زهير
08-09-2006, 07:38 AM
09/08/2006 بقلم: محمد النغيمش
أحيانا يسمع الموظفون صراخا مدويا يصدر من زميلهم، وعندما يقتربون منه يفاجأون أن مشادة كلامية عنيفة نشبت بينه وبين مديره المباشر! ويجد الموظفون أنفسهم في حيرة... كيف يهدئون من روع زميلهم الذي فاضت قريحته بكل أنواع الزجر والتذمر والتوبيخ في وجه هذا المدير المسكين أمام الملأ، وكأنه ينتظر الفرصة المناسبة لتفريغ غضبه.
ولم يعد تعنيف المديرين شفهيا فقط وإنما صار بعض الموظفين يرسلون ما يغضبهم مكتوبا إلى مديرهم، عبر البريد الإلكتروني الداخلي للمؤسسة، ويرسلون نسخا منه إلى القاصي والداني في العمل. فيرد المدير برسالة أعنف ويجد الطرفان أنفسهم وسط 'حرب رسائل إلكترونية' توتر أجواء العمل.
هذا التمرد والعنف اللفظي في التعامل مع المدير يفهمه كثير من المديرين على أنه مؤشر على أنها أيام الموظف الأخيرة، وأنه بهذا الأسلوب الجديد يريد الانتقام لنفسه ولزملائه من الأغلبية الصامتة. فتكون النتيجة أن يأخذ المدير الأمور بجدية ويقرر الرد بالمثل.
حالة هستيرية
ولكن ما أسباب هذا العنف اللفظي المفاجئ الذي يباغت الموظفين؟ هناك إجابات عديدة منها أن بعض الموظفين ربما يصاب 'بحالة هستيرية' لأنه يشعر بضعفه في العمل فيكون أكثر حساسية من أي كلمة، يشتم منها رائحة النقد أو أي نوع من أنواع التوبيخ اللفظي، فيكشر 'للمعتدين' عن أنيابه ليوقف كل من تسول له نفسه النيل منه، ناسيا أو متناسيا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تقصيره أو تسيبه شخصيا. معالجة أنفسنا أسهل وأجدى من الانشغال في علاج الآخرين، وفي معظم الأحيان هو الحل الوحيد.
معلوم أن الموظف المنتج الذي يحب عمله ولديه نوع من الرضا الداخلي يكون أقل عصبية في العمل وأقل تصادما مع مديره، لأن لديه مخزونا من الثقة بالنفس يكفيه لمواجهة أي سلوك مقصود أو غير مقصود للنيل منه في العمل. وهؤلاء المنتجون المحبون لعملهم أقل حساسية ولا يسيئون الظن في كل كلمة يقولها مديروهم، بل يعتبرون ذلك فرصة لتقييم أنفسهم من خلال سماع وجهة نظر مسؤوليهم.
فصل من العمل
ومن أسباب تهجم الموظفين اللفظي على مسؤوليهم قرار الموظف تقديم استقالته (التي لم يفصح عنها) وهو ما يدفعه إلى افتعال مشادة كلامية مقصودة لتبرير استقالته لاحقا، وليؤكد أن المشكلة إنما تكمن في المدير نفسه وأنها أبعد ما تكون عنه شخصيا.
أسوأ ما يمكن أن يحدث للموظف المتمرد على مديره هو فصله من العمل. وهذا الفصل الوظيفي (إن حدث) مهما حاول الموظف إخفاءه عن وظيفته الجديدة لا يستطيع حجبه مدى الحياة فلابد أن تنكشف الحقيقة لاحقا، لاسيما أن الفصل الوظيفي يكون مكتوبا ومبررا، ولا شيء كهذا يخفى في عالم الأعمال.
مشاكل مستقبلية
بعض اللوائح الداخلية، في جهات عمل عديدة، تعاقب الموظف المتمرد بحرمانه من مكافأة نهاية الخدمة، استنادا إلى أحد البنود 'المطاطة' التي يضعونها والمتعلقة بارتكاب الموظف لأي فعل مشين يترتب عليه حرمانه من جزء أو كل مبلغ مكافأة نهاية الخدمة.
