المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسئلة برسم الرئيس الأميركي ..........محمد حسين فضل الله



فاتن
08-21-2006, 04:21 PM
محمد حسين فضل الله

آخر ما طالعنا به الرئيس الأميركي تصريحه بأن <قوى الإرهاب تسعى إلى وقف تقدم الحرية، وتوجيه الأمم الحرة حديثاً في طريق التطرّف>، وأن الحرب في لبنان <تشكّل جزءاً من المعركة الأوسع التي تدور في المنطقة بين الحرية والإرهاب>، وأن لبنان والعراق هما <مسرح النشاط الإرهابي الأكثر عنفاً>، في محاولة من هذا الرئيس لتشويه الواقع والإيحاء بأن مشكلة السياسة الأميركية هي في كيفية منع تقدّم ما يسمّيه الإرهاب في معركة الحرية، وإبعاده عن نشر التطرّف في المنطقة، ولا سيما في العراق ولبنان!!

ولكن الأسئلة التي تفرض نفسها على الرئيس الأميركي هي: من أين انطلق الإرهاب في المنطقة؟ وهل الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل ومعه حلفاؤه من الدول الغربية ضد حرية الشعب الفلسطيني في مدى أكثر من نصف قرن، هو حركة من أجل الحرية او سياسة في إنتاج الإرهاب؟ ولماذا يعتبر هو وإدارته جهاد هذا الشعب من أجل حريته واستقلاله من خلال فصائله المجاهدة إرهاباً، بينما يصرّح بأن مجازر إسرائيل وطريقتها في إبادة الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأطفال، دفاعاً عن النفس؟

وإذا كان قد تحدّث بالطريقة الاستهلاكية عن دولة فلسطينية الى جانب الدولة العبرية، فإنه لم يتقدّم خطوة واحدة في تنفيذ ذلك، بأي عنصر ضغط على إسرائيل، بل كانت سياسته ولا تزال تتمثل في تعقيد إقامة هذه الدولة، بتأييد إقامة المستوطنات الكبرى والجدار العنصري الفاصل اللذين يصادران أكثر الأرض الفلسطينية في الضفة والقدس، وإقرار منع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم، بالرغم من قرار الأمم المتحدة 194 الذي صوّتت عليه الولايات المتحدة.. ولا تزال اللعبة الأميركية والدولية تمارس الخداع والنفاق السياسي والأمني لإدخال القضية الفلسطينية في المتاهات التي يُراد لها أن تحقق لإسرائيل استراتيجيتها الاستيطانية في إلغاء حق الفلسطينيين في الحرية في أرضهم.

هل سأل الرئيس الأميركي نفسه مع إدارته عن السبب في نشوء حركة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي، ليعرف الجواب من عمق الواقع النفسي لدى العرب والمسلمين، والقهر الاقتصادي والسياسي والأمني الذي يتمثل في المسألة الفلسطينية، من خلال الطريقة التي تدير بها أميركا أوضاع المنطقة مما لا علاج له بالقوة العسكرية الرادعة، بل بمعالجة جذوره في الواقع؟ ثم، هل يرى هذا الرئيس وإدارته أن الاحتلال الذي يصادر إرادة الشعوب يمكن أن يحقق لها الحرية؟ بل هل يمكن لأي احتلال أن يحقق للناس إرادتهم في الحرية الحقيقية؟ نحن نعلم أن الاحتلال الأميركي وحليفه البريطاني أسقط الدكتاتورية في العراق، ولكن ذلك كان لحساب السياسة الأميركية التي كان الطاغية في العراق حليفها الذي ينفّذ سياستها منذ عشرات السنين، ولكن الطريقة التي يدير بها الاحتلال أوضاع العراق أدخلت هذا البلد في النفق الأمني المظلم الذي يحصد أرواح مئات الألوف من الشعب العراقي، من دون أن تحرك هذه القوات الاحتلالية أي جهد في هذا الاتجاه، لأن أميركا تريد البقاء طويلاً في العراق، مما يجعل من الانفلات الأمني مبرراً لها للبقاء؟!

