زوربا
09-15-2006, 12:43 AM
قائد بالجيش الشعبي يكشف ملابسات "تصفية" قرنق
الخارجية الأمريكية تنفي
دبي - حيان نيوف وخالد عويس
ادعى ضابط سابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA استغلت برنامجا للعمليات السرية حول العالم، أعد بعد 11 سبتمبر/أيلول، بغرض ملاحقة الإرهابيين، لتصفية شخصيات سياسية كانت أهدافها تتعارض مع المصالح الاقتصادية والعسكرية للإدارة الأمريكية، ولم تكن معادية للولايات المتحدة.
وقال وين مادسن، الضابط السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، إن برنامج Worldwide Attack Matrix، والتي يمكن ترجمته حرفيا بـ"مصفوفة الهجوم العالمي الشامل"، أتاح للاستخبارات الأمريكية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، والنائب الأول لرئيس الجمهورية في السودان، الدكتور جون قرنق، ومسؤول جهاز الأمن في القوات اللبنانية، إيلي حبيقة، وشخصيات سياسية أخرى في إفريقيا وآسيا، خصوصا في باكستان.
وإذا كان الحديث عن البرنامج ليس جديدا حيث تناوله الصحفي الأمريكي الشهير بوب ودورد في سلسلة مقالات نشرت في الواشنطن بوست عام 2002م، والتي أثارت ضجة كبيرة حينها، إلا أن الجديد هو الكشف عن أسماء شخصيات شرق أوسطية قدمها "وين مادسن" على أن خطة اغتيالها جزء من البرنامج.
الخارجية الأمريكية تنفي
لكن الخارجية الأمريكية نفت بشدة في بيان لها في 13 مايو/أيار 2005 ما وصفته بـ"المزاعم الكاذبة" بشأن اغتيال الحريري. وقال بيان الخارجية الأمريكية: كما كان متوقعاً، ظهرت ادعاءات كاذبة منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، عن تورط أمريكي فيه. وزعمت إحدى النظريات أن السيد الحريري اغتيل لأنه عارض بناء قاعدة جوية أمريكية في لبنان. لكن السياسة الأمريكية تحظر الاغتيالات بوضوح منذ سنة 1976، كما أنه لا توجد أي خطط لإقامة مثل هذه القاعدة الجوية.
وأضاف البيان: في 11 آذار/مارس، زعم واين مادسن، الذي يطلق على نفسه لقب صحفي تحقيقات، أن اغتيال الحريري جاء "بتفويض" من الولايات المتحدة لأن السيد حريري "عُرف عنه أنه يعارض بشدة بناء قاعدة جوية أمريكية كبرى في شمال لبنان". وما فتئت السياسة الأمريكية تحظر بوضوح تام الاغتيالات منذ سنة 1976، عندما وقّع الرئيس فورد على الأمر التنفيذي رقم 11905.
وتابع البيان: أُعيد تأكيد حظر الاغتيالات من قبل الرئيس كارتر والرئيس ريغان، وأكد ريغان حظره في الأمر الرئاسي التنفيذي رقم 12333 الذي لا يزال ساري المفعول.
وينص الأمر التنفيذي رقم 12333 على أنه "لا يجوز لأي شخص موظف لدى حكومة الولايات المتحدة، أو يعمل باسمها، أن يقوم بالاغتيالات، أو يتآمر لتنفيذها". علاوة على ذلك، أكدّت القوات المسلحة الأمريكية أن لا خطط لديها لإقامة قاعدة جوية في لبنان.
تصريحات متناقضة بشأن المصادر
من جهة أخرى، أكد مادسن، الذي يدير حاليا، موقع "وين مادسن ريبورت" الأمريكي في واشنطن، في تصريحات خاصة لـ"العربية.نت" بأنه واثق كل الثقة في المعلومات التي نشرها على موقعه، كاشفا النقاب عن مصادر معلوماته، بالتشديد على أنها مصادر من داخل الاستخبارات الأمريكية وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووكالة المخابرات المركزية، فضلا عن وزارة الدفاع.
وأجاب مادسن بتاريخ 14 مايو/ أيار 2005 عن سؤال حول مصادر معلوماته بالقول لمؤلف الكتاب : "كل ما استطيع قوله إن هذه المصادر فرنسية وبلجيكية ولبنانية أما التصريح بالأسماء فيعني وضع هؤلاء الأشخاص في دائرة الخطر الكبير في أوروبا ولبنان".
