لطيفة
09-04-2006, 12:22 AM
http://iico.net/al-alamiya/issues-1424/issue-161/images/mutawa-1.jpg
أوقف 7 عمارات للفقراء وكفل 50 ألف يتيم
دبي - فراج اسماعيل
بعد مسيرة طويلة من العمل الخيري تركت بصماتها في جميع أنحاء العالم الاسلامي، رحل الأحد 3/9/2006 الشيخ عبدالله العلي المطوع "أبو بدر" رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي الكويتية ورئيس مجلس ادارة مجلة "المجتمع" عن عمر يناهز 80 عاما، أثناء ممارسته مهام عمله اليومي في مكتبه.
وقال المسؤولون في مجلة "المجتمع" إن وفاته حدثت في الساعة الثانية عشر والنصف بعد الظهر خلال متابعاته اليومية لقضايا العالم الاسلامي، وكان قد انهى لتوه حوارا طويلا مع إدارة تحرير المجلة، راجع خلاله موضوعات العدد الجديد ، ثم استقبل لعديد من زواره، وسيوارى جثمانه في الساعة التاسعة صباحا "غدا الاثنين" بمقبرة الصليبخات في الكويت .
وقد وصفته شهادات من اقتربوا منه بأنه أبو المساكين والأيتام، ووصفوا رحيله بأنه يمثل خسارة كبيرة لمساكين وأرامل وأيتام العالم وللفقراء والجوعى لأياديه البيضاء التي امتدت بالعمل الخيري في كل مكان.
وأكدوا في أحاديث لـ"العربية.نت" أنه كان له الفضل في تميز العمل الخيري الكويتي بالشفافية والوضوح وجعله عملا مؤسسيا، مما جعله في منأى عن الحملات التي انطلقت بعد 11 سبتمبر فيما عرف بتجفيف "منابع الارهاب". كما أنه أسس جيلا واعيا من الدعاة المعتدلين انتشروا في جميع أنحاء العالم، وبفضل ذلك ظلت الكويت بعيدة عن الارهاب والتطرف.
قصة أربع سنوات
وفي حوار مع الداعية الكويتي الشهير الشيخ أحمد القطان حكى جانبا من السيرة الذاتية للشيخ المطوع فقال: كلما قرأت قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" رأيت هذه الآية تتمثل في شخص هذا الداعية الرباني حيث أنني كنت ملتصقا به خلال أربع سنوات، أسافر معه من نصف الشهر السابع إلى نهاية الثامن الميلادي، واستمر ذلك حتى هذا العام (2006) فرأيت من أمره عجبا. رأيته في ليله ونهاره، والاتصالات عليه لا تنقطع، ولما سافرت إلى ابها، أخذت لا أرد إلا على التليفون الذين يأتيني من الاعلاميين لتعم المنفعة فرآني على هذه الحال، فقال لي: يا شيخ أحمد أنت لست لنفسك. إنما أنت للناس. انظر إلي. لا أرد أحدا كائنا من كان في ليل أو نهار على جميع خطوطي فأرجوك أن ترد على كل الناس في كل الأرض في كل حين.
واستطرد القطان: قلت سمعا وطاعة، ورصدت مبلغا وأخذت أرد بالهاتف النقال على الناس، وعلى أصحاب الحاجات وأصحاب المشاكل. و كذلك أرد على المداخلات في برنامج على الخط في اذاعة الكويت على مدار خمسة أيام أسبوعيا من السبت إلى الأربعاء. كل ذلك تعلمته من هذا البطل الذي هو فوق الثمانين، والذي يتقاصر الشباب عن ادراك بعض أعماله.
وأضاف: رافقته في الصيف خلال الأربع سنوات فرأيته يحرص على صلاة الفجر ويحضر جميع أبنائه ويكون من أول الناس حضورا إلى المسجد، ثم يجلس يستمع إلي في درس الفجر إلى الشروق كل يوم، ثم يصلي صلاة الشروق، ويدعو كل من في المسجد على مائدة افطاره.