ومن عواقب تعنيفنا للمدير وارتكاب مشكلة كبيرة معه في العمل، أننا ربما نفاجأ بأنه أو من كان يشاهدنا نعنفه بشدة يكونون سببا في عدم قبولنا في وظيفة جديدة في المستقبل. فقد يكون أحدهم مسؤولا في المؤسسة التي نعتزم الانتقال إليها فيذكر القائمين عليها بمشكلاتنا الماضية، فيقررون تجنب توظيفنا.
شجاعة الاعتذار
ولحل مشكلات الصدامات اللفظية مع المدير ما أجمل أن يخلع الموظف رداء كبريائه ويقدم بشجاعة على الاعتذار لمديره ـ حتى ولو لم يكن سببا في المشكلة ـ لكي يبدأ صفحة جديدة. وفي كثير من الأحيان يدفع هذا الاعتذار المدير إلى اللين وحسن التعامل مستقبلا، وهو تذكير للموظف نفسه بأن يسعى إلى ضبط أعصابه (على رغم صعوبة ذلك في بيئة العمل المليئة بالضغوطات) ولكن يبقى التدريب اليومي الحل الأفضل. فكلما قللنا المشادات الكلامية بضبط النفس التدريجي دل ذلك على أننا نتقدم نحو أخلاقيات مهنية وإدارية رفيعة. ولن تحل المشكلة ما دمنا نراوح في مكاننا... لابد من المضي قدما وألا نحتقر إنجازاتنا وإن بدت متواضعة.
ضبط النفس
الواقع يثبت أنه ليس هناك بديلا أفضل من المحافظة على علاقة طيبة مع المدير المباشر. ذلك أن أي تصدع في جدار هذه العلاقة اليومية، سوف ينسحب على علاقتنا بأسرنا وعلاقتنا مع الآخرين (نفسيا على الأقل). ولنتذكر أن نوبات الغضب هذه يمكن التغلب عليها 'بالتزام الصمت' وإن كان صعبا، أو تحويل الانتباه نحو أمر آخر أو نضبط ذلك بالاستعاذة من الشيطان الرجيم وبتغير فوري لوضعية جلوسنا أو وقوفنا، كما حثنا 'صاحب الخلق العظيم' نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
mohammed@nughaimish.com
أحيانا يسمع الموظفون صراخا مدويا يصدر من زميلهم، وعندما يقتربون منه يفاجأون أن مشادة كلامية عنيفة نشبت بينه وبين مديره المباشر! ويجد الموظفون أنفسهم في حيرة... كيف يهدئون من روع زميلهم الذي فاضت قريحته بكل أنواع الزجر والتذمر والتوبيخ في وجه هذا المدير المسكين أمام الملأ، وكأنه ينتظر الفرصة المناسبة لتفريغ غضبه.
ولم يعد تعنيف المديرين شفهيا فقط وإنما صار بعض الموظفين يرسلون ما يغضبهم مكتوبا إلى مديرهم، عبر البريد الإلكتروني الداخلي للمؤسسة، ويرسلون نسخا منه إلى القاصي والداني في العمل. فيرد المدير برسالة أعنف ويجد الطرفان أنفسهم وسط 'حرب رسائل إلكترونية' توتر أجواء العمل.
هذا التمرد والعنف اللفظي في التعامل مع المدير يفهمه كثير من المديرين على أنه مؤشر على أنها أيام الموظف الأخيرة، وأنه بهذا الأسلوب الجديد يريد الانتقام لنفسه ولزملائه من الأغلبية الصامتة. فتكون النتيجة أن يأخذ المدير الأمور بجدية ويقرر الرد بالمثل.
حالة هستيرية
ولكن ما أسباب هذا العنف اللفظي المفاجئ الذي يباغت الموظفين؟ هناك إجابات عديدة منها أن بعض الموظفين ربما يصاب 'بحالة هستيرية' لأنه يشعر بضعفه في العمل فيكون أكثر حساسية من أي كلمة، يشتم منها رائحة النقد أو أي نوع من أنواع التوبيخ اللفظي، فيكشر 'للمعتدين' عن أنيابه ليوقف كل من تسول له نفسه النيل منه، ناسيا أو متناسيا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تقصيره أو تسيبه شخصيا. معالجة أنفسنا أسهل وأجدى من الانشغال في علاج الآخرين، وفي معظم الأحيان هو الحل الوحيد.