وبعد يوم واحد قال مادسن: "استطيع أن أقول لكم ان مصادري هي ضباط استخبارات لبنانيون مسيحيون ومسلمون والاستخبارات الفرنسية الخارجية والاستخبارات العسكرية البلجيكية، وهناك أيضا من عمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية".
ويذكر وين مادسن في تقريره أن مشروع Worldwide Attack Matrix الذي أسسه مدير الاستخبارات المركزية جورج تينت عقب أحداث سبتمبر 2001، تم استخدامه في تصفية المعارضين للسياسة الأمريكية ومشاريع بوش - تشيني الاقتصادية في مجال البترول والغاز.
وشبّه مادسن مشروع "ماتريكس" بـ"دراما جيمس بوند العميل 007" وخاصة حلقة الترخيص بالقتل وبالتالي تحول إلى برنامج مخصص لقتل الإرهابيين بصرف النظر عن مكان عيشهم وتصفية قادة وشخصيات يتمردون عن السياسة الأمريكية والمصالح الاقتصادية للإدارة الأمريكية ولا يشكلون أي تهديد على الولايات المتحدة".
اغتيال إيلي حبيقة
وفي تقريره سلط وين مادسن الضوء على اغتيال إيلي حبيقة الذي قتل بتفجير سيارته في كانون الثاني 2002 بلبنان، وقال إنه "قتل لأنه عارض خططا أمريكية لإقامة مشاريع بترولية وعسكرية في لبنان، كما قتل مساعد حبيقة مايكل (مايك) نصار في البرازيل مع زوجته".
وكان حبيقة مسؤولا لجهاز الأمن في القوات اللبنانية اليمينية أثناء وقوع الهجوم على مخيمي صبرا وشاتيلا، في أعقاب اغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل الذي كان زعيما للقوات.
وكان حبيقة أعرب قبل مصرعه بأيام عن استعداده للإدلاء بشهادته ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون بشأن الدور الذي لعبه في مذبحة صبرا وشاتيلا في 1982. وعمل حبيقة بعد الحرب كوزير في الحكومة اللبنانية، وكان يشاع عن دور كبير له في مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، وتم اغتياله في بيروت في 24 يناير 2002.
وفي كتابه الذي صدر حديثا تحت عنوان "اغتيال الحريري- أدلة مخفية"، يكشف المؤلف الألماني يورغن كاين كولبل، الباحث في علم الجنايات في جامعة هومبولت في برلين تفاصيل جديدة حول اغتيال إيلي حبيقة: "التقي في بيروت بتاريخ 24 يناير 2002 كل من رئيس لجنة العدل في مجلس الشيوخ البلجيكي ورئيسي منظمتين بلجيكيتين حول التحقيق والتضامن مع ضحايا مجازر صبرا وشاتيلا بـ (إيلي حبيقة) الذي أخبرهم بتفاصيل حول المجزرة ومسؤولية شارون ودوره فيها، وفي اليوم التالي تم اغتيال إيلي حبيقة بسيارة مفخخة".
وقال وين مادسن في اتصال هاتفي مع "العربية.نت"، :"وفقا لمعلوماتي، اغتيل إيلي حبيقة لسبب رئيس هو معارضته مصالح عسكرية واقتصادية أمريكية في لبنان فضلا عن سبب آخر هو عزمه الإدلاء بشهادة حول مجزرة صبرا وشاتيلا. وهذا ما سمعته أيضا من شخصيات كانت قريبة جدا من حبيقة، وكان معارضا جدا لتقارب إدارة بوش مع إسرائيل، وذلك طبعا بعد أن انقطعت علاقته مع إسرائيل نهائيا".
وحاولت "العربية.نت" استقصاء رأي جينا حبيقة، أرملة إيلي حبيقة وزعيمة حزب الوعد اللبناني، في المعلومات التي كشف عنها الضابط الأمريكي السابق، فقالت إنها لا تملك معطيات واضحة حول هذا الأمر وليس لديها معلومات يمكن أن تدلي بها في هذا الخصوص.