درس الثلاثاء الأسبوعي
وواصل القطان قائلا: وبعد الافطار نتحدث معه في أمور الأمة فيهدي إلينا الكتب والرسائل المطبوعة ويرد على المكالمات، ثم بعد ذلك له في يوم الثلاثاء درس ثابت في ديوانه في ابها، يحتشد فيه الشعراء والعلماء والخطباء والأدباء، ويدلي كل واحد منهم بدلوه. وكان في هذا الموسم الصيفي لا حديث لنا إلا أحداث القدس والأقصى ولبنان، يدافع عن الأمة وعن مقدساتها ودمائها وأعراضها، وهو يحمل همها، ويبكي في الليل والنهار على الأرملة واليتيم والمسكين والفقير ويقول: يا ليتني تصلني أخبارهم كلهم وبامكاني أن أسد حاجتهم وعوجهم.
وقال القطان: ذهبت معه يوما إلى السوق لنشتري حاجة فوقفنا عند البائع، فسأل البائع: كم هذه الحاجة. قال بخمسة ريالات. فقال الشيخ المطوع: بأربع فأبى البائع. فتركه وذهب إلى بائع آخر، فسأله عن نفس البضاعة، فقال بأربعة، فاشتراها. فقلت له.. تترك البائع الأول على ريال. فرد: نعم: هكذا تكون التجارة وهكذا تكون المروءة في البيع والشراء. ثم ركبت معه السيارة وذهبت أصلي صلاة الظهر في المسجد، فقال: اجلس معي يا شيخ أحمد حتى تشهد أنني أوقفت الآن سبع عمارات في منطقة خيطان وهي أكبر ثروة عندي في البلد تقدر بالملايين، للأرملة واليتيم والمسكين والفقير في أرض مصر وغيرها من الأمة العربية.
سبع عمارات للانفاق على الفقراء
ويواصل القطان: ذهلت لذلك، كيف أنه أخذ يراجع البائع على ريال، وفي نفس اليوم في صلاة الظهر يوقف سبع عمارات بالملايين. ما هذا؟.. اني والله لأرى عجبا، ان هذا الانسان ينفق انفاق من لا يخاف الفقر، وقد كنا نقرأ في الكتب عن أمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين يبذلون ولا يبالون. وهذا مشهد واحد رأيته والذي لا أعلمه منه لا يحصيه إلا الله، فهو رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي، وهو الذي أسس مع أخيه عبد العزيز عليه رحمة الله جمعية الارشاد في الكويت التي تحولت بمرسوم أميري إلى جمعية الاصلاح، ويشرف بنفسه على مجلة المجتمع. وكنت أجلس بجانبه الساعات يراجعها كلمة كلمة وحرفا حرفا لا يمل ولا يكل، وهي تتبنى قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها وعلى رأسها قضية الأقصى والاسراء والمعراج. ورأيته رحمه الله رحمة واسعة يشرف على العمل الخيري ويتابعه.
50 ألف يتيم تحت كفالة جمعية الاصلاح
وقال القطان: إن جمعية الاصلاح الاجتماعي التي كان الشيخ رئيسها تكفل أكثر من 50 ألف يتيم، وقد بنت الجامعات والمدارس والمآوي والمستشفيات والملاجئ وآلاف المخابز في الدنيا. تنطلق بأمره الاغاثات السريعة حتى أصبح رجلا عالميا مميزا، لسنا نحن الدعاة في الكويت وحدنا الذين فقدناه، بل فقده المسكين على الأرض والأرملة واليتيم والمستضعف، وطالب العلم، والجوعى والحفاة والعراة يذكرونه. إنه والله أبو الأيتام.
