زهير
08-11-2006, 12:17 PM
http://www.aawsat.com/2006/08/11/images/hassad.377397.jpg
غير ملامحه بعمليتين جراحيتين وانتقل من «فتح» لـ«حزب الله» بعد حصار بيروت وبات مطلوبا في 42 دولة
لندن: علي نوري زاده
عاد اسم عماد مغنية بقوة في العالم، مع ما يتردد من أنه يقود الآن عمليات «حزب الله» في جنوب لبنان، الذي يعرف جغرافيته ككف يده، فهو من مواليد مدينة صور اللبنانية التي هي اليوم موقع اساسي للمواجهات بين «حزب الله» واسرائيل. كما تردد اسم مغنية بصفته الشخص الذي خطط لعملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين بإيعاز من الحرس الثوري الإيراني. صور عماد مغنية المتداولة قليلة جدا، لكن ليست هناك فائدة من نشر المباحث الفيدرالية الأميركية (اف.بي.آي) لها، فمغنية أجرى، عملية تغيير ملامح للوجه مرتين على الاقل في ايران، آخرهما عام 1997. وتصف المصادر الأميركية مغنية، الذي ينتقل بين ايران والعراق ولبنان ومناطق أخرى، بأنه أكثر شخص على كوكب الأرض قتل أميركيين، وذلك قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
ومغنية المطلوب في 42 دولة، رجل غامض لا يحب الظهور الاعلامي، أو استخدام الاعلام لأغراض سياسية مثل اسامة ابن لادن. ولهذا يعتبر أصوليون مغنية «رجل الظل»، الذي لا يظهر على شاشات التلفزة. ولمغنية اسماء وكنيات كثيرة، فهو «الثعلب» كما يطلق عليه الإيرانيون، وهو «الحاج عماد»، كما يطلق عليه حسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني، وهو «ابن لادن الشيعي» بالنسبة لإسرائيل، وهو «القاتل الأكبر» عند الأميركيين. تدرج مغنية في «حزب الله» بالتوازي مع حسن نصر الله، الذي أصبح أمينا عاما للحزب، الواجهة السياسية، بينما وصل مغنية إلى مراتب عالية في قيادة المقاومة الاسلامية، الذراع العسكرية لـ«حزب الله». وهو يعتبر «محظوظا» لبقائه على قيد الحياة حتى الآن. فقد تمكن من الإفلات من أكثر من محاولة خطف واغتيال، وفي إحداها فصلت بينه وبين الموت دقائق فقط. تعرف الشارع الايراني على اسم «مغنية» قبل قيام الثورة الايرانية 1979 بعدة سنين، وذلك عند صدور كتاب سرعان ما أصبح الأكثر مبيعا، لا سيما بين الشبان المتحمسين لآراء الدكتور على شريعي المفكر الايراني، الذي وضع الحجر الاساسي للثورة الايرانية في الوسط الجامعي والديني في ايران. وكان الكتاب يحوي آراء رجل ديني لبناني اسمه جواد مغنية عن عاشوراء والثورة الحسينية. ومترجم الكتاب كان عالما دينيا بارزا معارضا للراديكالية ومواقف الخميني وتلامذته، اسمه الدكتور سيد محسن بهبهاني.
وكان الدكتور بهبهاني قد اغتيل بعد قيام الثورة بثلاثة اشهر على يدي أحد اعضاء وحدة التصفيات، التي شكلها القاضي الثوري وممثل الخميني الشيخ صادق خلخالي، لقتل رجال الدين المعارضين للثورة، ممن كانوا يتمتعون بمكانة رفيعة لدى المجتمع وفي الوسط الجامعي، اذ لم يكن باستطاعة خلخالي اعتقالهم ومحاكمتهم على غرار ما فعله بأكثر من الفي عسكري وسياسي ورجل أعمال ممن أعدموا بعد محاكمات كانت لا تستغرق أكثر من بضع دقائق. هكذا دخل اسم «مغنية» ذاكرة الإيرانيين من هواة القراءة، وحينما سمع الإيرانيون من جديد، وبعد بضع سنين من نجاح الثورة الإيرانية اسم «مغنية»، نشرت إحدى الصحف آنذاك صورة جواد مغنية مكتوبا تحتها «والد المناضل الثوري اللبناني عماد مغنية».
