لمياء
08-07-2006, 07:21 AM
كثيرون يتحدثون عن حصولهم على مساعدات مالية وعينية
صور: سابرينا تافرنيس*
دفع «حزب الله» نفقات العملية القيصرية التي أجريت لزوجة أحمد عوالي. وقدم له زيت زيتون وسكرا ومكسرات عندما فقد عمله، بل انه غطى تكاليف عملية لأنفه المكسور.
ومثل العديد من الشيعة الفقراء عبر جنوب لبنان، تلقى أحمد عوالي، وهو حارس في عمارة في مدينة صور، خدمات خيرية من «حزب الله» منذ سنوات. وقال إنه ليس عضوا في الحزب، ولا يعرف أسماء هؤلاء الذين يساعدونه.
ويتحرك مقاتلو «حزب الله» مثل الأشباح عبر جنوب لبنان، واندمج العاملون فيه في القرى والمدن، وهم أيضا مثل الأشباح، في حياة الناس. فهم يدفعون نفقات العلاج الطبي، ويقدمون ضمانات صحية، ويدفعون مصاريف الدراسة ويدفعون أموالا لبداية مشاريع صغيرة. ورغم أنهم مثل الأشباح إلا أنهم في كل مكان، يقدمون الخدمات الأساسية التي لا تتمكن الحكومة اللبنانية، بسبب سنوات الحرب، من تقديمها.
ونشاطهم يؤدي إلى ولاء عميق بين الشيعة، الذين كانوا لسنوات طويلة الطبقة المعدمة والذين أصبح شعورهم بالفخر والهوية مرتبطا بـ«حزب الله». ووجود عناصر الحزب في جنوب لبنان منتشر بحيث أن أي تقدم عسكري إسرائيلي لن ينجح في القضاء على الجماعة، التي هي جزء من المجتمع مثلما هي جزء من المذهب الشيعي.
ويقول عصام زهير، وهو ميكانيكي سيارات «الأشجار في الجنوب تقول: نحن حزب الله، والحجارة تقول نحن حزب الله. وإذا لم يستطع الناس التكلم فستتكلم الحجارة». وليس لـ«حزب الله» مكان محدد، ولكنه موجود في كل مكان. ففي هذه المدينة، التي تعتبر ممرا للقتال وموقعا للعديد من أكبر المستشفيات العاملة في جنوب لبنان، فإن المؤشرات على مرور مقاتلي الحزب تظهر بصفة يومية.
وذكر طبيب في واحد من المستشفيات، وهو مستشفى جبل عامل، أن المستشفى يوجد فيه 450 مريضا. غير أن مسؤولين في المستشفى، كانوا راغبين في عرض بعض النساء والأطفال المصابين، ولم يسمحوا لنا بالتحدث مع مرضى آخرين.ويوم الأربعاء الماضي ألغيت جنازة جماعية، وأشارت السلطات إلى الموقف الأمني، ولكن بعد دقائق انطلقت أصوات الصواريخ من المنطقة بالقرب من الموقع الذي كان من المفروض دفن الأموات فيه.
وقال حيدر فياض، وهو صاحب مقهى كان جالسا يدخن الأرجيلة، بينما الزبائن يحتسون القهوة في أكواب صغيرة بالقرب من صورة السيد حسن نصر الله «جلوسي هنا لا يعني أنني لست من رجال المقاومة». وأضاف «كل شخص لديه سلاح في منزله. يوجد أطباء ومدرسون ومزارعون. حزب الله هو الناس. والناس هم حزب الله».
والحزب في غاية التنظيم وفي الوقت ذاته غير مركزي. فعوالي الذي يحصل على مرتب 170 دولارا شهريا، وهو اقل من متوسط الأجور، شح المال المخصص للطعام لديه بعد فترة قصيرة من مولد ابنته الثانية. وذكر ذلك لواحد من الجيران، وبعد عدة أيام، حضر إليه العديد من الأشخاص يحملون حقائب ملأى بمواد البقالة.
