سمير
08-04-2006, 07:34 AM
مسؤول في الحزب: لدينا صواريخ تكفينا عدة أشهر .. وبعضها لا يعرف الإسرائيليون عن قدرتها شيئا
جويا (لبنان): أنتوني شديد
لم تكن هناك سيارات في الشوارع المليئة بالمنعطفات في هذه القرية اللبنانية الجنوبية. ولم يكن هناك عدد كبير من الناس أيضا. أما علامات الحياة فكانت تتجلى في طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المحلقة فوق الرؤوس، بينما على الأرض موالون لحزب الله يجلسون عند واجهة محل صغير في شارع مهجور. وكان هناك جهاز اتصال لاسلكي وقناني ماء، إضافة إلى الصبر وفقا للرجال الستة الذين كانوا هناك.
وقال جمال ناصر، الرجل المفتول العضلات الذي يرتدي ملابس مدنية، «نحن ننتظر. نحن هنا، ولن نذهب إلى أي مكان آخر».
وبعد ثلاثة أسابيع على الحرب مع إسرائيل ما يزال حزب الله يحتفظ بوجوده في جنوب لبنان، وغالبا ما يعتبر السلطة الوحيدة في مدن مدمرة على امتداد الحدود الإسرائيلية. فقوات الحزب تكاد تكون خفية وليس لديها الكثير من القضايا اللوجستية، ولا الكثير من التسلسل الهرمي الظاهر. وحتى السكان غالبا ما يقولون إنهم لا يعرفون كيف يعمل رجال الميليشيا وكيف ينظمون أنفسهم. وتجري الاتصالات بالأجهزة اللاسلكية، وعبر شيفرة دائما، وفي بعض الأحيان تسلم الرسائل بواسطة الدراجات النارية. ويبدو أن الأسلحة متوفرة عبر منطقة يقول المقاتلون إنهم يعرفونها معرفة دقيقة. وقال الحاج أبو محمد، الملتحي البالغ من العمر 44 عاما وأحد أفراد ميليشيا حزب الله في قرية صريفا الصغيرة، الذي يخشخش جهازه اللاسلكي ويرن هاتفه الجوال بنشيد حزب الله، «نحن على الأرض وجها لوجه أفضل في القتال من الإسرائيليين».
وزعمت إسرائيل إنها دمرت البنية التحتية لحزب الله في حملة دامت 23 يوما، وجعلت مئات الألوف يرحلون عن بيوتهم ودمرت القرى واحدة بعد الأخرى عبر وديان أحرقتها النيران في بعض الأحيان.
ويعترف حزب الله بأنه يعاني من خسائر، ولكن في القتال حتى الآن يظهر تخطيطه التفصيلي لعملياته منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، حيت انتهى الاحتلال الذي دام 18 عاما. ويبدو أن المقاتلين يمارسون الكثير من الاستقلالية والمرونة، وهو ما يتضح في الطرق الخلفية للمنطقة، حيث الذخيرة محمولة في سيارات والشاحنات مموهة ومنصات إطلاق الصواريخ مغطاة بأشجار الموز.
ويقول محللون إنه من الممكن أن تبقى الميليشيا بدون إمدادات جدية لمدة شهر. ويشير مقاتلون ومؤيدون إلى أن الوقت لصالحهم في حرب يرتاب معظم المراقبين في ان تكون لها نهاية محددة. وفي أحاديث في جنوب لبنان يبدو مؤيدو الميليشيا أكثر صلابة في سعيهم إلى حرمان إسرائيل أو الولايات المتحدة من تحقيق مكاسب سياسية من الحملة العسكرية. وقال أحد أفراد المجموعة، التي كانت موجودة في قرية جويا يوم الثلاثاء الماضي «لن نستسلم للاضطهاد، أيا كانت القوة المستخدمة وأيا كان الوقت الذي تستغرقه. لن تجد فرقا بين 21 يوما و121 يوما. الفرق ليس سوى مسألة وقت». أصبحت المدن جنوب نهر الليطاني أشبه بمدن الأشباح. ومن النادر مشاهدة حركة سيارات على الطرق التي تعرضت لتدمير مذهل، حيث يغطي حطام المباني الشوارع الساخنة تحت وطأة الشمس. وفي قرية صديقين سقط الجدار مظهرا ما وراءه من طاولة ما زالت عامرة بأطباق الطعام، كأن العائلة هربت قبل لحظة واحدة. وفي قرية صريفا حيث يقول السكان إن هناك 35 جثة تحت الحطام نتيجة لقصف الأسبوع الأول. وكان أبو محمد، الرفيع البنية، وهو أحد المقاتلين، واحدا من الأشخاص القلائل الذين غادروا القرية. وقال «نحن في وضع دفاعي. وهناك مفاجآت كبيرة أخرى في الطريق».
