المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرجعية الدينية الشيعية



كانون
10-10-2003, 06:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخواني المحترمين أرجو منكم التكرم بمشاركتي هذا البحث ومساعدتي في الحوار حوله و التناقش بأفكاره ولكم مني جزيل الشكر والامتنان

المرجعية الدينية الشيعية


المقدمة . قوام الوجود

الاعتقاد بصحة الفعل أو القول أو خطأه يعتمد على الأسس و المعايير المنهجية للقياسات الصحيحة سواء من الناحية الفكرية الدينية أو التفاعلات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية بمعنى أن يتم وزن الأفعال وعرضها على القياسات التي تتلاءم معها من حيث الفكرة ، وكل فكرة لابد لها من جذور تبعث منها فتكون أحد الروافد في بناء المجتمع .
الإسلام هو الدين الذي يستند إلى الأحكام الشرعية والأخلاق السامية الموجوة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لذا يعتبر المقياس الأساسي لميزان الأفعال و الأقوال فعندما نتبنى قضية ما نستمد حركية القضية من تعاليم الدين الإسلامي و نستعرض صحتها انطلاقاً من هذا المنبع ، وفكرة المرجعية الدينية الشيعية هي أساساً فكرة مستمدة من التعاليم الإسلامية لحفظ الشريعة من الانغراق في الخطاياه ، وعليه أصبحت المرجعية قوام الشيعة فكرياً و روحياً ، الشيعة كفكر و وجود وترايخ و حياة ترتيط بالمرجعية فهي المسؤولة عن تصميم التكوين الذاتي للمسلم الشيعي تبعا لتحديدها أحكام الدين وبيان الموقف المطلوب إزاءها وهي تحدد لنا معالم الطريق التي بموجبها نبريء الذمة وهي بهذا تشكل منبعاً من منابع الأطمئنان الديني ، والمرجعية سلوة المسلم الشيعي في مواجهة الفراغ الكبير الذي تركه غياب القيادة المعصومة وهي أنعكاس لهذه القيادة ، الأمر الذي يخفف وطأة هدا الغياب ، فالمرجعية عقل الشيعة و التشيع والروح التي تسري في أوصال هذا الجسم و الدم الذي بغدي خلاياه وعظامه و أعصابه وليس سراً أن أي مشروع نهضوي يهدف للأرتقاء بالوجود الشيعي على الصعيد الفكري أو السياسي أو الأجتماعي أو الأقتصادي يتلكأ و يتعثر وقد يخفق إلى الأبد إذا لم ينل مباركة المرجعية .
أن الشيعة يتطلعون إلى المرجعية اليوم أكثر من من أي وقت مضى ، يتطلعون إليها كمنقذ من المخاطر التي تهدد هذا الوجود في الصميم والجوهر ، بل تهدد المرجعية بداتها وما قيمة الكيان المرجعي مهما بلغ من ضخامة وتألق فكري و شخصي إذا كان الشيعة يعنون من الفقر والظلم والتمزق والتناحر ؟ ما قيمة هذا الكيان كهكها أبدع في علومه وفنونه والوهابية تنخر في قاعدته البشرية ؟
المرجعية قيادة فكرية وسياسية أكتسبت شرعيتها من تراث عقائدي متين ونعززت بمرور وذلك بسبب ما مرت به هذه الطائفة من حالات الاضطهاد و الحرمان و التشريد وبسبب الموقع النيابي للمرجعية عن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) هذه القيادة ليس لها بديل أو نظير تجاذبت كل أسبابها الشرعية والزمنية عبر تاريخ طويل ، ولقد تصدت طوال عقود من الزمن لأداء دورها تصيب مرة وتخطيء وتنج تارة وتحفق كأي قيادة بشرية وهي طالما أنتجت نماذج متميزة تنتقل بها إلى آفاق رحبة من أنتاج الفكر و تحديد المهمات وخلق الآليات و تشخيص الأدوار وربما تشهد نماذج من نوع آخر تجمد القيم و لا تجرؤ على الجديد تنزوي بعيداً وتفكر بأن أقتحام الزمن يشكل مخاطرة غير محسوبة أو ربما تفرز نماذج من نوع ثالث تخضع لتطورات الزمن بحذر تنظر إلى الماضي كي تستمد منه الثقة في مواجهة المستحدث وتمضي خطوات وتيدة لتخفيف ضغوط الزحف القادم بقوة وشراهة . وأنطلاقا من كل هذه المقتربات تكون المرجعية مادة للنقد و التقويم والتقييم شريطة الالتزام بالقواعد الخلاقية والموضوعية ومن أهمها أن يكون النقد في المجالات التي تتصل بوظيفة المرجعية حقاً ومهما يكن نستطيع أن نقول لا بديل عن المرجعية لأنه مندوحة من الحكم الشرعي .
ولابد من قيادة نابعة من طبيعة التركيبة الشيعية عقيدة وتاريخاً وبالتوازي مع هذه المعادلة يتقرر مصير الشيعة بالمرجعية قبل أي عنصر من عناصر الوجود الشيعي سواء كان هذا العنصر حزباً أو تاجراً أو مثقفاً والتجارب أثبت ذلك بلغة الواقع الحي ومن هنا تتأكد الحاجة أكثر إلى النقد ، فأن مشروعا بهذه الضخامة ينبغي أن يخضع للعملية النقدية باستمرار ، النقد يمارس دوره في المجالات التي تؤسس التاريخ أكثر من أي مجال آخر ، النقد عملية تنقيح للمسؤولية و إنقاذ للتاريخ وننقد المرجعية يساوي إنقاذ الشيعة بكل مفرداتها المادية والمعنوية ، وإذا كان قد أشترطنا الخلق والموضوعية اللذين من شأنهما صب النقد في إطار التجديد الصحيح للمشكلة فإن التوسل بالآليات المناسبة شرط علمي ثالث .

ترميم النسيج الممزق

المهمة الأولى التي تنتظر المرجعية هي ترميم النسيج الممزق ، النسيج الشيعي يفتقد تماما إلى النظم الذي من شأنه ضبط العلاقة بين مفرداته و مكوناته الداخلية بل العكس هو الصحيح حيث تتحكم في هذا الوجود سمات التنافر و قوانين التناحر وبالتالي فإن هذا الجسم خاضع لسنة التآكل من الداخل ، أن الشيعة هي الكيان العقائدي / البشري الوحيد الذي يمتلك كل أعضاء الجسد الكامل الذي من شأنه أن يتحرك بقوة وفاعلية في مجري التاريخ ولكن للأسف الشديد إن هذه الأعضاء بذل أن تتكامل تتآكل ، أن الصراع الشيعي / الشيعي نذير شؤم لأنه مقدمة شر مستطير خاصة وأن الصراع دخل أطواراً غير منطقية وذلك من تشهير و هتك و تكفير و تشكيك ، فالكيان في طريقه إلى التفتت و التمزق أنه كيان عليل و علته من داخله ، وهذا الصراع يتسم بالشمولية فهو بين الرماجع والحواشي والأحزاب والمساجد و خطباء المنبر الحسيني و الحوزات العلمية وقد لوحظ في الأونة الأخيرة أن الصراع أخذ يتفاقم على صعيد الوسائل وقد صرفت أموال طائلة وأهدرت طاقات هائلة وضُيع زمن ثمين في هذا الصراع المؤسف .
أن المرجعية الشيعية مدعوة إلى طرح بيان شرف ومن ثم عمل برنامج عمل من أجل المصالحة الشيعية / الشيعية وفي الواقع مهما أختلفت التصورات حول الأولويات ومهما تباعدت الرؤى في بعض المسائل العقائدية يبقى التفاهم على خطوط عمل عامة قائم وممكن ولكن شريطة أن تتوفر النوايه الحسنة و لا نعتقد أن يهود إسرائيل أقدر منا على تقدير هذه الحقيقة ومن ثم العمل وفق مقتضاها ومنطقها ، أن ترميم هذا النسيج لا يتناقض مع تعدد الأولويات ولا يصطدم بتعدد الهموم بل الطائفة الناضجة هي التي تستفيد من هذا التعدد لخلق كيان متفاهم متفاعل يتبادل الخبرات و الأدوار في سياق نظرية عمل متطورة تتسم بالمرونة بل هنا تتجلى روعة التخطيط والتدبير والتوجية .
المرجعية تمتلك كل المؤهلات التي تمكنها من إحداث هذه النقلة النوعية على صعيد التشكيل الداخلي للجسم الشيعي هي تملك المال و الرجال و الوقاعد الشعبية والفكر فما الذي يعوزها ؟ وما الذي تفتقده ؟ وكلنا يعرف أن كلمة المرجعية في هذه القضية وقضايا أخرى حاسمة أو شبة حاسمة تؤدي دورها بفاعلية و سرعة ولا نغالي إذا قلنا أنها هي التي تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المجال و لا يوجد مبرر للتأخر أو التلكؤ بل مثل هذا الموقف يزيد من عملية التفكك والتشتت .