وقالت يسرى حيدر زوجة عوالي، وكانت تجلس على دكة خارج بنايتهم، بينما كانت ابنتاها البالغتان ستا وتسع سنوات تأكلان العنب، قالت «لقد وضعوا ذلك وسط الغرفة وغادروا».
ولكن التأمين الصحي هو الذي أنقذ العائلة عندما كانت يسرى تواجه صعوبات في الحمل. فقد قدموا طلبا على التأمين وحصلوا عليه عبر تقديم صورتين فوتوغرافيتين وملء استمارة. وجاء واحد من «حزب الله»، ولم يكشف عن نفسه، لتفتيش شقتهم والسؤال عن مواردهم المالية، مدققا في طلبهم. وقد حصلوا على بطاقة صحية يمكنهم استخدامها في أي مستشفى بلبنان وفقا لما قاله عوالي. وجرت تغطية مبلغ الـ 1500 دولار، وهي تكاليف إجراء عملية قيصرية ليسرى. كما أنه تجري تغطية شقيق فياض بالتأمين وهو بديل عن التأمين الحكومي، وقد جعلته الجماعة متيسرا للفقراء مقابل 10 دولارات شهريا فقط.
وقال فياض، وكانت شاشة تلفزيون المنار التابعة لـ«حزب الله» تشكل خلفية له «هذا ما يفعله حزب الله». ومعظم الصلات مع الجماعة غير مباشرة. فمقاتلوها جزء من السكان، ويقترب تشخيصهم من المستحيل. وفي طريق جبلي غير بعيد عن الحدود الإسرائيلية يوم الخميس الماضي كانت هناك سيارة تويوتا متوقفة وأبوابها مفتوحة. وكان عدد من الرجال يقفون على الطريق. وكانوا مسرعين. وكان أحدهم يحمل ما بدا أنه جهاز لاسلكي، وهو الجهاز الذي يستخدمه أفراد «حزب الله» للاتصالات عادة. وقال وهو يبتعد عن السيارة «لا تصوير، لا تصوير». وفي اليوم التالي كان الرجل نفسه وبالملابس نفسها يقف في ساحة وقوف السيارات في مستشفى، بينما كانت سلطات المستشفى تعد لدفن 88 جثة في قبر جماعي.
وقال حسام، وهو رجل نحيف عاطل عن العمل يرتدي تي شيرت أسود وينتظر القهوة في محل فياض «إنهم أشباح. ما من أحد يعرفهم».
ويقول الميكانيكي زهير إن ابنه وسام يعمل في الفريق الطبي بالمستشفى في بنت جبيل، وهي مدينة تعرضت إلى دمار هائل، بعد أن قصفتها الطائرات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. وسعى زهير إلى تجنب الأسئلة عن ابنه، ولكن بدا واضحا انه كان قد ساعد في علاج جراح المقاتلين.
وجاءت مساعدة «حزب الله» لفياض بصيغة فاتورة كهرباء ملغاة. فقد وصلته قبل أشهر عدة فاتورة تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات لمقهاه. ولم يكن بوسعه تسديدها. وقال إن «حزب الله تدخل لصالحي لتخفيض السعر. وقالوا إن هذا مهين للناس».وجاءت الفاتورة من بيروت. وكانت شركة الكهرباء قد أرسلت فواتير بمبالغ كبيرة في السابق، وهو شيء محبط بالنسبة لفياض الذي تعين عليه أن ينقل أبناءه من مدرسة خاصة إلى مدرسة عامة قبل عامين، لأنه لم يعد قادرا على توفير الرسوم السنوية البالغة ألف دولار لكل واحد منهم. وألقى باللوم على الحكومة التي قال إنها فاسدة وتتجاهل حاجات أهالي الجنوب.
وتلك المشاعر يعبر عنها كثيرون هنا ممن يرون أنفسهم منفصلين عن لبنانيي الشمال والوسط ممن يدعمون التحالف الحكومي، الذي غالبا ما يشار إليه باسم الرابع عشر من مارس(آذار)، وهو اليوم الذي تظاهر فيه آلاف دعما لهم عام 2005.وقال زهير بينما كانت محطة «حزب الله» تبث برامجها عبر راديو موضوع تحت شجرة صغيرة: «أنا لا أثق بهم. إنهم لا يمثلونني».