اغتيال الحريري
كما يتحدث وين مادسن عن اغتيال الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السوادن ونائب الرئيس السوداني، قائلا إنه" قتل أيضا رغم أنه كان حليفا للولايات المتحدة وذلك في حادث تحطم مروحيته بعد معارضته لخطط أمريكية لتأسيس شركة بترولية في جنوب السودان وتم قتله بمساعدة الرئيس الوغندي يوري موسفيني، النصير لإدارة بوش".
كما يؤكد مادسن أن CIA اغتالت رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، لأن الأخير "عارض بشدة إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية شمال لبنان". وكانت هناك، بحسبه، شركة هندسية لبنانية أمريكية تريد البدء ببناء هذه القاعدة وقد عارض ذلك بشدة رفيق الحريري.
ويدعي تقرير وين مادسن، أن الاستخبارات الأمريكية قد اغتالت أخيرا حاكم إقليم بلوشستان السابق (باكستان)، نوّاب أكبر خان بغتي، الذي كان يعمل في الماضي مع قادة باكستانيين سابقين كالرئيس ذوالفقار علي بوتو الذي أعدم من قبل حكومة عسكرية موالية للولايات المتحدة.
ودعم بغتي (79عاما) القوات البلوشية في وجه التمييز العنصري ضدهم في إقليم البنجاب. وكانت هذه القوات، نظمت هجمات عدة على أنابيب الغاز في بلوشستان، ما أثار غضب بوش وتشيني، فأوعز الرئيس الباكستاني برويز مشرف بقتل بغتي، وتعرض جسده للتشويه.
غيفارا.. لوثر كينغ وجون كنيدي!
وحسب مادسن، فإن الإدارة الأمريكية دافعت عن هذا العمل الذي بررته بإبقاء باكستان موحدة. ويقول التقرير إن جماعة جورج بوش أرادت تطهير إقليم بلوشستان من أية شخصيات تدعو للاستقلال أو تثير المشاكل وذلك قبل إتمام مشروع أنبوب الغاز في آسيا الوسطى (CentGas) من تركمانستان إلى أفغانستان ثم البحر العربي في بلوشستان.
ويلفت تقرير وين مادسون إلى أن برنامج "ماتريكس" يشتهر بنشر صور مرعبة للضحايا الذي قتلوا أو جرحوا وينشرها في جميع أنحاء العالم لتحذير خصوم آخرين.
وهذا البرنامج يعمل بالتعاون مع القوات الخاصة الأمريكية، وبرنامج عمليات الحرب النفسية ويشير إلى بعض الصور التي عمل على نشرها مثل: رئيسة وزراء الهند السابقة، أنديرا غاندي، الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي والزعيم الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ، والثائر الأرجنتيني اليساري تشي غيفارا.
ومعلوم أن جورج تينت، المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية، قدم بعد 2001، خطة دولية لمكافحة القاعدة واتباعها، واوصي باجتياح افغانستان لتدمير معاقل التنظيم، وحدد اضافة لذلك 80 دولة ستكون ساحة لملاحقة الإسلاميين.
وأشارت خطة "ماتريكس" الى الدول ذات الأولوية الكبيرة التي يمكن ان يهرب اليها قادة القاعدة بعد احتلال أفغانستان. وفي 17 سبتمبر/ايلول 2001 وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش قرارا رئاسيا صادق فيه على عدد من العمليات غير المسبوقة في هذا المجال.
وضمت الخطة استخدام اساليب قاسية وقاتلة من أجل متابعة وملاحقة الناشطين، واغراء الدول الاجنبية واجهزتها الامنية بحوافز مالية كبيرة. وقامت المخابرات بارسال اعداد من ضباطها للاتصال ومساعدة مخابرات الدول الاجنبية هذه.
ويذكر أن الضابط وين مادسن، عمل في القوات البحرية الأميركية ووكالة الأمن القومي الأميركية خلال إدارة الرئيس ريغان. كما عمل ضابطا مسؤولا عن تنظيم معلومات القوى البحرية الأميركية ووزارة الخارجية، وله خبرة 20 سنة في أنظمة أمن المعلومات. وبعد تقاعده، انتقل للعمل الصحفي وعمل على تغطية الدفاع والأمن القومي والاستخبارات.
