لمياء
08-18-2006, 07:54 AM
http://www.aawsat.com/2006/08/18/images/ksa-local.378491.jpg
رئيس المتحف الإقليمي في الدمام: نحن بحاجة إلى عمليات الترميم التي تعقب الاستكشاف والتنقيب
تاروت: ميرزا الخويلدي
تبدو جزيرة تاروت، التاريخية التي تقول المسوحات الجغرافية ان تاريخها يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة، وهي تنفض عن نفسها غربة البحر، وتمد ذراعيها لإحتضان اليابسة، ليست سوى شريط مائي ضيق لازال يعطي الجزيرة حق الاحتفاظ بهويتها كراهبة البحر، فاليابسة زحفت دون رحمة نحوها لتفك عنها عزلتها.. وتداعت الرمال والحصى تملأ مياه الخليج الزرقاء لتستبدل الأمواج وأغاني اليامال في الوجهة التي تقابل بها تاروت وجه القطيف، بمخططات الإسمنت المسلح، وفي المجمل، تاروت لم تعد جزيرة تحتضن دارينها، وقلعتها، وموانئ العود والعنبر، بعد أن التصقت باليابسة.
وبسبب خطة عمرانية طموحة، فإن الصورة الطبيعية للجزيرة التي يقصدها المسافرون قديماً بالمراكب، ويعبرون الخليج والجسر في اهازيج بحرية، قد تغيرت، فأصبح ما يفصل تاروت عن اليابسة مجرد مجرى مائي أستبقي كدلالة جمالية، ولكي يحافظ على انسياب حركة الأمواج، أما التزاحم القديم خلف الجسر الوحيد، فقد بدا اليوم أهون بعد تدشين الجسر الجديد الذي يربط الجزيرة بشارع الرياض، الجسر الجديد تحّّمل المساهمون في المخططات العمرانية تكلفته التي ناهزت 20 مليون ريال، واستغرق إنشاؤه ما يزيد على 18 شهراً، ويمتد 1600 متر وبعرض 30 متراً.
لكن صورة تاروت التاريخية لا تزال ضاربة في العمق، فعلى رأي العلامة الراحل حمد الجاسر: «فالجزيرة كانت موطناً قديماً للفينيقيين قبل نزوحهم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. فقد جاء في تاريخ لبنان نقلاً عن بعض مؤرخي اليونان بأن أهل هذه الجزيرة كانوا يباهون بأنهم هم الذين أسسوا صور وارواد ولا تخلو هذه الجزيرة من بعض آثارهم»، وكانت تاروت مسكناً لمزيج من العشائر الكنعانية والفينيقية، واسم تاروت، اشتق من اسم إله الحب والجمال عند الفينيقيين (عشتاروت).
وعلى ضفاف الخليج، وعلى مساحة لاتزيد عن اربعين كيلو متر مربع تقع جزيرة تاروت، وهي اكبر جزيرة على الساحل الشرقي السعودي، على الخليج، وتأتي جزيرة تاروت من حيث المساحة بعد جزيرة البحرين، وتقع شرق القطيف داخل خور واسع من البحر، يحيط به غرباً ساحل القطيف، وساحل الدمام جنوباً، ورأس تنورة شمالاً، وتمتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق. وكان الجزء الغربي من البحر الذي يفصل بينها وبين القطيف ضحلاً، يمكن إجتيازه في وقت «الجزر» مشياً على الأقدام وعلى الدواب.
وعرفت تاروت بموانئها التاريخية، كميناء (دارين) الذي نشط حركة التجارة في منطقة الخليج، وأصبحت دارين سوقاً من أسواقها التجارية ومرفأً مهماً يتصل بالبحرين، ومنها نشطت حركة التبادل التجاري واستيراد المسك والتوابل والعطور، ووصفها ياقوت الحموي بأنها «همزة وصل بين تجارة الشرق والغرب».
وقال الشيخ حمد الجاسر بأن جزيرة تاروت «تعتبر من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف، فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن موانئ الهند».
