سمير
08-04-2006, 07:46 AM
http://www.aawsat.com/2006/08/04/images/ksa-local.376307.jpg
في عهد معاوية نقلت أجساد الشهداء لموقع آخر وبجوارها عيون جارية تم ردمها
المدينة المنورة: حليمة مظفر
«هنا مقبرة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم الرسول عليه السلام وأخوه بالرضاعة، وهو يتوسط قبرين، وبين هؤلاء أيضا حنظلة بن أبي عامر الذي غسلته الملائكة» هذه حكاية ثلاثة قبور حاول تلخيصها الطفل السعودي حمود البالغ من العمر ست سنوات، وهو يشير بأنامله الصغيرة تجاهها للزوار، في البقعة التي تقع شمال المسجد النبوي، وعلى بعد كيلومترين منه تقريبا، لتضم بين ثراها سبعين من أصحاب الرسول الذين باعوا دماءهم لأجل الرسالة.
وحمود الذي يعمل بجوار المقبرة بائعا متجولا لبيع قوارير الماء الباردة يعمل بجانب ذلك مرشدا سياحيا يحاول إرشاد الزوار إلى معالم المنطقة التاريخية ليكمل «هنا جبل الرماة، وهنا مسجد أحد» محاولا بذلك استعطافهم حتى الثقة به؛ ليرددوا خلفه جماعة منهم، أمام بوابة المقبرة؛ دعاء كان قد حفظه عن ظهر قلب لمن يزور المقابر والسلام على من فيها.
لكن شيئا من روحانية المكان الخاشع وسكينته أمام السماء بغيماتها الواسعة تتسلل حتما حينما يتم استحضار أصوات السيوف والخيول وكلمات التوحيد وأسماء شخوص بعينها في المعركة التي شهدها التاريخ الإسلامي في السنة الثالثة بعد الهجرة، بين الرسول وصحابته الذين كان عددهم 1000 مجاهد فقط، ليس فيهم فارس واحد، فيما كان المشركون 3000 مقاتل، بينهم 200 فارس أبرزهم خالد بن الوليد قبل إسلامه.
وأرواح مجندة في السماء تطير بها حويصلات الطيور في جنة الخلد تشعر بها الأعين الجائلة بخشوع داخل سور قديم يلتف حول مدافن شهداء هذه المعركة، في بقعة تكثر فيها العيون الجارية، وكما قال المؤرخ والأديب الدكتور عاصم حمدان «أذكر أنه كان بجوار المقبرة عين تجري فيها الماء وكان بها سمك وهو من العجائب، وقد شاهدتها بعيني عندما كنت صغيرا، ولكن مع الأسف عملت بعض المؤسسات الدينية على ردمها خوفا من تبرك الناس بها».
ويتابع حديثه «إلا أنه منذ شهور قد ظهرت عين أخرى بجوار المقبرة وللأسف حل بها نفس المصير وعملوا على ردمها لذات الغرض، كما حصل ذلك لبعض المواضع داخل المقبرة والتي أزيلت أيضا، مع العلم أننا وصلنا لزمن تدرك فيه العقلية المسلمة هذه الحقائق ولا أظنها تصل من الجهل للتبرك بهذه الأشياء».
وموقع المقبرة الذي اختاره الرسول لدفنهم فيها بين جبل الرماة وجبل أحد الذي قال عنه الرسول «إن أحد جبل يحبنا ونحبه». قد تم تغييرها عندما نقلت جثث شهداء أحد في عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان إلى موضع آخر، وهو الذي تعرف به اليوم، خوفا عليها من أن يجرفها السيل كما أوضح ذلك الدكتور عاصم حمدان الأديب والمؤرخ المهتم بالمدينة المنورة وقال «باتفاق المذاهب الأربعة، فإنه يجوز نقل قبور الموتى إذا كان ذلك في مصلحة الميت، ولا يجوز في غير ذلك».