وبذلك، أصبح «عماد فايز مغنية»، الذي لم يكن على صلة ولو من بعيد بالمفكر والكاتب اللبناني الشيعي جواد مغنية، الابن البار لسلالة دينية بارزة في شرق لبنان، ومضت سنوات حتى تبين للإيرانيين أن عماد ليس ابن جواد، وانه لبناني شيعي تأثر بالثورة الإيرانية، وشكل خلية ثورية كانت مسؤولة عن عمليات اختطاف الطائرات. وخطف المواطنين الغربيين خلال الاضطرابات السياسية في لبنان الثمانينات، والذي سيصبح لاحقا الرجل الاكثر غموضا في الحلقة التي تربط «حزب الله» اللبناني بإيران.
ولد عماد فايز مغنية في مدينة صور بالجنوب اللبناني، في بيت مزارع لبناني شيعي في يوليو (تموز) عام 1962. وانتقلت عائلته التي تتكون من والدته ووالده وأخويه جهاد وفؤاد لاحقا، الى الضاحية في جنوب بيروت، وتعلم عماد مغنية في مدارس لبنانية خلال المرحلة الاعدادية والثانوية. غير أنه عندما كبر، درس لمدة عام في الجامعة الأميركية في بيروت. وفي اوائل السبعينات، كان مغنية احد الضباط الكبار في «القوة 17» التابعة لحركة فتح عام 1982، وقائد القطاع الأوسط في القوة، وهي القوة العسكرية الخاصة، التي كانت تتولى حماية قيادات حركة فتح (أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد).
كما كان قناصا متمرسا. وقد اشرف مغنية على عملية نقل سلاح «فتح» الى المقاومة اللبنانية، ممثلة بـ«حركة أمل» و«حزب الله» بعد أن اضطرت حركة «فتح» الى مغادرة بيروت، اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. وبعد حصار بيروت، الذي دام ما يقرب من ثلاثة اشهر وخروج فتح ومنظمة التحرير من لبنان، انتقل مغنية للعمل في صفوف «حركة أمل»، ثم انتقل للعمل ضمن صفوف «حزب الله». وذلك بالتزامن مع انتقال حسن نصر الله من صفوف «حركة أمل» الى «حزب الله». يذكر أن انيس نقاش، الذي قاد عملية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الايراني الاسبق الدكتور شاهبور بختيار في باريس في عام 1980، بعد اعلان بختيار انقلابه على نظام الخميني، كان ايضا من المحسوبين على خلية «فتح».
وقدم انيس عماد فائز مغنية، اول مرة بعد قيام الثورة في إيران الى أحد مسؤولي السفارة الايرانية ببيروت. أما بختيار فقد عاش عشر سنوات اخرى، حتى قتله اثنان من عملاء الاستخبارات الايرانية. ولم يكن عماد فايز مغنية، حسب قول أبو وفا احد قادة الحرس الثوري الاوائل، الذي اختلف مع النظام الايراني وترك صفوفه في الحرس الثوري، كبقية الشبان المتحمسين للثورة الايرانية، بل منذ سفره الاول الى ايران اوائل الثمانينات في القرن الماضي، وهو شاب لا يتجاوز عمره 20 عاما اظهر مؤهلاته وكفاءات قتالية عالية، جعلته يتفوق على اقرانه، اذ انه وبعد تدريبات أولية استغرقت اقل من ثلاثة شهور توجه برفقة عدد من الشبان الشيعة اللبنانيين، الى جبهة القتال ضد العراق، ووفقا لما رواه فيما بعد قائد المنطقة الشمالية الايرانية، قضى عماد مغنية اربعين يوما، وأظهر استعداداً للمشاركة في عمليات صعبة جدا خلف خطوط العراقيين.