ويبدو كأن حزب الله ملتزم باستراتيجية ذات شقين، حتى هذا الوقت من الحرب. فاستراتيجية استخدم صواريخه القصيرة والبعيدة المدى سعيا للتماشي مع رؤيته بأن أي تصعيد إسرائيلي سيقابله تصعيد مواز. وخلال الفترة التي انخفضت فيها حدة القتال يومي الاثنين والثلاثاء عندما أعلنت إسرائيل أنها ستوقف هجماتها الجوية لوقت قصير، لم تسقط على إسرائيل سوى عدة صواريخ. ومع تجديد إسرائيل لهجومها يوم الأربعاء عاود حزب الله إطلاق دفعات من الصواريخ على إسرائيل.
وقال محمود قوماتي نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الله في مقابلة معه ببيروت «ما زالت قدرتنا الصاروخية لم تُمسّ بعد. إنها كافية على مستويين، من حيث الكمية في ما يتعلق بالصواريخ التي يعرفونها، ومن حيث النوعية في ما يتعلق بتلك الصواريخ التي لا يعرفون عنها شيئا بعد. نحن لدينا كميات كافية من الصواريخ لعدة أشهر». وعلى الأرض يبدو مقاتلو حزب الله متحمسين جدا لجر إسرائيل أعمق، مما يجعلها مجبرة على إطالة خطوط تموين قواتها وهو ما يجعلها أكثر عرضة لتكتيكات حرب رجال العصابات التي استعملها حزب الله في بنت جبيل، حيث قتل 8 جنود في كمين. ويبدو أن القوات الإسرائيلية حذرة من الوقوع في هذا الفخ وظلت تتحرك ببطء أكبر داخل الأرض اللبنانية، إذ لم يتجاوز تقدمها عدة أميال.
وقال تيمور غوكسيل المتحدث السابق والمستشار لقوة الأمم المتحدة في لبنان «إنهم يحاولون جعل حزب الله يخرج ويواجههم، وحزب الله يحاول جذبهم أعمق داخل لبنان. من الآن فصاعدا ستعتمد النتيجة على أي طرف يمتلك صبرا أكبر».
وأصبحت وجهات النظر بين المقاتلين والموالين لحزب الله، خصوصا على مستوى القرى حيث يدافعون عادة عن بيوتهم، أكثر حدة، إذ أنهم يرون أن إسرائيل قد خططت للهجوم قبل أسر الجنديين. وبالنسبة لهم فإن ذلك يتماشى مع تصورهم بخصوص طموحات إسرائيل في لبنان بدءا من غزو عامي 1978 و1982 والحملات ضد حزب الله في عامي 1993 و1996.
بل حتى المنتقدون اللبنانيون لحزب الله يعبرون عن إعجابهم بإخلاص مقاتلي الحزب وأحيانا مع شعور بالرهبة. وقال نزار عبد القادر، المحلل العسكري واللواء اللبناني المتقاعد، إن «العنصر الأكثر أهمية حول الحرب هو بعدها المعنوي. وحزب الله قد هيأ نفسه لهذه الحرب، ومقاتلوه مشربون بآيديولوجية النصر». وأضاف إن هذا النوع من التلقين يفرز نوعا من المنافسة بين المقاتلين، أي منافسة على الشجاعة وعلى الأداء وعلى من سيستشهد أولا، وهذا يعتبر عنصرا أساسيا في الأداء القتالي. وفي بلدة جويا تجمع الأهالي بالقرب من صور حول طاولة بلاستيكية صغيرة جالسين على مقاعد بيضاء. كانوا يتحدثون إلى شخص آخر ينادونه بـ «السيد أبو علي». كانت السيارات تعبر من حين لآخر وكان الحضور يتبادلون كلمات مهذبة، ودار بقية الحديث حول ثقتهم في أن «حزب الله» منتصر حتى الآن في هذه الحرب. وقال أبو علي معلقا إن «العدوان هو الذي أوجد المقاومة». وقال شخص آخر إن أطفال أي مدني يقتل سينضمون مستقبلا إلى المقاومة.