واستطرد بأنه عرف الحياة العامة والخاصة للشيخ عبدالله المطوع، أما حياته الخاصة فهو من أزهد الناس في حياته، بسيط، غير متكلف، يجمع أبناء الحي صغارا وكبارا، وأطفالا وصبايا صغارا ويأتي بهم إلى أهله وأم عياله لتحفيظ القرآن كل يوم طول الأسبوع، ولا يتضايق من وجود الأطفال في بيته، وإذا هموا بالخروج يعطيهم من جيبه المال الخاص تشجيعا لهم على حفظ القرآن الكريم. وفي نهاية موسم الصيف يعقد لهم احتفالا في مسابقة تحفيظ القرآن ويمنحهم الهدايا والمنح.
وأضاف: رأيته أيضا عن قرب وهو يحيط به الفقراء والمساكين في كل فرض صلاة، فيجلس على الكرسي في باحة المسجد في أبها القريب من بيته. هذا يقدم عريضته، وهذا يقدم مشروعا للأيتام، وذاك يقدم مشروعا لتحفيظ القرآن في اليمن ومصر وسوريا ولبنان، يتلقاهم بالترحاب والابتسام. رأيته أريحيا في خروجه معنا هناك في غابات أبها. يبذل للناس من المال ما يسد العوج، أينما يتحرك، يتحرك الناس خلفه رحمة الله عليه. ورأينا منه دماثة الأخلاق، يفرح لفرح الأمة ويحزن لحزنها. ورأيته يتابع قضايا الأمة في العراق يحمل هم هذا البلد الذي احتل الكويت ويفكر في همومها ومشاكلها ليل نهار. ويحثنا على ألا ننسى اخواننا هناك في العراق وما يصيبه من تمزق، ويقول احذروا من تقسيم العراق، فان تقسيمه الى ثلاث دول، سيعقبه السعودية ثم السودان فمصر، فلا يريد أبدا أن يكون للأجنبي قدم لتحقيق أهدافه رغم أنه في هذا العمر، عمر الراحة والهدوء، حيث كان يكفيه أن يقرأ في مكتبه ويشرب فنجان قهوة أو شاي ويهدأ. أما هو فلا يهدأ.
ويروي القطان وقائع أخرى حية من سيرة الشيخ المطوع قائلا: لقد رأينا أيام الاحتلال عجبا من أمره. كان بجوار أمير البلاد يتصل بقيادات العمل الاسلامي في العالم، قائلا لهم: قفوا مع الكويت، إذ وقفت معكم في كوارثكم ومحنكم. ولا يدعهم حتى يأخذ تأييدهم. ثم نراه مع همه الوحيد قضية القدس والأقصى، وتبنى قضية الأكراد وقضية حماس، وجنوب لبنان. جعل مجلة المجتمع تتكلم بنبض المسلمين في العالم أجمع وليس بنبض الكويت فقط.
أسس الدعاة المعتدلين
وأوضح القطان أن "عبدالله العلي المطوع أسس الدعاة المعتدلين، فهذه الكويت خالية من التعصب والارهاب، ودعاتها ينتشرون في مشارق الارض ومغاربها يعلمون الناس، وهذا ليس فيه فضل ولا منة، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالى. لقد كان من أسمى أمانيه أن يصلي في القدس والأقصى. وقبل نكسة عام 1967 كان مصيفه في الأقصى في القدس وما فارقها إلا بعد تم احتلالها، وهو يبكي عليها منذ تلك الساعة ويرجو أن يعود إليها وفوقها راية التوحيد خفاقة".
بصماته في كل مكان
أما ناصر الصانع عضو البرلمان الكويتي فوصف المطوع بأنه شخصية من الصعب أن نجد مثلها في وقتنا المعاصر، فهو رائد للعمل الخيري، تميز بحرصه على تفقد احتياجات العمل الخيري في العالم الاسلامي. وفي أي قطر من الأقطار تجد له بصمة في هذا المجال، ومن ثم كانت ردود الفعل سريعة من كل انحاء العالم الاسلامي في الساعة الأولى من وفاته.
وأضاف أن عبدالله المطوع كان نموذجا للعمل الخيري المؤسسي في العالم الاسلامي كله، ومن ثم تجد هيئات العمل الخيري في العالم حريصة على الاستفادة من خبرة وآليات المؤسسات الخيرية في الكويت.