ويشار إلى أن كل عمليات "ماتريكس" مدرجة في تقرير سري يصف العمليات السرية ضد الإرهاب في 80 دولة في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا بعد أحداث سبتمبر 2001.وكان أول من كشف عنه في حلقات الصحافي الأمريكي بوب وودورد في الواشنطن بوست في 2002 وتتراوح أعماله بين الدعاية الاعلامية إلى عمليات موت سرية تحضيرا لهجوم عسكري، وذكر وودورد آنذاك أن هذا البرنامج يعطي CIA أقوى سلطة مخيفة ومميتة في العالم.
قائد في الجيش الشعبي يكشف ملابسات اغتيال قرنق
وعلى الرغم من أن عددا من المراقبين والمحللين لا يجنحون لـ"نظرية المؤامرة"، ويعتبرونها مبالغات لا ترتكز لأسانيد على الأرض، إلا أن الفرضيات التي يطرحها بعض الذين يتهمون جهات غربية، وخصوصا استخباراتية، بعمليات قتل وتصفية، في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، أو أية بقعة أخرى حول العالم، تبقى بنظر آخرين غير مستبعدة، في إطار صراعات المصالح والنفوذ.
ويحاجج متبنو الرأي الأول، بأن حادثة مقتل قرنق مثلا، خلص التحقيق بشأنها، من قبل خبراء، إلى خلل فني بالطائرة التي كانت تقله. ويرى هؤلاء بأن قرنق كان حليفا قويا للولايات المتحدة، وأن واشنطن خسرت بمقتله أضعاف ما خسر الآخرون. ويعتبرون أن المعلومات المطروحة حول "اغتياله" تعوزها الدقة والأدلة، وتتجاهل حقائق رئيسة، مثل الحقائق التي طرحتها لجنة التحقيق.
ويعتبر عدد من المحللين أن ملف قضية مصرع قرنق قد طوي، بالنتيجة التي آل إليها التحقيق، وليس ثمة مجال للتشكيك في الخلاصة التي قدمتها لجنة تضم خبراء دوليين. وربما لا يدعم الكثيرون رؤية مادسن، وافتراضه اغتيال قرنق، لكن آخرين يعتبرون أن الاحتمالات تبقى مفتوحة بهذا الشأن.
اتهامات وين مادسن، عضدها المقدم هاشم بدر الدين، قائد القوات الخاصة، أقوى وحدات الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة الدكتور جون قرنق، وهي القوات التي انتقى قرنق من وحداتها، عناصر شكلت فريق الحماية الخاص به.
ولخص بدر الدين في سياق حديثه لـ"العربية.نت" الأسباب التي تدعم اتهامه للأمريكيين باغتيال النائب الأول للرئيس السوداني، في المصالح النفطية التي قال إنها أمريكية صرفة في السودان حاليا، بعكس المعلن بأن الشركات العاملة في السودان، كندية وصينية وماليزية، مؤكدا أن الأمريكيين وراء كل هذه الشركات، كاشفا النقاب عن معلومات جديدة بهذا الخصوص.
وقال بدر الدين، إن النفط، والشكوك المحيطة بتوجهات قرنق الفكرية كـ"شيوعي"، والكاريزما والقدرات التي يتمتع بها، وكانت لتقلب المعادلات كلها في السودان، التي يسعى الأمريكيون للإبقاء عليها وعلى الحكومة عليها، إنما بتعديلات "طفيفة"، بالإضافة لمراوغته الأمريكيين، والتفافه على ضغوطهم، كلها أدت لاغتياله في نهاية يوليو 2005.
وعلى الرغم من أن بدر الدين لا يملك أدلة على الأرض فيما ذهب إليه، إلا أنه أكد بأن الأمريكيين سبق أن هددوا قرنق أثناء مفاوضات السلام السودانية في ضاحية مشاكوس الكينية. بدر الدين، الذي أحتفظ بمنصبه الرفيع في الجيش الشعبي إلى ما بعد مجيء قرنق إلى الخرطوم، كان مقربا جدا من زعيم الحركة الشعبية الذي لقي حتفه في تحطم طائرة تابعة للرئاسة اليوغندية أثناء انتقاله من كمبالا، مرورا بعنتيبي (يوغندا) إلى نيوسايت (جنوب السودان).