وفي شعر الأعشى ما يشير إلى قوافل الجِمال التي كانت تمر بالدهناء إلى شاطئ القطيف أو ساحل تاروت حيث يحّملها التجار بالسلع التي كانت توجد في سوق (دارين) أحد موانئ جزيرة تاروت وتعود بعدها حاملة السلع والثمار:
يمرون بالدهنـاء خفافـاً عبـابهم - ويرجعن من دارين بجـر الحقـائب قلعة تاروت
* أحد أبرز معالم تاروت، هي القلعة، التي يرجح أن فترة بنائها كان في القرن السادس عشر الميلادي بين عامي 1515 – 1521، والشائع أنها تعود إلى زمن البرتغاليين أثناء تواجدهم في منطقة الخليج، إلا أن بعض الباحثين يرجحون بأن أهالي الجزيرة هم الذين شيدوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين، وبعد ذلك أعيد بناؤها من قبل الأتراك عندما سلمت لهم عام 1559، ولا تزال إلى يومنا هذا شامخة في وسط جزيرة تاروت.
ومن الثابت تاريخياً أن هذه القلعة شيدت على أساسات أنقاض مستوطنة سابقة تعود إلى خمسة آلاف سنة تظهر بقاياها إلى يومنا هذا وهي عبارة عن أحجار ضخمة منحوتة بشكل مكعبات من المحتمل أنها تمثل بقيا لبناء له أهميته نظراً لضخامة البناء، كما أظهرت نتائج الحفريات التي عملت من قبل البعثات الدنمراكية إلى وجود عدة طبقات عثر فيها على كسر فخارية تتزأمن مع حضارات باربار حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، كما أكتشف طبقات فيها فخار يعود إلى فترة حضارة العُبيد حوالي 4500 قبل الميلاد.
والقلعة محاطة بسور عريض مشيد بخامات من المواد الأولية كالطين والجص وحجارة الفروش ويشبه في تصميمه شكل حيوان السرطان ويتراوح سمك هذا السور من أسفل إلى الأعلى ما بين مترين ونصف إلى متر ونصف أما ارتفاعه فيصل إلى تسعة أمتار أما جوانبه وزواياه يشاهد بروز إحدى عشر برجاً عالياً تتصل بجسور ممتدة وهي ممرات سرية كانت تستخدم أثناء الحروب إلا أنه ومع مرور الوقت تقلصت هذه الأبراج ولم يتبقى منها سوى ثلاثة أبراج وقد قامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بعمل ترميم وتدعيم للقلعة قبل 23 سنة.
كنوز في مهب الريح
* وقبل سنوات، لاحظ فريق استكشاف، يضم خبراء آثار، قام بزيارة ميدانية لقلعة تاروت، وجود تصدعات في البرج الشمالي تبرز واضحة من أعلى إلى أسفل، كما لاحظ تساقط اللياسة الطينية الخارجية للقلعة وبروز طبقة الاسمنت الاسود.
ويتحسرّ متخصصون في الآثار من ضياع الكنوز الأثرية في جزيرة تاروت، كما هو الحال في عموم المنطقة الشرقية، فبسبب شحة المخصصات المالية المرصودة، وبسبب التداخل في الصلاحيات، بين وكالة الآثار التابعة لوزارة التربية والتعليم السعودية، والهيئة العامة للسياحة، فإن عمل فرق الاستكشاف والتنقيب والمسوحات في المنطقة الشرقية لا زال مشلولاً، وبالرغم من كون قلعة تاروت من ضمن المواقع المرصودة من قبل هيئة السياحة، فإن آخر بعثة تنقيب ارسلت للمكان كانت في العام 1987، ومنذ ذلك الوقت لم يتم التنقيب عن آثار جزيرة تاروت أو إجراء أي بحث او تنقيب أو مجسّات، ماعدا المجسّ الأخير أثناء ترميم مسجد الخضر في تاروت.
يقول عبد الحميد الحشاش، رئيس المتحف الاقليمي في الدمام، التابع لوكالة الآثار لـ«الشرق الأوسط« «هناك عمليات تنقيب واستكشاف في عموم المنطقة الشرقية، والعام الماضي كانت فرقنا تعمل في «ثاج» حيث وجدوا مدينة تحت الأرض، لكننا بحاجة الى استمرارية في العمل، وخاصة في عمليات الترميم التي تعقب الاستكشاف والتنقيب، فحتى الآن لا تتم هذه العملية بشكل متواصل ومستمر، مما يؤثر سلباً على الآثار المكتشفة ويهدد المواقع بالتدمير بفعل العوامل الطبيعية في حال لم تتم عملية الترميم».