وخلال الحديث كثيرا ما يتطرق الكلام إلى الغزو الإسرائيلي عام 1982، ذلك الغزو الذي اخرج بعده المقاتلون الفلسطينيون من لبنان. وبصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل تعتزم التقدم إلى العمق اللبناني أكثر مما فعلت حتى الآن، يفخر البعض هنا بأنهم سجلوا انتصارا لأن القوات الإسرائيلية أجبرت على البقاء في المناطق القريبة من الحدود. وهناك أيضا من يقول إن المقاتلين الحاليين ليسوا مثل الفلسطينيين الذين واجهوا القوات الإسرائيلية خلال غزو عام 1982، ويضيفون إن للمقاتلين تأييدا شعبيا وإنهم يقاتلون في القرى التي نشأوا فيها. وقال أحدهم إن القوات الإسرائيلية خلال غزو عام 1982 دخلت بدباباتها حتى بيروت ولم تواجه بأي مقاومة.
ويبدو الانضباط الآيديولوجي لـ«حزب الله» واضحا في المقابلات، فالخطوط العامة لموقفه تأتي في الخطابات التي يلقيها زعيمه حسن نصر الله وترددها عضويته. ويقول البعض هنا إن «حزب الله» سيحتفظ بسلاحه مهما كانت التضحيات إلى أن تطلق إسرائيل سراح السجناء اللبنانيين وتعيد مزارع شبعا. ورغم ذلك يقول السيد أبو علي إنه لا يعارض وقف إطلاق النار في وقت ظهر فيه «حزب الله» أكثر قوة من ذي قبل. ويتحدث أبو علي عن هذا النضال بصورة أوسع، مشيرا إلى الغضب العميق وسط كثيرين في جنوب لبنان بسبب عدم تأييد الحكومات العربية وتشجيع الولايات المتحدة لإسرائيل على شن الهجمات. ويقول في هذا السياق، إنهم يخوضون حربا ضد الولايات المتحدة وليس ضد إسرائيل فقط، ويضيف أيضا إن ثمة قرارات أميركية تنفذ. ولدى سؤاله عما يعني، رد قائلا الا حدود لدفاع اللبنانيين عن أنفسهم. ويظهر الدمار في كل مكان في جويا من الحفر التي أحدثها القصف في الشوارع إلى المباني المدمرة. ويقول أبو علي إنهم «سيدمرون ونحن سنبني مجددا».
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
* شاركت في إعداد هذا التقرير عالية ابراهيم من بيروت
جويا (لبنان): أنتوني شديد
لم تكن هناك سيارات في الشوارع المليئة بالمنعطفات في هذه القرية اللبنانية الجنوبية. ولم يكن هناك عدد كبير من الناس أيضا. أما علامات الحياة فكانت تتجلى في طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المحلقة فوق الرؤوس، بينما على الأرض موالون لحزب الله يجلسون عند واجهة محل صغير في شارع مهجور. وكان هناك جهاز اتصال لاسلكي وقناني ماء، إضافة إلى الصبر وفقا للرجال الستة الذين كانوا هناك.
وقال جمال ناصر، الرجل المفتول العضلات الذي يرتدي ملابس مدنية، «نحن ننتظر. نحن هنا، ولن نذهب إلى أي مكان آخر».