وأشار إلى أن الاسلوب الذي ميز العمل الخيري الكويتي حمى مؤسساته الخيرية نظرا لشفافيته ووضوحه وعلاقته الوثيقة بالسلطات الحكومية.
ويقول الكاتب الاسلامي المصري جمال سلطان: أتصور أن أركانا كثيرة من أرض الله سوف تستغفر لهذا الراحل الكبير لأن له في كل منها بصمة خير وغرس طيب وهذا هو الذي يبقى له عند ربه، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعوض الأمة الاسلامية عن الراحل الكبير خيرا، وأن يرزقها بمن يكمل مسيرة الخير التي اختصها الشيخ المطوع.
وأضاف: لقد كان المطوع من الصلابة الايمانية والفكرية وصلابة الأخلاق ما جعله يستعصي على أي تهويشات من تلك التي انتشرت بعد 11 سبتمبر، واشاعت الفزع والارتباك لدى كثير من المشتغلين بالعمل الخيري الاسلامي. لم يتأثر بذلك ومضى في طريقه صلبا لا يلوي على شئ مما يثار عن العمل الخيري.
سيرة حياته
- ولد عبد الله العلى المطوع عام 1926م ، ونشأ في أجواء عائلية ملتزمة، وحرص والده على تربيته على الأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية العظيمة،
- وعند بلوغه سن الـ 14اشتغل في العمل التجاري وتنمية الموارد، ولم يكن في الكويت آنذاك بنوك أو مصارف لإيداع الأموال فيها، فكان الآباء يعتمدون على أبنائهم في حفظ هذه الأموال والإشراف عليها.
- تلقى تعليمه مع أبناء جيله في مدرسة "ملا عثمان" نسبة لعائلة عبد اللطيف العثمان الطيبة، ومدرستا المباركية والأحمدية، وكان يتمتع بصلات قوية مع الجميع في داخل الكويت وخارجها خاصة المنتمون للحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين.
- وكان لشقيقه الأكبر المرحوم عبد العزيز المطوع صلة وطيدة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي خاصة حركة الإخوان المسلمين، تأثر المطوع بهذا التوجه، ومنذ ذلك الحين انخرط في النشاط الإسلامي وتنميته من خلال استضافة العلماء والمحاضرين، وأسهم في إصدار مجلة الإرشاد الإسلامي، و كان داعية إسلاميا دؤوبا، تمتع بخبرة واسعة وتجربة ثرية في العمل الدعوي والخيري.
- التقي عبد الله المطوع وشقيقه المرحوم عبد العزيز مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة، وحضر له محاضرة في المدينة المنورة ، وأهدى لهما البنا كتابين، الأول: كتاب «حضارة العرب» للمؤلف الفرنسي غوستاف لوبون وهو كتاب جيد يشيد بالحضارة العربية والإسلامية ومزود بالرسوم وكان من نصيب أخيه عبد العزيز، والثاني كتاب «الرحلة الحجازية» وهو كتاب قيم نادر الوجود وكان من نصيب الفقيد، وكان هذا الكتاب يتحدث عن القبائل العربية التي كانت موجودة في الساحة وتعداد الحجيج والمحمل الذي كانت ترسل به كسوة الكعبة من مصر وبعض الصور القديمة. وكتب البنا بخط يده ذكرى طيبة تحث على الأخوة في الله وتذكر بهذا اللقاء المبارك في الحرمين الشريفين ووقعه بتوقيعه.
- أسهم في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي في عام 1950م كأول عمل إسلامي مؤسسي بالكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في مطلع الستينيات، وقد سارت الإصلاح على نفس أهداف ومبادئ جمعية الإرشاد، وظل رئيسا لمجلسي ادارة جمعية الاصلاح ومجلة المجتمع حتى وفاته.
- وكان من أبرز رجالات العمل الخيري، محبا له ومنفقا سخيا على جميع أوجه البر والخير، وكان يستقبل بمكتبه أصحاب الحاجات، ويسعى جاهدا إلى تلبية احتياجاتهم.