معلوم أن الموظف المنتج الذي يحب عمله ولديه نوع من الرضا الداخلي يكون أقل عصبية في العمل وأقل تصادما مع مديره، لأن لديه مخزونا من الثقة بالنفس يكفيه لمواجهة أي سلوك مقصود أو غير مقصود للنيل منه في العمل. وهؤلاء المنتجون المحبون لعملهم أقل حساسية ولا يسيئون الظن في كل كلمة يقولها مديروهم، بل يعتبرون ذلك فرصة لتقييم أنفسهم من خلال سماع وجهة نظر مسؤوليهم.
فصل من العمل
ومن أسباب تهجم الموظفين اللفظي على مسؤوليهم قرار الموظف تقديم استقالته (التي لم يفصح عنها) وهو ما يدفعه إلى افتعال مشادة كلامية مقصودة لتبرير استقالته لاحقا، وليؤكد أن المشكلة إنما تكمن في المدير نفسه وأنها أبعد ما تكون عنه شخصيا.
أسوأ ما يمكن أن يحدث للموظف المتمرد على مديره هو فصله من العمل. وهذا الفصل الوظيفي (إن حدث) مهما حاول الموظف إخفاءه عن وظيفته الجديدة لا يستطيع حجبه مدى الحياة فلابد أن تنكشف الحقيقة لاحقا، لاسيما أن الفصل الوظيفي يكون مكتوبا ومبررا، ولا شيء كهذا يخفى في عالم الأعمال.
مشاكل مستقبلية
بعض اللوائح الداخلية، في جهات عمل عديدة، تعاقب الموظف المتمرد بحرمانه من مكافأة نهاية الخدمة، استنادا إلى أحد البنود 'المطاطة' التي يضعونها والمتعلقة بارتكاب الموظف لأي فعل مشين يترتب عليه حرمانه من جزء أو كل مبلغ مكافأة نهاية الخدمة.
ومن عواقب تعنيفنا للمدير وارتكاب مشكلة كبيرة معه في العمل، أننا ربما نفاجأ بأنه أو من كان يشاهدنا نعنفه بشدة يكونون سببا في عدم قبولنا في وظيفة جديدة في المستقبل. فقد يكون أحدهم مسؤولا في المؤسسة التي نعتزم الانتقال إليها فيذكر القائمين عليها بمشكلاتنا الماضية، فيقررون تجنب توظيفنا.
شجاعة الاعتذار
ولحل مشكلات الصدامات اللفظية مع المدير ما أجمل أن يخلع الموظف رداء كبريائه ويقدم بشجاعة على الاعتذار لمديره ـ حتى ولو لم يكن سببا في المشكلة ـ لكي يبدأ صفحة جديدة. وفي كثير من الأحيان يدفع هذا الاعتذار المدير إلى اللين وحسن التعامل مستقبلا، وهو تذكير للموظف نفسه بأن يسعى إلى ضبط أعصابه (على رغم صعوبة ذلك في بيئة العمل المليئة بالضغوطات) ولكن يبقى التدريب اليومي الحل الأفضل. فكلما قللنا المشادات الكلامية بضبط النفس التدريجي دل ذلك على أننا نتقدم نحو أخلاقيات مهنية وإدارية رفيعة. ولن تحل المشكلة ما دمنا نراوح في مكاننا... لابد من المضي قدما وألا نحتقر إنجازاتنا وإن بدت متواضعة.
ضبط النفس
الواقع يثبت أنه ليس هناك بديلا أفضل من المحافظة على علاقة طيبة مع المدير المباشر. ذلك أن أي تصدع في جدار هذه العلاقة اليومية، سوف ينسحب على علاقتنا بأسرنا وعلاقتنا مع الآخرين (نفسيا على الأقل). ولنتذكر أن نوبات الغضب هذه يمكن التغلب عليها 'بالتزام الصمت' وإن كان صعبا، أو تحويل الانتباه نحو أمر آخر أو نضبط ذلك بالاستعاذة من الشيطان الرجيم وبتغير فوري لوضعية جلوسنا أو وقوفنا، كما حثنا 'صاحب الخلق العظيم' نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
mohammed@nughaimish.com