زهير
08-05-2006, 02:22 PM
عهدك لا عهد غيرك يا بوفيصل!
محمد عبدالقادر الجاسم
كتبت وغيري الكثير من المقالات التي تنتقد الوضع الحالي. وأزعم أن ما تحمله لنا الأيام القادمة لن يكون سوى تكرار للأحداث وطرق التعامل معها. فحتى تحين لحظة انتقال الحكم, فإن الأوضاع السياسية والسياسات العامة للحكومة لن تتغير تغيرا مهما, بل سوف نكون كمن يعيد قراءة الكتاب المرة تلو الأخرى, ولن تتحقق أمنيات المواطن الكويتي البسيط الذي يريد أن يشعر بديمومة الرفاهية التي نعيشها بفضل تدفق النفط, دون أن يقلق على كيفية إدارة واستثمار العوائد الضخمة, ودون أن يقلق على مستقبل الحكم. لذلك أعتقد أنه من الضروري اليوم أن نتجاوز الواقع "مؤقتا" ونتحدث حول المستقبل القريب, وأن نبدأ بتوجيه خطابنا إلى سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح الحاكم القادم لدولة الكويت.
إن على سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد أن يتأهب لممارسة شؤون الحكم, وهذه أمنية أتمنى أن تتحقق رغم إدراكي لصعوبة تحققها. أتمنى من الشيخ نواف أن يقوم منذ الآن بتشكيل فريق من الخبراء الذين يمكنهم تشخيص "أمراض النظام" وأسباب "شيخوخته" وطرح مجموعة من الحلول لتلك الأمراض التي تعاني منها الدولة والحكم منذ نحو عقد من الزمان.
إن الخجل يا بوفيصل لا يصنع تاريخا, وليس في تشكيلك فريق الخبراء أي انتقاص لحكم سلفك على الإطلاق. كما أن العاطفة لا تبني وطن ولا تحافظ على حكم ولا تصونه. إن الكويت حكما ودولة تعاني هموما ومشاكل أكبر من قدرتها على التحمل, وقد بان ضعف الحكم وظهر ما يكفي من مؤشرات سلبية في هذا الاتجاه.
ذكرت أكثر من مرة أن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد هو "آخر شيوخ الهيبة", وأشرت مرارا, وبصور متعددة, إلى أن عهد الشيخ نواف الأحمد سوف يشهد أوضح مظاهر ضعف حكم أسرة الصباح. غير أنه لا يجوز الاستسلام لهذه القناعة والاكتفاء بمراقبة حكم أسرة الصباح وهو يدخل مرحلة حاسمة, بل لابد من العمل على تقديم الرأي والمشورة إلى الشيخ نواف مبكرا, فهو لديه متسع من الوقت, بإذن الله, للتدبر في أمور الحكم في عهده. بل عليه أن يبدأ منذ هذه اللحظة في التفكير بما يجب عليه أن يفعله حين يؤول الحكم إليه . وعلينا أن نعينه على ذلك, فنحن لا نريد للشيخ نواف أن يكون فريسة سهلة لكل طامح في الحكم, سواء من أسرة الصباح أو من خارجها. فالمعروف عن الشيخ نواف أنه رجل طيب, بل ربما يكون مفرط في الطيبة, وهذا أمر جيد, بيد أن شؤون الحكم تحتاج إلى ما هو أكثر من الطيبة وحسن النية. تحتاج إلى فراسة وحكمة وبعد نظر, وبغيرها لن يتمكن الشيخ نواف من المحافظة على حكم أسرة الصباح. لذلك على الشيخ نواف أن يتدبر أمره, ولعل أول ما عليه أن يفكر به هو ما هي التركة التي سوف يستلمها من سلفه!