كذلك يتصرف أعضاء «حزب الله» وكأنهم شرطة سرية، حيث يقومون بمراقبة دقيقة للمناطق. وهناك أعضاء يتجولون في سيارات ويوقفون الأشخاص في الطريق ويسألونهم كلما برزت بوادر فتنة ما. ويوم الجمعة الماضية في ضواحي صور اجتمع رجال للتحدث مع زائرة وخلال دقائق حضر رجل ملتح بقميص أزرق مزرر إلى الحشد. قال الرجل وهو يحول بصره عن الشمس «ما الذي يجري هنا؟ عم هي تسأل حوله»؟
شخص المواطنون القادم بأنه ضابط أمن «حزب الله» في المنطقة. وكان يحمل راديو صغيرا وتسلم خلال فترة قصيرة ثلاث مكالمات على هاتفه الجوال. ورفض التعريف بهويته. وحينما سئل عن «حزب الله» في المنطقة قال «حزب الله هو نحن، من الطفل الصغير إلى الرجل العجوز».
ويعود التعلق بحزب الله في هذه المنطقة إلى تاريخ لبنان الحديث. فعند الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 استقبل الشيعة الإسرائيليين بترحيب كبير لأنهم جاءوا ليحاربوا الفلسطينيين الذي جعلوا حياتهم صعبة لسنوات، لكن مع استمرار الاحتلال أصبح الإسرائيليون مكروهين من قبل الشيعة هنا، وتم نقل هذا الشعور الآن إلى الأطفال الذين ترعرعوا في جنوب لبنان.
وقال هاني راعي، جار زهير، الذي كان يجلب انتباه ابنته سارة للطائرات الصغيرة بلا طيار في السماء «ما هذا الصوت؟ إنه صوت الطائرات الإسرائيلية». وتستطيع سارة التي لا تتجاوز الثالثة أن تردد أغاني تمجد «حزب الله».
وحاليا لا يعمل الجناح العسكري لـ«حزب الله» في الخدمات الاجتماعية، لكن في بدايته كان الحزب ينظم الماء للناس في الضاحية المنطقة الشيعية في جنوب بيروت، التي كانت مسرحا لأسوأ حالات الدمار التي ألحقتها إسرائيل خلال الحرب.وقال عدد من السكان الذي يعرفون أعضاء في «حزب الله» إنهم تدربوا لمدة خمسة أعوام. والجناح العسكري هو سري بحيث لا يعرف أحيانا الأصدقاء وأفراد العائلة أن من يحبونهم هم أعضاء فيه.
وقال هاني إنه ذهل حينما علم أن صديقا قريبا له اسمه محمد هو مقاتل في «حزب الله»، وإنه لم يعلم بعضويته في الحزب إلا بعد مقتله قبل عدة سنوات. وأعيدت جثته من إسرائيل ضمن اتفاق تبادل السجناء بين الطرفين. وقال زهير راعي «حينما يذهب في مهمة كان يقول أنا ذاهب إلى بيروت».من جانب آخر، حصل راعي على مساعدة من «حزب الله»، إذا أنه دفع تكاليف عملية جرت لأحد أقاربه.
وفي صور، وحتى هذه اللحظة، يظل «حزب الله» مراوغا؛ ففي عصر يوم السبت الماضي وبعد مواجهة عدد من الكوماندوز الإسرائيليين لعدة ساعات قبل الفجر، جاء رجال بوجوه جادة بعضهم كان ملتحيا، حيث ساروا عبر ممرات المستشفى الحكومية. ووقف عدة أشخاص منهم بجانب التوابيت. وكان أحدهم يقرأ في قائمة الأسماء، بينما كان الآخر مضطربا بشعر أشعث وملابس غير مكوية، وحينما اقترب مراسل منهم تحركوا وخرجوا من المكان.
وقال الدكتور سلمان زين الدين طبيب المستشفى: «أنت تجلسين هنا. هل ترين أي شخص من حزب الله. أنا أعمل هنا منذ فترة طويلة. ولم أر أي جثة لعضو في حزب الله داخل هذا المكان».
