لمياء
08-22-2006, 06:30 AM
خليل علي حيدر - الوطن
الشيعة منقسمون منذ سنوات، في الكويت ودول الخليج والعالم العربي والاسلامي، الى تيارين ان صح التعبير: «تيار مسالم» و«تيار مصادم» بدأ الانقسام ربما قبل ربع قرن بين شعارات الثورة الاسلامية في ايران من جانب، والمفاهيم والاسس التي تمسك بها آية الله الخوئي. واليوم يتصل الانقسام نفسه بين مدرسة وانصار وجماعات مبدأ «ولاية الفقيه» في ايران، بما تملك من نفوذ سياسي وقدرات مالية وضغوط اعلامية من جانب، ومدرسة آية الله علي السيستاني واتباعه بامكاناتهم المتواضعة سياسيا وماليا واعلاميا، من جانب اخر.
«التشيع المسالم» يدرك جيدا انه جزء لا يتجزأ من مجتمعه وبيئته وطموحاته والمرحلة التاريخية التي يمر بها هذا المجتمع، ويدرك كذلك انه مرتبط كل الارتباط في الدول العربية بواقع هذه المجتمعات، وانه في ايران مرتبط بواقع المجتمع الايراني، وفي باكستان والهند وافغانستان وكل مكان بواقع وطموح تلك المجتمعات.
«التشيع المصادم» من جانب اخر مشروع ثوري سري في الوسائل علني في الشعارات يعطي الاولوية للعقيدة والايديولوجيا والترابط التنظيمي الذي لا يعترف بالحدود والاوطان، بل يستخدم هذه الحدود والاوطان لانجاح مشروعه العقائدي.
«التشيع المسالم» يعي التركيبة المذهبية في العالم العربي والاسلامي، ويدرك ان الشيعة ليسوا سوى نسبة محدودة بين مسلميه، وبأن وضعهم كما وكيفا، وبأن العديد من الحقائق المذهبية والوقائع الاجتماعية، لا تجعلهم على رأس الحركات الدينية في العالمين العربي والاسلامي، ولا تعطيهم راية القيادة. وان كان لهم ان يساهموا في الحياة السياسية والاجتماعية داخل بلدانهم، فلابد ان يكون ذلك من خلال التعاون الشامل مع التيارات الاساسية في بلدانهم، لا ان يكونوا جماعات واحزابا منطوية على نفسها.
«التشيع المصادم»، يحاول بناء احزاب مذهبية في كل البلدان، تؤمن بمبدأ «ولاية الفقيه»، وتجند الرجال والنساء، والشيب والشباب، لتكرار تجارب ثورية اسلامية غير مأمونة العواقب، وتخدم في النهاية مصالح ليست من المصالح الوطنية بالضرورة.
«التشيع المسالم»، لا يقوم على تسييس الدين وتثوير المذهب، ولا يحاول تفسير نصوص القرآن والحديث والتراث بما يتلاءم مع الشعارات الثورية، ولا يحاول ان يخلق للشيعة المزيد من الاعداء في البلدان العربية وفي اوروبا وفي الولايات المتحدة. واذا كان «الولي الفقيه» يعتبر بريطانيا والولايات المتحدة اعداء للشيعة في بعض المناطق فهذا اجتهاده، ولكنه قد لا ينطبق على مناطق اخرى.. وبخاصة على الكويت!.
«التشيع المصادم» تفكير سياسي وعقائدي مؤقت ساذج، متأثر بالتيارات القومية والاشتراكية وبالاحزاب الاسلامية والتنظيمات الجهادية والثورية التي يغص بها العالمان العربي والاسلامي، والتي عايشنا الكثير منها خلال الستين سنة الماضية، والتي لن تجلب الاستقرار والتقدم والديموقراطية، لا للشيعة ولا للسنة، ولن تفيد سوى بعض الزعامات الدينية والسياسية والمذهبية والاصولية، هنا وهناك.. بعد ان تثير قدرا لا حد له من المشاكل والعداوات والصراعات القاتلة!