انخرط عماد في «حزب الله» بعد بضعة أشهر فقط من تأسيس الحركة، اذ عينه أحد قياديي الحرس في لبنان، وهو أحمد متوسليان مسؤولا عن استخبارات «حزب الله» في بيروت. وقد تم اختطاف متوسليان فيما بعد، من قبل القوات اللبنانية مع القائم بالأعمال الإيراني محسن موسوي ومراسل وكالة الأنباء الإيرانية كاظم اخوان، وسائق السفارة الايرانية، وحسب اقوال الدكتور سمير جعجع، فإن ايلي حبيقة قائد القوات اللبنانية أمر بقتل الأربعة بعد استجوابهم. وفي الثمانينات قاد عماد مغنية ثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. والعمليات كانت:
تفجير السفارة الاميركية في بيروت في ابريل (نيسان) 1983 والتي اسفرت عن مقتل 63 اميركيا ولبنانيا، وتفجير مقر قوات المارينز الاميركية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أميركيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي اسفر عن مقتل 58 فرنسيا. وقد عمل مغنية لفترة مسؤولا عن الأمن الشخصي للزعيم الروحي لـ«حزب الله» حسن فضل الله، الا أنه لاحقا، وبسبب المهارات غير العادية، التي يتمتع بها في التخطيط الميداني والقيادة، بات مسؤولا عن العمليات الخاصة لـ«حزب الله». أختفى مغنية تماما عن الانظار في لبنان لمدة عامين، الى ان ظهر في قمرة طائرة «تى.دبليو.ايه» الاميركية المخطوفة بمطار بيروت، حيث قتل أحد الركاب، الذي كان عسكريا في قوات المارينز الأميركية. وفي العام ذاته، انفجرت سيارة مفخخة أمام منزل فضل الله، مما أسفر عن مقتل 62 شخصا، من بينهم جهاد شقيق عماد مغنية. وشارك عماد مغنية في محاولة لإطلاق سراح قريب له ومجموعة من عناصر مجموعة كان يطلق عليها «الدعوة 17» من سجن كويتي كانوا معتقلين فيه على خلفية هجمات على السفارتين الأميركية والكويتية، وأطلق سراحهم عقب الغزو العراقي للكويت.
وبدأ مغنية باختطاف مدنيين غربيين احتجز معظمهم لفترة سنوات وأطلق سراح بعضهم عقب مفاوضات سرية بين إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وإيران. وكانت الولايات المتحدة قد دعمت إيران بأسلحة متطورة استخدمتها في حربها ضد العراق في إطار صفقة «الأسلحة مقابل الرهائن»، التي باتت تعرف بـ «إيران غيت». واستنادا الى مصدر ايراني التقى عماد فائز مغنية عدة مرات في ايران، فإن عماد خضع لأول عملية جراحية لتغيير ملامح وجهه في عام 1990في ايران المعروف عنها تطورها في مجالات الجراحة التجميلية, ثم عاد الى بيروت بوجه جديد وهوية جديدة وجواز سفر دبلوماسي ايراني، أضيف الى جوازات السفر، التي كان يملكها وهي عدة جوازات لبنانية وسورية وايرانية وباكستانية. وبهذه الجوازات استطاع تخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات الارهابية في الارجنتين في التسعينيات، من بينها تفجير مركز يهودي عام 1994 في بوينس ايرس، أودى بحياة 85 شخصا، ويقال انه شارك في تفجير الخبر بالسعودية (1996)، حيث قتل 19 عسكريا أميركيا.
وخلال رحلاته المستمرة، التقى عماد فايز مغنية بأسامة بن لادن وايمن الظواهري بالسودان، حيث كان بن لادن قد اقام مراكز تدريب داخل مزارع، وفي الوقت نفسه كانت هناك وحدة من الحرس الثوري تحت غطاء منظمة «جهاد الاعمار»، التي تولت بناء بعض الطرق والمنشآت في السودان. وبسبب تعرف البعض على هوية عماد، فإنه خضع للعملية الجراحية الثانية في عام 1997 التي غيرت ملامحه بشكل كامل، على حد قول المصدر الايراني.