ويضيف الحشاش، ان مكان فرق التنقيب والآثار هو الميدان، وبالتالي فإن توفير الامكانات لعملهم يجعلهم أكثر فاعلية، وضرورة العمل تقتضي وجود فرق للدراسة والتحليل والتوثيق ومن ثم العمل على اصدار المراجع التي تعنى بالآثار جنباً إلى جنب مع عمليات التنقيب والترميم.. مما يتيح للعاملين في بحر عشر سنوات من تنفيذ الكثير من الأعمال التي توقفت او تم تجميدها.
وشدد الحشاش على ضرورة قيام فرق الآثار بعمليات الترميم التي تعقب الحفر والاستكشاف حتى لا يؤدي وجود المواقع والآثار مكشوفة لتدميرها بفعل العوامل الطبيعية، وقال أن آثار مدينة «الفاو» التاريخية التي اكتشفت قبل نحو 30 سنة تعرضت بعض آثارها ومواقعها وبينها غرف للهدم والتدمير.
وتفاءل الحشاش بقرب ضم وكالة الآثار التي تتبعها المتاحف وعمليات البحث والتنقيب، الى الهيئة العليا للسياحة، مما يوفر الوقت والجهد ويختصر العديد من الصلاحيات التي لا تخدم سيرورة العمل. ويقول مختصون في الآثار أن التهاون في عمليات التنقيب وحفظ الآثار في الجزيرة أدى إلى ضياع قسم كبير منها، ويتحدث معنيون بالآثار، أن ورشة لإصلاح السيارات كان اصحابها يزمعون ترميمها إكتشفوا أسفلها مدفناً يعود لأكثر من 2000 سنة قبل الميلاد، وجرى التكتم حوله حتى لا يؤدي اكتشاف الأمر إلى ضياع العقار بسبب الخوف من نزع الملكية.
وبسبب شحة المخصصات المالية، فإن الفريق السعودي المسؤول عن فرع وكالة الآثار في المنطقة الشرقية، والذي لا يتعدى حجم الكادر البحثي والاستكشافي والاداري وحتى الخدمي 13 فرداً، مسؤول عن تغطية منطقة تمتد من بقيق حتى الخفجي، وحفر الباطن، شمالاً، ويشرف على أكثر من 400 موقع أثري في المنطقة الشرقية وكلها تقع في اماكن متباعدة وداخل نطاقات حساسة. ويوجد في بقيق 700 إلى 800 موقع اثري كما يوجد في يبرين وحدها 6 آلاف مدفن وفي الضبطية هناك 2000 مدفن، كما تقع بعض المناطق الأثرية داخل مناطق عسكرية محظورة، ويعتبر مدفن (جاوان) ومقابر جنوب الظهران بشكل عام، أكبرها، وكان آخر مرة تم فيه التنقيب في مقابر جنوب الظهران في العام 1984.
ورفض الحشاش ما يقال ان انعدام الاستعانة بالفرق الاجنبية للقيام بعمليات الاستكشاف سببه الخشية من ضياع هذه الاثار او تحويلها للخارج قائلاً «لا خوف من ذلك فلدينا العديد من الكوادر السعودية المؤهلة التي تستطيع العمل مع العناصر الاجنبية باحتراف ولكن يعود السبب لعدم وجود قانون ينظم عمليات التنقيب امام الفرق الأجنبية».
ونتيجة لعدم حسم نزع الملكية والتعويض حول قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني وهي أشهر معالم دارين وكانت قلعة دفاعية من القلاع التي بناها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي ثم جُدد بناؤها عام 1882 فإن القلعة توشك ان تندرس ما تبقى من معالمها.
وقال محمود الهاجري المسؤول في المتحف الاقليمي بالدمام، أن قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني في دارين تتعرض للتلف والتدمير بفعل العوامل الطبيعية، لافتاً إلى أن قضية نقل الملكية لازالت معلقة بين المالية وملاك القعلة.
