المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حزب الله يكلف شبكة من أمنه الذاتي حماية خطوطه الخلفية وقيادييه وكوادره في بيروت



لمياء
08-12-2006, 03:16 PM
أصبح من المستحيل معرفة المقر الجديد لتلفزيون «المنار»


بيروت: سناء الجاك


ينبض ليل بيروت هذه الايام بتحركات غير مرئية لشبكة من «المراقبين» مجهولي الهوية الذين يخترقون ظلمة الشوارع ويتنقلون على دراجات نارية. لا يصعب استنتاج نشاطات هذه الشبكة لدى ملاحظة التقاء الدراجات وتقاطع سيرها على الطرق، حيث يتم تبادل الاشارات قبل متابعة السير. كذلك يمكن «الاحساس» بوطأة المراقبة لدى اقتراب الدراجة من العابرين بسياراتهم او على أقدامهم ليلتقط راكباها «كما هي الحال في أغلب الاحيان» بعض العبارات او الملامح بطريقة عفوية، ثم ينطلقان اذا لم يجدوا ما يستحق التوقف.

وبالطبع لا يحتاج تفسير هذه المظاهر الى كثير من الاجتهاد. فالعاصمة اللبنانية التي فقدت عادة السهر منذ 12 يوليو (تموز) الماضي، تحولت الى معقل لرصد أي تحرك مشبوه يمكن أن يشكل اختراقا للقبضة الأمنية المحكمة التي لا توفر وسيلة لحماية الخطوط الخلفية للمقاومة في هذه المرحلة الصعبة. ومع الاشارة الى أن الأمن الممسوك لم يشكل حتى الآن عبئا على الاهالي، الا ان عينه لا تنام. فالمعركة الحالية فرضت على حزب الله حربا أمنية شرسة لحماية قيادييه وكوادره ومقاتليه بموازاة حربه الرسمية المعلنة ضد اسرائيل. وهو يستخدم أساليب حازمة وصارمة للمحافظة على أمنه الذاتي الذي يخضع له كل من يزور أحد «مربعاته» حيث لا يمكن الدخول الا بعد التنسيق مع المسؤولين الاعلاميين. وفي هذه المربعات ينتشر عناصر حزب الله في كل مكان. يفرضون شروطهم ويخضعون الاعلاميين لتعليماتهم، فيتحكمون بالمشاهد التي يمكن تصويرها. ويمنعون أياً كان من مخالفة هذه التعليمات... بلطف حازم. ولا يتورعون عن مراقبة الكاميرا للتأكد من عدم وجود صورة لأي مقاتل. وإذا وجدت الصورة يطلبون من المصور محوها فورا. ففي مدينة بعلبك مثلا لم يكن ممكنا تصوير الشوارع من دون اثارة انتباه عدد كبير من «المدنيين» الذين يعتذرون بأدب عن التدخل، ويعرفون عن أنفسهم بأنهم من «أمن الحزب» قبل التأكد من هوية الصحافي ومدى تنسيقه مع المراجع الحزبية قبل السماح له حتى بالتجول. كذلك لا يسمحون له بالتصرف على هواه في هذه المربعات الأمنية الا في الحدود التي يرونها مفيدة لمعركتهم. فهم يوجهون الخطى نحو الملاجئ التي يختارون، ليصار الى مقابلة الاهالي الذين يخدمون الهدف الإعلامي للمقاومة، لتأتي معظم التغطيات متشابهة لولا اللمسات الخاصة لكل صحافي.

مع الاهالي الوضع مختلف، فدخول هذه المربعات، سواء في ضاحية بيروت الجنوبية او مدينة بعلبك او القرى الحدودية أو حتى في المدارس التي تؤوي النازحين، تحكمه قواعد الأمن الذاتي: كل من يدخل عليه أن يقدم معلومات عن هويته وحسبه ونسبه وسبب دخوله ومكان السكن ورقم السجل. وقد تفرض تطورات المعركة تدخلا أكبر في حال احتدامها، فيمنع من قرر الصمود في المناطق الساخنة من استخدام هاتفه الجوال «لضرورات أمنية»، سواء للاتصال او لتلقي المخابرات.