لجنة إدارة الإزمات

العالم يتغيير بسرعة غير معهودة ، وثيرة هذا التغيير فلتت من زمام السيطرة و التحكم و التوجية ، التغيير الذي يملك زمام القيادة والتصميم والتقييم و يعد الثبات سيد الموقف ومن نتائج هذه التحولات المدهشة انعدام التاريخ وتزلزل الهوية وارتهان اليقين إلى منطق النسبية والصراع السياسي بين القوى والدول والطوائف والأديان تداخل تمزاج بشكل معقد كما أن الصراع الأقتصادي أتخذ بين أساليب معقدة فالعالم يمر في فوضى الأمر الذي دعا الكثير من العلماء والباحثين إلى دراسة قوانين الفوضى .
أن هذه الفوضى والتغيير والتحولات تخلق الأزمات تلو الأزمات للإنسان والمجتمع والدول والطوائف والأحزاب ، أن مزيدا من التماس بالعالم يعني مزيداً من الأزمات ومزيداً من الموجهة الساخنة ومزيداً من الجديد الذي يتطلب الموقف الجاد ، ولأن الشيعة من المفردات الحية الصاخبة في الساحة الإنسانية بشكل عام فأنها معرضة لمزيد من الأزمات على كافة المستويات وعلى جميع الأصعدة إننا طائفة مأزونة شأنا أم أبينا ، العالم المستعل من جهة وطبيعة حضورنا من جهة أخرى يساهمان في خلق هذه المعادلة فهي طبيعة وموضوعية ، أن الطائفة التي لا تعاني من أزمات في هذا العصر المتفجر تعتبر طائفة متية مفردة ملقاة على هامش التاريخ ولكن النقطة الجوهرية فهنا كيفية التعامل مع الزمات كي نخرج ظافرين هذه هي المسألة التي ينبغي طرحها ومعالجتها ، أن التغييرات الهائلة تجابهنا وتفاجئنا باستمرار وعلى حين غرة هذه هي لغة العصر لا يعرف المقدمات منطقه السرعة والمفاجأة في كل شيء ، أننا نعاني من أزمة قيادة وأزمة ثقة متبادلة وأزمة جواب عصري على أسئلة عقائدية وأزمة موقف إزاء النظمة والحكومات وأزمة ضمير من بعضنا البعض ، وأزمة تشخيص الأولويات وأزمة المصير المجهول وأزمة ضياع وأزمة خوف من مستجدات الحياة وخاصة هذه الثورات العلمية الهائلة .وأزمة جهل بالإنجازات الغربية الحديثة على صعيد اللغة والعلوم الإنسانية الأخرى وأزمة تنظير في التهعامل مع الزمن وأزمة غربة بين المثقف والعالم الديني وأزمة تناقض طبقي وأزمة ثارات مؤجلة وكل أزمة من هذه الأزمات عبارة عن تحدي – مع الفرق بين المصطلحين – وليس شك أن بعض هذه التحديات تحتاج إلى موقف سريع خاصة التحديات السياسية والتي هي من أبرز التحديات التي أبتلينا بها نحن الشيعة قديماً وحديثاً وعدم تقدير الموقف الصحيح من هذه سبّب لنا الكثير من المشاكل من دماء وحرمان وتشريد ، أن الشيعي لا يعرف موقفه من هذه التحديات يتسم بالجتهاد الفردي أو يخضع فيه لتوجيه اديولوجي خارج أنتمائه الديني و المذهبي وإذا كانت بعض المواقف قد تحددت أخيراً فهي بنحو عام أو أكثر بقليل وغالباً ما تتسم بلحاظ جغرافي معين بحيث كا نت سببا في إحراج شيعة آخرين بل سببا في قتل شيعة آخرين أنها جريمة بحق الشيعة والتشيع .
أن القضية برمتها تتطلب من المرجعية أن تؤسس لجنة أزمات دائمة تشكل من علماء كبار ومن كل الاختصاصات المتنوعة لدراسة كل أزمة طارئة – نحن نركز هنا على الأزمات السياسية - وتشخيص الموقف المطلوب ولو وفق حدود عامة ، أن المرجعية إذا أقدمت على هذه الخطوة ستدخل في عمق التاريخ لتصنعه من جديد على صعيد الكيان الذي تعهدت برعايته وحمايته .
أن هذا الاجراء ليس صعباً ، وكل مستلزماته موجودة أن خطوة بسيطة على هذا الطريق ستخلق مناخاً شيعياً حيوياً فينتج أفكار وطموحات و تصورات من شأنها تحديد الأهداف و أكتشاف أننا لا نبالغ إذا قلنا أننا في حاجة إلى غرفة أزمات لمواجهة الفوض العارمة و نعتقد لو أن مرجعاً واعياً يبادر لوضع لبنة بسيطة في هذا المشروع الحيوي سيعطي ثمارة بسرعة قياسية بل سيلقي تاييداً شعبياً منقطع النظير ومن كل الشيعة وسوف تتحول اطروحاته إلى بيانات وأفكار جماهيرية تتناقلها الأوساط الشيعية وتناقشها وبجرأة وإصرار فالشيعة في الظروف العصيبة المستجدة و في ضوء هذه الحالة المتردية تنتظر الكلمة الحرة التي تضع الأصبع على الجرح وبكل صراحة أن هذه الكلمة لا تجد صداها المدوي الذي يستبعه الأثر الكبير إلا إذا كانت كلمة مرجع .
والأزمات السياسية التي حدثت كثيرة منها الموقف من النظام الصدامي البائد تجاه الحوزة العلمية في النجف الأشرف والموقف اتجاه الدولة الأمل إذا تعرضت لإنتكاسة كبيرة و الكثير من المواقف التي تتبعها .

الإصلاح الحوزوي

الحوزة كهف الإسلام وحصن التشيع ويكفي أن هذه المؤسسة العظيمة تكفلت لعقود طويلة مسؤولية فكر أهل البيت بياناً و نشراً و دفاعاً ولذلك ليس غريب أن تسعى الكثير من الأنظمة و الأحزاب والقوى المشبوهة لتصفية الحوزة أو تشوية رسالتها أو التضييق عليها ، فالحوزة تمثل الشخصية المعنوية للتشيع ولكن هذا لايمنع أبداً من إخضاع هذه المؤسسة للنقد باعتبار العمل النقذي محاولة جادة على صعيد الإضاءة والتنوير وليس عملا على أساس الانتقاص و التهوين وهذا هو مفهوم النفد في الخطاب الإسلامي العميق .
أن بداية الإصلاح الحوزوي تتصل بالعلاقة بين الطالب الحوزوي و المجتمع فأن طالب الحوزة بشكل عام ذو ايجاه سلبي من مجتمعه ليس له حضور طبيعي فضلاً عن حضور فعال داخل الوسط الإجتماعي فهو منزومتردد يتعامل مع الآخر وفق مقاييس المجاملة المحسوبة وأن كان قد خرج الطالب الحوزوي عن هذا القيد المدمر بعد الحدث العظيم في بعض الأحيان ولكنها لم تكن النقلة النوعية المبرمجة وقد تحكمت بها عوامل مرتبكة الأمر الذي أفسد كل شيء .
أننا نتطلع إلى طالب حوزوي حاضر بشكل طبيعي داخل الوسط افجتماعي بعيداً عن التكاليف و التعقيدات و الألقاب وعلى أمتداد هذا التصور ، نرى أن من الضروري أن يجمع الطالب الحوزوي بين العمل وطلب العلم أي أن يعيل نفسه بنفسه لأن الراتب الحوزوي مشكلة معقدة تحول إلى حد كبير دوم ممارسة الحياة بشكل جدي ويكرس في داخل الذات حالة الترقب الحذر ، أن هذا الراتب يعتقل الحرية في أعماق الضمير فيما الاستقلال الأقتصادي يحرر الذات من الخوف و التبعية الكاذبة ويكسر الحواجز بين الطالب و الوسط الذي يحيط به ، أن تحرير الطالب العلم الديني من محنة الراتب الحوزوي بمثابة ثورة معنوية هائلة في تاريخ الحوزة وسوف تفرز نتائج رائعة في مجال دمج هذا الطالب بالمجتمع والعلم وإن ذلك سوف يوفر الكثير من رأس المال الشيعي لصرفه و استثماره في مجالات أخرى ذات مردود مفيد ومجدي على صعيد الوجود الشيعي بما في ذلك معالجة البطالة و الفقر والأمية في الأوساط الشيعية و لا يعتقد أن الدمج بين العلم والعمل مسألة صعبة كما يروجها البعض بل يمكن الجزم إن مثل هذا الجمع يوسع الأفق الذهني ويلهم العقل بنيات منطقية وفكرية جديدة متجددة لأن العمل منطقه المتناسل المتوالد ولذا فأن الطالب الحوزوي سوف يبدع أكثر و ينتج أعمق إذا ما أنخرط في العمل ومارس الحياة الصعبة في هذا الميدان وفي نطاق موضوعة الإصلاح الحوزوي يعتقد أن من المفيد جداً بل من صلب التصور الإسلامي أن يكون للزي الديني قيمته الكبيرة ذلك أن هذا الزي علامة مخصوصة تشير إلى أن صاحبه يحمل علماً عظيماً سواء على صعيد المضمون أو الهدف أو المستوى وأن مرتدي هذا الزي صاحب رفعة معنوية لا يخضع لإبتزاز أو مساومة وفي الحقيقة أن الفترة الأخيرة شهدت موجة تعميم كبيرة وهي ظاهرة في تصورنا خطيرة جداً لأن العمامة كما قلنا مسؤولية ضخمة وهي تتطلب مستوى علمي متقدم ومن هنا أن ارتداء اللباس الديني يجب أن يخضع إلأى مقاييس صعبد للغاية وأن التعميم المجاني خيانة لله وللرسول ولأهل البيت عليهم السلام وعلى المرجعية واجب التصدي لظاهرة التعميم المجاني وهذا المصطلح يشمل حتى طلبة العلم الديني الذين لم يصلوا إلى الكفاية العلمية الذاتية أي التي تمكنهم من النعامل مع العلم الديني بمقدرة وكفاية و استقلالية بل أن يكون على درجة متقدمة من ثقافة الزمن .
يكلف الطالب الحوزوي الكثير من الزمن الشيعي لأنه كثيراً ما يبدأ من الصفر وهذا يستغرق زمنا مضنياً ، و الزمن في العصر الحديث غال جداً وأحسن طريقة متصورة لعلاج هذه المشكلة أن تستقبل الحوزة الطالب الحائز على مقدماً على تعليم عال ، أن الطالب الجامعي يختصر الزمن و الجهد و المال لأن هذا الطالب قد تهيأت مداركه للاستيعاب أسرع و أعمق وأكثر كما أنه سوف لا يكون عالة على الرأس المال الشيعي أثناء التحصيل العلمي الذاتي وبعده ويعتقد أن هناك المئات من الشباب خريجي الجامعات على استعداد للانخراط في الحوزة ومن مهمات المرجعية الملحة هو التخطيط لمثل هذه النقلة النوعية المستعجلة بهدف الارتقاء بالتحصيل العلمي الحوزوي و الذاتي .
كما أنه لا بد الالتفاف إلى وجود بعض اللجان التي تهتم بشأن التحصيل العلمي على سبيل المثال :
لجنة ، أو لجان لتسيير الوضع الدراسي في الحوزة العلميّة، وهي تمارس تنظيم دراسة ما قبل (الخارج) والإشراف على دراسات الخارج وتحدّد المواد الدراسية وتضع الكتب الدراسية ، وتجعل بالتدريج الدراسة الحوزوية المواد الدراسية بالمستوى الذي يتيح للحوزة المساهمة في تحقيق أهداف المرجعيّة الصالحة وتستحصل معلومات عن الانتسابات الجغرافيّة للطلبة وتسعى في تكميل الفراغات وتنمية العدد.
لجنة للانتاج العلميّ ووظائفها إيجاد دوائر علميّة لممارسة البحوث، ومتابعة سيرها، وتشجيعه، ومتابعة الفكر العالمي بما يتّصل بالإسلام، والتوافر على إصدار شئ كمجلة، أو غيرها، والتفكير في جلب العناصر الكفوءة إلى الحوزة أو التعاون معها إذا كانت في الخارج.

