المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «جيش المهدي» ... ودوامة العنف الطائفي في العراق



مرتاح
08-26-2006, 09:11 AM
الواشنطن بوست

إيلين نيكميار

بأحد المطاعم الشعبية وسط العاصمة العراقية بغداد جرى حوارنا مع قائد شاب من "جيش المهدي" الذي يرى أن المقاتلين السُّنة المشتبه في ضلوعهم بمهاجمة الشيعة لا يستحقون الرحمة، ولا حاجة لمحاكمتهم. ويتابع هذا القائد فيقول: "لا حاجة لإحالة قضايا من هذا النوع إلى المحاكم الدينية، ذلك أن دستورنا القرآن يأمر بقتل من يرتكب جريمة القتل".

والواقع أن تصريحات هذا القائد تشكل اعترافاً نادراً بدور "جيش المهدي" في الاقتتال الطائفي الذي يعصف بالعراق اليوم، والذي حصد أرواح أكثر من 10400 عراقي خلال الأشهر الأخيرة. و"جيش المهدي" هذا هو مليشيا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي بات اليوم واحداً من أهم الشخصيات في البلاد.

وقد أضحت "فرق الموت" التي تقف وراء عمليات القتل خارج إطار قضائي تشكل مصدر خوف وقلق بالنسبة لكثير من العراقيين، كما يلفها الكثير من الغموض، ذلك أن الدليل الوحيد المتوفر كثيراً ما يقتصر على الجثث التي يُعثر عليها مرمية في الشوارع. وقد أفاد العديد من قادة "جيش المهدي" في مقابلات معهم بأنهم يتصرفون باستقلالية تامة عن المحاكم الشيعية التي انتشرت هنا، موفرين ما يمكن تسميته بـ"عدالة الشارع" في ظل ما يعتقدون أنه ترخيص من قبل جماعة الصدر وغطاء ديني.

وفي هذا الإطار، يقول قائد آخر أكبر سناً تم استجوابه على حدة عبر الهاتف: "يمكنك أن تجد في كل الأديان ما ينص على حق الدفاع عن النفس". ويعيش هذا القائد ويعمل، شأنه في ذلك شأن آخرين كثيرين، في مدينة الصدر، وهي منطقة تقدر مساحتها بنحو ثمانية أميال مربعة تقع شرق بغداد وتؤوي أكثر من مليوني شيعي. وقد وافق هؤلاء القادة على الحديث شريطة عدم الإفصاح عن أسمائهم وعدم تحديد المناطق الواقعة تحت مراقبتهم من مدينة الصدر.

ويقول القائد الأكبر سِناً مستعملاً كلمة درج على استعمالها الشيعةُ للإشارة إلى "المتطرفين" السُّنة "يجب قتل "التكفيريين" الذي يرتكبون أعمال القتل. وكذلك الصداميون الذين تلطخت أيديهم بالدماء". ويتابع قائلاً: "إن كل ذلك يدخل في إطار الدفاع عن النفس. ونحن لا نحتاج إلى أي حكم".

قبل الثاني والعشرين من فبراير المنصرم، تاريخ تفجير مزار شيعي بسامراء، والذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت نار الاقتتال الطائفي وعمليات الانتقام، اعتقدت السلطات الأميركية وآخرون أن القوة الرئيسية التي تقف وراء "فرق الموت" الشيعية هو "فيلق بدر"، وهي المليشيا التابعة لمنظمة شيعية كبيرة أخرى هي "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية". غير أنه منذ عملية التفجير –يقول "جوست هيلتارمان"، الذي يدير أحد المشاريع في الأردن لفائدة "منظمة مراقبة الأزمات" التي تتخذ من بروكسل مقرا لها- يبدو أن "جيش المهدي" قد تسلم المشعل من "فيلق بدر" ليصبح بذلك متزعم المحاكمات وعمليات الإعدام خارج القضاء.

ويرى قادة "جيش المهدي" أنه عندما يتعلق الأمر بالأعداء الذين يقعون في قبضة "جيش المهدي"، فإن النتيجة سريعة، حيث الذنب والعقاب قد حُدِّدا من قبل. وفي هذا السياق، يقول القائد الأكبر سناً، المُشار إليه: "إذا ألقينا القبض على أي منهم، أي من التكفيريين أو الصداميين أو واضعي القنابل، لا نقوم بتسليمهم للشرطة. فقد يتم إطلاق سراحهم في اليوم التالي"، موضحاً أن المعتقل يخضع لاستنطاق سريع، حيث توجه إليه أسئلة من قبيل "كيف أتيت إلى هنا؟ ومن يعمل معك؟ ولحساب أي منظمة تعمل؟".

أما حين سُئل بخصوص دور "جيش المهدي" في تصاعد أعمال القتل مباشرة بعد تفجير مسجد سامراء، فقد رد القائد الأصغر سناً بالقول إن "الإرهابيين" -وهي أيضاً كلمة يستعملها الشيعة للإحالة على المتمردين السُّنة- كانوا نشطين جداً حينها، مضيفاً "وبالتالي، فقد كانت ثمة حاجة مُلحة للتحرك واحتواء هذه المجموعات".

يذكر أنه خلال الأشهر التي أعقبت تفجير مزار سامراء، تم العثور على آلاف الجثث ملقاة في الشوارع أو البقع الأرضية الخلاء في بغداد، وكثيراً ما كانت تكتشف من قبل دوريات الجيش الأميركي أو القوات العراقية أو المارة أو أسر الضحايا. وخلافاً للمراحل الأولى من الصراع، عندما كان العدد الأكبر من الضحايا يلقى حتفه جراء القنابل التي يضعها المتمردون السُّنة، يتم اليوم العثور على الجثث مرمية بالرصاص، وعليها آثار التعذيب ومقيَّدة اليدين. ويشار بإصبع الاتهام غالباً إلى المليشيات الشيعية التي يتم تحميلها مسؤولية الكثير من عمليات القتل هذه.

وقد امتنع قادة "جيش المهدي" الذين جرت محاورتهم عن الخوض بتفصيل في عدد الأشخاص الذين قتلتهم المليشيات وطريقة الإجهاز عليهم. أما القوات الأميركية، فلا تنظر إلا إلى النتائج النهائية. وفي هذا السياق، يقول الملازم "زيروي لوسون" من الجيش الأميركي، إن وحدة عسكرية صغيرة تتألف من نحو عشرين جندياً أميركياً تتولى مهمة تدريب الجيش العراقي بمدينة الصدر، عثرت لوحدها على ما لا يقل عن 200 جثة هذا العام على حافة الطريق في محيط مدينة الصدر وحدها. ويقول "لوسون" والنقيب "تروي ويمان"، وهو ضابط من نفس الوحدة، إن شهوداً وسكاناً من مدينة الصدر قالوا للأميركيين إن الضحايا كان يتم اقتيادهم من كل أرجاء بغداد، حيث يتم خلع أحذيتهم وتقييد أياديهم وإعدامهم أمام الملأ.