وبعد ثلاثة أسابيع على الحرب مع إسرائيل ما يزال حزب الله يحتفظ بوجوده في جنوب لبنان، وغالبا ما يعتبر السلطة الوحيدة في مدن مدمرة على امتداد الحدود الإسرائيلية. فقوات الحزب تكاد تكون خفية وليس لديها الكثير من القضايا اللوجستية، ولا الكثير من التسلسل الهرمي الظاهر. وحتى السكان غالبا ما يقولون إنهم لا يعرفون كيف يعمل رجال الميليشيا وكيف ينظمون أنفسهم. وتجري الاتصالات بالأجهزة اللاسلكية، وعبر شيفرة دائما، وفي بعض الأحيان تسلم الرسائل بواسطة الدراجات النارية. ويبدو أن الأسلحة متوفرة عبر منطقة يقول المقاتلون إنهم يعرفونها معرفة دقيقة. وقال الحاج أبو محمد، الملتحي البالغ من العمر 44 عاما وأحد أفراد ميليشيا حزب الله في قرية صريفا الصغيرة، الذي يخشخش جهازه اللاسلكي ويرن هاتفه الجوال بنشيد حزب الله، «نحن على الأرض وجها لوجه أفضل في القتال من الإسرائيليين».
وزعمت إسرائيل إنها دمرت البنية التحتية لحزب الله في حملة دامت 23 يوما، وجعلت مئات الألوف يرحلون عن بيوتهم ودمرت القرى واحدة بعد الأخرى عبر وديان أحرقتها النيران في بعض الأحيان.
ويعترف حزب الله بأنه يعاني من خسائر، ولكن في القتال حتى الآن يظهر تخطيطه التفصيلي لعملياته منذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، حيت انتهى الاحتلال الذي دام 18 عاما. ويبدو أن المقاتلين يمارسون الكثير من الاستقلالية والمرونة، وهو ما يتضح في الطرق الخلفية للمنطقة، حيث الذخيرة محمولة في سيارات والشاحنات مموهة ومنصات إطلاق الصواريخ مغطاة بأشجار الموز.
ويقول محللون إنه من الممكن أن تبقى الميليشيا بدون إمدادات جدية لمدة شهر. ويشير مقاتلون ومؤيدون إلى أن الوقت لصالحهم في حرب يرتاب معظم المراقبين في ان تكون لها نهاية محددة. وفي أحاديث في جنوب لبنان يبدو مؤيدو الميليشيا أكثر صلابة في سعيهم إلى حرمان إسرائيل أو الولايات المتحدة من تحقيق مكاسب سياسية من الحملة العسكرية. وقال أحد أفراد المجموعة، التي كانت موجودة في قرية جويا يوم الثلاثاء الماضي «لن نستسلم للاضطهاد، أيا كانت القوة المستخدمة وأيا كان الوقت الذي تستغرقه. لن تجد فرقا بين 21 يوما و121 يوما. الفرق ليس سوى مسألة وقت». أصبحت المدن جنوب نهر الليطاني أشبه بمدن الأشباح. ومن النادر مشاهدة حركة سيارات على الطرق التي تعرضت لتدمير مذهل، حيث يغطي حطام المباني الشوارع الساخنة تحت وطأة الشمس. وفي قرية صديقين سقط الجدار مظهرا ما وراءه من طاولة ما زالت عامرة بأطباق الطعام، كأن العائلة هربت قبل لحظة واحدة. وفي قرية صريفا حيث يقول السكان إن هناك 35 جثة تحت الحطام نتيجة لقصف الأسبوع الأول. وكان أبو محمد، الرفيع البنية، وهو أحد المقاتلين، واحدا من الأشخاص القلائل الذين غادروا القرية. وقال «نحن في وضع دفاعي. وهناك مفاجآت كبيرة أخرى في الطريق».
ويبدو كأن حزب الله ملتزم باستراتيجية ذات شقين، حتى هذا الوقت من الحرب. فاستراتيجية استخدم صواريخه القصيرة والبعيدة المدى سعيا للتماشي مع رؤيته بأن أي تصعيد إسرائيلي سيقابله تصعيد مواز. وخلال الفترة التي انخفضت فيها حدة القتال يومي الاثنين والثلاثاء عندما أعلنت إسرائيل أنها ستوقف هجماتها الجوية لوقت قصير، لم تسقط على إسرائيل سوى عدة صواريخ. ومع تجديد إسرائيل لهجومها يوم الأربعاء عاود حزب الله إطلاق دفعات من الصواريخ على إسرائيل.