كانون
10-10-2003, 07:07 AM
إصلاح المنبر الحسيني

المنبر الحسيني بمثابة الجريدة الشيعية السائرة ولا يتحتلف اثنان على دور المنبر الجسيني في الارتقاء على الصعيد الفكري و الثقافي و السياسي والروحي ولكن في نفس الوقت لا يختلف أثنان في الدور السلبي الذي يمكن أن يعلبه هذا المنبر بالذات فهو سلاح ذو حدين وقد استثمر قليل من الواعين المخلصين هذه الإمكانية العظيمة في تعزيز الوعي الديني و المذهبي والإنساني فيما استغل كثيرون المنبر الشريف لغايات شخصية وعائلية بعدية كل البعد عن المفهوم الإساسي لدرو المنبر الحسيني ، وليس من شك أن مستقبل الوجود الشيعي يعتمد فيما يعتمد عليه على هذا المنبر العظيم فهو لسان وفكر و مظهر ، ومن هنا يعتبر المنبر ظاهرة إعلامية مركبة لأنه يتكون من عناصر متعددة ومعقدة في بعض الأحيان وكل عنصر له موقعه المركزي من هذه الظاهرة .
أن الخطوة الأولى في إصلاح المنبر الحسيني هي التحرر من لغة التجارة فليس سراً أن القرأءة الحسينية خضعت في العقود الأخيرة إلى منطلق الإجارة وقد وصلت الأجرة إلى عشرات الالاف من الدنانير وتحول بعض ممتهني هذه الشغلة إلى إمبراطورات مالية عالمية وهذه الظاهرة قللت و حجمت من قيمة المنبر الحسيني بل أنها تهدده بالانقراض لا سمح الله ويحتج البعض أنهم يتقاضون هذه الأموال الطائلة لأن المنبر هو مصدر رزقهم الوحيد وهي حجة واهية وتنطوي على تبرير باهت لا يحمل أي معلم من معالم الجدية و الرصانة فلا نعتقد بأن سبل العيش قد سُدت بوجهة القاريء الحسيني . السب متيسرة بين يدية وما يجنية من موسم واحد قد يمكنه من مشروع اقتصادي يغنية من الأجرة الغالية ، كما أن الجرة على القراءة الحسينية قد تساهم بالإساءة إلى الفكر والدين ، فيما القاريء الذي يرتقي المنبر في سبيل الله إنما يكون متحرراً من كل الضغوط بما فيها تلك التي يمارسها مؤسس المجلس حسب الاصطلاح الشائع .
فلا نريد من نأخذ ديننا و عقائدنا من قرّاء التعزية بل حتى من الملايات هؤلاء الذين يخلطون الحابل بالنابل ولا يههمه سوى إبكاء الحاضرين و الحصول على الأموال بالدولار أو الدينار الكويتي طبعا لأنه أغلى ولهذا لا يقرأون إلا في دول الخليج حيث أموال النفط تلعب دورها هناك ، ولا نريد أن يكون المنبر الحسيني مصداق لقول الشاعر العبي العراقي الظريف حين يقول :
يحسين يا عزّي و دلالي بﭼتلتك عيشت عيالي
مع أحرتامنا و تقديرنا لدور الكثير من القرّاء الحسينين الذين أثروا المنبر الحسيني بالكثير من المفاهيم الإسلامية و الذين ساهموا في الحفاظ على ثورة الحسين عليه السلام أمثال الشيخ المرحوم الدكتور أحمد الوائلي طيب الله ثراه وغيره من الشباب المخلص الذي قضى جل أوقاته في الدفاع عن الحق فكانوا بحق الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
أن المرجعية مدعوة إلى تخريج قرّاء متبرعين من أجل القضاء على المافيا التجارية في هذا المجال الطاهر ، أن المستمع في هذه الأيام ليس أذنا وحسب بل هو متسائل يتحرى عن الأسباب ويربط بين الظواهر ناقد من الدرجة الأولى لا يكتفي بالاستماع إلى الكلام بل يؤول ويفسر على ضوء النتيجة بل هذه النتيجة مرتبطة بكل هذه العوامل ومن الملاحظ في هذه الأيام من خلال بعض عمليات الرصد أن مساحة الحضور في المجالس الحسينية أخذت تتأثر بشكل واضح من جراء نوعية القرّاء هؤلاء .
الخطوة الثانية في اصلاح المنبر الحسيني هي المادة المطروحة لإأن هذه المادة ينبغي أن تتركز بصورة اساسية على الجانب المصيري للطائفة وذلك على ضوء الواقع المأساوي الذي تمر به ، أن الموضوعات مثل الاقتصاد الإسلامي ونظام الحكم في الإسلام وما هو على غرارها تعتبر ترف فكري في مثل هذه الأيام التي يتعرض فيها الكيان الشيعي إلى التشتت و التمزق كما أن الظروف السياية التي يمر بها العالم تؤكد هذه الرؤية ، أن الجسم الشيعي يعاني من تفكك الداخلي وكل عمل أو هدف نسعي إليه ينبغي أن يبدأ من إصلاح هذه الحالة المرتبكة .
لقد أصبح التاريخ مادة متوفرة ويمكن قراءته و الشيعي المعاصر لا يقنع بطرح الواقعة التاريخية بعفوية ومن هنا فأن القاريء الحسيني خسر هذه المادة ليس على صعيد الخبر بل على صعيد التحليل و التدقيق وربما هناك مستمع يفوق هذا القاريء بهذه المادة و غيرها ولذا فإن المجال الوحيد المفتوح أمام هذا القاريء هو الجانب النقدي وأرقي أنواع الوعظ هو الذي يصب في توعية المسلم الشيعي إزاء دينه و طائفته لأن البناء الاجتماعي هو القادر على خلق ضمير متألق ونعتقد أن موقع القاريء لابد أن يكون في مستوى الحضور أي من دون اعتلاء هذه المنصة العالية التي قد توحي بالهيمنة والغرور وتربي في ضمير القاريء شخصية المُلقي حيث تعتبر الأخر مجرد متلقي .