وقال الهاجري، أن بعض آليات العمل لحفظ الآثار بحاجة الى تعزيز، «فكل يوم نفقد موقعاً أو أجزاء من موقع) بسبب التعديات او عدم تعاون الاطراف المشتركة، مذكراً ان موقعاً مسوراً في الرفيعة بجزيرة تاروت جرى تحويل اجزاء منه إلى مخطط عام دون الرجوع لوكالة الآثار».
وكانت آثار الجزيرة عرضة للنهب والضياع حتى من قبل الأهالي الذين كانت عمليات الحفر العمرانية تستكشف لهم بعضاً من قطع الخزف والجرار لم يقدروا قيمتها فأهملوها، وكذلك كان مصير بعض التماثيل التي تم العثور عليها في بعض البساتين، وبطريق الصدفة اكتشف المزارعون أوان قديمة وقطع حجرية من رخام أبيض، وعثر عمال البلدية عام 1959 على صخور في السوق عليها كتابات نسبها البعض إلى الكتابة المسمارية وآخرون إلى اللغة العبرانية وقد سلمتها البلدية إلى متحف الرياض لتؤكد رموزها بأنها كتابة سبئية. وفي عام 1972 وجدت بعثة للتنقيب في جزيرة تاروت بعض الأحجار الثمينة والجرار التي اُستخدمت كقبور للموتى، وقد عثر على سيوف ذهبية وبعض التماثيل الصغيرة وعملات قديمة وأوان فخارية وذهبية وفضية وأحجار كريمة.
وفي سنة 1962 قامت بلدية القطيف بتشيد طريق لربط جزيرة تاروت بالساحل الرئيسي وكان العمل يتطلب كمية كبيرة من الرمال فتحولت معدات نقل الأتربة إلى مناطق توفر الرمال في تاروت وأثناء إزالة الرمال بمنطقة (الرفيعة) تم الكشف عن مقابر غنية بالمعثورات شملت تحفا صغيرة بجانب الفخار والمعدن والمرو والأواني من الحجر الصابوني، ونظرا لعدم وجود أداره للآثار آنذاك التي تأسست في 1964 فقد استحوذ على هذه المعثورات أفراد من القطيف والظهران.
رئيس المتحف الإقليمي في الدمام: نحن بحاجة إلى عمليات الترميم التي تعقب الاستكشاف والتنقيب
تاروت: ميرزا الخويلدي
تبدو جزيرة تاروت، التاريخية التي تقول المسوحات الجغرافية ان تاريخها يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة، وهي تنفض عن نفسها غربة البحر، وتمد ذراعيها لإحتضان اليابسة، ليست سوى شريط مائي ضيق لازال يعطي الجزيرة حق الاحتفاظ بهويتها كراهبة البحر، فاليابسة زحفت دون رحمة نحوها لتفك عنها عزلتها.. وتداعت الرمال والحصى تملأ مياه الخليج الزرقاء لتستبدل الأمواج وأغاني اليامال في الوجهة التي تقابل بها تاروت وجه القطيف، بمخططات الإسمنت المسلح، وفي المجمل، تاروت لم تعد جزيرة تحتضن دارينها، وقلعتها، وموانئ العود والعنبر، بعد أن التصقت باليابسة.
وبسبب خطة عمرانية طموحة، فإن الصورة الطبيعية للجزيرة التي يقصدها المسافرون قديماً بالمراكب، ويعبرون الخليج والجسر في اهازيج بحرية، قد تغيرت، فأصبح ما يفصل تاروت عن اليابسة مجرد مجرى مائي أستبقي كدلالة جمالية، ولكي يحافظ على انسياب حركة الأمواج، أما التزاحم القديم خلف الجسر الوحيد، فقد بدا اليوم أهون بعد تدشين الجسر الجديد الذي يربط الجزيرة بشارع الرياض، الجسر الجديد تحّّمل المساهمون في المخططات العمرانية تكلفته التي ناهزت 20 مليون ريال، واستغرق إنشاؤه ما يزيد على 18 شهراً، ويمتد 1600 متر وبعرض 30 متراً.