إن أول قرار سوف يتخذه الشيخ نواف هو تعيين ولي عهده. وبحسب المؤشرات المتاحة حاليا, فإن الصورة "مشوشة", فهناك حديث عن دور للشيخ مشعل الأحمد, وهناك حديث عن رغبة الشيخ ناصر صباح الأحمد في "القفز" إلى ولاية العهد دون المرور على كرسي الوزارة أو كرسي رئاسة الوزراء بعد فقدهما الحصانة التي تكفل للشيوخ الوصول إلى سدة الحكم, وهناك أيضا وفي أقل الأحوال تطلعا لدى الشيخ ناصر المحمد في الانتقال من رئاسة الوزارة إلى ولاية العهد, كما أن الدكتور الشيخ محمد الصباح سوف "يخرج من الشرنقة" التي وضع نفسه فيها طوال السنوات الماضية, وهو يريد إبراز "مواهبه" واستحقاقه وتطلعه للحكم في عهد الشيخ نواف, ولا ننسى أيضا حق الشيخ جابر المبارك الصباح في "الترقي" إلى منصب أكبر فهو من ذرية مبارك, كما يجب عدم نسيان أكثر من شيخ من ذرية مبارك ممن آثروا الابتعاد في المرحلة الحالية كالشيخ أحمد الحمود وغيره.
ومع تعدد الأسماء, هناك ما هو أهم... حيث يدور حديث هامس أقرب إلى الإشاعة ومفاده أن هناك تفكير في حصر الحكم في ذرية المرحوم الشيخ أحمد الجابر, وهو أمر يمكن تحقيقه بسهولة من الناحية الفعلية دون حاجة لتعديل نصوص في الدستور أو قانون توارث الإمارة من خلال فرض الأمر الواقع. إن هذه المسألة لا تتعدى الهمس وهو ما يتطلب مني, كالعادة, إخراجها من دائرة الهمس إلى الدائرة العلنية لإثارة نقاش عام حولها.
وهناك نقطة مهمة لابد من الحديث فيها علانية مع الشيخ نواف, فأقول أنني أدرك مقدار احترامك يا بوفيصل لسلفك, كما أدرك أيضا طبيعتك وما تتمتع به من نية حسنة, لكننا نتساءل عن مدى قدرتك على اتخاذ قرار تعيين ولي عهدك بإرادة مستقلة ودون خضوع "لوصية" أو لتجاذب أسرة الصباح! إن احترامك "لسلفك" يجب ألا يفقدك الاستقلالية في تعيين "خلفك", فالعهد سيكون عهدك أنت لا عهد غيرك, لذلك عليك أن تحكم بمقتضى أفكارك وقراراتك لا بمقتضى وصايا أو أفكار وقرارات غيرك, فافعل كما فعل سلفك وغيره من حكام الكويت, وتحرر من سطوة مظلة شيوخ الصف الأول التي تحكمت كثيرا في بناء خبراتك.
الأمر الآخر الذي يتعين على الشيخ نواف الانتباه إليه هو أمر سبق أن أشرت إليه وتطرقت إليه أيضا في بداية هذا المقال وهو أن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد هو في الواقع "آخر شيوخ الهيبة", ولن يتمكن الشيخ نواف من تغطية الفراغ الذي سينجم عن انتقال الحكم إليه. ونظرا لطيبته وسذاجته ونقاء سريرته, فإن أكثر من شيخ سيسعى إلى السيطرة والحكم في عهده وممارسة كل شؤون الحكم باسم الشيخ نواف. وإذا كان بعض "العيال" قد نجح في التحكم في القرار خلال السنوات القليلة الماضية عبر التحكم في "مداخل" المعلومات التي تصل إلى قصر الحكم, فإن هذا النجاح قد يتعزز في عهد الشيخ نواف الذي يعتبره بعض الشيوخ "العهد الذهبي" لهم!
إن هناك قضايا عديدة يتعين على الشيخ نواف أن يفكر فيها منذ الآن, وليست قرارات الحكم هي الوحيدة. بيد أنني أود أن أقول للشيخ نواف إن أطباع الحاكم, أيا كان, تطبع سياساته, وبحكم أن الشيخ نواف لا يخاصم ولا يفجر في الخصومة ولا يعادي ولا يسعى للانتقام أو ظلم أحد, وهو فوق هذا وذاك شيخ خلوق, فإن لدى الكويت فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الشعب وأسرة الصباح... هذه العلاقة التي تأثرت سلبا إلى حد بعيد بفعل عوامل كثيرة من أهمها تفشي الرشوة السياسية وانتشار الفساد وخروج الصراع بين "العيال والكبار" عن الحدود التقليدية, و... الاستعانة "بشركاء حكم" على حساب الشعب الكويتي ومستقبله.
إن الحديث لم ينته بعد, لكن هذا ما أردت قوله وقد تكون له بقية.