وما بين 1997 وغزو العراق 2003، قضى عماد مغنية ايامه في ايران وافغانستان وسورية ولبنان وباكستان، وشمال العراق، وساعد على انتقال كبار قيادات «القاعدة» من افغانستان الى إيران. وفي أواخر عام 2003 لعب عماد دورا مهما في ترتيب انتقال مقاتلي «القاعدة»، عبر ايران الى العراق، مستخدما علاقاته الوثيقة مع الحرس الثوري وفيلق القدس من جهة، وعلاقاته مع ايمن الظواهري، وسيف العدل، وسعد بن لادن، ومحمد الاسلامبولي شقيق قاتل الرئيس المصري الراحل انور السادات خالد الاسلامبولي من جهة ثانية.
وفي عام 2005، عُهدت اليه مسؤولية تنظيم العلاقات ما بين فصائل الشيعة المسلحة في جنوب العراق، ومن ثم تسلم مهمة المشرف الميداني على مراكز استخبارات الحرس الثوري في جنوب العراق. وفي العام نفسه 2005، توجه الى لبنان عبر سورية، برفقة بعض المسؤولين الايرانيين هذه المرة تحت اسم سيد مهدي هاشمي، ايراني الجنسية حامل جواز سفر دبلوماسي.
واوائل عام 2006 تحدثت تقارير عن مشاهدة عماد فايز مغنية في البصرة بالعراق، ويقال إنه كان مسؤولا عن تنظيم سفر مقاتلي «جيش المهدي» الى ايران، للمشاركة في دورات التدريب. وفي ابريل الماضي، تردد أن مغنية عاد الى لبنان حيث تسلم مهمة رفيعة في جهاز استخبارات «حزب الله»، ووفقا لمزاعم المصادر الاسرائيلية، فإنه أعد خطة خطف الجنديين الاسرائيليين بناء على تعليمات صادرة من قبل استخبارات الحرس الثوري.
ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» في ابريل الماضي، عن خبراء أمنيين ومسؤول أميركي سابق في مجلس الأمن القومي الاميركي، قولهم إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حضر لقاء في سورية مطلع هذا العام مع مغنية. وقالت الصحيفة «إن مسؤولين أميركيين ومصادر في الاستخبارات الإسرائيلية، يعتقدون أن مغنية، بوصفه قائد العمليات الخارجية في «حزب الله» اللبناني، تولى مسؤولية تدبير الرد الإيراني ضد أهداف غربية، في حال أمر الرئيس الأميركي جورج بوش بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأضافت: أن مغنية سافر في يناير (كانون الثاني) الماضي مع احمدي نجاد من طهران إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس الإيراني قادة «حزب الله» وحركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وتعتقد مصادر اسرائيلية وأميركية أنه تم خلال هذا اللقاء، الاتفاق على عمليتي خطف الجنود الاسرائيليين في لبنان وفلسطين. وتصدر اسم عماد فايز مغنية، الذي حددت الولايات المتحدة جائزة لرأسه بمبلغ 5 ملايين دولار، قائمة المطلوبين في 42 دولة بالعالم.
وهو يعتبر في رأي مسؤولين بايران، ثائرا مناضلا يؤمن بولاية الفقيه، بايع الخميني ومستعد للتضحية بحياته في سبيل الثورة، أما ابو وفا، فإنه يعتبره ارهابيا انتهازيا، لا يعرف معنى الانسانية والشفقة. ويعتبر مغنية «محظوظا» لبقائه على قيد الحياة. ومن أبرز محاولات اغتياله، زرع متفجرة في «محلة صفير» في الضاحية الجنوبية لبيروت، قتل فيها شقيقه جهاد مغنية، المسؤول في «حزب الله»، وقد اعترف عميل اسرائيلي لبناني، يدعى أحمد الحلاق بالعملية، ونفذ بحقه حكم بالاعدام رمياً بالرصاص. كما نجا قبل ذلك، من الاعتقال وذلك بعد معلومة وصلت إلى جهات أمنية عربية وغربية عن سفره من الخرطوم إلى لبنان في رحلة طائرة ركاب عادية توقفت في طريقها بمحطة عربية. ونجا مغنية من الاعتقال لان المعلومة وصلت متاخرة.