الخارجية الأمريكية تنفي
دبي - حيان نيوف وخالد عويس
ادعى ضابط سابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA استغلت برنامجا للعمليات السرية حول العالم، أعد بعد 11 سبتمبر/أيلول، بغرض ملاحقة الإرهابيين، لتصفية شخصيات سياسية كانت أهدافها تتعارض مع المصالح الاقتصادية والعسكرية للإدارة الأمريكية، ولم تكن معادية للولايات المتحدة.
وقال وين مادسن، الضابط السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، إن برنامج Worldwide Attack Matrix، والتي يمكن ترجمته حرفيا بـ"مصفوفة الهجوم العالمي الشامل"، أتاح للاستخبارات الأمريكية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، والنائب الأول لرئيس الجمهورية في السودان، الدكتور جون قرنق، ومسؤول جهاز الأمن في القوات اللبنانية، إيلي حبيقة، وشخصيات سياسية أخرى في إفريقيا وآسيا، خصوصا في باكستان.
وإذا كان الحديث عن البرنامج ليس جديدا حيث تناوله الصحفي الأمريكي الشهير بوب ودورد في سلسلة مقالات نشرت في الواشنطن بوست عام 2002م، والتي أثارت ضجة كبيرة حينها، إلا أن الجديد هو الكشف عن أسماء شخصيات شرق أوسطية قدمها "وين مادسن" على أن خطة اغتيالها جزء من البرنامج.
الخارجية الأمريكية تنفي
لكن الخارجية الأمريكية نفت بشدة في بيان لها في 13 مايو/أيار 2005 ما وصفته بـ"المزاعم الكاذبة" بشأن اغتيال الحريري. وقال بيان الخارجية الأمريكية: كما كان متوقعاً، ظهرت ادعاءات كاذبة منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005، عن تورط أمريكي فيه. وزعمت إحدى النظريات أن السيد الحريري اغتيل لأنه عارض بناء قاعدة جوية أمريكية في لبنان. لكن السياسة الأمريكية تحظر الاغتيالات بوضوح منذ سنة 1976، كما أنه لا توجد أي خطط لإقامة مثل هذه القاعدة الجوية.
وأضاف البيان: في 11 آذار/مارس، زعم واين مادسن، الذي يطلق على نفسه لقب صحفي تحقيقات، أن اغتيال الحريري جاء "بتفويض" من الولايات المتحدة لأن السيد حريري "عُرف عنه أنه يعارض بشدة بناء قاعدة جوية أمريكية كبرى في شمال لبنان". وما فتئت السياسة الأمريكية تحظر بوضوح تام الاغتيالات منذ سنة 1976، عندما وقّع الرئيس فورد على الأمر التنفيذي رقم 11905.
وتابع البيان: أُعيد تأكيد حظر الاغتيالات من قبل الرئيس كارتر والرئيس ريغان، وأكد ريغان حظره في الأمر الرئاسي التنفيذي رقم 12333 الذي لا يزال ساري المفعول.
وينص الأمر التنفيذي رقم 12333 على أنه "لا يجوز لأي شخص موظف لدى حكومة الولايات المتحدة، أو يعمل باسمها، أن يقوم بالاغتيالات، أو يتآمر لتنفيذها". علاوة على ذلك، أكدّت القوات المسلحة الأمريكية أن لا خطط لديها لإقامة قاعدة جوية في لبنان.
تصريحات متناقضة بشأن المصادر
من جهة أخرى، أكد مادسن، الذي يدير حاليا، موقع "وين مادسن ريبورت" الأمريكي في واشنطن، في تصريحات خاصة لـ"العربية.نت" بأنه واثق كل الثقة في المعلومات التي نشرها على موقعه، كاشفا النقاب عن مصادر معلوماته، بالتشديد على أنها مصادر من داخل الاستخبارات الأمريكية وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووكالة المخابرات المركزية، فضلا عن وزارة الدفاع.
وأجاب مادسن بتاريخ 14 مايو/ أيار 2005 عن سؤال حول مصادر معلوماته بالقول لمؤلف الكتاب : "كل ما استطيع قوله إن هذه المصادر فرنسية وبلجيكية ولبنانية أما التصريح بالأسماء فيعني وضع هؤلاء الأشخاص في دائرة الخطر الكبير في أوروبا ولبنان".