وذكر حمدان الحادثة الوحيدة التي وردت في التاريخ، وقال «أصاب السيل المعروف بسيل سيدنا حمزة الذي يأتي من وادي عقيق إلى المنطقة التي بها مقبرة شهداء أحد في عهد معاوية، وهو ما جعله يطلب من أبناء الصحابة الموجودين حينها أن يقفوا على قبور آبائهم أثناء نقلها، والتي لم تتغير بفعل الزمن ملامح أجسادهم، حتى قالوا ان المسحاة أصابت قدم حمزة، فخرج منها الدم، وقالوا إن عمر بن الجموح كانت يده على جبهته عندما توفي، فلما أزاحوا يده عنها أثناء نقله خرج منها الدم، فأرجعوها مرة أخرى» وعملية النقل هذه كانت بفترة طويلة عن تاريخ المعركة، ورغم ذلك احتفظت أجساد الشهداء بهيأتها ولم تتغير سوى رائحة المسك التي ذكر أنها فاحت من دمائهم.
والمقبرة التي تضم بين جنباتها أجساد شهداء أحد حملت معهم حكاياتهم، التي أكثرها شهرة تلك التي تحكي مقتل عم الرسول حمزة بن عبد المطلب الذي ولد قبل ولادة الرسول بسنتين وتمت رضاعتهما معا من قبل جارية أبي لهب ثويبة، فكانا بذلك أخوة وأقرب صديقين، حتى أنه أسلم بعد أن عرف بأن أبي جهل قد سب الرسول، فذهب إليه وسط صحبه وشج رأسه، متحديا إياه بأن يقرب ابن أخيه وهو على دينه، فما استطاع أحد أن يرد تحديه من شدة بأسه وقوته، وبإسلامه ردّ الرسول وصحابته بعض أذى المشركين في مكة.
إلا أن قوة حمزة وشدته التي كان يقاتل بها بين يدي الرسول في أحد بسيفين وهو يفتك بالمشركين ويردد قائلا «أنا أسد الله» لم تمنع العبد وحشي الحبشي الذي طمع بالحرية عندما وعده بها سيده جبير بن مطعم إذا ما قتل حمزة انتقاما لعمه الذي قتل في بدر، فرماه بحربته أثناء المعركة من بعد، وأصاب أسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه، وسقط بعدها شهيدا كما ذكر ذلك وحشي بعد إسلامه للرسول، حينما أمره بأن يذكر قصة قتله لحمزة، وعلى إثرها أمره الرسول بأن يغيب وجهه عنه ففعل ذلك حتى قبض عليه السلام.
لكن حكاية موت حمزة لا تقف عند ذلك، إذ إن نسوة من قريش قمن بالتمثيل في جثته، فبقرن بطنه وقطعن أذنيه وأنفه انتقاما لقتلاهن، وكانت منهن هند بنت عتبة التي قتل أبوها وأخوها في بدر، والتي انتزعت كبده ولاكته في فمها ولم تستسغه فلفظته سريعا، ومن شدة ما فعلن به من تشويه كان الرسول قد آلمه منظره كثيرا، وحين رؤيته قال «لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع»، وحين أمر بدفن الشهداء في المقبرة كان يأمر بإحضار سبعة سبعة، يصلى عليهم بسبعة تكبيرات، ثم دفنوا دون غسلهم وبدمائهم وعلى هيئتهم التي قتلوا عليها، حتى انتهى بحمزة وقال عنه «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب». وحمزة الذي مات عام 624 م وعمره يقارب 58 سنة، دفن في بطن جبل أحد، وبجواره قبر ابن أخته عبد الله بن جحش، وكذلك حنظلة بن أبي عامر الذي كان من بين الشهداء وكان جنبا حينما استشهد في ساحة المعركة لأنه خرج للجهاد في أول ليلة لعرسه، فدفن دون غسله، وغسلته الملائكة، وهذه المقبرة التي ضمت 70 من الصحابة كان لها معزة في قلب رسول الله، وكما ورد عنه أنه كان يتعهدهم بالزيارة بين حين وآخر، وهو ما سارت عليه أمته من بعده، حيث يزورها المسلمون من كل فج للسلام على شهداء أحد.