الخاتمة

هذة في اعتقادنا أهم ما ينتظر المرجعية وإلا أصبح التشيع في خطر الأمر الذي يدعو المرجعية حقا إلى المبادرة السريعة للأهتمام بهذه المعالم كما يلي :
أنحسار حجم المجمهور المتردد على الجوامع و دور العبادة وهذه الظاهرة أصبحت ملموسة وملفتة للنظر .
أنحسار ظاهرة دفع الحقوق الشرعية بشكل عام وعدم إلتزام الكثير من الملتومين بدفعها إلى المرجعية أو التصرف بها حسب الاجتهاد الشخصي في توزيع هذه الحقوق وهي ظاهرة بدأ الوكلاء يشيرون إليها ويحذرون منها و الغريب في الأمر أن الناس أصبحوا لا يثقون في الوكلاء خاصة بسبب ما ظهر منهم من ثراء لا يمكن أن يكون ببساطة و سهولة لدى الكثير من الناس و لا يمكن تمريره بهذه البساطة .
أنحسار حضور الحسينيات من قبل العامة لكون كما سبق الاشارة إليه أما القاريء نفسه أو المادة المطروحة من قبلهم .
تقلص حجم العلاقة بين العالم الروحاني و الجمهور الشيعي بل تعدي إلى نشوب الكلام نحو العلماء بشكل سافر و ظاهر للعيان وبدء التجرؤ على مقام المرجعية – للأسف الشديد – وقد أنتقل من السر إلى العلن ومن الكلام إلى الكتابة ومن الكلام المؤدب إلى الكلام البذيء وهذه الظاهرة نذير شؤم و سوء لأن هذا التطاول على هذا المقام يقود إلى تصدع التشيع ومما يؤسف أن هذه الظاهرة بدأها العلماء أنفسهم و أخذت تشتد داخل الوسط المرجعي بالذات و الواجب يحتم على كل شيعي أن يقف بوجه هذه الجريمة الكبرى بكل ما يملك من قوة و اقتدار .
تراجع المنسوب الجماهيري الذي كانت تمتع به الحركة الإسلامية – سابقا و خاصة في إيران و البحرين و الكويت – وليس من شك أن فصائل هذه الحركة ومفرداتها لم تتمكن إلى الآن أن تتفق على أدنى مستويات التفاهم المشترك تتقاسمها العناويين الجزئية و الطارئة التي لاتشكل أي بعد مهم في مفهوم الشريعة أو الوطن أو الطائفة وتعد هذه الحركة في المقياس الحركي الناجح من أبرز الأمثلة تخلف العمل الحزبي في بعض الأحيان .
ومن القضايا المستجدة في الجسم الشيعي و الذي يعتبر في غاية الخطورة بل هو من أخطر ما يهدد الكيان الشيعي فكراً و وجوداً هو هذا التنافر بين الشيعية ليس على مستوى الأحزاب أو المرجعيات فحسب بل على مستوى الشعوب أيضاً ، وتراجع الأهتمام بالقضايا الكبيرة و الإغراق بالقضايا الهامشية التي تعد من الأمور الثانوية ففي الوقت الذي يتعرض فيه شيعة العراق إلى خطر التوهيب و التشتت والتقتيل و النفي تصرف الأموال الطائلة و الجهود الخيالية لإثبات موضوعات وهمية أو حقيقة ولكنها لم تمس مصير الطائفة بالصميم وبالوقت الذي يتعرض فيه الشيعة الباكستانيين إلى مذابح مروعة يدور نقاش عقيم لسنوات طويلة حول أجتهاد هذا أو ذلك أوضلالة هذا أو ذلك .
فالخطر ماثل وقائم وذلك على ضوء هذه المقتربات الواضحة وليس لها إلا المرجعية الدينية ولكن هذه المرجعية لا يمكن أن تؤدي هذه المهمة الكبيرة إذا لم تتغير بعض المفاهيم ويحص انقلاب جوهري ببعض الأفكار والممارسات ومنها :
أن يحدث تغيير في معنى الولاء للمرجعية فبدلاً من أن يقوم على الطاعة المطلقة للمرجع يستند إلى العلاقة النقدية وليس على مستوى الحكم الشرعي إنما على مستوى الموضوعات والنقد هو علامة الحب والإخلاص قوامه النصح والترشيد والتوجيه بعلم ومعرفة وفي الحقيقة أن غياب النقد هو الذي جرّأ الناس في الأيام الأخيرة على مراجعنا بلغة قد لا تكون مؤدبة في بعض الأحيان بل أن غياب النقد هو الذي أدى إلى ممارسة منطق اليد و القدح بين أبناء المراجع وحواشيهم ومقلديهم وهي ظاهرة مخزية .
أن تشريع النقد الحي الموضوعي وإدخاله في الخطاب الإسلامي نظرياً و عملياً سوف يحجم من مساحة الغيبة ويقطع الطريق على الفرية والبهتان ويخطو بالتشيع فكراً و وجوداًً .
ومن المتطلبات الملحة في هذا المجال حذف مفهوم ( الشأنية) الذي يعني مزيداً من المكاسب المادية و المعنوية بلحاظ قيم تكاد أن تكون دنيوية فردية ففي ضوء هذا المقياس الغريب يبرر الكثير إثراءهم الفاحش من حقوق المهدي عليه السلام وقد شاع هذا المصطلح الغريب في الأيام الخيرة بسبب التساؤل عن ظاهرة إثراء بعض العلماء غير المعقول والذي ساهم مساهمة كبيرة في ضرب الصحوة الإسلامية من داخلها بل أن هه الظاهرة وضعت الخطاب الإسلامي في موقع حرج أمام الأعداء ودعت الكثير من المخلصين إلى إعادة النظر في حقيقة هذا الخطاب وفحص الماضي بدقة وعناية .

صائب الحق14
10-13-2003, 03:16 PM
بسمه تعالى السلام عليكم اخى الكريم وتقبل الله اعمالكم وجزاكم الله خير لانكم وظعتم ايديكم على الجراح وهذا هو المطلوب في هذه المرحلة وهو نداء رائع ....رائع....رائع...ياليت قومي يعقلون...
اخي الكريم خادم العلماء هذه تحية من اخوكم التونسي وفي الختام '( اقول لكم بالتونسي ربي يخليك)
والسلام

المحبة
10-13-2003, 04:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هاقد عدنا بعد غياب طويل ...
واجمل شيء اننا قرأنا هذا الموضوع القيم ونسال الله ان يجعله في ميزان حسناتكم اخي الكريم
وان تكون هناك اسماع واعية تعي هذا الكلام بقلوبها وعقولها
نسال الله ان يحفظ علمائنا ويجعلنا الامة التي ترفع راية الحق مع امام العصر والزمان
اختكم في الله
نسالكم الدعاء

التلميذ
10-13-2003, 09:46 PM
السلام عليكم

الاخ المحترم خادم العلماء


أشكركم على هذا الموضوع القيم الذي في الحقيقة يضع النقاط على الحروف ، وهو ما نحتاجه لكي نعبر هذه الأزمة العقيمة ، استميحكم عذرا فقد نقلت الموضوع إلى أحدى المنتديات لكثرة اعجابي به وارجو المعذرة

أخوكم الصغير
التلميذ

كانون
10-24-2003, 03:40 AM
عناصر القوّة في المرجعيّة الشيعية

تتمتّع المرجعية الدينية بموقع اجتماعي وسياسي بالغ الأهمية. ولقد مارست أدواراً خطيرة في حركة الأمة وصناعة الأحداث والمواقف، حيث شهدت الحياة السياسية تحولات كبيرة على مستوى الأمة والدولة صنعتها المرجعية الدينية، عبر توجيهاتها وفتاواها التي أصدرتها في أوقات حساسة فكانت القول الفصل والحكم القاطع في مجريات الأحداث.

إنّ المكانة الإسلامية الكبيرة للمرجعية الدينية وموقعها الشرعي جعلها تتجاوز الأطر الرسمية للحكومات، وتتخطى الحواجز الإقليمية للدول، على أساس أنّ المقلِّدين في الغالب يتوزعون على أقاليم مختلفة، ويندر أن يكون هناك مرجع شيعي لا يتجاوز مقلِّدوه حدود الجغرافية الإقليمية التي يعيش فيها.

وعلى هذا فإنّ اتساع دائرة التقليد تساهم في إلغاء الفواصل الإقليمية من خلال ربط المسلمين بمراجع التقليد. وهذا ما يتضح عملياً في المواقف الكبيرة التي يحدد فيها المراجع الموقف الجماهيري المطلوب عبر الفتوى أو الحكم. كما حدث مثلاً في فتوى الجهاد التي صدرت عن مراجع الدين في العراق عام 1914. فقد شملت العراق، مثلما شملت المناطق الأخرى التي تدخل ضمن دائرة محاربة الإنجليز وحرمة التعاون معهم.

إنّ قدرة المرجعية على تخطي الحدود وفّر لها إمكانية قيادة حركات مهمة، وتوجيه أحداث خطيرة خارج وسطها الاجتماعي، كما حدث في ثورة التنباك في إيران عام 1891م والتي فجرتها فتوى السيّد حسن الشيرازي من سامراء، وعلى أثرها اضطّر ناصر الدين شاه إلى إلغاء اتفاقه مع بريطانيا حول التبغ.