29/7/2006
محمد عبدالقادر الجاسم
كتبت وغيري الكثير من المقالات التي تنتقد الوضع الحالي. وأزعم أن ما تحمله لنا الأيام القادمة لن يكون سوى تكرار للأحداث وطرق التعامل معها. فحتى تحين لحظة انتقال الحكم, فإن الأوضاع السياسية والسياسات العامة للحكومة لن تتغير تغيرا مهما, بل سوف نكون كمن يعيد قراءة الكتاب المرة تلو الأخرى, ولن تتحقق أمنيات المواطن الكويتي البسيط الذي يريد أن يشعر بديمومة الرفاهية التي نعيشها بفضل تدفق النفط, دون أن يقلق على كيفية إدارة واستثمار العوائد الضخمة, ودون أن يقلق على مستقبل الحكم. لذلك أعتقد أنه من الضروري اليوم أن نتجاوز الواقع "مؤقتا" ونتحدث حول المستقبل القريب, وأن نبدأ بتوجيه خطابنا إلى سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح الحاكم القادم لدولة الكويت.
إن على سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد أن يتأهب لممارسة شؤون الحكم, وهذه أمنية أتمنى أن تتحقق رغم إدراكي لصعوبة تحققها. أتمنى من الشيخ نواف أن يقوم منذ الآن بتشكيل فريق من الخبراء الذين يمكنهم تشخيص "أمراض النظام" وأسباب "شيخوخته" وطرح مجموعة من الحلول لتلك الأمراض التي تعاني منها الدولة والحكم منذ نحو عقد من الزمان.
إن الخجل يا بوفيصل لا يصنع تاريخا, وليس في تشكيلك فريق الخبراء أي انتقاص لحكم سلفك على الإطلاق. كما أن العاطفة لا تبني وطن ولا تحافظ على حكم ولا تصونه. إن الكويت حكما ودولة تعاني هموما ومشاكل أكبر من قدرتها على التحمل, وقد بان ضعف الحكم وظهر ما يكفي من مؤشرات سلبية في هذا الاتجاه.
ذكرت أكثر من مرة أن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد هو "آخر شيوخ الهيبة", وأشرت مرارا, وبصور متعددة, إلى أن عهد الشيخ نواف الأحمد سوف يشهد أوضح مظاهر ضعف حكم أسرة الصباح. غير أنه لا يجوز الاستسلام لهذه القناعة والاكتفاء بمراقبة حكم أسرة الصباح وهو يدخل مرحلة حاسمة, بل لابد من العمل على تقديم الرأي والمشورة إلى الشيخ نواف مبكرا, فهو لديه متسع من الوقت, بإذن الله, للتدبر في أمور الحكم في عهده. بل عليه أن يبدأ منذ هذه اللحظة في التفكير بما يجب عليه أن يفعله حين يؤول الحكم إليه . وعلينا أن نعينه على ذلك, فنحن لا نريد للشيخ نواف أن يكون فريسة سهلة لكل طامح في الحكم, سواء من أسرة الصباح أو من خارجها. فالمعروف عن الشيخ نواف أنه رجل طيب, بل ربما يكون مفرط في الطيبة, وهذا أمر جيد, بيد أن شؤون الحكم تحتاج إلى ما هو أكثر من الطيبة وحسن النية. تحتاج إلى فراسة وحكمة وبعد نظر, وبغيرها لن يتمكن الشيخ نواف من المحافظة على حكم أسرة الصباح. لذلك على الشيخ نواف أن يتدبر أمره, ولعل أول ما عليه أن يفكر به هو ما هي التركة التي سوف يستلمها من سلفه!
