما كتبت تقارير حول تصرفاتهن هذه ولم يؤخذ بها».
ومريم التي تركت العمل لأنها لم تحتمل التصرفات المسيئة لزائرات المسجد النبوي بعد أن توجهت بالشكوى لعدد من المسؤولين في الإدارة للحد منها، وأصبحت شخصا غير مرغوب فيه من قبل الموظفات، تقول «كثيرا ما تعرضت للتحقيق».
وتستشهد مريم بحادثة، عندما رأت إحدى موظفات الحرم تسيئ معاملة زائرة كانت ساجدة أثناء صلاتها، في المكان غير الصحيح، تأمرها بالنهوض، وتقول «دفعني تصرفها إلى ضربها باستنكار منعا لها من ممارسة هذا التصرف المسيء مرة أخرى، لكنها ذهبت تشتكيني لدى الإدارة، وبدلا من أن تتعرض هي للتحقيق؛ تعرضت أنا للمساءلة رغم سوء تصرف الموظفة».
من جهتها تؤكد سهيلة زين العابدين، وهي عضو في جمعية حقوق الإنسان في السعودية، حصول هذه التصرفات المسيئة من قبل موظفات المسجد النبوي وتصفهم في حديثها لـ «الشرق الأوسط» «بأنهن يتصفن بالغلو دينيا، ويتعاملن مع الزائرات بتشدد وازدراء وتنطع، بل ويحرمن الحلال رغم أنهن غير مؤهلات علميا بما يشرع لهن إفتاء النساء، وبينهن الأميات، وأستغرب أننا كمجتمع يحارب الغلو والتطرف، فيما يتم توظيف متشددات يتعاملن بطريقة سيئة مع زائرات مسجد رسول الله، خاصة أن من بين الزائرات العالمات والفقيهات في أمور الدين الإسلامي».
قبل 15 سنة تشير سهيلة زين العابدين الى أن هذه المعاناة التي تتعرض لها النساء جراء تنظيم فصل النساء عن الرجال في زيارة الروضة لم يكن موجودا في الماضي قبل ما يقارب 15 سنة، وتقول «لقد كانت الزيارة متاحة للنساء والرجال معا، وكل محرم مع عائلته يزورها، ولم تكن هذه الفوضى موجودة، وكان والدي رحمه الله وهو خطيب وإمام الحرم النبوي يتولى زيارتنا للروضة الشريفة بنفسه».
وتتابع حديثها «على رئاسة الحرمين الشريفين أن تراجع هذا الأمر، كما أن عليها أن تعتني في اختيارها لموظفات الحرم النبوي، بمن هن على علم شرعي وتأهيل مناسب يستطعن التعامل فيه مع الآخر المختلف بتسامح واحترام».
وقد أشارت مريم دهيثم الى أن من أهم شروط التوظيف في الحرم النبوي، هو الالتزام بالحجاب الذي يشترط فيه العباءة الفضفاضة من على الرأس، والقفازات والجوارب السوداء، بجانب تغطية الوجه سوى فتحتين صغيرتين للعينين اللتين ينبغي أحيانا تغطيتهما، وتقول «عندما بدأت العمل اضطررت أن أغير عباءتي ثلاث مرات لتتناسب مع الشروط».
أما الشروط العلمية التي ينبغي توافرها في الموظفات فتقول «المرشدات الدينيات اللاتي يوجهن الزائرات ويفتينهن في أمورهن يشترط فيهن أن يكن حافظات على الأقل خمسة أجزاء من القرآن، ولا يقل مستواهن التعليمي عن المتوسطة أو الثانوية، ويتم تأهيلهن في دورات تدريبية وتوعوية لأداء مهمتهن في الإرشاد الديني».
وتتابع «لكن للأسف كثيراً ما ألحظ أنهن لا يفدن الزائرات أبدا ويجهلن الكثير من المبادئ الشرعية، كمحظورات الإحرام مثلا».
«الشرق الأوسط» تدخل الروضة الشريفة في الوقت المخصص لزيارة النساء
المدينة المنورة: حليمة مظفر
قبل أن تعلن سماء المدينة المنورة اللحظات الأخيرة من الليل لتستقبل الشروق، يتهافت زوار المسجد النبوي رجالا ونساء بقلوب شغفة، وفي الأمتار الأولى من إحدى بوابات المسجد المخصصة للنساء، تقبل الزائرات بخطواتهن على الساحة البيضاء المحيطة بالمسجد المضيء كوسن الفجر، والممتلئة بكلماتهن العربية وغير العربية.