* شارك في البروفايل من لندن محمد الشافعي
غير ملامحه بعمليتين جراحيتين وانتقل من «فتح» لـ«حزب الله» بعد حصار بيروت وبات مطلوبا في 42 دولة
لندن: علي نوري زاده
عاد اسم عماد مغنية بقوة في العالم، مع ما يتردد من أنه يقود الآن عمليات «حزب الله» في جنوب لبنان، الذي يعرف جغرافيته ككف يده، فهو من مواليد مدينة صور اللبنانية التي هي اليوم موقع اساسي للمواجهات بين «حزب الله» واسرائيل. كما تردد اسم مغنية بصفته الشخص الذي خطط لعملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين بإيعاز من الحرس الثوري الإيراني. صور عماد مغنية المتداولة قليلة جدا، لكن ليست هناك فائدة من نشر المباحث الفيدرالية الأميركية (اف.بي.آي) لها، فمغنية أجرى، عملية تغيير ملامح للوجه مرتين على الاقل في ايران، آخرهما عام 1997. وتصف المصادر الأميركية مغنية، الذي ينتقل بين ايران والعراق ولبنان ومناطق أخرى، بأنه أكثر شخص على كوكب الأرض قتل أميركيين، وذلك قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
ومغنية المطلوب في 42 دولة، رجل غامض لا يحب الظهور الاعلامي، أو استخدام الاعلام لأغراض سياسية مثل اسامة ابن لادن. ولهذا يعتبر أصوليون مغنية «رجل الظل»، الذي لا يظهر على شاشات التلفزة. ولمغنية اسماء وكنيات كثيرة، فهو «الثعلب» كما يطلق عليه الإيرانيون، وهو «الحاج عماد»، كما يطلق عليه حسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني، وهو «ابن لادن الشيعي» بالنسبة لإسرائيل، وهو «القاتل الأكبر» عند الأميركيين. تدرج مغنية في «حزب الله» بالتوازي مع حسن نصر الله، الذي أصبح أمينا عاما للحزب، الواجهة السياسية، بينما وصل مغنية إلى مراتب عالية في قيادة المقاومة الاسلامية، الذراع العسكرية لـ«حزب الله». وهو يعتبر «محظوظا» لبقائه على قيد الحياة حتى الآن. فقد تمكن من الإفلات من أكثر من محاولة خطف واغتيال، وفي إحداها فصلت بينه وبين الموت دقائق فقط. تعرف الشارع الايراني على اسم «مغنية» قبل قيام الثورة الايرانية 1979 بعدة سنين، وذلك عند صدور كتاب سرعان ما أصبح الأكثر مبيعا، لا سيما بين الشبان المتحمسين لآراء الدكتور على شريعي المفكر الايراني، الذي وضع الحجر الاساسي للثورة الايرانية في الوسط الجامعي والديني في ايران. وكان الكتاب يحوي آراء رجل ديني لبناني اسمه جواد مغنية عن عاشوراء والثورة الحسينية. ومترجم الكتاب كان عالما دينيا بارزا معارضا للراديكالية ومواقف الخميني وتلامذته، اسمه الدكتور سيد محسن بهبهاني.
وكان الدكتور بهبهاني قد اغتيل بعد قيام الثورة بثلاثة اشهر على يدي أحد اعضاء وحدة التصفيات، التي شكلها القاضي الثوري وممثل الخميني الشيخ صادق خلخالي، لقتل رجال الدين المعارضين للثورة، ممن كانوا يتمتعون بمكانة رفيعة لدى المجتمع وفي الوسط الجامعي، اذ لم يكن باستطاعة خلخالي اعتقالهم ومحاكمتهم على غرار ما فعله بأكثر من الفي عسكري وسياسي ورجل أعمال ممن أعدموا بعد محاكمات كانت لا تستغرق أكثر من بضع دقائق. هكذا دخل اسم «مغنية» ذاكرة الإيرانيين من هواة القراءة، وحينما سمع الإيرانيون من جديد، وبعد بضع سنين من نجاح الثورة الإيرانية اسم «مغنية»، نشرت إحدى الصحف آنذاك صورة جواد مغنية مكتوبا تحتها «والد المناضل الثوري اللبناني عماد مغنية».