لكن صورة تاروت التاريخية لا تزال ضاربة في العمق، فعلى رأي العلامة الراحل حمد الجاسر: «فالجزيرة كانت موطناً قديماً للفينيقيين قبل نزوحهم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. فقد جاء في تاريخ لبنان نقلاً عن بعض مؤرخي اليونان بأن أهل هذه الجزيرة كانوا يباهون بأنهم هم الذين أسسوا صور وارواد ولا تخلو هذه الجزيرة من بعض آثارهم»، وكانت تاروت مسكناً لمزيج من العشائر الكنعانية والفينيقية، واسم تاروت، اشتق من اسم إله الحب والجمال عند الفينيقيين (عشتاروت).
وعلى ضفاف الخليج، وعلى مساحة لاتزيد عن اربعين كيلو متر مربع تقع جزيرة تاروت، وهي اكبر جزيرة على الساحل الشرقي السعودي، على الخليج، وتأتي جزيرة تاروت من حيث المساحة بعد جزيرة البحرين، وتقع شرق القطيف داخل خور واسع من البحر، يحيط به غرباً ساحل القطيف، وساحل الدمام جنوباً، ورأس تنورة شمالاً، وتمتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق. وكان الجزء الغربي من البحر الذي يفصل بينها وبين القطيف ضحلاً، يمكن إجتيازه في وقت «الجزر» مشياً على الأقدام وعلى الدواب.
وعرفت تاروت بموانئها التاريخية، كميناء (دارين) الذي نشط حركة التجارة في منطقة الخليج، وأصبحت دارين سوقاً من أسواقها التجارية ومرفأً مهماً يتصل بالبحرين، ومنها نشطت حركة التبادل التجاري واستيراد المسك والتوابل والعطور، ووصفها ياقوت الحموي بأنها «همزة وصل بين تجارة الشرق والغرب».
وقال الشيخ حمد الجاسر بأن جزيرة تاروت «تعتبر من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف، فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن موانئ الهند».
وفي شعر الأعشى ما يشير إلى قوافل الجِمال التي كانت تمر بالدهناء إلى شاطئ القطيف أو ساحل تاروت حيث يحّملها التجار بالسلع التي كانت توجد في سوق (دارين) أحد موانئ جزيرة تاروت وتعود بعدها حاملة السلع والثمار:
يمرون بالدهنـاء خفافـاً عبـابهم - ويرجعن من دارين بجـر الحقـائب قلعة تاروت
* أحد أبرز معالم تاروت، هي القلعة، التي يرجح أن فترة بنائها كان في القرن السادس عشر الميلادي بين عامي 1515 – 1521، والشائع أنها تعود إلى زمن البرتغاليين أثناء تواجدهم في منطقة الخليج، إلا أن بعض الباحثين يرجحون بأن أهالي الجزيرة هم الذين شيدوها لتحميهم من هجمات البرتغاليين، وبعد ذلك أعيد بناؤها من قبل الأتراك عندما سلمت لهم عام 1559، ولا تزال إلى يومنا هذا شامخة في وسط جزيرة تاروت.
ومن الثابت تاريخياً أن هذه القلعة شيدت على أساسات أنقاض مستوطنة سابقة تعود إلى خمسة آلاف سنة تظهر بقاياها إلى يومنا هذا وهي عبارة عن أحجار ضخمة منحوتة بشكل مكعبات من المحتمل أنها تمثل بقيا لبناء له أهميته نظراً لضخامة البناء، كما أظهرت نتائج الحفريات التي عملت من قبل البعثات الدنمراكية إلى وجود عدة طبقات عثر فيها على كسر فخارية تتزأمن مع حضارات باربار حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، كما أكتشف طبقات فيها فخار يعود إلى فترة حضارة العُبيد حوالي 4500 قبل الميلاد.
والقلعة محاطة بسور عريض مشيد بخامات من المواد الأولية كالطين والجص وحجارة الفروش ويشبه في تصميمه شكل حيوان السرطان ويتراوح سمك هذا السور من أسفل إلى الأعلى ما بين مترين ونصف إلى متر ونصف أما ارتفاعه فيصل إلى تسعة أمتار أما جوانبه وزواياه يشاهد بروز إحدى عشر برجاً عالياً تتصل بجسور ممتدة وهي ممرات سرية كانت تستخدم أثناء الحروب إلا أنه ومع مرور الوقت تقلصت هذه الأبراج ولم يتبقى منها سوى ثلاثة أبراج وقد قامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بعمل ترميم وتدعيم للقلعة قبل 23 سنة.