في عهد معاوية نقلت أجساد الشهداء لموقع آخر وبجوارها عيون جارية تم ردمها
المدينة المنورة: حليمة مظفر
«هنا مقبرة سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم الرسول عليه السلام وأخوه بالرضاعة، وهو يتوسط قبرين، وبين هؤلاء أيضا حنظلة بن أبي عامر الذي غسلته الملائكة» هذه حكاية ثلاثة قبور حاول تلخيصها الطفل السعودي حمود البالغ من العمر ست سنوات، وهو يشير بأنامله الصغيرة تجاهها للزوار، في البقعة التي تقع شمال المسجد النبوي، وعلى بعد كيلومترين منه تقريبا، لتضم بين ثراها سبعين من أصحاب الرسول الذين باعوا دماءهم لأجل الرسالة.
وحمود الذي يعمل بجوار المقبرة بائعا متجولا لبيع قوارير الماء الباردة يعمل بجانب ذلك مرشدا سياحيا يحاول إرشاد الزوار إلى معالم المنطقة التاريخية ليكمل «هنا جبل الرماة، وهنا مسجد أحد» محاولا بذلك استعطافهم حتى الثقة به؛ ليرددوا خلفه جماعة منهم، أمام بوابة المقبرة؛ دعاء كان قد حفظه عن ظهر قلب لمن يزور المقابر والسلام على من فيها.
لكن شيئا من روحانية المكان الخاشع وسكينته أمام السماء بغيماتها الواسعة تتسلل حتما حينما يتم استحضار أصوات السيوف والخيول وكلمات التوحيد وأسماء شخوص بعينها في المعركة التي شهدها التاريخ الإسلامي في السنة الثالثة بعد الهجرة، بين الرسول وصحابته الذين كان عددهم 1000 مجاهد فقط، ليس فيهم فارس واحد، فيما كان المشركون 3000 مقاتل، بينهم 200 فارس أبرزهم خالد بن الوليد قبل إسلامه.
وأرواح مجندة في السماء تطير بها حويصلات الطيور في جنة الخلد تشعر بها الأعين الجائلة بخشوع داخل سور قديم يلتف حول مدافن شهداء هذه المعركة، في بقعة تكثر فيها العيون الجارية، وكما قال المؤرخ والأديب الدكتور عاصم حمدان «أذكر أنه كان بجوار المقبرة عين تجري فيها الماء وكان بها سمك وهو من العجائب، وقد شاهدتها بعيني عندما كنت صغيرا، ولكن مع الأسف عملت بعض المؤسسات الدينية على ردمها خوفا من تبرك الناس بها».
ويتابع حديثه «إلا أنه منذ شهور قد ظهرت عين أخرى بجوار المقبرة وللأسف حل بها نفس المصير وعملوا على ردمها لذات الغرض، كما حصل ذلك لبعض المواضع داخل المقبرة والتي أزيلت أيضا، مع العلم أننا وصلنا لزمن تدرك فيه العقلية المسلمة هذه الحقائق ولا أظنها تصل من الجهل للتبرك بهذه الأشياء».
وموقع المقبرة الذي اختاره الرسول لدفنهم فيها بين جبل الرماة وجبل أحد الذي قال عنه الرسول «إن أحد جبل يحبنا ونحبه». قد تم تغييرها عندما نقلت جثث شهداء أحد في عهد خلافة معاوية بن أبي سفيان إلى موضع آخر، وهو الذي تعرف به اليوم، خوفا عليها من أن يجرفها السيل كما أوضح ذلك الدكتور عاصم حمدان الأديب والمؤرخ المهتم بالمدينة المنورة وقال «باتفاق المذاهب الأربعة، فإنه يجوز نقل قبور الموتى إذا كان ذلك في مصلحة الميت، ولا يجوز في غير ذلك».