ومن هنا يمكن القول أنّ قوة المرجعية إنما هي متأتية من جانبها الشرعي الذي يفرض على المقلِّدين العمل وفقها.

إنّ المكانة التي تحتلها المرجعية في واقع الأمة، جعلها حقيقة كبيرة فرضت نفسها على الواقع السياسي بكلّ قوّة، وراحت الحكومات تتعامل معها بحسابات دقيقة، وقد تحاشت السلطة في البلاد الشيعية _ أو ذات الأغلبية الشيعية _ أن تصطدم معها قدر الإمكان خوفاً من تعرضها لثورة جماهيرية، رغم أنّ السلطات كانت تعمل على إضعافها وتقليل مكانتها السياسية. فالحكومات تنظر إلى المرجعية على أنها سلطة ذات نفوذ على الشيعة أكثر من نفوذها الرسمي عليهم، بل إنّ سلطة الحكومة قد تتعطل إذا ما تعارضت مع موقف المرجعية. والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة.

الدين والأمة

وتأسيساً على ذلك، فإنّ المرجعية اكتسبت تأثيرها الاجتماعي من موقعها الديني، وأخذت أهميتها السياسية من قوة الأمة بوصفها الرصيد الكبير للمرجعية. على أنّ هذه الصورة تظهر وكأنّ قوة المرجعية محصلِّة اجتماع عنصرين أساسيين هما الدين والأمة، دون أن يكون لها دور ذاتي في صناعة قدراتها، فهل هذه هي الحقيقة أم أنّ هناك تفسيراً آخر؟

لا شك أنّ الإجابة عن هذا السؤال ذات أهمية خاصة، لأنها تتولى مهمة تحديد عناصر القوة في المرجعية الدينية ومنشأ هذه القوة، ومن ثم طبيعة التحرك الذي تضطلع به، ومقوماتها في صناعته. ومن هنا فلا بدّ من الاستناد إلى الأرشيف التاريخي للحوزة العلمية عبر مراحله المختلفة، في محاولة الإجابة على السؤال الآنف، والرد في المواقع التي تستلزم الحاجة العلمية الرجوع إلى التاريخ والاستشهاد بوقائعه.

للوهلة الأولى يبدو وكأن عنصري (الأمة والدين) منفصلان عن بعضهما، وأنّ كل واحد منهما يتحرك بشكل مستقل في إعطاء المرجعية قوتها الميدانية، غير أنّ هذا الفصل الظاهري يغيب في أرضية الواقع، ويتداخل هذان العنصران للدرجة التي يعتمد فيها أحدهما على الآخر، فالأمة وبحكم تكليفها الشرعي ترجع إلى علماء الدين في مسائلها الحياتية في العبادات والمعاملات، وتأخذ الحكم في مستجدات الأمور منهم، وهي مساحة واسعة يصعب تحديدها، وفي المواقف الحرجة تنظر صوب المرجعية لترى ما يصدر عنها.

والمكانة الدينية قد تتحول إلى موقع محدود إذا فقدت المرجعية قدرتها الحركية وانعزلت عن الأمة. صحيح أنها تظل تحتفظ بقدسيتها، لكن دائرة المؤمنين بهذه القدسية تتسع أو تضيق حسب اتساع أو ضيق القاعدة الجماهيرية الملتزمة بالإسلام، فالموقع الديني يُكسب المرجعية قوة ذاتية محدودة في حالة إنغلاقها على نفسها وخضوعها لأجوائها الخاصة، ويتحول هذا الموقع إلى قوة كبيرة عندما تكون المرجعية نشطة في دائرة تحرّكها وسط الأمة. فهي المعنية في عملية نشر الإسلام في المجتمع، وهي التي تتولى قيادة العملية التغييرية في الأمة. وحين تنجح في عملها هذا تكون قد صنعت قاعدة جماهيرية كبيرة ملتزمة بالإسلام ومنضوية تحت لوائها. والشاهد التاريخي البارز في هذا الخصوص تحوّل بعض العشائر العراقية إلى الارتباط الوثيق بالمرجعية خلافاً لما كانت عليه سابقاً، وذلك خلال القرن التاسع عشر.

إنّ هذا التحول المؤثر رافقه في نفس النقطة امتلاك المرجعية الدينية رصيد جماهيري ضخم، فضمنت بذلك عنصر الأمة، وقوّت به مكانتها الدينية (وهو العنصر الثاني لقوتها)، وكانت النتيجة أن صارت المرجعية قوة اجتماعية وسياسية كبيرة في المجتمع العراقي، قلبت الموازين في الساحة العراقية، وغيّرت مجرى الأحداث فيها، ورسم على أساس هذا التحول تاريخ العراق في السنوات التي أعقبت ذلك.

وهنا تبرز مسألة جديدة، هي كفاءة المرجعية في استخدام مكانتها الدينية في توجيه الأمة وتحريك الأحداث، لتحتفظ بقاعدة جماهيرية متفاعلة معها ولتبقى متمتعة بمركز القوة في الساحة.

مكانة المرجع الإجتماعية

إنّ شخصية المرجع تلعب دوراً كبيراً في مكانته الاجتماعية، فعلى سبيل المثال احتلّ الميرزا السيّد حسن الشيرازي موقعاً متميزاً من بين علماء الحوزة، لأنّه تفرد عن بقية العلماء في عدم خروجه لاستقبال ناصر الدين شاه عندما زار النجف الأشرف في عام 1870م، وقد طلب الشاه أن يجتمع به فرفض ذلك، ووافق بعد الإلحاح الشديد أن يكون اللقاء في الحرم العلوي الشريف أثناء الزيارة.

ولأنّ السيّد الشيرازي كان يساعد المحتاجين حين مرّت النجف بضائقة شديدة في نفس السنة، فقد رفعت هذه الأعمال منـزلته الاجتماعية وكثر عدد مقلّديه بشكل ملحوظ.

لقد صنع السيّد الشيرازي قاعدة جماهيرية واسعة حين إهتم بالأمة وتعامل بحكمة مع الأمور. والأكثر من ذلك أنه هاجر إلى سامراء في أيلول 1874م، وهي خطوة مهمة لما يعرف عن سامراء بأنّ سكانها من السنّة، رغم كونها من الأماكن المقدسة للشيعة. وفي سامراء نشط السيّد الشيرازي في مشاريعه الإسلامية والاجتماعية، فأسس مدرسة دينية وشيّدَ حسينية، وحماماً للرجال وآخر للنساء وسوقاً كبيرة ودوراً كثيرة وجسراً من القوارب على نهر دجلة. وقد استقطبت هذه المشاريع الشيعة، فهاجروا إلى سامراء التي تحولت من قرية صغيرة إلى مدينة عامرة. وبدأ التشيع ينتشر في أوساط المدينة، حيث تأثر سكانها السنّة بالشعائر الحسينية وتعاطفوا معها.

كان من الطبيعي حين يجد الناس هذا الحضور القوي للمرجعية في أوساطهم، أن يبادلوها تجاوباً وولاءً. فهم يتعاملون مع الموقف الميداني للمرجع أو عالم الدين ومع سلوكه الاجتماعي، أما المنـزلة الفكرية ودرجة العلم فهي مقاييس تتعامل معها الحوزة العلمية حسب أجوائها الفكرية الخاصة. وقد يكون العالم بارزاً في الحوزة، لكنه مجهول عند الأمة.

إنّ الأمة حين تعيش مرجعها رمزاً كبيراً، فإنها لا تنتظر فتواه حتى تؤدي واجبها، بل إنها تسارع إلى هذا الموقف بمجرد أن يبدي رغبته، ويكون الإحساس برضا المرجع أو رفضه محرّكاً للجماهير في هذا الاتجاه أو ذاك. وتلجأ إليه في المسائل المصيرية لتأخذ منه الرأي، فتحوّله إلى واقع على الساحة. وهو ما فعلته في ما عرف بثورة التنباك (التبغ)، فقد انهالت الرسائل والبرقيات من إيران إلى سامراء، تطلب من السيّد حسن الشيرازي أن ينقذهم من الاتفاقية التي تسيطر بموجبها شركات احتكارية على تبغ إيران وما يترتب عليها. فبذل السيّد _ قدّس سرّه _ مساعيه لثني الشاه عن الاتفاقية، وحين وجده مصراً أصدر فتواه التاريخية: (بسم الله الرّحمن الرّحيم. اليوم استعمال التنباك والتتن بأي نحو كان، بمثابة محاربة إمام الزمان).

وقد أحدثت هذه الفتوى ضجّة كبيرة في إيران، وامتنع الناس بمختلف فئاتهم عن استعمال التبغ، حتى اضطّر الشاه إلى إلغاء الاتفاقية.

لقد صنع السيّد الشيرازي بمواقفه مرجعية قوية، حين كسب بسلوكه ومشاريعه قطاعات واسعة من الأمة، وحين استخدم موقعه الديني للتأثير على القرار السياسي للحكومة الإيرانية، وتوجيه الأحداث حسب إرادته وبما يخدم مصلحة الأمة. ووفر بذلك للمرجعية قاعدة جماهيرية ضخمة، وعزز مكانتها السياسية.