كنوز في مهب الريح
* وقبل سنوات، لاحظ فريق استكشاف، يضم خبراء آثار، قام بزيارة ميدانية لقلعة تاروت، وجود تصدعات في البرج الشمالي تبرز واضحة من أعلى إلى أسفل، كما لاحظ تساقط اللياسة الطينية الخارجية للقلعة وبروز طبقة الاسمنت الاسود.
ويتحسرّ متخصصون في الآثار من ضياع الكنوز الأثرية في جزيرة تاروت، كما هو الحال في عموم المنطقة الشرقية، فبسبب شحة المخصصات المالية المرصودة، وبسبب التداخل في الصلاحيات، بين وكالة الآثار التابعة لوزارة التربية والتعليم السعودية، والهيئة العامة للسياحة، فإن عمل فرق الاستكشاف والتنقيب والمسوحات في المنطقة الشرقية لا زال مشلولاً، وبالرغم من كون قلعة تاروت من ضمن المواقع المرصودة من قبل هيئة السياحة، فإن آخر بعثة تنقيب ارسلت للمكان كانت في العام 1987، ومنذ ذلك الوقت لم يتم التنقيب عن آثار جزيرة تاروت أو إجراء أي بحث او تنقيب أو مجسّات، ماعدا المجسّ الأخير أثناء ترميم مسجد الخضر في تاروت.
يقول عبد الحميد الحشاش، رئيس المتحف الاقليمي في الدمام، التابع لوكالة الآثار لـ«الشرق الأوسط« «هناك عمليات تنقيب واستكشاف في عموم المنطقة الشرقية، والعام الماضي كانت فرقنا تعمل في «ثاج» حيث وجدوا مدينة تحت الأرض، لكننا بحاجة الى استمرارية في العمل، وخاصة في عمليات الترميم التي تعقب الاستكشاف والتنقيب، فحتى الآن لا تتم هذه العملية بشكل متواصل ومستمر، مما يؤثر سلباً على الآثار المكتشفة ويهدد المواقع بالتدمير بفعل العوامل الطبيعية في حال لم تتم عملية الترميم».
ويضيف الحشاش، ان مكان فرق التنقيب والآثار هو الميدان، وبالتالي فإن توفير الامكانات لعملهم يجعلهم أكثر فاعلية، وضرورة العمل تقتضي وجود فرق للدراسة والتحليل والتوثيق ومن ثم العمل على اصدار المراجع التي تعنى بالآثار جنباً إلى جنب مع عمليات التنقيب والترميم.. مما يتيح للعاملين في بحر عشر سنوات من تنفيذ الكثير من الأعمال التي توقفت او تم تجميدها.
وشدد الحشاش على ضرورة قيام فرق الآثار بعمليات الترميم التي تعقب الحفر والاستكشاف حتى لا يؤدي وجود المواقع والآثار مكشوفة لتدميرها بفعل العوامل الطبيعية، وقال أن آثار مدينة «الفاو» التاريخية التي اكتشفت قبل نحو 30 سنة تعرضت بعض آثارها ومواقعها وبينها غرف للهدم والتدمير.
وتفاءل الحشاش بقرب ضم وكالة الآثار التي تتبعها المتاحف وعمليات البحث والتنقيب، الى الهيئة العليا للسياحة، مما يوفر الوقت والجهد ويختصر العديد من الصلاحيات التي لا تخدم سيرورة العمل. ويقول مختصون في الآثار أن التهاون في عمليات التنقيب وحفظ الآثار في الجزيرة أدى إلى ضياع قسم كبير منها، ويتحدث معنيون بالآثار، أن ورشة لإصلاح السيارات كان اصحابها يزمعون ترميمها إكتشفوا أسفلها مدفناً يعود لأكثر من 2000 سنة قبل الميلاد، وجرى التكتم حوله حتى لا يؤدي اكتشاف الأمر إلى ضياع العقار بسبب الخوف من نزع الملكية.
