زوربا
08-05-2006, 12:39 PM
http://www.aawsat.com/2006/08/05/images/daily.376429.jpg
«بيب بيب... أنا بيب»
القاهرة: محمد أبو زيد
ولد صغير، يركب عربة نقل مليئة بأنابيب الغاز، تلف شوارع المدينة، لا يفعل شيئا سوى أن يخبط بمفتاح انجليزي يحمله في يده على الأنابيب، وهو صامت، يتوقف السائق قليلا عندما يسمع صوت إحدى السيدات ينادي عليه «معاك أنابيب»، يقوم الولد فور سماع السيدة بإنزال أنبوبة يتوجه بها إليها.
الولد، في الصف الثالث الإعدادي، يحلم أن يحصل على مجموع هذا العام ليؤهله للالتحاق بالدراسة الثانوية كي يستطيع أن يرتاح قليلا من حمل أنابيب الغاز الثقيلة على كتفيه والدخول بها إلى البيوت وصعود السلالم إلى الأدوار العليا.
لا يحب الأغاني، لكنه كان سعيدا جدا عندما بث التلفزيون أغنية من فيلم «حاحا وتفاحة» لريكو، يغني فيها لبائع الأنابيب، ساعتها ابتسم، وأحس أن ريكو يغني له، قال هذا لأمه في البيت، فضحكت دون أن تعلق، وراقبت فرحته، وهي تتسمع أثناء وجودها في المطبخ صوت ريكو وياسمين عبد العزيز وهما يصدحان بالأغنية.
أحمد، وهذا هو اسمه، يعيش مع والدته، بعد رحيل والده منذ أربع سنوات، في أحد شوارع منطقة الطوابق بفيصل، يدرس في الصف الثالث الإعدادي، لكنه بعد أن يعود من مدرسته، يخرج مع ابن عمه، ليبيعا الأنابيب. «ما هو لازم أشتغل عشان أساعد أمي في البيت»، يقول أحمد، ويضيف «ليس لنا مورد دخل آخر سوى معاش تركه والدي قبل أن يرحل، لذلك عندما عرض على عصام (ابن عمه) العمل معه لم أرفض، ووافقت أمي أيضا مباشرة».
«أنابيب، بيب، بيب»، يدندن الولد الصغير بهذه الكلمات وهو يسير في الشارع وهو ذاهب إلى مدرسته. والجميل، أنه أصبح يغنيها وهو فوق عربة بيع الأنابيب، وهو يخبط بمفتاحه فوق الأنابيب المتراصة، أصبح يغنيها وهو داخل البيت، ينتظر عرضها في التلفزيون، ويجلس أمامها، يشعر أنها أغنيته الخاصة، التي يبثها التلفزيون من أجله هو وحده، ويقول: تسري عني في اوقات الشدة، ونحن نلف بالعربة في الشمس.
«أنبوبة للمحبة، أنبوبة للغرام، اللي هياخد مني واحدة، هيشغل السخان، اللي هيصحى النوبة، يصحى من الغيبوبة، واللي واقف مستني، معلهش غصبن عني، فيه أزمة في الأنابيب». أحمد وعصام يحضران الأنابيب من المستودع، ويقول «نشتريها بنصف السعر الذي نبيعها به تقريبا، لكن من ثلاث سنوات حين بدأت العمل مع عصام كان الشغل أكثر، دلوقتي الناس كلها دخلت غاز، ولم يعد إلا مجموعة قليلة من الناس تشتري أنابيب»، ما يسعد أحمد هو أن يزيد مكسبهم، عندما يقل عدد الأنابيب في السوق، ويتضاعف سعرها ويقول: في هذه الحالة يعطيني عصام ثلاثين جنيها في اليوم الواحد، أي ضعف أجري اليومي.
«والنبي يا فوزي، وحياتك يا فوزي، اديني بمبة، ما تكونش يا فوزي، قديمة يا فوزي، بتنفس يا فوزي، وتولع يا فوزي، من تكة واحدة»، رغم أن أصحابه في الشارع ينادونه أحيانا «يا فوزي» إلا أنه لا يغضب منهم، ربما لأنه يحب الأغنية. لكن أحمد يتمنى أن يدخل كلية «محترمة» على حد تعبيره، حتى يستطيع ان يريح أمه، وأن يرتاح قليلا من حمل الأنابيب على كتفيه.
وحول ما إذا كانت الأنابيب يتعب من حملها، يقول: في البداية، منذ ثلاث سنوات، عندما اشتغلت في المهنة وكنت صغيرا، كنت أتعب من حملها، عصام كان يحملها أحيانا، ويتركني أحرس العربة، وكان من يأخذون الأنابيب أحيانا يشفقون علي، لكن مع الوقت تعودت عليها ولم أعد أهتم بوزنها، وأضاف: «كتر الحزن يعلم البكا».
احمد يحمل داخله أحلاما كثيرة، ويقف كثيرا أثناء سير العربة به فوقها ليشعر أنه طائر، يحلق نحو مدينته الخاصة، طائر يحب أن يغني، حتى ولو كانت الأغنية «أنابيب بيب بيب».