وحينها لن تندهش من خفة وسرعة خطوات مجموعة من المسنات، ومنهن من تعاني السمنة، يميزهن شريط أخضر وضعنه حول حجابهن، وما أن اقتربن من البوابة حتى سجدت إحداهن تبكي فرحا، لأنها نالت شرف زيارة أرض النبوة، ولم تكن الوحيدة، إذ كثيرا ما ترى هذا المشهد بين من يتميزن بالعاطفة المتدفقة.
البوابة 29 عند البوابة رقم 29، اتجهت إليها من دون كاميرا، أو جهاز تسجيل، لأنه لا يسمح بإدخال النساء ممن يحملن الأجهزة الإلكترونية أو جوال الكاميرا، ولهذا يتم تفتيش كل امرأة من قبل موظفات الحرم ممن لا ترى منهن سوى فتحات صغيرة جدا في أعينهن، في ظل التزامهن بارتداء ملابس ساترة تغطيها عباءات من على الرأس، والقفازات والجوارب السوداء، حتى لا تكاد الزائرة تفرق بين الموظفات المسؤولات عن مراقبة الزائرات للمسجد النبوي الشريف.
ولا تمل المراقبات من تكرار السؤال «هل معك جوال كاميرا» فإذا كانت الإجابة «نعم» تمنع الزائرة من الدخول، ويتم توجيهها إلى قسم الأمانات في المسجد، لكن بعض الزائرات، خصوصا من المواطنات يتذمرن غاضبات، ولا يترددن في الدخول بشجار مسموع مع الحارسات والمراقبات بصوت عال، خاصة إذا ما اقترب موعد الصلاة وجاءت متأخرة.
وعن هذا الإجراء سألتُ إحدى الحارسات بطريقة عفوية؛ لتجيب «نخشى من أعمال غير مسؤولة، كأن يتم تصوير المصليات» وبعفوية تكمل «والتفتيش مهم جدا، خاصة في ظل وجود الإرهاب» ومع ذلك فإنك في الداخل ستجد من معها جوال الكاميرا، كونها نفذت من تفتيش عشوائي.
مريم دهيثم إحدى الموظفات المتابعات سابقا في الحرم النبوي تعلق قائلة «الحارسات يتم التهجم عليهن أحيانا من قبل بعض الزائرات، ولا يمكنهن الدفاع عن أنفسهن، وتجبرهن الإدارة على الصبر والسكوت من باب احتساب الأجر، بما أنها قبلت هذا العمل، ولا يتم تعويضهن بصرف بدل تعرض للأذى».
وبعد الدخول، لا تتردد الزائرات للتوقف لحظة، كي يتنسمن هواء نقيا مطيبا بالمسك، ويبللن حناجرهن بماء زمزم البارد، لتجول أعينهن حينها بين أرجاء المكان المضيء كاللؤلؤ الصافي، ويدلفن باطمئنان الى أروقة المسجد.
وعلى السجاد الأحمر الناعم والرخام الفخم حتما تشدك نجفات المسجد المتلألئة والعمارة المتميزة التي تتماوج مع وجوه نساء خاشعات، وقد اختلفن فيما بينهن حتى في حجابهن، ما بين الحجاب الشرق آسيوي، إلى البنجابي والإيراني والسعودي، متخذات أماكن للتسبيح والصلاة وقراءة القرآن في زوايا وصفوف شطر المسجد المخصص لهن، والذي يفصل بينه وبين شطر الرجال حواجز خشبية عالية لا تمكنهن من رؤية الإمام والمصلين.
وما أن يعلن الأذان وتقام الصلاة حتى يمتثلن له، محاولات الانتظام في الصفوف، تعمد خلالها مرشدات المسجد إلى توجيههن لإكمالها بالود والألفة، لكن بعضهن يتخذ أسلوب الزجر، خاصة مع الزائرات غير العربيات، ليقف الجميع على اختلافهن المذهبي وانتماءاتهن في صفوف منتظمة بخشوع ووقار، لا يفسدها سوى صراخ الأطفال ولعبهم وركضهم بين المصليات.