هذا على الصعيد العام، اما على الصعيد الداخلي للحزب فالاجراءات تأخذ منحى أكثر حزما وتقنية، ليصبح من المستحيل مثلا معرفة المقر الحالي لتلفزيون «المنار» التابع للحزب. ليس فقط من قبل عائلات العاملين فيه الذين لا يعرفون أين يكون هؤلاء او أين ينامون وكيف يتحركون، وانما من قبل المراسلين الذين يكتفون باتباع التعليمات لبث رسائلهم. وبالطبع يتم الاستغناء في معظم الاحيان عن الهواتف الجوالة في الاتصالات بين القيادات ومعاونيهم، لتحل محلها شبكة اتصالات داخلية أرضية يصعب تعقبها. هذا عدا التغيير الدائم للأرقام المعروفة سابقا والخاصة بالقياديين والمسؤولين، وعدا الغياب الكامل عن السمع لهؤلاء المسؤولين من حين الى آخر. ما يدل على دقة التعليمات والخطوات التي تحكم كل شاردة وواردة في هذا الإطار. لقاء المسؤولين المكلفين التعامل مع الصحافة وتسهيل أمورها يخضع بدوره للخطة الأمنية. وغالبا ما ينتقل هؤلاء لتتم اللقاءات في أماكن عامة لا تثير الانتباه، بعيدا عن المكاتب المعروفة. ولعل من المفيد الاشارة الى ضرورة «توزيع مهمات» على مسؤولي الحزب وفق أولويات تفرضها تطورات المرحلة، حيث نلاحظ أن فئة منهم تختفي اختفاء كاملا، لتطل فئة أخرى وتتولى إدارة المعارك الاعلامية. ويوضح أحد «العلنيين» أن هذه الاجراءات بديهية، لأن كوادرنا مستهدفة. لذا التعليمات مشددة بابتعاد البعض مع عائلاتهم واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر». ولعل الأهم في المسألة هو خضوع المعلومات للأمن، حيث تصعب مواكبة المعارك الدائرة فعليا الا عبر قنوات الحزب. وقد تعطي والدة أحد المقاتلين صورة واضحة عن التكتم الشديد، فتقول لدى سؤالها عن ابنها: «اتصل بي مرة واحدة منذ بدء المعركة. وانا الآن لا أعرف عنه شيئا». كذلك يصعب الحصول على تصريحات متعددة المعنى وحتى اللفظ والمصطلحات لمسؤولين في الحزب. يكفي أن تستصرح احدهم لتعرف كل ما يحق لك معرفته.

ويتحفظ المسؤولون في حزب الله عن إعطاء أي معلومات تتعلق بأوضاع مقاتليهم وأماكن وجودهم وأعدادهم. وفي حين يتم تداول بعض الأرقام ومفادها أن لدى الحزب جيشا مؤلفا من حوالي 26 ألف مقاتل، منهم 14 الفا في خانة «التعبئة» أو الجيش الاحتياطي الذي تلقى أفراده تدريبا عسكريا جيدا وخضعوا الى دورات متواصلة ليحافظوا على جهوزيتهم، على رغم انصرافهم الى حياتهم العادية.

و يعتمد الحزب على 12 ألفا من المقاتلين النظاميين المتفرغين الذين يتقاضون رواتب شهرية، يعملون 7/7، أي يلتحقون بالخدمة سبعة أيام متتالية ثم يرتاحون سبعة أيام. ومن ضمن النظاميين يصنف الحزب الفي مقاتل، هم النخبة الذين يشكلون رأس الحربة في المواجهات العنيفة التي تدور على الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية. ويؤكد القريبون من الحزب أن «مجاهدي النخبة» لا يمكن أن يهزموا ولا يرضون بأقل من النصر أو الشهادة. لا بل هم يتسابقون ويتنافسون للوصول الى مرتبة الشهادة.

ويبقى أن هذه المعلومات ليست مؤكدة. عندما تطرح أي سؤال عن عدد المقاتلين على أحد المسؤولين في الحزب قد يبتسم، كما فعل عضو المجلس السياسي والمسؤول عن منطقة البقاع موفق الجمال، ليكتفي بالقول: «لدينا عدد كاف بل فائض من المقاتلين لمواجهة اسرائيل. ليس مهما كثافة العدد وانما الخطة التي يتحرك المقاتلون وفقها على ضوء تطورات المعركة. هناك مجموعات كافية للتصدي لأي هجوم أو إنزال محتمل وفي أي وقت».