«بيب بيب... أنا بيب»
القاهرة: محمد أبو زيد
ولد صغير، يركب عربة نقل مليئة بأنابيب الغاز، تلف شوارع المدينة، لا يفعل شيئا سوى أن يخبط بمفتاح انجليزي يحمله في يده على الأنابيب، وهو صامت، يتوقف السائق قليلا عندما يسمع صوت إحدى السيدات ينادي عليه «معاك أنابيب»، يقوم الولد فور سماع السيدة بإنزال أنبوبة يتوجه بها إليها.
الولد، في الصف الثالث الإعدادي، يحلم أن يحصل على مجموع هذا العام ليؤهله للالتحاق بالدراسة الثانوية كي يستطيع أن يرتاح قليلا من حمل أنابيب الغاز الثقيلة على كتفيه والدخول بها إلى البيوت وصعود السلالم إلى الأدوار العليا.
لا يحب الأغاني، لكنه كان سعيدا جدا عندما بث التلفزيون أغنية من فيلم «حاحا وتفاحة» لريكو، يغني فيها لبائع الأنابيب، ساعتها ابتسم، وأحس أن ريكو يغني له، قال هذا لأمه في البيت، فضحكت دون أن تعلق، وراقبت فرحته، وهي تتسمع أثناء وجودها في المطبخ صوت ريكو وياسمين عبد العزيز وهما يصدحان بالأغنية.
أحمد، وهذا هو اسمه، يعيش مع والدته، بعد رحيل والده منذ أربع سنوات، في أحد شوارع منطقة الطوابق بفيصل، يدرس في الصف الثالث الإعدادي، لكنه بعد أن يعود من مدرسته، يخرج مع ابن عمه، ليبيعا الأنابيب. «ما هو لازم أشتغل عشان أساعد أمي في البيت»، يقول أحمد، ويضيف «ليس لنا مورد دخل آخر سوى معاش تركه والدي قبل أن يرحل، لذلك عندما عرض على عصام (ابن عمه) العمل معه لم أرفض، ووافقت أمي أيضا مباشرة».
«أنابيب، بيب، بيب»، يدندن الولد الصغير بهذه الكلمات وهو يسير في الشارع وهو ذاهب إلى مدرسته. والجميل، أنه أصبح يغنيها وهو فوق عربة بيع الأنابيب، وهو يخبط بمفتاحه فوق الأنابيب المتراصة، أصبح يغنيها وهو داخل البيت، ينتظر عرضها في التلفزيون، ويجلس أمامها، يشعر أنها أغنيته الخاصة، التي يبثها التلفزيون من أجله هو وحده، ويقول: تسري عني في اوقات الشدة، ونحن نلف بالعربة في الشمس.
«أنبوبة للمحبة، أنبوبة للغرام، اللي هياخد مني واحدة، هيشغل السخان، اللي هيصحى النوبة، يصحى من الغيبوبة، واللي واقف مستني، معلهش غصبن عني، فيه أزمة في الأنابيب». أحمد وعصام يحضران الأنابيب من المستودع، ويقول «نشتريها بنصف السعر الذي نبيعها به تقريبا، لكن من ثلاث سنوات حين بدأت العمل مع عصام كان الشغل أكثر، دلوقتي الناس كلها دخلت غاز، ولم يعد إلا مجموعة قليلة من الناس تشتري أنابيب»، ما يسعد أحمد هو أن يزيد مكسبهم، عندما يقل عدد الأنابيب في السوق، ويتضاعف سعرها ويقول: في هذه الحالة يعطيني عصام ثلاثين جنيها في اليوم الواحد، أي ضعف أجري اليومي.
«والنبي يا فوزي، وحياتك يا فوزي، اديني بمبة، ما تكونش يا فوزي، قديمة يا فوزي، بتنفس يا فوزي، وتولع يا فوزي، من تكة واحدة»، رغم أن أصحابه في الشارع ينادونه أحيانا «يا فوزي» إلا أنه لا يغضب منهم، ربما لأنه يحب الأغنية. لكن أحمد يتمنى أن يدخل كلية «محترمة» على حد تعبيره، حتى يستطيع ان يريح أمه، وأن يرتاح قليلا من حمل الأنابيب على كتفيه.
وحول ما إذا كانت الأنابيب يتعب من حملها، يقول: في البداية، منذ ثلاث سنوات، عندما اشتغلت في المهنة وكنت صغيرا، كنت أتعب من حملها، عصام كان يحملها أحيانا، ويتركني أحرس العربة، وكان من يأخذون الأنابيب أحيانا يشفقون علي، لكن مع الوقت تعودت عليها ولم أعد أهتم بوزنها، وأضاف: «كتر الحزن يعلم البكا».
احمد يحمل داخله أحلاما كثيرة، ويقف كثيرا أثناء سير العربة به فوقها ليشعر أنه طائر، يحلق نحو مدينته الخاصة، طائر يحب أن يغني، حتى ولو كانت الأغنية «أنابيب بيب بيب».