وبعد يوم واحد قال مادسن: "استطيع أن أقول لكم ان مصادري هي ضباط استخبارات لبنانيون مسيحيون ومسلمون والاستخبارات الفرنسية الخارجية والاستخبارات العسكرية البلجيكية، وهناك أيضا من عمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية".
ويذكر وين مادسن في تقريره أن مشروع Worldwide Attack Matrix الذي أسسه مدير الاستخبارات المركزية جورج تينت عقب أحداث سبتمبر 2001، تم استخدامه في تصفية المعارضين للسياسة الأمريكية ومشاريع بوش - تشيني الاقتصادية في مجال البترول والغاز.
وشبّه مادسن مشروع "ماتريكس" بـ"دراما جيمس بوند العميل 007" وخاصة حلقة الترخيص بالقتل وبالتالي تحول إلى برنامج مخصص لقتل الإرهابيين بصرف النظر عن مكان عيشهم وتصفية قادة وشخصيات يتمردون عن السياسة الأمريكية والمصالح الاقتصادية للإدارة الأمريكية ولا يشكلون أي تهديد على الولايات المتحدة".
اغتيال إيلي حبيقة
وفي تقريره سلط وين مادسن الضوء على اغتيال إيلي حبيقة الذي قتل بتفجير سيارته في كانون الثاني 2002 بلبنان، وقال إنه "قتل لأنه عارض خططا أمريكية لإقامة مشاريع بترولية وعسكرية في لبنان، كما قتل مساعد حبيقة مايكل (مايك) نصار في البرازيل مع زوجته".
وكان حبيقة مسؤولا لجهاز الأمن في القوات اللبنانية اليمينية أثناء وقوع الهجوم على مخيمي صبرا وشاتيلا، في أعقاب اغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل الذي كان زعيما للقوات.
وكان حبيقة أعرب قبل مصرعه بأيام عن استعداده للإدلاء بشهادته ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون بشأن الدور الذي لعبه في مذبحة صبرا وشاتيلا في 1982. وعمل حبيقة بعد الحرب كوزير في الحكومة اللبنانية، وكان يشاع عن دور كبير له في مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982، وتم اغتياله في بيروت في 24 يناير 2002.
وفي كتابه الذي صدر حديثا تحت عنوان "اغتيال الحريري- أدلة مخفية"، يكشف المؤلف الألماني يورغن كاين كولبل، الباحث في علم الجنايات في جامعة هومبولت في برلين تفاصيل جديدة حول اغتيال إيلي حبيقة: "التقي في بيروت بتاريخ 24 يناير 2002 كل من رئيس لجنة العدل في مجلس الشيوخ البلجيكي ورئيسي منظمتين بلجيكيتين حول التحقيق والتضامن مع ضحايا مجازر صبرا وشاتيلا بـ (إيلي حبيقة) الذي أخبرهم بتفاصيل حول المجزرة ومسؤولية شارون ودوره فيها، وفي اليوم التالي تم اغتيال إيلي حبيقة بسيارة مفخخة".
وقال وين مادسن في اتصال هاتفي مع "العربية.نت"، :"وفقا لمعلوماتي، اغتيل إيلي حبيقة لسبب رئيس هو معارضته مصالح عسكرية واقتصادية أمريكية في لبنان فضلا عن سبب آخر هو عزمه الإدلاء بشهادة حول مجزرة صبرا وشاتيلا. وهذا ما سمعته أيضا من شخصيات كانت قريبة جدا من حبيقة، وكان معارضا جدا لتقارب إدارة بوش مع إسرائيل، وذلك طبعا بعد أن انقطعت علاقته مع إسرائيل نهائيا".
وحاولت "العربية.نت" استقصاء رأي جينا حبيقة، أرملة إيلي حبيقة وزعيمة حزب الوعد اللبناني، في المعلومات التي كشف عنها الضابط الأمريكي السابق، فقالت إنها لا تملك معطيات واضحة حول هذا الأمر وليس لديها معلومات يمكن أن تدلي بها في هذا الخصوص.
