المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول مشكلات التعاطي مع الفتوى والسياسة والإعلام



مجاهدون
08-20-2006, 08:18 AM
معتز الخطيب الحياة - 19/08/06//



تحولت فتوى الشيخ عبدالله بن جبرين المناهضة لـ «حزب الله» الى كرة ثلج تدحرجت عبر مواقع الانترنت ثم بعض الفضائيات في خضم الحديث عن المقاومة اللبنانية. الأمر الذي أثار ردود أفعال كثيرة وفتاوى مضادة وبيانات صادرة من هنا وهناك. ونود هنا العودة اليها مرة أخرى لبيان جملة من الأفكار، يمكن للفتوى أن تشكل انموذجاً للتحليل والاستدلال في كيفية تعاطينا مع مسائل الفتوى والسياسة والإعلام، وادارة علاقتنا بالآخرين: سنة مع شيعة، أو خصوم الوهابية مع بعض المنتسبين اليها، فضلاً عن طرح تساؤل مهم من شأنه ان يعالج العديد من الاندفاعات التي قد تظهر هنا وهناك، وهو: لماذا قاوم الشيعة في لبنان دون العراق؟ وهذا المقال لن يناقش مضمون الفتوى الذي نرفضه بكل تأكيد، لكن ليس هدفنا هنا تناول المضمون، بل ما أحاط به.

فتوى ابن جبرين... توقيتها وأبعادها

فتوى ابن جبرين أول من نشرها موقع نور الإسلام (موقع وهابي متعاطف مع القاعدة) وتلقفها موقع وكالة الأنباء السعودية المستقلة (شيعي) وأرسلها في رسائله الاسبوعية الى الناس، ثم اهتم بها – على مدى أيام – موقع إسلام أونلاين.نت عبر مساحات متعددة (فتاوى وأخبار واستشارات والدعوة والدعاة)، تبعه موقع الجزيرة.نت، وفضائية الجزيرة، وغيرها، وبيانات من شخصيات علمية سعودية وغير سعودية، ومن الاخوان المسلمين ومن مجمع فقهاء الشريعة في أميركا وغيرهم، وبدأت تتبارى الجهات الاعلامية بالتعليق عليها والاتصال بالعلماء والفقهاء والسياسيين لأجل ذلك.

وكان لافتاً أن هنالك تركيزاً كبيراً على فتوى ابن جبرين تحديداً، وتحدثت المصادر السابقة عامة بما يوحي بأن الفتوى صدرت في ظل الحرب على لبنان أخيراً، ولذلك جاءت الردود قاسية وتتحدث عن أن «الوقت ليس وقت اصدار مثل هذه الفتاوى» (نائب مراقب الاخوان بمصر) فيما اعتبرها آخرون «انخراطاً في اللعبة السياسية» (د. محمد إمام – جامعة الأزهر) وطالب البعض المفتي بهذا «بالصمت والتواري عن الأعين» (د. سيف الدين عبدالفتاح).

وفي الحقيقة أن تلك الفتوى صدرت عن الشيخ ابن جبرين منذ أربع سنوات فقط!. فقد صدرت بتاريخ 7 صفر 1423 هـ ورقمها في موقع الشيخ (4173) في حين أن الفتاوى في الموقع نفسه تزيد على (13000)!. فهؤلاء جميعاً لم يدققوا كما هو مطلوب منهم، واندفعوا ووقعوا في فخ التثوير الاعلامي الذي نفخ في الفتوى وبالغ في حجمها.

وقد ساهم الإعلام في زيادة التباس علاقة الطائفية بالمقاومة، حين ركز على تلك الفتوى وضخمها حتى بدت كأنها تمثل تياراً عريضاً، في حين أنها تعبر عن موقف بضعة أشخاص في مقابل العشرات من الرموز العلمية إن لم نقل المئات، التي تقف مع مبدأ المقاومة كمبدأ. حتى من داخل السعودية نفسها. هذا فضلاً عن التركيز في موقع إسلام أونلاين مثلاً على مسائل الشيعة والسنة خلال هذه الفترة تحديداً لظنه بأن هذا وقت فتح هذه الموضوعات لنفي شبهة الطائفية.

والواقع أن توسيع الاهتمام بتلك الفتوى الى درجة مبالغ فيها، والانشغال بفتح ملفات: الشيعة والسنة، والزواج من الشيعي، ونحو ذلك، أعطى الموضوع أكبر من حجمه، وساهم بأثر سلبي في الأمر، فعمّق البعد الطائفي في وعي القارئ والمتابع دون المتعمق، فأكدنا ما نريد نفيه في هذه المرحلة تحديداً.