وهنا نستطيع القول أنّ كفاءة المرجع هي التي تجمع الأمة حوله، وتجعلها تسير في خطّه، وأنّ تعامله الحكيم مع الأحداث هو الذي يطرحه على الساحة كقائد سياسي يستخدم حكمه الشرعي في الموضع المناسب وبالشكل الدقيق. وبذلك يجعل من المرجعية وجوداً قوياً يفرض نفسه على الساحة بكل مفرداتها وموازينها، ويجعل الحاضر يسير في خطًها وعلى نهجها، فيعطي للمستقبل صورة واضحة؛ لأنّ الأمة ستلجأ إلى المرجعية في الأحداث الجديدة بعد أن جرّبتها وعرفت كفاءتها في المرة السابقة.

إنّ ثورة التنباك وما تمخّض عنها من نتائج إيجابية، وجّهت أنظار الأمة أكثر إلى المرجعية، وتعاملت معها على أنها مصدر القوة الوحيد الذي يستطيع أن يحقق لها طموحاتها ومصالحها، وأنها الحكم القاطع في القضايا المتداخلة.

ومن هذه الرؤية، إطمأنت الأمة في إيران عام1905م أبان شروعها في المطالبة بالدستور والتي عرفت بالمشروطة، بأنّ تحقق أهدافها سيكون على يد المرجعية. وقد كان لعلماء الدين الدور الأكبر في قيادتها وتوجيهها، وتحقيق صورة ناردة من الالتفاف الجماهيري حول القيادة العلمائية، أعطت نتائج ضخمة على الصعيد السياسي، لكن آثارها الاجتماعية لم تكن بحجم عطائها السياسي، بل يمكن القول أنّ الحركة الدستورية انتصرت سياسياً، لكنه النصر الذي رافقه حدوث شرخ إجتماعي خطير في الأمة، نتيجة انقسام موقف علماء الدين بين مؤيد للمشروطة وبين مناهض لها.

مخاطر التنازع المرجعي

بدأت حركة المشروطة التي كانت تطالب بدستور للبلاد عام 1905م، وتزعّمها اثنان من كبار علماء الدين في إيران هما السيّد محمّد الطباطبائي، والسيد عبد الله البهبهاني. وقد حاولت الحركة الاعتماد على المرجعية الدينية في النجف الأشرف لتتخذ موقفاً حاسماً ضد السلطة القاجارية التي كانت تعارض أهداف الحركة في إنشاء مجلس شورى، والحركة الدستورية وقد أرادت من خلال ذلك أن يتكرّر موقف المرجعية الذي حدث عام 1891م. غير أنّ الذي حدث هو انقسام الحوزة العلمية بين مؤيّد ومعارض. فكان على رأس أنصار المشروطة الشيخ كاظم الخراساني والشيخ حسن الخليلي والشيخ عبد الله المازندراني والشيخ محمّد حسين النائيني وغيرهم. وقاد الاتجاه المعارض السيّد كاظم اليزدي ومعه الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء وغيره.

وكان النزاع بين الطرفين شديداً مؤلماً، وانعكست آثاره على الساحة الإيرانية، حيث برز الشيخ فضل الله النوري معارضاً قوياً للمشروط بسبب ما اعتبره انحرافات تتسلل إلى واقع الحركة، ويقول السيّد هبة الدين الشهرستاني وهو من دعاة المشروطة، أنّ النزاع بلغ أشدّه بين السيّد اليزدي والشيخ الخراساني عام 1907م، وأنّ الخصومة بلغت منتهى الوحشية.

توسّعت دائرة الانقسام وشملت آثارها أوساط الأمة، حتى أنّ طلبة العلوم الدينية من انصار المشروطة كانوا يتعرضون لمضايقات كثيرة وصلت لدرجة أنهم لم يذهبوا لمدة سنة لزيارة كربلاء أو الكوفة أو مسجد السهلة خوفاً على أرواحهم.

وتطوّر هذا الخلاف عندما دخلت العشائر كرقم فيه لدعم موقف الأطراف المتنازعة وهي سابقة خطيرة في هذا المجال. لأنّ وقوف الأمة إلى جانب مرجع ضد آخر، يعني انقسامها على نفسها، وتحوّل المرجعية من قيادة الأمة إلى طرف متنازع مع قسم منها. ويروى في هذا الخصوص أنّ السيّد كاظم اليزدي طلب حضور العشائر العراقية إلى النجف الأشرف، فجاؤوا مسلّحين والتفّوا حوله (بهوساتهم) المندّدة بالمشروطة. وكان السيّد اليزدي عند حضوره للصلاة يسير معه الآلاف، بينما لم يكن يصلّي وراء الآخوند الخراساني إلاّ عدد قليل لا يزيد على الثلاثين.

إنّ عامة الناس حين يتعاملون بهذه الروحية، فإنهم يستسيغون تكرارها في المناسبات اللاحقة، لأنهم يأخذون سلوكهم من موقف العلماء. ولعلّ هذه الحادثة تنسجم في صورتها مع ما حدث بعد وفاة الشيخ النائيني، حيث خرج جمع من أهالي النجف الأشرف بأسلحتهم الجارحة ليقرروا من يصلّي الجماعة خلفاً للشيخ النائيني، في حادثة مشهورة لا زال يتناقلها كبار السنّ كما نسمع منهم.

إنّ أخطر ما حملته أحداث المشروطة والمستبدّة، هي الفتاوى المتضادة بين الطرفين. وكاد ان يحصل انشقاق خطير بين أوساط الأمة الواحدة قد يصل إلى القتال، لو أنّ تلك الفتاوى صدرت في وقت واحد وبشكل واسع، لأنها كانت تعتبر كل فريق بمثابة الخارج عن الإسلام لكن الذي حدث أنّ الفتوى التي اشتهرت هي تلك الصادرة عن أنصار المشروطة، أمّا الفتوى الصادرة عن أنصار المستبدة، فقد تناقلها البعض عن الشيخ فضل الله النوري بعد إعدامه وفي إطار محدود.

إنّ الفتاوى المتضادة كانت تعني تناحراً غير معروف النتائج فيما لو وقفت إحداهما قبال الأخرى في الوسط الجماهيري، بغض النظر عن موقع أي الطرفين من الحق. لكن هذا لا يلغي آثار الانقسام العميقة للدرجة التي جعلت الناس في إيران تستسيغ إعدام الشيخ النوري بعد خلع الشاه محمّد علي، وانتصار المشروطة في إيران. وهو الحادث الذي صعق الطرفين، وأثّر كثيراً في نفس الملاّ كاظم الخراساني، كما اعتبر قادة المشروطة أنّ أنصارها تطرّفوا في سيرهم، وذهب بعضهم إلى اعتبار أنها انحرفت عن نهجها وخرجت عن الحدود المعقولة.

إعادة تصويب المسار

لعلّ الانتصار الساحق لحركة المشروطة هو الذي ساهم في حسم الخلاف أو على الأقل تهدئته. حيث بدا واضحاً أنّ النتيجة لا تقبل مزيداً من النزاع وأن لا جدوى من تصعيد حدّة الخلاف. وقد تم الانتصار بعد أن أعلن الملاّ الخراساني الجهاد ضدّ الروس الذين دخلوا إيران بجيوشهم لدعم محمّد علي شاه. وطلب الآخوند الخراساني من عشائر المنتفق وبني لام وآلبو محمّد وربيعة وتميم وغزة وشمّر وبني حسن وجماعات أخرى، أن يتحرّكوا مرّة واحدة. كما تهيّأ المجاهدون في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وبغداد وغيرها للذهاب إلى إيران ضمن حركة الجهاد.

وقبل أن يتوجّهوا إلى إيران، وصل خبر سقوط الشاه على أيدي أنصار المشروطة وخروج الروس من إيران في 24 جمادى الثانية 1327هـ. المصادف (13 حزيران 1909م). وفي صخب تلك الأحداث أصدر قائد الشرطة وهو أرمني أمره بإعدام الشيخ النوري، فنفذ به الحكم يوم 13 رجب 1327هـ.

إنّ نجاح فتوى الجهاد أظهرت الملاّ كاظم الخراساني على أنه القائد الأول للتحرك السياسي الإسلامي، ورفعت نتائج فتواه موقع مرجعيته إلى مراتب عالية، وكادت أن ترتفع إلى مراتب أعلى عندما قرر السفر إلى إيران للجهاد أيضاً ومحاربة الروس الذين دخلوا إيران من جديد. لكنه توفي ليلة سفره في ظروف غامضة، ليس هنا مجال مناقشتها، وذلك في 20 ذي الحجة 1329هـ، (12 كانون الأول 1911م).

إنّ الأحداث التي صنعتها المرجعية الدينية في الساحة الإيرانية في تاريخها الحديث، انطلقت من موقف السيّد حسن الشيرازي في قضية التنباك التي أفرزت انتصاراً سياسياً واتساعاً جماهيرياً مؤيداً للمرجعية.

وكان امتداد هذا التأثير في حركة المشروطة التي أعطت نتائج سياسية أكثر خطورة من الأولى، لكنها أكثر خطورة على الوسط الإسلامي أيضاً.