أوقف 7 عمارات للفقراء وكفل 50 ألف يتيم
دبي - فراج اسماعيل
بعد مسيرة طويلة من العمل الخيري تركت بصماتها في جميع أنحاء العالم الاسلامي، رحل الأحد 3/9/2006 الشيخ عبدالله العلي المطوع "أبو بدر" رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي الكويتية ورئيس مجلس ادارة مجلة "المجتمع" عن عمر يناهز 80 عاما، أثناء ممارسته مهام عمله اليومي في مكتبه.
وقال المسؤولون في مجلة "المجتمع" إن وفاته حدثت في الساعة الثانية عشر والنصف بعد الظهر خلال متابعاته اليومية لقضايا العالم الاسلامي، وكان قد انهى لتوه حوارا طويلا مع إدارة تحرير المجلة، راجع خلاله موضوعات العدد الجديد ، ثم استقبل لعديد من زواره، وسيوارى جثمانه في الساعة التاسعة صباحا "غدا الاثنين" بمقبرة الصليبخات في الكويت .
وقد وصفته شهادات من اقتربوا منه بأنه أبو المساكين والأيتام، ووصفوا رحيله بأنه يمثل خسارة كبيرة لمساكين وأرامل وأيتام العالم وللفقراء والجوعى لأياديه البيضاء التي امتدت بالعمل الخيري في كل مكان.
وأكدوا في أحاديث لـ"العربية.نت" أنه كان له الفضل في تميز العمل الخيري الكويتي بالشفافية والوضوح وجعله عملا مؤسسيا، مما جعله في منأى عن الحملات التي انطلقت بعد 11 سبتمبر فيما عرف بتجفيف "منابع الارهاب". كما أنه أسس جيلا واعيا من الدعاة المعتدلين انتشروا في جميع أنحاء العالم، وبفضل ذلك ظلت الكويت بعيدة عن الارهاب والتطرف.
قصة أربع سنوات
وفي حوار مع الداعية الكويتي الشهير الشيخ أحمد القطان حكى جانبا من السيرة الذاتية للشيخ المطوع فقال: كلما قرأت قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" رأيت هذه الآية تتمثل في شخص هذا الداعية الرباني حيث أنني كنت ملتصقا به خلال أربع سنوات، أسافر معه من نصف الشهر السابع إلى نهاية الثامن الميلادي، واستمر ذلك حتى هذا العام (2006) فرأيت من أمره عجبا. رأيته في ليله ونهاره، والاتصالات عليه لا تنقطع، ولما سافرت إلى ابها، أخذت لا أرد إلا على التليفون الذين يأتيني من الاعلاميين لتعم المنفعة فرآني على هذه الحال، فقال لي: يا شيخ أحمد أنت لست لنفسك. إنما أنت للناس. انظر إلي. لا أرد أحدا كائنا من كان في ليل أو نهار على جميع خطوطي فأرجوك أن ترد على كل الناس في كل الأرض في كل حين.
واستطرد القطان: قلت سمعا وطاعة، ورصدت مبلغا وأخذت أرد بالهاتف النقال على الناس، وعلى أصحاب الحاجات وأصحاب المشاكل. و كذلك أرد على المداخلات في برنامج على الخط في اذاعة الكويت على مدار خمسة أيام أسبوعيا من السبت إلى الأربعاء. كل ذلك تعلمته من هذا البطل الذي هو فوق الثمانين، والذي يتقاصر الشباب عن ادراك بعض أعماله.
وأضاف: رافقته في الصيف خلال الأربع سنوات فرأيته يحرص على صلاة الفجر ويحضر جميع أبنائه ويكون من أول الناس حضورا إلى المسجد، ثم يجلس يستمع إلي في درس الفجر إلى الشروق كل يوم، ثم يصلي صلاة الشروق، ويدعو كل من في المسجد على مائدة افطاره.