إن أول قرار سوف يتخذه الشيخ نواف هو تعيين ولي عهده. وبحسب المؤشرات المتاحة حاليا, فإن الصورة "مشوشة", فهناك حديث عن دور للشيخ مشعل الأحمد, وهناك حديث عن رغبة الشيخ ناصر صباح الأحمد في "القفز" إلى ولاية العهد دون المرور على كرسي الوزارة أو كرسي رئاسة الوزراء بعد فقدهما الحصانة التي تكفل للشيوخ الوصول إلى سدة الحكم, وهناك أيضا وفي أقل الأحوال تطلعا لدى الشيخ ناصر المحمد في الانتقال من رئاسة الوزارة إلى ولاية العهد, كما أن الدكتور الشيخ محمد الصباح سوف "يخرج من الشرنقة" التي وضع نفسه فيها طوال السنوات الماضية, وهو يريد إبراز "مواهبه" واستحقاقه وتطلعه للحكم في عهد الشيخ نواف, ولا ننسى أيضا حق الشيخ جابر المبارك الصباح في "الترقي" إلى منصب أكبر فهو من ذرية مبارك, كما يجب عدم نسيان أكثر من شيخ من ذرية مبارك ممن آثروا الابتعاد في المرحلة الحالية كالشيخ أحمد الحمود وغيره.
ومع تعدد الأسماء, هناك ما هو أهم... حيث يدور حديث هامس أقرب إلى الإشاعة ومفاده أن هناك تفكير في حصر الحكم في ذرية المرحوم الشيخ أحمد الجابر, وهو أمر يمكن تحقيقه بسهولة من الناحية الفعلية دون حاجة لتعديل نصوص في الدستور أو قانون توارث الإمارة من خلال فرض الأمر الواقع. إن هذه المسألة لا تتعدى الهمس وهو ما يتطلب مني, كالعادة, إخراجها من دائرة الهمس إلى الدائرة العلنية لإثارة نقاش عام حولها.
وهناك نقطة مهمة لابد من الحديث فيها علانية مع الشيخ نواف, فأقول أنني أدرك مقدار احترامك يا بوفيصل لسلفك, كما أدرك أيضا طبيعتك وما تتمتع به من نية حسنة, لكننا نتساءل عن مدى قدرتك على اتخاذ قرار تعيين ولي عهدك بإرادة مستقلة ودون خضوع "لوصية" أو لتجاذب أسرة الصباح! إن احترامك "لسلفك" يجب ألا يفقدك الاستقلالية في تعيين "خلفك", فالعهد سيكون عهدك أنت لا عهد غيرك, لذلك عليك أن تحكم بمقتضى أفكارك وقراراتك لا بمقتضى وصايا أو أفكار وقرارات غيرك, فافعل كما فعل سلفك وغيره من حكام الكويت, وتحرر من سطوة مظلة شيوخ الصف الأول التي تحكمت كثيرا في بناء خبراتك.
الأمر الآخر الذي يتعين على الشيخ نواف الانتباه إليه هو أمر سبق أن أشرت إليه وتطرقت إليه أيضا في بداية هذا المقال وهو أن صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد هو في الواقع "آخر شيوخ الهيبة", ولن يتمكن الشيخ نواف من تغطية الفراغ الذي سينجم عن انتقال الحكم إليه. ونظرا لطيبته وسذاجته ونقاء سريرته, فإن أكثر من شيخ سيسعى إلى السيطرة والحكم في عهده وممارسة كل شؤون الحكم باسم الشيخ نواف. وإذا كان بعض "العيال" قد نجح في التحكم في القرار خلال السنوات القليلة الماضية عبر التحكم في "مداخل" المعلومات التي تصل إلى قصر الحكم, فإن هذا النجاح قد يتعزز في عهد الشيخ نواف الذي يعتبره بعض الشيوخ "العهد الذهبي" لهم!
إن هناك قضايا عديدة يتعين على الشيخ نواف أن يفكر فيها منذ الآن, وليست قرارات الحكم هي الوحيدة. بيد أنني أود أن أقول للشيخ نواف إن أطباع الحاكم, أيا كان, تطبع سياساته, وبحكم أن الشيخ نواف لا يخاصم ولا يفجر في الخصومة ولا يعادي ولا يسعى للانتقام أو ظلم أحد, وهو فوق هذا وذاك شيخ خلوق, فإن لدى الكويت فرصة لإعادة صياغة العلاقة بين الشعب وأسرة الصباح... هذه العلاقة التي تأثرت سلبا إلى حد بعيد بفعل عوامل كثيرة من أهمها تفشي الرشوة السياسية وانتشار الفساد وخروج الصراع بين "العيال والكبار" عن الحدود التقليدية, و... الاستعانة "بشركاء حكم" على حساب الشعب الكويتي ومستقبله.
إن الحديث لم ينته بعد, لكن هذا ما أردت قوله وقد تكون له بقية.
29/7/2006