*خدمة «نيويورك تايمز»
صور: سابرينا تافرنيس*
دفع «حزب الله» نفقات العملية القيصرية التي أجريت لزوجة أحمد عوالي. وقدم له زيت زيتون وسكرا ومكسرات عندما فقد عمله، بل انه غطى تكاليف عملية لأنفه المكسور.
ومثل العديد من الشيعة الفقراء عبر جنوب لبنان، تلقى أحمد عوالي، وهو حارس في عمارة في مدينة صور، خدمات خيرية من «حزب الله» منذ سنوات. وقال إنه ليس عضوا في الحزب، ولا يعرف أسماء هؤلاء الذين يساعدونه.
ويتحرك مقاتلو «حزب الله» مثل الأشباح عبر جنوب لبنان، واندمج العاملون فيه في القرى والمدن، وهم أيضا مثل الأشباح، في حياة الناس. فهم يدفعون نفقات العلاج الطبي، ويقدمون ضمانات صحية، ويدفعون مصاريف الدراسة ويدفعون أموالا لبداية مشاريع صغيرة. ورغم أنهم مثل الأشباح إلا أنهم في كل مكان، يقدمون الخدمات الأساسية التي لا تتمكن الحكومة اللبنانية، بسبب سنوات الحرب، من تقديمها.
ونشاطهم يؤدي إلى ولاء عميق بين الشيعة، الذين كانوا لسنوات طويلة الطبقة المعدمة والذين أصبح شعورهم بالفخر والهوية مرتبطا بـ«حزب الله». ووجود عناصر الحزب في جنوب لبنان منتشر بحيث أن أي تقدم عسكري إسرائيلي لن ينجح في القضاء على الجماعة، التي هي جزء من المجتمع مثلما هي جزء من المذهب الشيعي.
ويقول عصام زهير، وهو ميكانيكي سيارات «الأشجار في الجنوب تقول: نحن حزب الله، والحجارة تقول نحن حزب الله. وإذا لم يستطع الناس التكلم فستتكلم الحجارة». وليس لـ«حزب الله» مكان محدد، ولكنه موجود في كل مكان. ففي هذه المدينة، التي تعتبر ممرا للقتال وموقعا للعديد من أكبر المستشفيات العاملة في جنوب لبنان، فإن المؤشرات على مرور مقاتلي الحزب تظهر بصفة يومية.
وذكر طبيب في واحد من المستشفيات، وهو مستشفى جبل عامل، أن المستشفى يوجد فيه 450 مريضا. غير أن مسؤولين في المستشفى، كانوا راغبين في عرض بعض النساء والأطفال المصابين، ولم يسمحوا لنا بالتحدث مع مرضى آخرين.ويوم الأربعاء الماضي ألغيت جنازة جماعية، وأشارت السلطات إلى الموقف الأمني، ولكن بعد دقائق انطلقت أصوات الصواريخ من المنطقة بالقرب من الموقع الذي كان من المفروض دفن الأموات فيه.
وقال حيدر فياض، وهو صاحب مقهى كان جالسا يدخن الأرجيلة، بينما الزبائن يحتسون القهوة في أكواب صغيرة بالقرب من صورة السيد حسن نصر الله «جلوسي هنا لا يعني أنني لست من رجال المقاومة». وأضاف «كل شخص لديه سلاح في منزله. يوجد أطباء ومدرسون ومزارعون. حزب الله هو الناس. والناس هم حزب الله».
والحزب في غاية التنظيم وفي الوقت ذاته غير مركزي. فعوالي الذي يحصل على مرتب 170 دولارا شهريا، وهو اقل من متوسط الأجور، شح المال المخصص للطعام لديه بعد فترة قصيرة من مولد ابنته الثانية. وذكر ذلك لواحد من الجيران، وبعد عدة أيام، حضر إليه العديد من الأشخاص يحملون حقائب ملأى بمواد البقالة.
وقالت يسرى حيدر زوجة عوالي، وكانت تجلس على دكة خارج بنايتهم، بينما كانت ابنتاها البالغتان ستا وتسع سنوات تأكلان العنب، قالت «لقد وضعوا ذلك وسط الغرفة وغادروا».