«التشيع المسالم» يضع في حسابه الاستقرار والاستمرارية، البعد عن الاستفزاز والمغامرات وتجنب الاندفاع السياسي، ولا يحاول ان يربط نفسه مذهبيا وفكريا بدولة ما أو بتجربة ما، مهما كانت هذه التجربة ضخمة وثرية، ومهما كانت طبيعة الضغوط الناجمة منها، كما نرى في التجربة الايرانية مثلا. التشيع المسالم يضع في اعتباره الامتداد التاريخي الاسلامي، ولحقيقة التعددية المذهبية في مجتمعاتنا، ولخطورة النفخ في أي مذهب على حساب أي مذهب آخر، ولضرورة الاستفادة القصوى من الثراء الفكري الذي تحققه هذه التعددية للحاق بالعصر ولاشاعة المرونة والاعتدال والتسامح. «التشيع المصادم»، محاولة مستميتة لتحويل المذهب الديني الى ايديولوجيا سياسية، الى مجموعة من الافكار والعقائد الموحدة الجامدة التي تتحكم بفكر الناس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومذهبيا وقانونيا.. وهكذا!
ومن هنا نجد ان حرية رجال الدين الشيعة في لندن وباريس وواشنطن اكبر بكثير من حريتهم في ظل «التشيع المصادم»!!
تماما، كما ان حرية رجال الدين السنة في اوروبا قد يقيمها الاخوان والسلف وحزب التحرير! «التشيع المصادم» رهان على معطيات آنية مرحلية في هذا الزمان وهذا المكان. ولو اجرت «مرجعية ولاية الفقيه» مثلا مجموعة من النقاشات والمحاورات في ايران، وقررت ان تغير بعض السياسات، وتهجر بعض التوجهات، وتتبنى بعض المفاهيم السابقة، فلربما وجد انصار «التشيع المصادم» انفسهم في ورطة كبيرة مع جمهورهم في كل مكان، تماما كما جرى للاحزاب القومية بعد نكسة 1967 وانهيار الناصرية، أو للاخوان المسلمين بعد تجارب الصدام مع السلطة في سورية عام 1982 أو تجارب التحالف مع ضياء الحق في باكستان وجعفر النميري في السودان وتجارب الاصطدام بنظام فاروق في مصر من خلال النظام السري والاغتيالات، وكما جرى للسلفيين بعد انهيار نظام طالبان أو بعد تعاظم خطر التكفيريين، أو ما جرى للحركة الشيوعية بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.. أو للجماعة الاسلامية بعد حوار السجون!! يعني باختصار.. المسألة اعقد بكثير من مجرد رفع بعض الصور والشعارات، والتلويح ببعض الأعلام.. وحرق بعض الأعلام!
تاريخ النشر: الثلاثاء 22/8/2006
الشيعة منقسمون منذ سنوات، في الكويت ودول الخليج والعالم العربي والاسلامي، الى تيارين ان صح التعبير: «تيار مسالم» و«تيار مصادم» بدأ الانقسام ربما قبل ربع قرن بين شعارات الثورة الاسلامية في ايران من جانب، والمفاهيم والاسس التي تمسك بها آية الله الخوئي. واليوم يتصل الانقسام نفسه بين مدرسة وانصار وجماعات مبدأ «ولاية الفقيه» في ايران، بما تملك من نفوذ سياسي وقدرات مالية وضغوط اعلامية من جانب، ومدرسة آية الله علي السيستاني واتباعه بامكاناتهم المتواضعة سياسيا وماليا واعلاميا، من جانب اخر.
«التشيع المسالم» يدرك جيدا انه جزء لا يتجزأ من مجتمعه وبيئته وطموحاته والمرحلة التاريخية التي يمر بها هذا المجتمع، ويدرك كذلك انه مرتبط كل الارتباط في الدول العربية بواقع هذه المجتمعات، وانه في ايران مرتبط بواقع المجتمع الايراني، وفي باكستان والهند وافغانستان وكل مكان بواقع وطموح تلك المجتمعات.
«التشيع المصادم» من جانب اخر مشروع ثوري سري في الوسائل علني في الشعارات يعطي الاولوية للعقيدة والايديولوجيا والترابط التنظيمي الذي لا يعترف بالحدود والاوطان، بل يستخدم هذه الحدود والاوطان لانجاح مشروعه العقائدي.
«التشيع المسالم» يعي التركيبة المذهبية في العالم العربي والاسلامي، ويدرك ان الشيعة ليسوا سوى نسبة محدودة بين مسلميه، وبأن وضعهم كما وكيفا، وبأن العديد من الحقائق المذهبية والوقائع الاجتماعية، لا تجعلهم على رأس الحركات الدينية في العالمين العربي والاسلامي، ولا تعطيهم راية القيادة. وان كان لهم ان يساهموا في الحياة السياسية والاجتماعية داخل بلدانهم، فلابد ان يكون ذلك من خلال التعاون الشامل مع التيارات الاساسية في بلدانهم، لا ان يكونوا جماعات واحزابا منطوية على نفسها.