وبذلك، أصبح «عماد فايز مغنية»، الذي لم يكن على صلة ولو من بعيد بالمفكر والكاتب اللبناني الشيعي جواد مغنية، الابن البار لسلالة دينية بارزة في شرق لبنان، ومضت سنوات حتى تبين للإيرانيين أن عماد ليس ابن جواد، وانه لبناني شيعي تأثر بالثورة الإيرانية، وشكل خلية ثورية كانت مسؤولة عن عمليات اختطاف الطائرات. وخطف المواطنين الغربيين خلال الاضطرابات السياسية في لبنان الثمانينات، والذي سيصبح لاحقا الرجل الاكثر غموضا في الحلقة التي تربط «حزب الله» اللبناني بإيران.
ولد عماد فايز مغنية في مدينة صور بالجنوب اللبناني، في بيت مزارع لبناني شيعي في يوليو (تموز) عام 1962. وانتقلت عائلته التي تتكون من والدته ووالده وأخويه جهاد وفؤاد لاحقا، الى الضاحية في جنوب بيروت، وتعلم عماد مغنية في مدارس لبنانية خلال المرحلة الاعدادية والثانوية. غير أنه عندما كبر، درس لمدة عام في الجامعة الأميركية في بيروت. وفي اوائل السبعينات، كان مغنية احد الضباط الكبار في «القوة 17» التابعة لحركة فتح عام 1982، وقائد القطاع الأوسط في القوة، وهي القوة العسكرية الخاصة، التي كانت تتولى حماية قيادات حركة فتح (أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد).
كما كان قناصا متمرسا. وقد اشرف مغنية على عملية نقل سلاح «فتح» الى المقاومة اللبنانية، ممثلة بـ«حركة أمل» و«حزب الله» بعد أن اضطرت حركة «فتح» الى مغادرة بيروت، اثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. وبعد حصار بيروت، الذي دام ما يقرب من ثلاثة اشهر وخروج فتح ومنظمة التحرير من لبنان، انتقل مغنية للعمل في صفوف «حركة أمل»، ثم انتقل للعمل ضمن صفوف «حزب الله». وذلك بالتزامن مع انتقال حسن نصر الله من صفوف «حركة أمل» الى «حزب الله». يذكر أن انيس نقاش، الذي قاد عملية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الايراني الاسبق الدكتور شاهبور بختيار في باريس في عام 1980، بعد اعلان بختيار انقلابه على نظام الخميني، كان ايضا من المحسوبين على خلية «فتح».
وقدم انيس عماد فائز مغنية، اول مرة بعد قيام الثورة في إيران الى أحد مسؤولي السفارة الايرانية ببيروت. أما بختيار فقد عاش عشر سنوات اخرى، حتى قتله اثنان من عملاء الاستخبارات الايرانية. ولم يكن عماد فايز مغنية، حسب قول أبو وفا احد قادة الحرس الثوري الاوائل، الذي اختلف مع النظام الايراني وترك صفوفه في الحرس الثوري، كبقية الشبان المتحمسين للثورة الايرانية، بل منذ سفره الاول الى ايران اوائل الثمانينات في القرن الماضي، وهو شاب لا يتجاوز عمره 20 عاما اظهر مؤهلاته وكفاءات قتالية عالية، جعلته يتفوق على اقرانه، اذ انه وبعد تدريبات أولية استغرقت اقل من ثلاثة شهور توجه برفقة عدد من الشبان الشيعة اللبنانيين، الى جبهة القتال ضد العراق، ووفقا لما رواه فيما بعد قائد المنطقة الشمالية الايرانية، قضى عماد مغنية اربعين يوما، وأظهر استعداداً للمشاركة في عمليات صعبة جدا خلف خطوط العراقيين.