ولكن التأمين الصحي هو الذي أنقذ العائلة عندما كانت يسرى تواجه صعوبات في الحمل. فقد قدموا طلبا على التأمين وحصلوا عليه عبر تقديم صورتين فوتوغرافيتين وملء استمارة. وجاء واحد من «حزب الله»، ولم يكشف عن نفسه، لتفتيش شقتهم والسؤال عن مواردهم المالية، مدققا في طلبهم. وقد حصلوا على بطاقة صحية يمكنهم استخدامها في أي مستشفى بلبنان وفقا لما قاله عوالي. وجرت تغطية مبلغ الـ 1500 دولار، وهي تكاليف إجراء عملية قيصرية ليسرى. كما أنه تجري تغطية شقيق فياض بالتأمين وهو بديل عن التأمين الحكومي، وقد جعلته الجماعة متيسرا للفقراء مقابل 10 دولارات شهريا فقط.
وقال فياض، وكانت شاشة تلفزيون المنار التابعة لـ«حزب الله» تشكل خلفية له «هذا ما يفعله حزب الله». ومعظم الصلات مع الجماعة غير مباشرة. فمقاتلوها جزء من السكان، ويقترب تشخيصهم من المستحيل. وفي طريق جبلي غير بعيد عن الحدود الإسرائيلية يوم الخميس الماضي كانت هناك سيارة تويوتا متوقفة وأبوابها مفتوحة. وكان عدد من الرجال يقفون على الطريق. وكانوا مسرعين. وكان أحدهم يحمل ما بدا أنه جهاز لاسلكي، وهو الجهاز الذي يستخدمه أفراد «حزب الله» للاتصالات عادة. وقال وهو يبتعد عن السيارة «لا تصوير، لا تصوير». وفي اليوم التالي كان الرجل نفسه وبالملابس نفسها يقف في ساحة وقوف السيارات في مستشفى، بينما كانت سلطات المستشفى تعد لدفن 88 جثة في قبر جماعي.
وقال حسام، وهو رجل نحيف عاطل عن العمل يرتدي تي شيرت أسود وينتظر القهوة في محل فياض «إنهم أشباح. ما من أحد يعرفهم».
ويقول الميكانيكي زهير إن ابنه وسام يعمل في الفريق الطبي بالمستشفى في بنت جبيل، وهي مدينة تعرضت إلى دمار هائل، بعد أن قصفتها الطائرات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. وسعى زهير إلى تجنب الأسئلة عن ابنه، ولكن بدا واضحا انه كان قد ساعد في علاج جراح المقاتلين.
وجاءت مساعدة «حزب الله» لفياض بصيغة فاتورة كهرباء ملغاة. فقد وصلته قبل أشهر عدة فاتورة تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات لمقهاه. ولم يكن بوسعه تسديدها. وقال إن «حزب الله تدخل لصالحي لتخفيض السعر. وقالوا إن هذا مهين للناس».وجاءت الفاتورة من بيروت. وكانت شركة الكهرباء قد أرسلت فواتير بمبالغ كبيرة في السابق، وهو شيء محبط بالنسبة لفياض الذي تعين عليه أن ينقل أبناءه من مدرسة خاصة إلى مدرسة عامة قبل عامين، لأنه لم يعد قادرا على توفير الرسوم السنوية البالغة ألف دولار لكل واحد منهم. وألقى باللوم على الحكومة التي قال إنها فاسدة وتتجاهل حاجات أهالي الجنوب.
وتلك المشاعر يعبر عنها كثيرون هنا ممن يرون أنفسهم منفصلين عن لبنانيي الشمال والوسط ممن يدعمون التحالف الحكومي، الذي غالبا ما يشار إليه باسم الرابع عشر من مارس(آذار)، وهو اليوم الذي تظاهر فيه آلاف دعما لهم عام 2005.وقال زهير بينما كانت محطة «حزب الله» تبث برامجها عبر راديو موضوع تحت شجرة صغيرة: «أنا لا أثق بهم. إنهم لا يمثلونني».