وذكر حمدان الحادثة الوحيدة التي وردت في التاريخ، وقال «أصاب السيل المعروف بسيل سيدنا حمزة الذي يأتي من وادي عقيق إلى المنطقة التي بها مقبرة شهداء أحد في عهد معاوية، وهو ما جعله يطلب من أبناء الصحابة الموجودين حينها أن يقفوا على قبور آبائهم أثناء نقلها، والتي لم تتغير بفعل الزمن ملامح أجسادهم، حتى قالوا ان المسحاة أصابت قدم حمزة، فخرج منها الدم، وقالوا إن عمر بن الجموح كانت يده على جبهته عندما توفي، فلما أزاحوا يده عنها أثناء نقله خرج منها الدم، فأرجعوها مرة أخرى» وعملية النقل هذه كانت بفترة طويلة عن تاريخ المعركة، ورغم ذلك احتفظت أجساد الشهداء بهيأتها ولم تتغير سوى رائحة المسك التي ذكر أنها فاحت من دمائهم.
والمقبرة التي تضم بين جنباتها أجساد شهداء أحد حملت معهم حكاياتهم، التي أكثرها شهرة تلك التي تحكي مقتل عم الرسول حمزة بن عبد المطلب الذي ولد قبل ولادة الرسول بسنتين وتمت رضاعتهما معا من قبل جارية أبي لهب ثويبة، فكانا بذلك أخوة وأقرب صديقين، حتى أنه أسلم بعد أن عرف بأن أبي جهل قد سب الرسول، فذهب إليه وسط صحبه وشج رأسه، متحديا إياه بأن يقرب ابن أخيه وهو على دينه، فما استطاع أحد أن يرد تحديه من شدة بأسه وقوته، وبإسلامه ردّ الرسول وصحابته بعض أذى المشركين في مكة.
إلا أن قوة حمزة وشدته التي كان يقاتل بها بين يدي الرسول في أحد بسيفين وهو يفتك بالمشركين ويردد قائلا «أنا أسد الله» لم تمنع العبد وحشي الحبشي الذي طمع بالحرية عندما وعده بها سيده جبير بن مطعم إذا ما قتل حمزة انتقاما لعمه الذي قتل في بدر، فرماه بحربته أثناء المعركة من بعد، وأصاب أسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه، وسقط بعدها شهيدا كما ذكر ذلك وحشي بعد إسلامه للرسول، حينما أمره بأن يذكر قصة قتله لحمزة، وعلى إثرها أمره الرسول بأن يغيب وجهه عنه ففعل ذلك حتى قبض عليه السلام.
لكن حكاية موت حمزة لا تقف عند ذلك، إذ إن نسوة من قريش قمن بالتمثيل في جثته، فبقرن بطنه وقطعن أذنيه وأنفه انتقاما لقتلاهن، وكانت منهن هند بنت عتبة التي قتل أبوها وأخوها في بدر، والتي انتزعت كبده ولاكته في فمها ولم تستسغه فلفظته سريعا، ومن شدة ما فعلن به من تشويه كان الرسول قد آلمه منظره كثيرا، وحين رؤيته قال «لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع»، وحين أمر بدفن الشهداء في المقبرة كان يأمر بإحضار سبعة سبعة، يصلى عليهم بسبعة تكبيرات، ثم دفنوا دون غسلهم وبدمائهم وعلى هيئتهم التي قتلوا عليها، حتى انتهى بحمزة وقال عنه «سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب». وحمزة الذي مات عام 624 م وعمره يقارب 58 سنة، دفن في بطن جبل أحد، وبجواره قبر ابن أخته عبد الله بن جحش، وكذلك حنظلة بن أبي عامر الذي كان من بين الشهداء وكان جنبا حينما استشهد في ساحة المعركة لأنه خرج للجهاد في أول ليلة لعرسه، فدفن دون غسله، وغسلته الملائكة، وهذه المقبرة التي ضمت 70 من الصحابة كان لها معزة في قلب رسول الله، وكما ورد عنه أنه كان يتعهدهم بالزيارة بين حين وآخر، وهو ما سارت عليه أمته من بعده، حيث يزورها المسلمون من كل فج للسلام على شهداء أحد.