إعادة تحديث الفتوى ونشرها – مع أنها قديمة جداً – أظهرت الى أي مدى يشكل التعامل غير الواعي مع الانترنت خطراً، من حيث ان امكانياتها في التحديث واظهار المخفي واسقاط التاريخ، من دون اعتبار للتوقيت ومحل تنزيل الفتوى وسياقاتها يؤدي الى كوارث وفتن. فضلاً عن أن مفعول الجدل مع تلك الفتوى تمكن قراءته على أنه تصفية حسابات مع الوهابية السعودية تحديداً، والتي يمثل الشيخ ابن جبرين أحد أبرز وجوهها، وهذا ما حقق غرضاً للشيعة (الأعداء التاريخيين لهم) ولغير الوهابيين عموماً، فقد بدت تلك لحظة مناسبة جداً، حتى قال البعض: «إن الوهابيين المتشددين فقدوا صلتهم بنبض الشارع وباتوا يفكرون في العالم الإسلامي مثلما يفكر الناس العاديون بل إنهم يفكرون فقط في عالمهم الوهابي» (الداعية عبدالعزيز القسام).

لكن يجب القول فعلاً: إن نبض الشارع كان أكثر وعياً من تلك الاعتبارات الطائفية، حيث كان الى صف المقاومة ولم يلتفت الى تلك الاعتبارات التي تسكن رؤوس بعض النخب الدينية.

الشيعة بين العراق ولبنان

الإرباك في تفسير ما يحدث من وقائع في العراق ولبنان إنما يأتي من التصنيفات الطائفية نفسها، التي تدخلنا في انفاق متعرجة، وخطوط ليست مستقيمة. فلو انطلقنا من فكرة ان المقاومة «طائفية» وبدأنا نصفها كذلك في لبنان والعراق، سنواجه مشكلات عدة. فالذين قاوموا في لبنان مقاومة مسلحة هم شيعة، والذين تخاذلوا عن المقاومة المسلحة في العراق هم شيعة، والذي دعم كلا الموقفين هو ايران الدولة الشيعية. بل أكثر من ذلك، الذي تدخل لمنع المقاومة المسلحة لمقتدى الصدر وتياره في العراق هو النفوذ الايراني ايضاً وبعض المرجعيات الشيعية. كيف نفسر هذا إذن؟

أول خطوة في سبيل الفهم المنسجم، هي نزع الصبغة الطائفية عن الموضوع، في لحظة التفسير، وليس بإطلاق. كيف ذلك؟:

> هذه الأحداث يمكن تفسيرها بأنها محكومة بالمصالح السياسية، لتلك الأطراف وللدول التي لها نفوذ فيها، (وتحديداً ايران). فالمصالح هي التي تحرك المواقف، وهذه المصالح متلونة، بعضها مصالح طائفية وبعضها مصالح نفوذ وسلطة وكلاهما موجود في العراق، وهذا يجعلنا ندرك خطأ الحديث عن «شيعة» ككتلة منسجمة ومتناسقة في كل مكان من هذا العالم، بدليل تلك المفارقات التي تحدثنا عنها. وبالمقابل لا يمكن الحديث عن ايران فقط كمحرك لهذه الاحداث والأمور، بل هناك تقاطعات في المصالح سواء في العراق أم في لبنان، والمسألة معقدة. ففي لبنان مثلاً، لا شك في ان هنالك تأييداً ودعماً ايرانياً وسورياً لـ «حزب الله»، لاعتبارات عدة، أولها العداء لاسرائيل، وهذا هدف مشترك بين جميع المسلمين، فبمنطق السياسة وبمنطق الدين يجب أن يتوحدوا عليه ويزيحوا كل الاعتبارات الاخرى. ومع ذلك، لا يمكن نفي ان قيادة «حزب الله» الروحية تقع في ايران وليس في لبنان، فـ «حزب الله» يؤمن بمبدأ (الولي الفقيه) والذي هو علي خامنئي.

> حين الحديث عن الشيعة، لا يمكن الحديث عنهم كأنهم تيار واحد، فهنالك مرجعيتان مختلفتان ومتنافستان أيضاً، هم قم والنجف، ويمكن للمواقف أن تتغير بناء على هذا، وبناء على التداخلات بين السياسي والفقهي، وعلى ذلك فهنالك تياران: من يؤمن بولاية الفقيه (المتمثلة في ايران بخامنئي) ومن لا يؤمن بها. وعلى هذا ستختلف الاعتبارات الفقهية والمواقف السياسية بحسب هذه الانتماءات. فليس كل مراجع الشيعة في العراق يؤيدون جانب مهادنة الاحتلال، فهناك مراجع تناصر المقاومة السنية مثل جواد الخالصي وأحمد البغدادي وغيرهما. والنفوذ الايراني (دينياً وسياسياً) يسعى الى مد ولاية الفقيه الى أبعد مدى، وكذلك تثبيت مرجعية قم وتهميش مرجعية النجف، لتمثل ايران قبلة الشيعة في العالم دينياً وهي الساعية لتصبح قوة إقليمية سياسياً وعسكرياً.