كذلك يتصرف أعضاء «حزب الله» وكأنهم شرطة سرية، حيث يقومون بمراقبة دقيقة للمناطق. وهناك أعضاء يتجولون في سيارات ويوقفون الأشخاص في الطريق ويسألونهم كلما برزت بوادر فتنة ما. ويوم الجمعة الماضية في ضواحي صور اجتمع رجال للتحدث مع زائرة وخلال دقائق حضر رجل ملتح بقميص أزرق مزرر إلى الحشد. قال الرجل وهو يحول بصره عن الشمس «ما الذي يجري هنا؟ عم هي تسأل حوله»؟
شخص المواطنون القادم بأنه ضابط أمن «حزب الله» في المنطقة. وكان يحمل راديو صغيرا وتسلم خلال فترة قصيرة ثلاث مكالمات على هاتفه الجوال. ورفض التعريف بهويته. وحينما سئل عن «حزب الله» في المنطقة قال «حزب الله هو نحن، من الطفل الصغير إلى الرجل العجوز».
ويعود التعلق بحزب الله في هذه المنطقة إلى تاريخ لبنان الحديث. فعند الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 استقبل الشيعة الإسرائيليين بترحيب كبير لأنهم جاءوا ليحاربوا الفلسطينيين الذي جعلوا حياتهم صعبة لسنوات، لكن مع استمرار الاحتلال أصبح الإسرائيليون مكروهين من قبل الشيعة هنا، وتم نقل هذا الشعور الآن إلى الأطفال الذين ترعرعوا في جنوب لبنان.
وقال هاني راعي، جار زهير، الذي كان يجلب انتباه ابنته سارة للطائرات الصغيرة بلا طيار في السماء «ما هذا الصوت؟ إنه صوت الطائرات الإسرائيلية». وتستطيع سارة التي لا تتجاوز الثالثة أن تردد أغاني تمجد «حزب الله».
وحاليا لا يعمل الجناح العسكري لـ«حزب الله» في الخدمات الاجتماعية، لكن في بدايته كان الحزب ينظم الماء للناس في الضاحية المنطقة الشيعية في جنوب بيروت، التي كانت مسرحا لأسوأ حالات الدمار التي ألحقتها إسرائيل خلال الحرب.وقال عدد من السكان الذي يعرفون أعضاء في «حزب الله» إنهم تدربوا لمدة خمسة أعوام. والجناح العسكري هو سري بحيث لا يعرف أحيانا الأصدقاء وأفراد العائلة أن من يحبونهم هم أعضاء فيه.
وقال هاني إنه ذهل حينما علم أن صديقا قريبا له اسمه محمد هو مقاتل في «حزب الله»، وإنه لم يعلم بعضويته في الحزب إلا بعد مقتله قبل عدة سنوات. وأعيدت جثته من إسرائيل ضمن اتفاق تبادل السجناء بين الطرفين. وقال زهير راعي «حينما يذهب في مهمة كان يقول أنا ذاهب إلى بيروت».من جانب آخر، حصل راعي على مساعدة من «حزب الله»، إذا أنه دفع تكاليف عملية جرت لأحد أقاربه.
وفي صور، وحتى هذه اللحظة، يظل «حزب الله» مراوغا؛ ففي عصر يوم السبت الماضي وبعد مواجهة عدد من الكوماندوز الإسرائيليين لعدة ساعات قبل الفجر، جاء رجال بوجوه جادة بعضهم كان ملتحيا، حيث ساروا عبر ممرات المستشفى الحكومية. ووقف عدة أشخاص منهم بجانب التوابيت. وكان أحدهم يقرأ في قائمة الأسماء، بينما كان الآخر مضطربا بشعر أشعث وملابس غير مكوية، وحينما اقترب مراسل منهم تحركوا وخرجوا من المكان.
وقال الدكتور سلمان زين الدين طبيب المستشفى: «أنت تجلسين هنا. هل ترين أي شخص من حزب الله. أنا أعمل هنا منذ فترة طويلة. ولم أر أي جثة لعضو في حزب الله داخل هذا المكان».
*خدمة «نيويورك تايمز»