اغتيال الحريري
كما يتحدث وين مادسن عن اغتيال الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السوادن ونائب الرئيس السوداني، قائلا إنه" قتل أيضا رغم أنه كان حليفا للولايات المتحدة وذلك في حادث تحطم مروحيته بعد معارضته لخطط أمريكية لتأسيس شركة بترولية في جنوب السودان وتم قتله بمساعدة الرئيس الوغندي يوري موسفيني، النصير لإدارة بوش".
كما يؤكد مادسن أن CIA اغتالت رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، لأن الأخير "عارض بشدة إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية شمال لبنان". وكانت هناك، بحسبه، شركة هندسية لبنانية أمريكية تريد البدء ببناء هذه القاعدة وقد عارض ذلك بشدة رفيق الحريري.
ويدعي تقرير وين مادسن، أن الاستخبارات الأمريكية قد اغتالت أخيرا حاكم إقليم بلوشستان السابق (باكستان)، نوّاب أكبر خان بغتي، الذي كان يعمل في الماضي مع قادة باكستانيين سابقين كالرئيس ذوالفقار علي بوتو الذي أعدم من قبل حكومة عسكرية موالية للولايات المتحدة.
ودعم بغتي (79عاما) القوات البلوشية في وجه التمييز العنصري ضدهم في إقليم البنجاب. وكانت هذه القوات، نظمت هجمات عدة على أنابيب الغاز في بلوشستان، ما أثار غضب بوش وتشيني، فأوعز الرئيس الباكستاني برويز مشرف بقتل بغتي، وتعرض جسده للتشويه.
غيفارا.. لوثر كينغ وجون كنيدي!
وحسب مادسن، فإن الإدارة الأمريكية دافعت عن هذا العمل الذي بررته بإبقاء باكستان موحدة. ويقول التقرير إن جماعة جورج بوش أرادت تطهير إقليم بلوشستان من أية شخصيات تدعو للاستقلال أو تثير المشاكل وذلك قبل إتمام مشروع أنبوب الغاز في آسيا الوسطى (CentGas) من تركمانستان إلى أفغانستان ثم البحر العربي في بلوشستان.
ويلفت تقرير وين مادسون إلى أن برنامج "ماتريكس" يشتهر بنشر صور مرعبة للضحايا الذي قتلوا أو جرحوا وينشرها في جميع أنحاء العالم لتحذير خصوم آخرين.
وهذا البرنامج يعمل بالتعاون مع القوات الخاصة الأمريكية، وبرنامج عمليات الحرب النفسية ويشير إلى بعض الصور التي عمل على نشرها مثل: رئيسة وزراء الهند السابقة، أنديرا غاندي، الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي والزعيم الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينغ، والثائر الأرجنتيني اليساري تشي غيفارا.
ومعلوم أن جورج تينت، المدير السابق للاستخبارات المركزية الأمريكية، قدم بعد 2001، خطة دولية لمكافحة القاعدة واتباعها، واوصي باجتياح افغانستان لتدمير معاقل التنظيم، وحدد اضافة لذلك 80 دولة ستكون ساحة لملاحقة الإسلاميين.
وأشارت خطة "ماتريكس" الى الدول ذات الأولوية الكبيرة التي يمكن ان يهرب اليها قادة القاعدة بعد احتلال أفغانستان. وفي 17 سبتمبر/ايلول 2001 وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش قرارا رئاسيا صادق فيه على عدد من العمليات غير المسبوقة في هذا المجال.
وضمت الخطة استخدام اساليب قاسية وقاتلة من أجل متابعة وملاحقة الناشطين، واغراء الدول الاجنبية واجهزتها الامنية بحوافز مالية كبيرة. وقامت المخابرات بارسال اعداد من ضباطها للاتصال ومساعدة مخابرات الدول الاجنبية هذه.
ويذكر أن الضابط وين مادسن، عمل في القوات البحرية الأميركية ووكالة الأمن القومي الأميركية خلال إدارة الرئيس ريغان. كما عمل ضابطا مسؤولا عن تنظيم معلومات القوى البحرية الأميركية ووزارة الخارجية، وله خبرة 20 سنة في أنظمة أمن المعلومات. وبعد تقاعده، انتقل للعمل الصحفي وعمل على تغطية الدفاع والأمن القومي والاستخبارات.
