المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «المتشيّعون الجدد» متحمّسون للفتنة في لبنان



سياسى
09-04-2006, 12:41 PM
إياد أبو شقرا

«المحافظون الجدد» جماعة من الساسة والمنظّرين الأميركيين قفزت من مواقعها الأصلية داخل الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي قبيل عهد رونالد ريغان إلى قيادة تيار أقصى اليمين.
و«المتشيّعون الجدد» جماعة من الساسة والمنظرين اللبنانيين قفزت من مواقعها الانعزالية المعادية طويلاً لعروبة لبنان بعد إسقاط «اتفاق 17 أيار/مايو 1982» واتجهت لخدمة الحكم السوري والضرب بسيفه.

«المحافظون الجدد» معظمهم من اليهود الذين دفعتهم انتهازيتهم الفظيعة إلىالاستقواء باليمين الإنجيلي المسيحي، الذي يدعم إسرائيل بأمل تسريع يوم القيامة وتحوّل اليهود المتجمعين في فلسطين إلى المسيحية.

و«المتشيّعون الجدد» معظمهم من المسيحيين الذين دفعتهم انتهازيتهم الفظيعة إلى المزايدة ليس فقط على الشيعة بل حتى على «حزب الله» ذاته، فإذا تلكأ الحزب أو تردد في رشق منتقديه بالخيانة ... برز هؤلاء على منبر الردح لتولي المهمة عنه بنفاق مقززّ.

«المحافظون الجدد» خاضوا حتى الأمس القريب، حرباً شعواء ضد «الراديكالية الشيعية» الإيرانية، ووكّلوا في فترة ما صدام حسين بمحاربتها لـ«منع تصدير الثورة»، قبل أن يقرّروا إسقاط صدام بالتنسيق مع فصائل شيعية عراقية تلوذ بطهران، وها هي تتولى اليوم بصورة أو بأخرى حكم العراق ... المترنّح على شفا حرب أهلية.

و«المتشيّعون الجدد» كانوا حتى الأمس القريب طليعة حرب ضروس ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية قبل أن يقرّروا المراهنة ـ حسب أحد منظّريهم الأفذاذ خلال لقاء له على تلفزيون «المنار» في الأسبوع الماضي ـ على «تنامي بقعة الزيت الشيعية ليس في لبنان وحده بل في كل المنطقة»، والمزايدة على «حزب الله» في ساحات الوغى، والاستقواء به لخدمة أهدافهم المشبوهة في الأزقة المظلمة.

اليوم، مع دخول لبنان شهر أيلول/سبتمبر باستحقاقاته الإقليمية الموعودة، تشتد الحملة المركّزة والمنسّقة بهدف معلن هو إسقاط الحكومة اللبنانية الحالية بحجة الإتيان بحكومة «وحدة وطنية». هذه الخطوة التي سيليها حتماً السعي لحل مجلس النواب، تبدو أكبر وأخطر من مجرد توارد خواطر بين أطراف على الساحة اللبنانية لديهم حلفاء وأسياد وحسابات على الصعيد الإقليمي. فكلام الرئيس السوري بشار الأسد الأخير عن أن قوى الأكثرية البرلمانية اللبنانية «منتج إسرائيلي» لا يحتاج إلى تفسير.

أما المطالبة بـ«حكومة وحدة وطنية» تحت ذريعة تنفيذ أحد النصوص الواردة في «اتفاق الطائف» فمستغربة لعدة أسباب، منها:

1ـ أنها صادرة عن تيارات وقوى ... إما معارضة أصلاً لـ«اتفاق الطائف»، أو حليفة أو «عميلة» لمن منع وما زال يحاول منع تطبيقه بشتى الوسائل.

2ـ أن الحكومة الحالية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة فعلياً «حكومة وحدة وطنية». فليس ثمة قوة رئيسة خارجها سوى «كتلة التغيير والإصلاح» العونية المتحالفة فعلياً مع «حزب الله» ورئيس الجمهورية الممثلَين فيها بعدد من الوزراء.