درس الثلاثاء الأسبوعي
وواصل القطان قائلا: وبعد الافطار نتحدث معه في أمور الأمة فيهدي إلينا الكتب والرسائل المطبوعة ويرد على المكالمات، ثم بعد ذلك له في يوم الثلاثاء درس ثابت في ديوانه في ابها، يحتشد فيه الشعراء والعلماء والخطباء والأدباء، ويدلي كل واحد منهم بدلوه. وكان في هذا الموسم الصيفي لا حديث لنا إلا أحداث القدس والأقصى ولبنان، يدافع عن الأمة وعن مقدساتها ودمائها وأعراضها، وهو يحمل همها، ويبكي في الليل والنهار على الأرملة واليتيم والمسكين والفقير ويقول: يا ليتني تصلني أخبارهم كلهم وبامكاني أن أسد حاجتهم وعوجهم.
وقال القطان: ذهبت معه يوما إلى السوق لنشتري حاجة فوقفنا عند البائع، فسأل البائع: كم هذه الحاجة. قال بخمسة ريالات. فقال الشيخ المطوع: بأربع فأبى البائع. فتركه وذهب إلى بائع آخر، فسأله عن نفس البضاعة، فقال بأربعة، فاشتراها. فقلت له.. تترك البائع الأول على ريال. فرد: نعم: هكذا تكون التجارة وهكذا تكون المروءة في البيع والشراء. ثم ركبت معه السيارة وذهبت أصلي صلاة الظهر في المسجد، فقال: اجلس معي يا شيخ أحمد حتى تشهد أنني أوقفت الآن سبع عمارات في منطقة خيطان وهي أكبر ثروة عندي في البلد تقدر بالملايين، للأرملة واليتيم والمسكين والفقير في أرض مصر وغيرها من الأمة العربية.
سبع عمارات للانفاق على الفقراء
ويواصل القطان: ذهلت لذلك، كيف أنه أخذ يراجع البائع على ريال، وفي نفس اليوم في صلاة الظهر يوقف سبع عمارات بالملايين. ما هذا؟.. اني والله لأرى عجبا، ان هذا الانسان ينفق انفاق من لا يخاف الفقر، وقد كنا نقرأ في الكتب عن أمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين يبذلون ولا يبالون. وهذا مشهد واحد رأيته والذي لا أعلمه منه لا يحصيه إلا الله، فهو رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي، وهو الذي أسس مع أخيه عبد العزيز عليه رحمة الله جمعية الارشاد في الكويت التي تحولت بمرسوم أميري إلى جمعية الاصلاح، ويشرف بنفسه على مجلة المجتمع. وكنت أجلس بجانبه الساعات يراجعها كلمة كلمة وحرفا حرفا لا يمل ولا يكل، وهي تتبنى قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها وعلى رأسها قضية الأقصى والاسراء والمعراج. ورأيته رحمه الله رحمة واسعة يشرف على العمل الخيري ويتابعه.
50 ألف يتيم تحت كفالة جمعية الاصلاح
وقال القطان: إن جمعية الاصلاح الاجتماعي التي كان الشيخ رئيسها تكفل أكثر من 50 ألف يتيم، وقد بنت الجامعات والمدارس والمآوي والمستشفيات والملاجئ وآلاف المخابز في الدنيا. تنطلق بأمره الاغاثات السريعة حتى أصبح رجلا عالميا مميزا، لسنا نحن الدعاة في الكويت وحدنا الذين فقدناه، بل فقده المسكين على الأرض والأرملة واليتيم والمستضعف، وطالب العلم، والجوعى والحفاة والعراة يذكرونه. إنه والله أبو الأيتام.
واستطرد بأنه عرف الحياة العامة والخاصة للشيخ عبدالله المطوع، أما حياته الخاصة فهو من أزهد الناس في حياته، بسيط، غير متكلف، يجمع أبناء الحي صغارا وكبارا، وأطفالا وصبايا صغارا ويأتي بهم إلى أهله وأم عياله لتحفيظ القرآن كل يوم طول الأسبوع، ولا يتضايق من وجود الأطفال في بيته، وإذا هموا بالخروج يعطيهم من جيبه المال الخاص تشجيعا لهم على حفظ القرآن الكريم. وفي نهاية موسم الصيف يعقد لهم احتفالا في مسابقة تحفيظ القرآن ويمنحهم الهدايا والمنح.