انخرط عماد في «حزب الله» بعد بضعة أشهر فقط من تأسيس الحركة، اذ عينه أحد قياديي الحرس في لبنان، وهو أحمد متوسليان مسؤولا عن استخبارات «حزب الله» في بيروت. وقد تم اختطاف متوسليان فيما بعد، من قبل القوات اللبنانية مع القائم بالأعمال الإيراني محسن موسوي ومراسل وكالة الأنباء الإيرانية كاظم اخوان، وسائق السفارة الايرانية، وحسب اقوال الدكتور سمير جعجع، فإن ايلي حبيقة قائد القوات اللبنانية أمر بقتل الأربعة بعد استجوابهم. وفي الثمانينات قاد عماد مغنية ثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا. والعمليات كانت:
تفجير السفارة الاميركية في بيروت في ابريل (نيسان) 1983 والتي اسفرت عن مقتل 63 اميركيا ولبنانيا، وتفجير مقر قوات المارينز الاميركية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أميركيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي اسفر عن مقتل 58 فرنسيا. وقد عمل مغنية لفترة مسؤولا عن الأمن الشخصي للزعيم الروحي لـ«حزب الله» حسن فضل الله، الا أنه لاحقا، وبسبب المهارات غير العادية، التي يتمتع بها في التخطيط الميداني والقيادة، بات مسؤولا عن العمليات الخاصة لـ«حزب الله». أختفى مغنية تماما عن الانظار في لبنان لمدة عامين، الى ان ظهر في قمرة طائرة «تى.دبليو.ايه» الاميركية المخطوفة بمطار بيروت، حيث قتل أحد الركاب، الذي كان عسكريا في قوات المارينز الأميركية. وفي العام ذاته، انفجرت سيارة مفخخة أمام منزل فضل الله، مما أسفر عن مقتل 62 شخصا، من بينهم جهاد شقيق عماد مغنية. وشارك عماد مغنية في محاولة لإطلاق سراح قريب له ومجموعة من عناصر مجموعة كان يطلق عليها «الدعوة 17» من سجن كويتي كانوا معتقلين فيه على خلفية هجمات على السفارتين الأميركية والكويتية، وأطلق سراحهم عقب الغزو العراقي للكويت.
وبدأ مغنية باختطاف مدنيين غربيين احتجز معظمهم لفترة سنوات وأطلق سراح بعضهم عقب مفاوضات سرية بين إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وإيران. وكانت الولايات المتحدة قد دعمت إيران بأسلحة متطورة استخدمتها في حربها ضد العراق في إطار صفقة «الأسلحة مقابل الرهائن»، التي باتت تعرف بـ «إيران غيت». واستنادا الى مصدر ايراني التقى عماد فائز مغنية عدة مرات في ايران، فإن عماد خضع لأول عملية جراحية لتغيير ملامح وجهه في عام 1990في ايران المعروف عنها تطورها في مجالات الجراحة التجميلية, ثم عاد الى بيروت بوجه جديد وهوية جديدة وجواز سفر دبلوماسي ايراني، أضيف الى جوازات السفر، التي كان يملكها وهي عدة جوازات لبنانية وسورية وايرانية وباكستانية. وبهذه الجوازات استطاع تخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات الارهابية في الارجنتين في التسعينيات، من بينها تفجير مركز يهودي عام 1994 في بوينس ايرس، أودى بحياة 85 شخصا، ويقال انه شارك في تفجير الخبر بالسعودية (1996)، حيث قتل 19 عسكريا أميركيا.
وخلال رحلاته المستمرة، التقى عماد فايز مغنية بأسامة بن لادن وايمن الظواهري بالسودان، حيث كان بن لادن قد اقام مراكز تدريب داخل مزارع، وفي الوقت نفسه كانت هناك وحدة من الحرس الثوري تحت غطاء منظمة «جهاد الاعمار»، التي تولت بناء بعض الطرق والمنشآت في السودان. وبسبب تعرف البعض على هوية عماد، فإنه خضع للعملية الجراحية الثانية في عام 1997 التي غيرت ملامحه بشكل كامل، على حد قول المصدر الايراني.