المهم أنّ طريقة العلماء في التعامل مع الأحداث وكفاءتها السياسية، وحسّهم الاجتماعي، هي التي تحدد حجم النتائج وطبيعتها. صحيح أنّ تلك الأحداث وقعت في إيران لكن انعكاساتها في العراق كانت قوية، لا سيما وأنها كانت تُوّجه من الحوزة العلمية في النجف الأِشرف بالدرجة الأساسية. كما أنَّ القوة التي ظهرت بها المرجعية في مواقفها تجاه الساحة الإيرانية لا تختص بإيران وحدها، بل إنّ الأوساط العراقية تشاركها نفس النظرة، وهذا يعني أنّ موقع المرجعية تعزّز في العراق مثلما تعزّز في إيران.

لكن من المناسب تثبيت حقيقة تاريخية هامة في هذا السياق، وهي أنّ تلك المواجهة مع الإنجليز التي وقعت في العراق، لم تشهد انقساماً في موقف المرجعية كالذي شهدته أحداث المشروطة في إيران. وبالتالي لم تواجه الأمة خطر الانقسام من جراء وقائع ساحتها، بل ظلّت متماسكة إزاء الأحداث المختلفة والتطورات السريعة التي مرت على الحياة السياسية العراقية، والتي كان للمرجعية الدينية الدور الأكبر والأساس في صناعتها وتوجيهها، وتحقيق نتائج على قدر كبير من الخطورة.

بدأ هذا التسلسل وقائعه مع الأيّام الأولى للحرب العالمية الأولى، ففي 9 تشرين الثاني 1914م وردت برقية من البصرة إلى علماء الدين في المناطق المقدسة، تخبرهم بأنّ قوات الإنجليز على مقربة من البصرة، وعلى الفور إستجاب مراجع الدين لهذا الحدث الكبير وأفتوا بوجوب الجهاد دفاعاً عن بيضة الإسلام ضد العدو الكافر. وقد استجابت العشائر العراقية لهذه الفتاوى وانطلقت كتائب المجاهدين تحت قيادة العلماء.

في النجف الأشرف أفتى السيّد محمّد سعيد الحبّوبي بالجهاد، وكان له دور طليعي في هذا الخصوص. كما أفتى السيد كاظم اليزدي أيضاً بوجوب الجهاد، وأرسل نجله السيّد محمّد لينوب عنه في استنهاض العشائر، وخطب في الصحن العلوي الشريف في 16 كانون الأول يحثّ الناس على الدفاع عن البلاد الإسلامية، وأوجب على الغني العاجز بدناً أن يجهز من ماله الفقير القوي.

إنّ موقف السيّد اليزدي له أهميته الخاصة، فلقد كانت علاقته بالحكومة العثمانية متوترة، على اعتبار أنها كانت بيد جمعية الاتحاد والترقي، وقد سبق لأعضائها أن هدّدوه بالنفي باعتباره من أعداء الحكومة الدستورية. ورغم كلّ ذلك تناسى الماضي وتعامل مع الحاضر وفق متطلباته واحتياجاته. وحقق بذلك وحدة الصف العلمائي التي كانت مفقودة خلال أحداث المشروطة وفي أعقابها. ولا شك أنّ السيّد اليزدي لو امتنع عن الاستجابة لحركة الجهاد، سواء بالمعارضة أو بالحياد، لتلكأت الحركة ولم تعط نتائجها الضخمة التي أعطتها.

مثلّت حركة الجهاد أكبر صورة لوحدة الموقف في الأوساط الحوزوية في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وكان طبيعياً أن تلقى هذه الحركة تجاوباً فاعلاً من قبل الأمة بمختلف قطاعاتها وفئاتها. وهي الصورة التي ظلت شاخصة في التاريخ الإسلامي ومتميزة من بين الأحداث الأخرى.

لقد جاءت حركة الجهاد بمبادرة سريعة من المرجعية، حيث تعاملت مع الظرف السياسي بمواكبة دقيقة لمفرداته، وحضور ميداني قوي على الساحة. فكان طبيعياً أن تسير الأمة على نهج مراجعها وتقدم كل طاقاتها وإمكاناتها لتحقيق قرار المرجعية. وبذلك يكون مراجع الدين قد خلقوا قاعدة جماهيرية ضخمة تستجيب لأوامرهم، كما أن الجماهير ظلت تنتظر رأي علمائها في المواقف الصعبة، لتطبيق قراراتهم على أرض الواقع.

الصورة المشوشة

غير أنّ حادثة تاريخية وقعت بعد فترة قصيرة من حركة الجهاد، كانت مؤشراً على إمكانية حدوث انفصال بين فئات الأمة وبين مراجع الدين. ففي ليلة 22 مارس 1915م، اندلعت ثورة محلية في النجف الأشرف ضد السلطة التركية وأسفرت بعد ثلاثة أيام من القتال عن إخراج القوات التركية من المدينة، وقيام إدارة محلية برئاسة زعماء المحلات الأربع في المدينة، وهي العمارة، الحويش، البراق والمشراق، وقد عاد الأتراك بعد مفاوضات مع زعماء النجف المحلّيين وبوساطة من علماء الدين، فأبقوا لهم وجوداً رمزياً إدراياً لحفظ هيبة الحكومة.

والواقع أنّ موقف المرجعية إزاء هذه الثورة لم يكن قاطعاً، فهي في خطها العام تتعارض مع توجه المراجع في دعم الدولة العثمانية ومقاومة الاحتلال البريطاني، وعليه فالمفروض أن يصدر رأي واضح في هذا الخصوص. لكن الذي حدث أنّ علماء الدين احتجوا على ضرب الجيش العثماني خلال المعارك لإحدى المآذن في الحرم العلوي الشريف. فقد أصدروا منشوراً إلى العالم الإسلامي وقع عليه مئتا عالم دين ووافق عليه السيّد كاظم اليزدي الذي بعث برقية احتجاج إلى اسطنبول حول هذا الحادث.

وإذا جاز لنا اعتبار هذا الموقف بمثابة التأييد للثورة، فإنّ موقف العلماء في الوساطة وإعادة السلطة التركية بشكلها الرمزي إلى النجف الأشرف يمكن اعتباره بالمقابل تأييداً للإتراك. يضاف إلى ذلك أنّ علماء الدين استجابوا لطلب الحكومة التركية في أعقاب هذا الحادث في تجديد الدعوة للجهاد، وبالفعل قاموا بها بنفس الإندفاع الأول.

وفي ضوء ذلك يمكن القول أن علماء الدين ومراجعه لم يكن لهم موقف قاطع فيما حدث، وأنّ مواقفهم تحركت في المنطقة الوسط بين التأييد والمعارضة.

إنّ غياب القرار العلمائي الحاسم في هذه المسألة، ولّد شعوراً عند زعماء النجف الأشرف بضرورة السلطة المستقلة التي يكون لهم فيها الرأي والقرار والموقف بعيداً عن توجهات المرجعية. وهو ما برز خلال الدعوة الثانية للجهاد، حيث عارضها هؤلاء الزعماء لكنهم اضطروا لمسايرتها في النهاية.

إنّ علماء الدين حين يقومون بدور وساطة بين بعض فئات الأمة وبين طرف آخر، يفقدون صفتهم القيادية، وتتعامل هذه الفئة معهم على أنهم خارج دائرة الحدث، وبالتالي تكون آراؤهم عرضة للقبول أو الرفض أو التعديل، وفي ذلك مؤشّر على إمكانية انفصال هذه الفئة عن الموقف العلمائي، وهو ما حدث في إطار محدود إبان ثورة النجف عام 1918.

إندلعت هذه الثورة في آذار 1918م، إثر هجوم الحاج نجم البقّال على مقّر الحاكم الإنجليزي، وانجرّت جمعية النهضة الإسلامية التي ينتمي إليها إلى المواجهة المسلحة قبل استكمال مستلزماتها. وقد كانت قيادة الجمعية تتألف من اثنين من كبار علماء الدين في الحوزة العلمية هما السيّد محمّد علي بحر العلوم والشيخ محمّد جواد الجزائري، وكانت تسير وفق الخط العام للمرجعية في مقاومة الإحتلال الإنجليزي.

لكن جمعية النهضة وهي المحرك الرئيس لأحداث النجف لم تحظ بدعم مرجعي ملموس. فمراجع الدين وكبار العلماء الذين ساهموا في حركة الجهاد، أمثال الشيخ محمّد تقي الشيرازي والشيخ مهدي الخالصي والسيّد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الاصفهاني وغيرهم لم تكن لهم علاقة واضحة مع الجمعية، وعلى فرض أنّ نشاط الجمعية السرّي قد جعلها تتحرك في أوساط محدودة، وبالتالي حجب تفاعل العلماء معها والتنسيق في مشاريعها، فإنّ اندلالع ثورة النجف كان يستدعي مؤازرتها، خصوصاً وأنها تهدف إلى تحريك عشائر الفرات الأوسط ضد الإنجليز في ثورة جماهيرية كبيرة، وقد مرّت النجف الأشرف بظروف قاسية كانت أحوج ما تكون إلى دعم العشائر وهو ما لا يتم إلاّ بتدخّل العلماء ودعمهم. كانت الثورة بحاجة إلى موقف مؤيّد يؤكّد الجهاد ضدّ الإنجليز.