وأضاف: رأيته أيضا عن قرب وهو يحيط به الفقراء والمساكين في كل فرض صلاة، فيجلس على الكرسي في باحة المسجد في أبها القريب من بيته. هذا يقدم عريضته، وهذا يقدم مشروعا للأيتام، وذاك يقدم مشروعا لتحفيظ القرآن في اليمن ومصر وسوريا ولبنان، يتلقاهم بالترحاب والابتسام. رأيته أريحيا في خروجه معنا هناك في غابات أبها. يبذل للناس من المال ما يسد العوج، أينما يتحرك، يتحرك الناس خلفه رحمة الله عليه. ورأينا منه دماثة الأخلاق، يفرح لفرح الأمة ويحزن لحزنها. ورأيته يتابع قضايا الأمة في العراق يحمل هم هذا البلد الذي احتل الكويت ويفكر في همومها ومشاكلها ليل نهار. ويحثنا على ألا ننسى اخواننا هناك في العراق وما يصيبه من تمزق، ويقول احذروا من تقسيم العراق، فان تقسيمه الى ثلاث دول، سيعقبه السعودية ثم السودان فمصر، فلا يريد أبدا أن يكون للأجنبي قدم لتحقيق أهدافه رغم أنه في هذا العمر، عمر الراحة والهدوء، حيث كان يكفيه أن يقرأ في مكتبه ويشرب فنجان قهوة أو شاي ويهدأ. أما هو فلا يهدأ.
ويروي القطان وقائع أخرى حية من سيرة الشيخ المطوع قائلا: لقد رأينا أيام الاحتلال عجبا من أمره. كان بجوار أمير البلاد يتصل بقيادات العمل الاسلامي في العالم، قائلا لهم: قفوا مع الكويت، إذ وقفت معكم في كوارثكم ومحنكم. ولا يدعهم حتى يأخذ تأييدهم. ثم نراه مع همه الوحيد قضية القدس والأقصى، وتبنى قضية الأكراد وقضية حماس، وجنوب لبنان. جعل مجلة المجتمع تتكلم بنبض المسلمين في العالم أجمع وليس بنبض الكويت فقط.
أسس الدعاة المعتدلين
وأوضح القطان أن "عبدالله العلي المطوع أسس الدعاة المعتدلين، فهذه الكويت خالية من التعصب والارهاب، ودعاتها ينتشرون في مشارق الارض ومغاربها يعلمون الناس، وهذا ليس فيه فضل ولا منة، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالى. لقد كان من أسمى أمانيه أن يصلي في القدس والأقصى. وقبل نكسة عام 1967 كان مصيفه في الأقصى في القدس وما فارقها إلا بعد تم احتلالها، وهو يبكي عليها منذ تلك الساعة ويرجو أن يعود إليها وفوقها راية التوحيد خفاقة".
بصماته في كل مكان
أما ناصر الصانع عضو البرلمان الكويتي فوصف المطوع بأنه شخصية من الصعب أن نجد مثلها في وقتنا المعاصر، فهو رائد للعمل الخيري، تميز بحرصه على تفقد احتياجات العمل الخيري في العالم الاسلامي. وفي أي قطر من الأقطار تجد له بصمة في هذا المجال، ومن ثم كانت ردود الفعل سريعة من كل انحاء العالم الاسلامي في الساعة الأولى من وفاته.
وأضاف أن عبدالله المطوع كان نموذجا للعمل الخيري المؤسسي في العالم الاسلامي كله، ومن ثم تجد هيئات العمل الخيري في العالم حريصة على الاستفادة من خبرة وآليات المؤسسات الخيرية في الكويت.