طريق النساء إلى الروضة الشريفة بعد انتهاء صلاة الفجر، وقبل موعد الزيارة المرتقب تنهض الكثيرات للاتجاه إلى الروضة الشريفة، التي تقع حدودها من شرق دار السيدة عائشة المعروفة بالحجرة النبوية، حيث يضم ثراها قبر الرسول عليه السلام وصاحبيه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد الذي به محراب النبي عليه السلام، ومن الشمال الخط المار من نهاية بيت عائشة شرقا إلى المنبر غربا.
وعبر ممر يتمّ تحديده وفصله عن شطر الرجال بالحواجز الخشبية، تمشي النساء في لهفة للقاء بقعة من بقاع الجنة، وخلال السير باتجاه الروضة الشريفة سيلفت نظرك عدم مشاهدة عربات لذوات الاحتياجات الخاصة أو المسنات، وتبقى قدماك القويتان هما الوحيدتان القادرتان على حملك حيث المكان الطاهر.
وبسبب الزحام الشديد الذي يبدأ قبل موعد بدء الزيارة والصلاة في الروضة عند الساعة السابعة وتنتهي في الـ11 صباحا، ليتم استئنافها مرة أخرى 1 ظهرا وحتى الثالثة عصرا، وهي أوقات لا تروق لكثير من النساء خصوصا المواطنات من سكان المدينة لعدم مناسبتها بسبب الالتزام الوظيفي لهن أو لأزواجهن.
وتقول مريم دهيثم «خلال عملي في الحرم، لم ألحظ أي نوع من المساعدة للمعاقات، فلا توجد عربات مخصصة لهن، رغم أن أهل الخير يتبرعون بعربات خاصة بالمعاقين والعجزة، لكني لاحظت أن الإدارة في الحرم تأخذها، ولا يتم الاستفادة منها أو استخدامها، بل حتى التبرعات المالية للأسف بعض الموظفات في الحرم لا يوصلنها إلى الإدارة».
وعلى اختلاف لغات الزائرات من النساء اللاتي يتجمعن بشكل كبير قبل موعد بدء الزيارة، فإن لغة واحدة توحدهن، هي لغة العيون التي امتلأت باللهفة، وترجمته إحدى الزائرات العربيات بما قالته لموظفة الحرم «ليتني أكن حذاء في قدميك، لأتمكن من المجيء والدخول إلى هذا المكان الطاهر كل يوم».
وحين يؤذن للمصطفات بالدخول الى الروضة الشريفة يكون ذلك على دفعات، تفاديا لحوادث الاختناق، إلا أنها غير منتظمة بعدد معين، وخلال الدخول إلى الروضة تزداد وتيرة التدافع حدة، وتبدأ جولة جديدة من السباق بين الراغبات في الصلاة للاتجاه إلى مقدمة الروضة، والحصول على حيز صغير جدا لأداء الصلاة التي يقطعها دهس المارة والتدافع وأوامر الموظفات بإنهائها سريعا.
وكثيرا ما تحرم النساء من الخشوع في الصلاة والاطمئنان بالدعاء بسبب الأصوات العالية التي تكثر من النهي والتحذير وبضرورة التخفيف من وقت الجلوس في الروضة لإتاحة الفرصة للمنتظرات في الخارج.
متر واحد للنساء وتبدو المساحة المتاحة لزيارة النساء في الروضة التي يصل طولها 22 متر وعرضها 15 متر صغيرة، وكما قالت لـ«الشرق الأوسط» الدكتورة سهيلة زين العابدين ابنة إمام وخطيب المسجد النبوي الراحل زين العابدين حماد «إنها تمثل المتر الأخير تقريبا من آخر الروضة الشريفة، بينما يتمتع شطر الرجال بكاملها، فما هو مخصص للنساء فهي مساحة ما بعد الروضة».
وتتابع زين العابدين حديثها عنها «الروضة الشريفة هي التي تقع ما بين المنبر وبيت الرسول عليه السلام، حيث الحجرة النبوية الطاهرة التي يرقد فيها قبره وقبر صاحبيه، وهذه المساحة موجودة حتى الصف الأول من المنبر، وما يخصص للنساء هو ما بعد ذلك».