> العديد من الناس ذاكرتهم قصيرة، خصوصاً وقت الأزمات، فينسون بعض التفاصيل والأحداث التاريخية، فربما تدفع حاجة الناس وتعطشهم الآن الى رمز للأمة يجسد آمالها في الصمود والتصدي للعدوان، ربما يدفعهم ذلك الى الظن بأن من يدافع عن الأمة ويصون كرامتها هو «حزب الله» الشيعي فقط، ونحن لا ننكر أبداً فضل الحزب في ميدان المقاومة، لكن علينا أن نتذكر جيداً أننا بهذا نهضم فضل إخوتنا الفلسطينيين الذين قدموا – ولا يزالون – الغالي والرخيص منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن باستمرار.

وعلى أهمية لبنان وكل بقعة من بقاع العالم الاسلامي، ففلسطين تقع في المركز من قلب العالم الاسلامي لرمزيتها ومكانتها، دينياً وسياسياً أيضاً، كونها تمثل نواة المشروع الاستعماري وامتداداً له. ويجب ألا تغيب عنا المقارنات البسيطة أيضاً من حيث ان المقاومة الفلسطينية باستمرار كانت محاصرة من العالم ومن دول الطوق، ومن الداخل من خلال السلطة الفلسطينية المحكومة باتفاقات دولية وموازنات مصالح مختلفة عن حسابات المقاومة، في حين أن المقاومة اللبنانية المسلحة الممثلة بـ «حزب الله» تتلقى دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً من ايران التي تمولها بموازنة ضخمة سنوياً، ومن سورية الملاصقة لها على الحدود، وبالقدرات الاستخباراتية أيضاً التي جعلتها تصل الى حد التجسس على اسرائيل نفسها! فضلاً عن انها خارج حدود ما يسمى بدولة اسرائيل.

هذا فضلاً عن ان العودة الى تاريخ الصراع في لبنان يجعلنا نتذكر الصراعات التي دارت داخل لبنان بين الأطراف السنية وحركة أمل الشيعية، ثم الصراع بين أمل و»حزب الله»، تلك الصراعات أسفرت عن تمركز المقاومة المسلحة في يد «حزب الله» فقط، لحسابات متعددة، ليس الآن مجال الحديث عنها، لكن يجب ألا يغيب عنا ذلك أثناء اطلاق الأحكام الكلية والتاريخية.

> ثم يجب ألا يحملنا القرب الجغرافي على أن نتناسى بقية أجزاء المقاومة في بقية دول العالم الاسلامي على الخصوص. فلسنا مركز العالم الاسلامي، ولا مركز الكون كذلك.

> نقطة أخرى قد تسبق لأذهان المتسرعين المنفعلين، وهي الميل الى الأحكام العامة ذات النزعة الثقافية، فقد يرى البعض أن «حزب الله» يقدم النموذج الثوري الشيعي الذي يجسد معاني البطولة، بخلاف النموذج السني، وربما يزيد القول: «هذا دليل على أن مكون ثقافة المقاومة مكون راسخ في الثقافة الشيعية. والحقيقة أن هذا منزع طائفي أيضاً، سواء قلنا إن مكون ثقافة المقاومة مكون سني أو شيعي، فينبغي أن ننفي فكرة التصنيفات الطائفية الثقافية فهي داء يمكن أن يصيب ثقافتنا وتفكيرنا ويهدد مجتمعاتنا، وحتى لو مضينا في مناقشة تلك المقولات السطحية سنواجه بوقائع تنقضها، فهل كانت انتفاضة الشيعة في جنوب العراق تعبيراً عن ثقافة المقاومة ثم نضبت تلك الثقافة مع دخول الأميركيين للعراق؟

وهل «حزب الله» يعبر عن الشيعة في العالم، وشيعة العراق «استثناء»؟ ولماذا لم تدفع احداث بن لادن في 11 ايلول (سبتمبر) 2001 (ونحن نرفضها) الى القول: انها احداث تعبر عن «ثورية النموذج السني»؟. وأين المقاومة الفلسطينية من هذا كله؟ وماذا عن المقاومة في افغانستان والشيشان وغيرها؟ هذه الانزلاقات خطرة على التفكير والوعي العام، وعلينا أن ننقي عقولنا وافكارنا منها، لأن رائحة الطائفية المريضة تفوح منها.


كاتب سوري