وجهوزية الحزب لمثل هذه المواجهات لم تأت بين ليلة وضحاها. لكنها نتيجة خبرة متطورة. يقول الجمال: «صراعنا مع اسرائيل يمتد من العام 1982 الى العام 2000. وهذه الفترة كانت أكثر من كافية للتعرف الى الوسائل والادوات والخطط التنفيذية للعدو. ولدينا مركز خاص للدراسات وتحليل كل المعارك استراتيجيا ولوجستيا. استفدنا منه وترجمناه على الأرض في عملية المواجهة. كذلك انصب الاهتمام على المعرفة الميدانية، فقد حرصنا على دراسة تعطينا معرفة عميقة بكيفية تفكير العدو على المستويات الاعلامية والثقافية والفكرية».

«حزب الله» الملم بكل ما يرتبط ببيئة العدو القومية، يعرفه جيدا ويفهمه عندما يواجهه. لكن التحول النوعي في مسيرته القتالية حصل بعد العام 2000. يقول الجمال: «حققنا تقدما نوعيا بعد تحرير الجنوب وانصرفنا الى مزيد من التجهيزات العسكرية والاستعداد والتدريب. كذلك حققنا تقدما نوعيا على مستوى البنية التحتية عسكريا وأمنيا، لأننا كنا دائما نتوقع هذه اللحظة. فنحن نعرف كيف يفكر العدو وكيف ينتقم أيضا ليعاقبنا على الحاقنا به الهزيمة وتحرير أرضنا. نعرف أنه يريد تسديد ضربة للمقاومة ليهزمها ويسترد اعتباره ويتمكن من فرض سيطرته الكاملة على الشارع العربي».

لكن غياب المقاتلين عن الرؤية يطرح أكثر من سؤال. يعيدنا الى اشكالية طالما اصطدمنا بها في الحروب العربية، حيث تقتصر الانتصارات على الخبر في غياب الصورة، لنكتشف الحقائق بعد انحسار المعارك ونكتفي باللعب على الألفاظ لنحول «الهزيمة» الى «نكسة» ونجتهد في تبرير الخسائر. ويصبح السؤال عن الصورة أكثر إلحاحا عندما تسري بعض الاخبار عن تكتم حول عدد الشهداء سواء على الصعيد الرسمي او على الصعيد الشعبي. اذ يتردد أن الاعلان عن هذا العدد يخضع للقبضة الأمنية، على رغم تأكيد حزب الله من قمة القيادة الى القاعدة ان الاعلان عن الشهداء يتم بشفافية وباحتفال يليق بهم، لأن الحزب لا يخجل بشهدائه. ونعيد طرح السؤال لأننا تعودنا حضور هذه الصورة في السابق عندما كانت عمليات المقاومة تسجل على أشرطة فيديو وتعرض، لتسجل الانتصارات وتأرشفها. يجيب جمال: «الصورة سلاح ذو حدين في عملية التوظيف لمواجهة العدو. لها ايجابياتها التي تدعم الصمود والمقاومة، لكنها في هذه المرحلة تكشف أسرارنا. وبالتالي الضرر أكثر من النفع. كذلك لا حاجة الى الصورة لأن المستوى الجبار للصمود في الجنوب منع اسرائيل من التقدم. وهذا الأمر كرس صورة واحدة وهي أن المقاومة قوية وقادرة على المواجهة».

ألا يساهم غياب الصورة في تغييب الخسائر؟

لا يجيب جمال مباشرة. يكتفي بالقول: «نحن نبحث عن ردع العدوان الاسرائيلي. كنا نستخدم الصورة لتحريك الرأي العام العالمي. الآن نلاحظ أن هذا الرأي العام يتفاعل معنا من خلال الموقف الوطني والشعبي الداعم وعبر ما تنقله عدسات الصحافيين التي لا تكذب».

هاشم
08-13-2006, 04:12 PM
الشعب في حالة حرب والجواسيس منتشرين فعلى الجميع تقبل الاجراءات الامنية بتعاون ومن غير تأفف .