ويتحدث الرئيس الأميركي عن الديموقراطية في العراق، ولكن الجميع يعرف حتى البرلمان العراقي والحكومة العراقية أن قوات الاحتلال لا تسمح للمسؤولين في العراق بأية حرية في أية مبادرة مستقلة، أو بإدارة الوضع الاقتصادي بشكل فاعل لحل المشكلة الإنسانية والخدماتية للشعب، بل إن بعض الشركات الأميركية قامت بنهب الثروة العراقية من خلال مشاريع وهمية.

ثم، ألا يتساءل هذا الرئيس: لماذا تقوم المقاومة العراقية بمحاربة احتلاله، ألا يجد في ذلك دليلاً على أن هناك حركة لاسترداد الشعب حريته؟ وإذا كان هناك إرهابيون من التكفيريين ممن يقومون بالمجازر على أساس مذهبي، فإن ذلك كان من خلال <الفوضى البنّاءة> السياسية والأمنية التي بشّر بها الرئيس بوش.. إننا نتفق معه أن هناك حرباً بين الحرية والإرهاب، ولكنها حرية الشعب في تقرير مصيره وإرهاب الاحتلال في مصادرة حرية هذا الشعب.

أما في لبنان، فلم تكن الديموقراطية فيه هبة من الرئيس الأميركي في برنامجه، بل الديموقراطية في هذا البلد تمتدّ منذ ما بعد الاستقلال، ولم تكن الحرية التي يتحرّك بها الشعب اللبناني في الفكر والإعلام والسياسة توجيهاً أميركياً، ولكن اللبنانيين يمارسون ذلك كله بإرادتهم الحرة، وإذا كانت هناك بعض الثغرات التي انفتحت في الجدار اللبناني مما عانى منه اللبنانيون، فقد كان ذلك من خلال العبث السياسي الذي قامت به الدول الكبرى، وفي مقدمتها أميركا، لتنفيذ سياستها في المنطقة من خلال اعتبار لبنان ساحة لذلك، ومن خلال الإرهاب السياسي الأمني الإسرائيلي الذي قام بتدمير لبنان لأكثر من مرة، وبموافقة من أميركا وتأييدها ومساعدتها.

وإذا كان الرئيس الأميركي يتحدّث عن أن لبنان هو <مسرح النشاط الإرهابي الأكثر عنفاً>، فإننا نوافقه على ذلك، ولكن الإرهاب هو الذي انطلق من خلال إرهاب الدولة الذي مارسته أميركا سياسياً في خطتها المتوافقة مع خطة إسرائيل، في إنضاج مشروع الشرق الأوسط الجديد على نار حارة يحترق في لهيبها اللبنانيون، بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم وشبابهم، وتحترق معهم كل بنيته التحتية في عملية تدمير شاملة لم يسبق لها مثيل، مما كان الرئيس الأميركي يعيش معه الفرح النفسي والسياسي في نجاح مشروع الإبادة للبنانيين، كعقاب لهم على إيمانهم بالحرية في رفض الاحتلال الإسرائيلي والسياسة الاستكبارية الأميركية.

إنه يتحدّث عن الحرية للعراقيين واللبنانيين، ولكن الشعوب تتحدّث عن الإرهاب الأميركي المتحالف مع الإرهاب الإسرائيلي ومع كل قوى الاستكبار العالمي بما فيه الاتحاد الأوروبي التي وقفت مع عملية التدمير والإبادة للبنان وفلسطين، حتى أن الأمم المتحدة لم تستطع بضغط من هؤلاء أن تقرّر وقف إطلاق النار، بل تركت المسألة خاضعة للغموض اللفظي الذي يُراد له أن يخضع في تفسيره وتأويله لمصلحة إسرائيل.

أيها الرئيس: لقد خرجت من التاريخ مطروداً، ومصحوباً باللعنات، وقد عملت بكل سياستك مع إدارتك على أن تعمّق الكراهة لأميركا، لأنك سقطت تحت تأثير إسرائيل لتكون خاضعاً للصهيونية من خلال الذين يحيطون بك.. إنك تملك بكل قوتك الهائلة أن تدمّر لبنان، وتقتل شعوبنا، ولكنك لن تستطيع أن تدمّر إرادتنا الحرة في الحرية والعزة، وفي الرفض لكل سياستك وسياسة أحلافك الاستكبارية..
وسيبقى لبنان البلد الرافض للاستكبار والمستكبرين، وستبقى المقاومة حركة حرية وانفتاح على الإنسان كله، وعلى الخير كله، ضدّ محور الشر الأميركي.