3ـ أن نموذج «حكومة الوحدة الوطنية» المنشود موجود حقاً ومجرّب منذ عدة أشهر على «طاولة الحوار الوطني». وتبيّن بصورة قاطعة، من تعثر هذا الحوار كلما تطرق للقضايا المصيرية الحسّاسة، أن «الشكل» لا يحل أزمة «المضمون». فهل المقصود نقل جمود «طاولة الحوار الوطني» إلى آلية الحكم؟ ومن هو صاحب المصلحة الحقيقية اليوم في شلّ عمل الحكومة؟

4ـ كان أداء الحكومة منذ تفجر «حرب 12 تموز/ يوليو» سواء على الصعيد السياسي أو الصعيد الإغاثي أو الصعيد الأمني أكثر من ممتاز. فسياسياً تمكنت الحكومة من المحافظة على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي وخرجت بخطة من سبع نقاط لوقف الحرب والتزم بها كل أعضائها بمن فيهم وزيرا «حزب الله». ثم حققت انتصاراً غير معهود في تاريخ الدبلوماسية العربية بإجبارها الولايات المتحدة وفرنسا، العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي، على تغيير مسودة مشروع قرار بحيث يتناسب مع النقاط السبع. وإغاثياً، استطاعت ضبط أوضاع النازحين وتنظيم العناية بهم في وقت قياسي رغم أنها بوغتت بالحرب وبتدمير العدو الإسرائيلي معظم البنى التحتية بما فيها مدارج المطار والطرق والجسور. وأمنياً، اتخذت قراراً سريعاً بنشر الجيش اللبناني في الجنوب لإسقاط الحجج الإسرائيلية المسوقة لمواصلة العدوان.

مع كل هذا، قرّر البعض «معاقبة» الحكومة على هذه المنجزات ... بإسقاطها. والمؤسف أن بين الضالعين في ذلك «حزب الله»، الحزب المسؤول والمحترم وطنياً، الذي يظهر أنه يخجل أن يتآمر علناً على حكومة ساندته بقوة والتزام طوال شهر الحرب المفتوحة ـ وهو الممثل فيها أصلاً ـ فاضطر إلى استخدام «أدوات» تنجز دورها في هذه المهمة نيابة عنه.

أما الأسلوب المستخدم فيأتي بوجهين:

إما عبر حملة تصريحات يرددها نازحون عائدون تُلام فيها الحكومة على «غيابها» و«تقصيرها» في دعم العائدين بعدما أمّنت أماكن إيوائهم، وللعلم كانت القيادات الشيعية هي التي طلبت منهم العودة فور إقرار الهدنة.

أو يأتي عبر استضافة تلفزيون الحزب منافقين من «المتشيّعين الجدد» الذين احترفوا تحريض «حزب الله» وتوريطه بعداوات كان وما يزال بغنى عنها في الساحة اللبنانية.

هذا الوضع ما كان ليثير الاستغراب لو لم يكن «حزب الله» نفسه تصدّى بقوة لكلام أرعن صادر عن جهات من الأكثرية عن نزع سلاحه. ويومها اعتبر الحزب ـ وهو محق في ذلك ـ أن بعض الأكثرية يتعمدّون «معاقبة» المقاومة على صمودها.

فوفق المنطق نفسه، لماذا يسعى «حزب الله» إلى «معاقبة» حكومة السنيورة وإحراج الرئيس نبيه برّي مع أنه ـ أي الحزب ـ يثمن جيداً الدور الوطني الذي لعبه برّي والسنيورة بمرونة وحكمة خلال شهر الحرب المدمرة؟

صحيح، ارتكبت الأكثرية النيابية منذ عام أو يزيد عدة أخطاء.

نعم ... ارتكبت عدة أخطاء. بعضها أخطاء نابعة من طبيعة التركيبة الهشة لتحالف الأكثرية العريض، كتبنّي رفض البطريرك الماروني متابعة «انتفاضة الاستقلال» حتى إسقاط الرئيس إميل لحود، مما «نفّس» زخم «الانتفاضة» وأتاح للبعض كالنائب ميشال عون الانشقاق عن الأكثرية وعقد صفقة تحالف مع رئيس الجمهورية، وثم مع «حزب الله».