ويشار إلى أن كل عمليات "ماتريكس" مدرجة في تقرير سري يصف العمليات السرية ضد الإرهاب في 80 دولة في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا بعد أحداث سبتمبر 2001.وكان أول من كشف عنه في حلقات الصحافي الأمريكي بوب وودورد في الواشنطن بوست في 2002 وتتراوح أعماله بين الدعاية الاعلامية إلى عمليات موت سرية تحضيرا لهجوم عسكري، وذكر وودورد آنذاك أن هذا البرنامج يعطي CIA أقوى سلطة مخيفة ومميتة في العالم.
قائد في الجيش الشعبي يكشف ملابسات اغتيال قرنق
وعلى الرغم من أن عددا من المراقبين والمحللين لا يجنحون لـ"نظرية المؤامرة"، ويعتبرونها مبالغات لا ترتكز لأسانيد على الأرض، إلا أن الفرضيات التي يطرحها بعض الذين يتهمون جهات غربية، وخصوصا استخباراتية، بعمليات قتل وتصفية، في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، أو أية بقعة أخرى حول العالم، تبقى بنظر آخرين غير مستبعدة، في إطار صراعات المصالح والنفوذ.
ويحاجج متبنو الرأي الأول، بأن حادثة مقتل قرنق مثلا، خلص التحقيق بشأنها، من قبل خبراء، إلى خلل فني بالطائرة التي كانت تقله. ويرى هؤلاء بأن قرنق كان حليفا قويا للولايات المتحدة، وأن واشنطن خسرت بمقتله أضعاف ما خسر الآخرون. ويعتبرون أن المعلومات المطروحة حول "اغتياله" تعوزها الدقة والأدلة، وتتجاهل حقائق رئيسة، مثل الحقائق التي طرحتها لجنة التحقيق.
ويعتبر عدد من المحللين أن ملف قضية مصرع قرنق قد طوي، بالنتيجة التي آل إليها التحقيق، وليس ثمة مجال للتشكيك في الخلاصة التي قدمتها لجنة تضم خبراء دوليين. وربما لا يدعم الكثيرون رؤية مادسن، وافتراضه اغتيال قرنق، لكن آخرين يعتبرون أن الاحتمالات تبقى مفتوحة بهذا الشأن.
اتهامات وين مادسن، عضدها المقدم هاشم بدر الدين، قائد القوات الخاصة، أقوى وحدات الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة الدكتور جون قرنق، وهي القوات التي انتقى قرنق من وحداتها، عناصر شكلت فريق الحماية الخاص به.
ولخص بدر الدين في سياق حديثه لـ"العربية.نت" الأسباب التي تدعم اتهامه للأمريكيين باغتيال النائب الأول للرئيس السوداني، في المصالح النفطية التي قال إنها أمريكية صرفة في السودان حاليا، بعكس المعلن بأن الشركات العاملة في السودان، كندية وصينية وماليزية، مؤكدا أن الأمريكيين وراء كل هذه الشركات، كاشفا النقاب عن معلومات جديدة بهذا الخصوص.
وقال بدر الدين، إن النفط، والشكوك المحيطة بتوجهات قرنق الفكرية كـ"شيوعي"، والكاريزما والقدرات التي يتمتع بها، وكانت لتقلب المعادلات كلها في السودان، التي يسعى الأمريكيون للإبقاء عليها وعلى الحكومة عليها، إنما بتعديلات "طفيفة"، بالإضافة لمراوغته الأمريكيين، والتفافه على ضغوطهم، كلها أدت لاغتياله في نهاية يوليو 2005.
وعلى الرغم من أن بدر الدين لا يملك أدلة على الأرض فيما ذهب إليه، إلا أنه أكد بأن الأمريكيين سبق أن هددوا قرنق أثناء مفاوضات السلام السودانية في ضاحية مشاكوس الكينية. بدر الدين، الذي أحتفظ بمنصبه الرفيع في الجيش الشعبي إلى ما بعد مجيء قرنق إلى الخرطوم، كان مقربا جدا من زعيم الحركة الشعبية الذي لقي حتفه في تحطم طائرة تابعة للرئاسة اليوغندية أثناء انتقاله من كمبالا، مرورا بعنتيبي (يوغندا) إلى نيوسايت (جنوب السودان).