وأشار إلى أن الاسلوب الذي ميز العمل الخيري الكويتي حمى مؤسساته الخيرية نظرا لشفافيته ووضوحه وعلاقته الوثيقة بالسلطات الحكومية.
ويقول الكاتب الاسلامي المصري جمال سلطان: أتصور أن أركانا كثيرة من أرض الله سوف تستغفر لهذا الراحل الكبير لأن له في كل منها بصمة خير وغرس طيب وهذا هو الذي يبقى له عند ربه، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعوض الأمة الاسلامية عن الراحل الكبير خيرا، وأن يرزقها بمن يكمل مسيرة الخير التي اختصها الشيخ المطوع.
وأضاف: لقد كان المطوع من الصلابة الايمانية والفكرية وصلابة الأخلاق ما جعله يستعصي على أي تهويشات من تلك التي انتشرت بعد 11 سبتمبر، واشاعت الفزع والارتباك لدى كثير من المشتغلين بالعمل الخيري الاسلامي. لم يتأثر بذلك ومضى في طريقه صلبا لا يلوي على شئ مما يثار عن العمل الخيري.
سيرة حياته
- ولد عبد الله العلى المطوع عام 1926م ، ونشأ في أجواء عائلية ملتزمة، وحرص والده على تربيته على الأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية العظيمة،
- وعند بلوغه سن الـ 14اشتغل في العمل التجاري وتنمية الموارد، ولم يكن في الكويت آنذاك بنوك أو مصارف لإيداع الأموال فيها، فكان الآباء يعتمدون على أبنائهم في حفظ هذه الأموال والإشراف عليها.
- تلقى تعليمه مع أبناء جيله في مدرسة "ملا عثمان" نسبة لعائلة عبد اللطيف العثمان الطيبة، ومدرستا المباركية والأحمدية، وكان يتمتع بصلات قوية مع الجميع في داخل الكويت وخارجها خاصة المنتمون للحركات الإسلامية وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين.
- وكان لشقيقه الأكبر المرحوم عبد العزيز المطوع صلة وطيدة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي خاصة حركة الإخوان المسلمين، تأثر المطوع بهذا التوجه، ومنذ ذلك الحين انخرط في النشاط الإسلامي وتنميته من خلال استضافة العلماء والمحاضرين، وأسهم في إصدار مجلة الإرشاد الإسلامي، و كان داعية إسلاميا دؤوبا، تمتع بخبرة واسعة وتجربة ثرية في العمل الدعوي والخيري.
- التقي عبد الله المطوع وشقيقه المرحوم عبد العزيز مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة، وحضر له محاضرة في المدينة المنورة ، وأهدى لهما البنا كتابين، الأول: كتاب «حضارة العرب» للمؤلف الفرنسي غوستاف لوبون وهو كتاب جيد يشيد بالحضارة العربية والإسلامية ومزود بالرسوم وكان من نصيب أخيه عبد العزيز، والثاني كتاب «الرحلة الحجازية» وهو كتاب قيم نادر الوجود وكان من نصيب الفقيد، وكان هذا الكتاب يتحدث عن القبائل العربية التي كانت موجودة في الساحة وتعداد الحجيج والمحمل الذي كانت ترسل به كسوة الكعبة من مصر وبعض الصور القديمة. وكتب البنا بخط يده ذكرى طيبة تحث على الأخوة في الله وتذكر بهذا اللقاء المبارك في الحرمين الشريفين ووقعه بتوقيعه.
- أسهم في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي في عام 1950م كأول عمل إسلامي مؤسسي بالكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في مطلع الستينيات، وقد سارت الإصلاح على نفس أهداف ومبادئ جمعية الإرشاد، وظل رئيسا لمجلسي ادارة جمعية الاصلاح ومجلة المجتمع حتى وفاته.
- وكان من أبرز رجالات العمل الخيري، محبا له ومنفقا سخيا على جميع أوجه البر والخير، وكان يستقبل بمكتبه أصحاب الحاجات، ويسعى جاهدا إلى تلبية احتياجاتهم.