وما بين 1997 وغزو العراق 2003، قضى عماد مغنية ايامه في ايران وافغانستان وسورية ولبنان وباكستان، وشمال العراق، وساعد على انتقال كبار قيادات «القاعدة» من افغانستان الى إيران. وفي أواخر عام 2003 لعب عماد دورا مهما في ترتيب انتقال مقاتلي «القاعدة»، عبر ايران الى العراق، مستخدما علاقاته الوثيقة مع الحرس الثوري وفيلق القدس من جهة، وعلاقاته مع ايمن الظواهري، وسيف العدل، وسعد بن لادن، ومحمد الاسلامبولي شقيق قاتل الرئيس المصري الراحل انور السادات خالد الاسلامبولي من جهة ثانية.
وفي عام 2005، عُهدت اليه مسؤولية تنظيم العلاقات ما بين فصائل الشيعة المسلحة في جنوب العراق، ومن ثم تسلم مهمة المشرف الميداني على مراكز استخبارات الحرس الثوري في جنوب العراق. وفي العام نفسه 2005، توجه الى لبنان عبر سورية، برفقة بعض المسؤولين الايرانيين هذه المرة تحت اسم سيد مهدي هاشمي، ايراني الجنسية حامل جواز سفر دبلوماسي.
واوائل عام 2006 تحدثت تقارير عن مشاهدة عماد فايز مغنية في البصرة بالعراق، ويقال إنه كان مسؤولا عن تنظيم سفر مقاتلي «جيش المهدي» الى ايران، للمشاركة في دورات التدريب. وفي ابريل الماضي، تردد أن مغنية عاد الى لبنان حيث تسلم مهمة رفيعة في جهاز استخبارات «حزب الله»، ووفقا لمزاعم المصادر الاسرائيلية، فإنه أعد خطة خطف الجنديين الاسرائيليين بناء على تعليمات صادرة من قبل استخبارات الحرس الثوري.
ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» في ابريل الماضي، عن خبراء أمنيين ومسؤول أميركي سابق في مجلس الأمن القومي الاميركي، قولهم إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حضر لقاء في سورية مطلع هذا العام مع مغنية. وقالت الصحيفة «إن مسؤولين أميركيين ومصادر في الاستخبارات الإسرائيلية، يعتقدون أن مغنية، بوصفه قائد العمليات الخارجية في «حزب الله» اللبناني، تولى مسؤولية تدبير الرد الإيراني ضد أهداف غربية، في حال أمر الرئيس الأميركي جورج بوش بضرب المنشآت النووية الإيرانية. وأضافت: أن مغنية سافر في يناير (كانون الثاني) الماضي مع احمدي نجاد من طهران إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس الإيراني قادة «حزب الله» وحركة الجهاد الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وتعتقد مصادر اسرائيلية وأميركية أنه تم خلال هذا اللقاء، الاتفاق على عمليتي خطف الجنود الاسرائيليين في لبنان وفلسطين. وتصدر اسم عماد فايز مغنية، الذي حددت الولايات المتحدة جائزة لرأسه بمبلغ 5 ملايين دولار، قائمة المطلوبين في 42 دولة بالعالم.
وهو يعتبر في رأي مسؤولين بايران، ثائرا مناضلا يؤمن بولاية الفقيه، بايع الخميني ومستعد للتضحية بحياته في سبيل الثورة، أما ابو وفا، فإنه يعتبره ارهابيا انتهازيا، لا يعرف معنى الانسانية والشفقة. ويعتبر مغنية «محظوظا» لبقائه على قيد الحياة. ومن أبرز محاولات اغتياله، زرع متفجرة في «محلة صفير» في الضاحية الجنوبية لبيروت، قتل فيها شقيقه جهاد مغنية، المسؤول في «حزب الله»، وقد اعترف عميل اسرائيلي لبناني، يدعى أحمد الحلاق بالعملية، ونفذ بحقه حكم بالاعدام رمياً بالرصاص. كما نجا قبل ذلك، من الاعتقال وذلك بعد معلومة وصلت إلى جهات أمنية عربية وغربية عن سفره من الخرطوم إلى لبنان في رحلة طائرة ركاب عادية توقفت في طريقها بمحطة عربية. ونجا مغنية من الاعتقال لان المعلومة وصلت متاخرة.
* شارك في البروفايل من لندن محمد الشافعي