وبسبب شحة المخصصات المالية، فإن الفريق السعودي المسؤول عن فرع وكالة الآثار في المنطقة الشرقية، والذي لا يتعدى حجم الكادر البحثي والاستكشافي والاداري وحتى الخدمي 13 فرداً، مسؤول عن تغطية منطقة تمتد من بقيق حتى الخفجي، وحفر الباطن، شمالاً، ويشرف على أكثر من 400 موقع أثري في المنطقة الشرقية وكلها تقع في اماكن متباعدة وداخل نطاقات حساسة. ويوجد في بقيق 700 إلى 800 موقع اثري كما يوجد في يبرين وحدها 6 آلاف مدفن وفي الضبطية هناك 2000 مدفن، كما تقع بعض المناطق الأثرية داخل مناطق عسكرية محظورة، ويعتبر مدفن (جاوان) ومقابر جنوب الظهران بشكل عام، أكبرها، وكان آخر مرة تم فيه التنقيب في مقابر جنوب الظهران في العام 1984.
ورفض الحشاش ما يقال ان انعدام الاستعانة بالفرق الاجنبية للقيام بعمليات الاستكشاف سببه الخشية من ضياع هذه الاثار او تحويلها للخارج قائلاً «لا خوف من ذلك فلدينا العديد من الكوادر السعودية المؤهلة التي تستطيع العمل مع العناصر الاجنبية باحتراف ولكن يعود السبب لعدم وجود قانون ينظم عمليات التنقيب امام الفرق الأجنبية».
ونتيجة لعدم حسم نزع الملكية والتعويض حول قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني وهي أشهر معالم دارين وكانت قلعة دفاعية من القلاع التي بناها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي ثم جُدد بناؤها عام 1882 فإن القلعة توشك ان تندرس ما تبقى من معالمها.
وقال محمود الهاجري المسؤول في المتحف الاقليمي بالدمام، أن قلعة محمد بن عبد الوهاب الفيحاني في دارين تتعرض للتلف والتدمير بفعل العوامل الطبيعية، لافتاً إلى أن قضية نقل الملكية لازالت معلقة بين المالية وملاك القعلة.
وقال الهاجري، أن بعض آليات العمل لحفظ الآثار بحاجة الى تعزيز، «فكل يوم نفقد موقعاً أو أجزاء من موقع) بسبب التعديات او عدم تعاون الاطراف المشتركة، مذكراً ان موقعاً مسوراً في الرفيعة بجزيرة تاروت جرى تحويل اجزاء منه إلى مخطط عام دون الرجوع لوكالة الآثار».
وكانت آثار الجزيرة عرضة للنهب والضياع حتى من قبل الأهالي الذين كانت عمليات الحفر العمرانية تستكشف لهم بعضاً من قطع الخزف والجرار لم يقدروا قيمتها فأهملوها، وكذلك كان مصير بعض التماثيل التي تم العثور عليها في بعض البساتين، وبطريق الصدفة اكتشف المزارعون أوان قديمة وقطع حجرية من رخام أبيض، وعثر عمال البلدية عام 1959 على صخور في السوق عليها كتابات نسبها البعض إلى الكتابة المسمارية وآخرون إلى اللغة العبرانية وقد سلمتها البلدية إلى متحف الرياض لتؤكد رموزها بأنها كتابة سبئية. وفي عام 1972 وجدت بعثة للتنقيب في جزيرة تاروت بعض الأحجار الثمينة والجرار التي اُستخدمت كقبور للموتى، وقد عثر على سيوف ذهبية وبعض التماثيل الصغيرة وعملات قديمة وأوان فخارية وذهبية وفضية وأحجار كريمة.
وفي سنة 1962 قامت بلدية القطيف بتشيد طريق لربط جزيرة تاروت بالساحل الرئيسي وكان العمل يتطلب كمية كبيرة من الرمال فتحولت معدات نقل الأتربة إلى مناطق توفر الرمال في تاروت وأثناء إزالة الرمال بمنطقة (الرفيعة) تم الكشف عن مقابر غنية بالمعثورات شملت تحفا صغيرة بجانب الفخار والمعدن والمرو والأواني من الحجر الصابوني، ونظرا لعدم وجود أداره للآثار آنذاك التي تأسست في 1964 فقد استحوذ على هذه المعثورات أفراد من القطيف والظهران.