«التشيع المصادم»، يحاول بناء احزاب مذهبية في كل البلدان، تؤمن بمبدأ «ولاية الفقيه»، وتجند الرجال والنساء، والشيب والشباب، لتكرار تجارب ثورية اسلامية غير مأمونة العواقب، وتخدم في النهاية مصالح ليست من المصالح الوطنية بالضرورة.
«التشيع المسالم»، لا يقوم على تسييس الدين وتثوير المذهب، ولا يحاول تفسير نصوص القرآن والحديث والتراث بما يتلاءم مع الشعارات الثورية، ولا يحاول ان يخلق للشيعة المزيد من الاعداء في البلدان العربية وفي اوروبا وفي الولايات المتحدة. واذا كان «الولي الفقيه» يعتبر بريطانيا والولايات المتحدة اعداء للشيعة في بعض المناطق فهذا اجتهاده، ولكنه قد لا ينطبق على مناطق اخرى.. وبخاصة على الكويت!.
«التشيع المصادم» تفكير سياسي وعقائدي مؤقت ساذج، متأثر بالتيارات القومية والاشتراكية وبالاحزاب الاسلامية والتنظيمات الجهادية والثورية التي يغص بها العالمان العربي والاسلامي، والتي عايشنا الكثير منها خلال الستين سنة الماضية، والتي لن تجلب الاستقرار والتقدم والديموقراطية، لا للشيعة ولا للسنة، ولن تفيد سوى بعض الزعامات الدينية والسياسية والمذهبية والاصولية، هنا وهناك.. بعد ان تثير قدرا لا حد له من المشاكل والعداوات والصراعات القاتلة!
«التشيع المسالم» يضع في حسابه الاستقرار والاستمرارية، البعد عن الاستفزاز والمغامرات وتجنب الاندفاع السياسي، ولا يحاول ان يربط نفسه مذهبيا وفكريا بدولة ما أو بتجربة ما، مهما كانت هذه التجربة ضخمة وثرية، ومهما كانت طبيعة الضغوط الناجمة منها، كما نرى في التجربة الايرانية مثلا. التشيع المسالم يضع في اعتباره الامتداد التاريخي الاسلامي، ولحقيقة التعددية المذهبية في مجتمعاتنا، ولخطورة النفخ في أي مذهب على حساب أي مذهب آخر، ولضرورة الاستفادة القصوى من الثراء الفكري الذي تحققه هذه التعددية للحاق بالعصر ولاشاعة المرونة والاعتدال والتسامح. «التشيع المصادم»، محاولة مستميتة لتحويل المذهب الديني الى ايديولوجيا سياسية، الى مجموعة من الافكار والعقائد الموحدة الجامدة التي تتحكم بفكر الناس سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومذهبيا وقانونيا.. وهكذا!
ومن هنا نجد ان حرية رجال الدين الشيعة في لندن وباريس وواشنطن اكبر بكثير من حريتهم في ظل «التشيع المصادم»!!
تماما، كما ان حرية رجال الدين السنة في اوروبا قد يقيمها الاخوان والسلف وحزب التحرير! «التشيع المصادم» رهان على معطيات آنية مرحلية في هذا الزمان وهذا المكان. ولو اجرت «مرجعية ولاية الفقيه» مثلا مجموعة من النقاشات والمحاورات في ايران، وقررت ان تغير بعض السياسات، وتهجر بعض التوجهات، وتتبنى بعض المفاهيم السابقة، فلربما وجد انصار «التشيع المصادم» انفسهم في ورطة كبيرة مع جمهورهم في كل مكان، تماما كما جرى للاحزاب القومية بعد نكسة 1967 وانهيار الناصرية، أو للاخوان المسلمين بعد تجارب الصدام مع السلطة في سورية عام 1982 أو تجارب التحالف مع ضياء الحق في باكستان وجعفر النميري في السودان وتجارب الاصطدام بنظام فاروق في مصر من خلال النظام السري والاغتيالات، وكما جرى للسلفيين بعد انهيار نظام طالبان أو بعد تعاظم خطر التكفيريين، أو ما جرى للحركة الشيوعية بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.. أو للجماعة الاسلامية بعد حوار السجون!! يعني باختصار.. المسألة اعقد بكثير من مجرد رفع بعض الصور والشعارات، والتلويح ببعض الأعلام.. وحرق بعض الأعلام!
تاريخ النشر: الثلاثاء 22/8/2006