وعن الحجة التي أدت إلى منع النساء من التمتع بحقهن في زيارة كامل الروضة الشريفة والرسول عليه السلام تقول زين العابدين «لا توجد أي حجة تمنعنا من التمتع بحقوقنا الدينية، التي ساوى الله تعالى فيها بين النساء والرجال، ومن يقل بتحريم زيارة المرأة للقبور، لكون الحجرة النبوية بجوار الروضة، فذلك غير صحيح، لأن الرسول عليه السلام فيما ذكر في صحيح البخاري، أنه رأى امرأة تبكي على قبر، فقال لها اصبري، ولم يأمرها بترك القبر والزيارة».
وكان الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)، مفتي المملكة العربية السعودية سابقا، قد أفتى بعدم مشروعية زيارة المرأة لقبر الرسول عليه السلام وصاحبيه حيث أفتي بقوله «ان هذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور» كما استشهد المفتي ابن باز في حكمه بما ثبت عن الرسول عليه السلام أنه لعن زوارات القبور من النساء، أما قصد المدينة للصلاة في المسجد النبوي والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو المشروع في حق النساء.
ومع معاناة النساء من الازدحام في الروضة، فإنهن أيضا لا يتمتعن بها بسبب ضيق الوقت المتاح لهن، فبعد مرور دقائق معدودة تقل عن خمس دقائق أحيانا كي يسمح للدفعة التالية بالدخول، تعمل موظفات الحرم على إخراج النساء بشكل سريع، متبعات أغلبهن طرقا جافة، وزاجرة وبصوت عال لا يلتزمن فيه آداب المكان المجاور للرسول، مستخدمات الضرب على الحواجز أحيانا، حتى أن بعضهن لا يتردد في دفع النساء بقوة للخارج.
أصوات عالية إحدى الموظفات تحدثت بكلمات أوردية آمرة وزاجرة لبعض النساء الآسيويات أثناء أداء صلاتهن بالقرب من ممر الخروج بسبب الزحام، ولأنهن لم يرغبن في قطع صلاتهن ضربت بيدها على الحاجز أمامهن لإخافتهن كي ينهضن سريعا، وهو ما كان.
وبسؤالها: ألا يجب عليكن أن لا ترفعن أصواتكن فوق صوت النبي عليه السلام وهو قريب من الروضة؟.. أجابت بحدة بادية في صوتها العالي «ماذا نفعل، فهذا عملنا، وهؤلاء لا يفهمن مهما تحدثت معهن، وهناك أخريات ينبغي أن يدخلن الى الروضة».
امرأة عربية أخرى أخذت تقبل الأرض والحاجز المحاذي للروضة بلهفة وإيمان وهي باكية، لكنها فوجئت بإحدى مرشدات الحرم توجهها بقولها «ما تفعلينه محرم، اتقي الله، هذا شرك، فلا تمارسيه» ورغم هذه الكلمات فإن المرأة لم تبادلها سوى بعبرات مرسلة وتمتمت بصوت خفيض تخبرها أنها مخطئة في ظنها، وما هذه القبلات سوى الفرحة بزيارة مسجد رسول الله وقبره الشريف.
وفي وسط هذا الزحام، وأصوات موظفات الحرم الآمرة بالانتهاء من الصلاة سريعا والخروج، نطقت فتاة مراهقة تقف الى جوار والدتها في انتظار انتهاء المصليات لأخذ مكانهن بصوت مسموع «من الخطأ أن يرفعن صوتهن على الزائرات، نحن بهذه الطريقة نعطي انطباعا سيئا لهم عنا أهل الحرمين الشريفين».
وهذه المعاملة من بعض موظفات الحرم ممن يسئن استخدام عملهن في تعنيف الزائرات ومضايقتهن، تؤكده مريم دهيثم التي كان عملها السابق متابعة هؤلاء الموظفات، وتقول «للأسف كثيرات منهن يجهلن طرق التعامل المتسامحة مع الزائرات وغير مؤهلات لأداء هذه المهمة الجليلة في خدمة المسجد النبوي». وتتابع بقولها «الأمر الذي يحزنني أن بعض الموظفات يدخلن الروضة الشريفة وهن لسنا في طهر، وما أعرفه أنه لا يجوز، إلا أن الإدارة أجازت ذلك من قبيل العمل رغم إمكانية وجود حلول تنظيمية بالمبادلة».