لكن موقف العلماء تمثل في محاولة تهدئة الاوضاع، والخروج بحل سلمي، لا سيما بعد ما وجدوا أنفسهم بعيدين عن مجريات الأحداث، وأنهم لا يمتلكون القرار المؤثر على الثوار الذين يتزعمهم زعماء النجف المحليون. وقد تأكدت هذه المسألة في اليوم الحادي والعشرين من آذار وهو اليوم الثالث للثورة، حيث عقد السيّد كاظم اليزدي اجتماعاً كبيراً في مدرسته دعا إليه العلماء، والأعيان والرؤساء والوجوه، ليبحث حقيقة الأمر والتفاوض مع رجال الثورة، وقد إنفضّ الاجتماع دون نتيجة. فقد كان الثوار يرون أنّ المفاوضات ليست في صالحهم وأنها تضعف موقفهم.

وتأسيساً على ذلك، أصبحت الثورة موقفاً خاصاً برجالها، أمّا علماء الدين وعلى رأسهم السيّد اليزدي فهم في طرف خارج القضية، وإنّ تدخلهم يأتي ضمن مساعي الوساطة، ونجم عن اختلاف القناعات والمواقف، تباعد في طريقة التحرك، فكان من الصعب على علماء الدين أن يزجّوا بأنفسهم في خطوة ليس لهم فيها رأي، وربما اقتنعوا بأنّ الوضع العسكري والسياسي لا يسمح لهم باتخاذ موقف عملي مؤيّد للثورة، حتى ولو أصدروا فتوى الجهاد. وظلّوا على موقفهم هذا حتى نهاية الثورة ودخول قوات الإنجليز إلى النجف الأشرف.

كانون
10-24-2003, 03:42 AM
مبادرات فاعلة

إنّ هذا الإبتعاد من قبل العلماء عن بعض الأحداث السياسية فيما يتعلق بالمواكبة والموقف لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما تصدّرت المرجعية لحركة الساحة في أول خطوة سياسية أراد الإنجليز القيام بها، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى. فكان المشروع الإنجليزي يقضي بإجراء استفتاء عام للشعب العراقي، بغية إحكام سيطرتهم على العراق ورسم مستقبله وفق إرادتهم. وقد استهدفوا أن تأتي نتائج الاستفتاء لمصلحة إدارة بريطانية المباشرة للعراق. غير أن مراجع الدين وكبار العلماء أحبطوا هذا المشروع، حين أصدر الميرزا محمّد تقي الشيرازي فتواه الشهيرة في 20 ربيع الأول 1337هـ، (23 كانون الثاني 1919م)، والتي نصّت على ما يلي: (ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين). فكانت هذه الفتوى موقفاً قاطعاً لعموم الأمة، لا يقبل التردّد أو التداخل، وقد برز إثرها الميرزا الشيرازاي كقائد للأمة، يتصدّى لحركتها يوجهها ضدّ مشاريع الإنجليز.

وانعكس الموقف المبادر للميرزا الشيرازي على بقية أوساط الحوزة العلمية، حيث أيده علماء كربلاء وأصدروا فتاوى مماثلة، كما أصدر علماء الكاظمية فتاوى تحرم على المسلمين التصويت لغير تشكيل حكومة إسلامية في العراق. وبذلك استطاع الميرزا الشيرازي أن يتصدّر الأحداث وان يوجد لنفسه قاعدة جماهيرية واسعة، تسير في خط المرجعية.

ومّما سهّل مهمة الميرزا الشيرازي، وجعلها تعطي نتائج سريعة وقوية في كافة انحاء العراق، بعد الانفصال النسبي الذي حصل بين المرجعية وبعض فئات الأمة، اعتماده على العمل التنظيمي الذي مثّل في تلك الفترة وبعدها ذراعاً فاعلة للمرجعية. فلقد كانت له علاقات جيدة مع عدد من الأحزاب والجمعيات، كما إنه أشرف على بعضها.

وكانت تلك الأحزاب بشكل عام تتميز بأنها تأسست على يد علماء الدين، مثل الحزب النجفي السرّي الذي ضمّ الشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ محمد جواد الجزائري والشيخ جواد الجواهري والشيخ حسين الحلّي والشيخ عبد الحسين الحلّي والشيخ عبد الحسين مطر وغيرهم. والجمعية الإسلامية في كربلاء التي ضمّت الشيخ محمّد رضا نجل الميرزا الشيرازي والسيّد هبة الدين الشهرستاني والسيّد حسين القزويني وآخرين. والجمعية الإسلامية في الكاظمية التي أسّسها السيّد أبو القاسم الكاشاني، كما أسّس شيخ الشريعة الاصفهاني في أواخر عام 1918م جمعية إسلامية سياسية في النجف الأشرف، بأسم الهيئة العلمية ولعلّها المرّة الأولى والوحيدة في تاريخ العراق التي تشهد مثل هذا التحرك السياسي لرجال الحوزة العلمية على مستوى العمل الحزبي، فكان طبيعياً أن يستقطب علماء الدين قطاعات الأمة، وأن يصنعوا الأحداث الكبيرة في الساحة. حيث تحولت المرجعية إلى قيادة ميدانية حقيقية تدرك بدقّة مفردات الحياة السياسية وتتعامل معها بمواكبة يومية للأحداث.

إنّ القاعدة الجماهيرية الواسعة والموقع السياسي والديني الذي تتمتّع به المرجعية، سهل في الفترة القصيرة اللاحقة، عملية الثورة المسلحة ضدّ الإنجليز، حيث كانت الثورة الكبرى في 30 حزيران 1920 م تمثل أعلى صور التلاحم المرجعي ـ الشعبي في أكبر تحرّك إسلامي خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ورغم أنّ ثورة العشرين لم تحقق أهدافها السياسية، لكنها أظهرت المرجعية على أنها قوة سياسية كبيرة، فكانت الأمة تنتظر مواقفها لتسير على نهجها، وهو ما تحول إلى هاجس مخيف للإنجليز وللسلطات العراقية فيما بعد.

لقد عاد هذا الدور القيادي بثقله على الساحة، بعد أن عقدت الحكومة العراقية معاهدة عام 1922م مع بريطانيا، وكانت تسعى لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي ليصادق على المعاهدة، فقد تصدّت المرجعية لهذا الحدث الكبير، وصدرت الفتاوى القاطعة بتحريم الاشتراك في الإنتخابات، وكانت إستجابة الأمة واسعة، حيث عانت الحكومة العراقية من أزمة سياسية حادّة واضطرّت إلى تغيير أكثر من وزارة أمام تصاعد المعارضة الإسلامية، حتى جاء عبد المحسن السعدون إلى رئاسة الوزارة، ونفذ خطوته الشرسة في تسفير الشيخ مهدي الخالصي والسيّد أبي الحسن الاصفهاني والشيخ محمّد حسين النائيني مع عدد كبير من العلماء إلى إيران في حزيران 1923م. وكان هذا الإجراء ضربة قاسية للتحرك الإسلامي، وللدور العلمائي في قيادة الأحداث.

إنّ تلك الخطوة كانت انعطافة خطيرة في تاريخ الحوزة العلمية والتاريخ العراقي بشكل عام، إذ لم تظهر بعدها الأوساط العلمية والمرجعية بصورتها السابقة التي رسمتها عبر سلسلة حافلة من المواقف الكفوءة على المستويين السياسي والجماهيري، حتى بعد عودة السيّد أبي الحسن الاصفهاني والشيخ محمّد حسين النائيني إلى العراق. ولم تظهر لعلماء الدين إلاّ مواقف متباعدة تجاه بعض الأحداث السياسية، مثل موقف الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء في أحداث العراق خلال الفترة الممتدة بين عام 1933-1935م، وتأييد بعض مراجع الدين لحركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م. وقد أصبح واضحاً أن فاصلة قد حدثت بين الأمة وبين المرجعية، حيث وقعت الأمة تحت تأثير التيارات الفكرية والسياسية اللاإسلامية وأبرزها التيار الشيوعي، وأهتمت الحوزة العلمية بشؤونها الخاصة.

ونتيجة لذلك، تعاملت الأمة مع التطورات على قاعدة على أنها تفتقد إلى القيادة الدينية، فيما تعاملت المرجعية مع ذلك انطلاقاً من افتقارها إلى القاعدة الجماهيرية.

محب الأئمة
06-16-2005, 08:18 PM
ما فتهمنا

هسه كل واحد جاعد يكول انه مرجع ومجتهد ولازم الناس يقلدونه ، يصير هيجي

مجاهدون
11-07-2005, 08:02 AM
سؤال للأخ خادم العلماء ، هل هذه المقالة منقولة ام من وحي افكاركم مولانا ؟

لا يوجد
03-21-2006, 04:18 PM
الاخ خادم العلماء

بحث قيم ولكنكم لم تتحدثوا عن معايير اختيارالمراجع ولا عن الفاسد الموجود في طبقة المراجع وكأن هذه الفئة منزهة ، بينما نلاحظ ان المسيحين ينتقدون علمائهم بشكل افضل من المسلمين ، فكيف توفقون بين هذين الامرين ؟