أما البعض الآخر من هذه الأخطاء فسيئ جداً وغبي جداً ... كجعل اللقاء مع وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على مائدة غداء بينما الحرب دائرة على الجنوب والبقاع. او كـ«صبيانية» تكريم المندوب الأميركي في الأمم المتحدة جون بولتون ـ مع أن بولتون في نهاية الأمر موظف حكومي، وكان من الممكن توجيه «رسالة شكر» إذا كان لها ما يبرّرها إلى البيت الأبيض نفسه.

هذه الأخطاء من فريق الأكثرية خففت الضغط على معارضي الحكومة المتهمين بالتواطؤ على جرّ لبنان إلى «سياسة محاور» إقليمية ... آخر ما يهمها مصير البلد ومستقبل أبنائه.

بل ساعدت هذه الأخطاء شراذم المعارضة، التي كانت حتى بضعة أشهر خلت متهمة ـ بل مدانة ـ بأنها دمى لأجهزة استخبارات الدولة الأمنية ورعاتها، على تكثيف تحركاتها وتصعيد نبرة خطابها وإعادة بناء صفوفها وتدشينها المزيد من المنابر الإعلامية التضليلية المموّلة بسخاء. واليوم تنشط زمر «المتشيّعين الجدد» ودمى الاستخبارات السابقين في حملة غير مسبوقة ليس فقط لتشويه الحاضر والتحضير للتضليل مستقبلاً، بل تزوير الماضي أيضاً.

فخلال الأسبوع الماضي قارن اثنان من هؤلاء لدى استضافتهما في تلفزيون «المنار» بين «سرعة عودة النازحين الجنوبيين» خلال أيام، وأحياناً ساعات، إلى أرضهم ... في حين تعذرت حتى اليوم إعادة كل مهجّري «حرب الجبل» (عام 1983).

هذه المقارنة المغلوطة، حاقدة وتحريضية.

فمهجّرو «حرب الجبل» ـ لا أعادها الله ـ نزحوا عن بيوتهم وقراهم وسط أجواء حرب أهلية وفتنة داخلية غذت أحقاداً وعداوات بغيضة، واحتاجت إزالتها إلى خطوات شجاعة ومواقف نبيلة حاسمة من القيادات الوطنية المسيحية والدرزية التي تعالت على جروحها وعقدت العزم على فتح صفحة جديدة من التعايش الشريف الصادق.

ثم أن الفترة التي فصلت بين فتنة الجبل ويومنا الحاضر تخللتها جولات من الحروب «الدون كيشوتية» العبثية ... التي أجلّت التوافق على الحلول، وعطّلت التحاور بين العائلات الروحية، ودمرت اقتصاد البلاد. وما كان ممكناً تأمين إعادة بناء ما تهدّم خلال الثمانيات والإنفاق عليه من دون وفاق وطني وحل سياسي هو الذي تحقق في الطائف.

أما «حرب 12 تموز» التي ابعدت أبناء الجنوب مؤقتاً عن أرضهم فقد شنها عدو خارجي يُجمع اللبنانيون على اعتباره عدواً لهم جميعاً، بدليل أنه رغم الخلافات السياسية على مستوى القيادات، حل النازحون في عموم المناطق اللبنانية على الرحب والسعة بين أهلهم من مختلف الطوائف. أما التكلفة المالية للعودة السريعة فتعهدها من لديه القدرة على الدفع الفوري.

فكيف إذاً تجوز المقارنة؟ ولمصلحة مَن الدّس الدنيء والتحريض المكشوف؟

من هو الموحي بهذا التأجيج الذي يأتي مكملاً لمقالات ومقابلات إعلامية داخل لبنان، وفي الإعلام السوري الحكومي أيضاً، تصرّ على استنهاض الأحقاد واستحضار الفتنة الداخلية ... وبالذات في الجبل؟

وهل سينجح محترفو إشعال الفتن ـ وحلفاؤهم من مرضى «الرئاسة» ـ في جرّ «حزب الله» إلى «الفتنة الكبرى» التي تنذر بأن تكون أبشع وأخطر بكثير من «حرب الجبل»؟