وتتابع مريم بقولها «عندما كنت أشرف على متابعة الموظفات وأرى عدم المبالاة بمشاعر الزائرات الروحانية، كنت أتوجه إلى المسؤولة وأخبرها بذلك، إلا أنها كانت تقول لي انهم ليسوا مسؤولين عن أخلاقهن، وكثيرا ما كتبت تقارير حول تصرفاتهن هذه ولم يؤخذ بها».
ومريم التي تركت العمل لأنها لم تحتمل التصرفات المسيئة لزائرات المسجد النبوي بعد أن توجهت بالشكوى لعدد من المسؤولين في الإدارة للحد منها، وأصبحت شخصا غير مرغوب فيه من قبل الموظفات، تقول «كثيرا ما تعرضت للتحقيق».
وتستشهد مريم بحادثة، عندما رأت إحدى موظفات الحرم تسيئ معاملة زائرة كانت ساجدة أثناء صلاتها، في المكان غير الصحيح، تأمرها بالنهوض، وتقول «دفعني تصرفها إلى ضربها باستنكار منعا لها من ممارسة هذا التصرف المسيء مرة أخرى، لكنها ذهبت تشتكيني لدى الإدارة، وبدلا من أن تتعرض هي للتحقيق؛ تعرضت أنا للمساءلة رغم سوء تصرف الموظفة».
من جهتها تؤكد سهيلة زين العابدين، وهي عضو في جمعية حقوق الإنسان في السعودية، حصول هذه التصرفات المسيئة من قبل موظفات المسجد النبوي وتصفهم في حديثها لـ «الشرق الأوسط» «بأنهن يتصفن بالغلو دينيا، ويتعاملن مع الزائرات بتشدد وازدراء وتنطع، بل ويحرمن الحلال رغم أنهن غير مؤهلات علميا بما يشرع لهن إفتاء النساء، وبينهن الأميات، وأستغرب أننا كمجتمع يحارب الغلو والتطرف، فيما يتم توظيف متشددات يتعاملن بطريقة سيئة مع زائرات مسجد رسول الله، خاصة أن من بين الزائرات العالمات والفقيهات في أمور الدين الإسلامي».
قبل 15 سنة تشير سهيلة زين العابدين الى أن هذه المعاناة التي تتعرض لها النساء جراء تنظيم فصل النساء عن الرجال في زيارة الروضة لم يكن موجودا في الماضي قبل ما يقارب 15 سنة، وتقول «لقد كانت الزيارة متاحة للنساء والرجال معا، وكل محرم مع عائلته يزورها، ولم تكن هذه الفوضى موجودة، وكان والدي رحمه الله وهو خطيب وإمام الحرم النبوي يتولى زيارتنا للروضة الشريفة بنفسه».
وتتابع حديثها «على رئاسة الحرمين الشريفين أن تراجع هذا الأمر، كما أن عليها أن تعتني في اختيارها لموظفات الحرم النبوي، بمن هن على علم شرعي وتأهيل مناسب يستطعن التعامل فيه مع الآخر المختلف بتسامح واحترام».
وقد أشارت مريم دهيثم الى أن من أهم شروط التوظيف في الحرم النبوي، هو الالتزام بالحجاب الذي يشترط فيه العباءة الفضفاضة من على الرأس، والقفازات والجوارب السوداء، بجانب تغطية الوجه سوى فتحتين صغيرتين للعينين اللتين ينبغي أحيانا تغطيتهما، وتقول «عندما بدأت العمل اضطررت أن أغير عباءتي ثلاث مرات لتتناسب مع الشروط».
أما الشروط العلمية التي ينبغي توافرها في الموظفات فتقول «المرشدات الدينيات اللاتي يوجهن الزائرات ويفتينهن في أمورهن يشترط فيهن أن يكن حافظات على الأقل خمسة أجزاء من القرآن، ولا يقل مستواهن التعليمي عن المتوسطة أو الثانوية، ويتم تأهيلهن في دورات تدريبية وتوعوية لأداء مهمتهن في الإرشاد الديني».
وتتابع «لكن للأسف كثيراً ما ألحظ أنهن لا يفدن الزائرات أبدا ويجهلن الكثير من المبادئ الشرعية، كمحظورات الإحرام مثلا».