وقال محمود قوماتي نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الله في مقابلة معه ببيروت «ما زالت قدرتنا الصاروخية لم تُمسّ بعد. إنها كافية على مستويين، من حيث الكمية في ما يتعلق بالصواريخ التي يعرفونها، ومن حيث النوعية في ما يتعلق بتلك الصواريخ التي لا يعرفون عنها شيئا بعد. نحن لدينا كميات كافية من الصواريخ لعدة أشهر». وعلى الأرض يبدو مقاتلو حزب الله متحمسين جدا لجر إسرائيل أعمق، مما يجعلها مجبرة على إطالة خطوط تموين قواتها وهو ما يجعلها أكثر عرضة لتكتيكات حرب رجال العصابات التي استعملها حزب الله في بنت جبيل، حيث قتل 8 جنود في كمين. ويبدو أن القوات الإسرائيلية حذرة من الوقوع في هذا الفخ وظلت تتحرك ببطء أكبر داخل الأرض اللبنانية، إذ لم يتجاوز تقدمها عدة أميال.
وقال تيمور غوكسيل المتحدث السابق والمستشار لقوة الأمم المتحدة في لبنان «إنهم يحاولون جعل حزب الله يخرج ويواجههم، وحزب الله يحاول جذبهم أعمق داخل لبنان. من الآن فصاعدا ستعتمد النتيجة على أي طرف يمتلك صبرا أكبر».
وأصبحت وجهات النظر بين المقاتلين والموالين لحزب الله، خصوصا على مستوى القرى حيث يدافعون عادة عن بيوتهم، أكثر حدة، إذ أنهم يرون أن إسرائيل قد خططت للهجوم قبل أسر الجنديين. وبالنسبة لهم فإن ذلك يتماشى مع تصورهم بخصوص طموحات إسرائيل في لبنان بدءا من غزو عامي 1978 و1982 والحملات ضد حزب الله في عامي 1993 و1996.
بل حتى المنتقدون اللبنانيون لحزب الله يعبرون عن إعجابهم بإخلاص مقاتلي الحزب وأحيانا مع شعور بالرهبة. وقال نزار عبد القادر، المحلل العسكري واللواء اللبناني المتقاعد، إن «العنصر الأكثر أهمية حول الحرب هو بعدها المعنوي. وحزب الله قد هيأ نفسه لهذه الحرب، ومقاتلوه مشربون بآيديولوجية النصر». وأضاف إن هذا النوع من التلقين يفرز نوعا من المنافسة بين المقاتلين، أي منافسة على الشجاعة وعلى الأداء وعلى من سيستشهد أولا، وهذا يعتبر عنصرا أساسيا في الأداء القتالي. وفي بلدة جويا تجمع الأهالي بالقرب من صور حول طاولة بلاستيكية صغيرة جالسين على مقاعد بيضاء. كانوا يتحدثون إلى شخص آخر ينادونه بـ «السيد أبو علي». كانت السيارات تعبر من حين لآخر وكان الحضور يتبادلون كلمات مهذبة، ودار بقية الحديث حول ثقتهم في أن «حزب الله» منتصر حتى الآن في هذه الحرب. وقال أبو علي معلقا إن «العدوان هو الذي أوجد المقاومة». وقال شخص آخر إن أطفال أي مدني يقتل سينضمون مستقبلا إلى المقاومة.
وخلال الحديث كثيرا ما يتطرق الكلام إلى الغزو الإسرائيلي عام 1982، ذلك الغزو الذي اخرج بعده المقاتلون الفلسطينيون من لبنان. وبصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل تعتزم التقدم إلى العمق اللبناني أكثر مما فعلت حتى الآن، يفخر البعض هنا بأنهم سجلوا انتصارا لأن القوات الإسرائيلية أجبرت على البقاء في المناطق القريبة من الحدود. وهناك أيضا من يقول إن المقاتلين الحاليين ليسوا مثل الفلسطينيين الذين واجهوا القوات الإسرائيلية خلال غزو عام 1982، ويضيفون إن للمقاتلين تأييدا شعبيا وإنهم يقاتلون في القرى التي نشأوا فيها. وقال أحدهم إن القوات الإسرائيلية خلال غزو عام 1982 دخلت بدباباتها حتى بيروت ولم تواجه بأي مقاومة.
ويبدو الانضباط الآيديولوجي لـ«حزب الله» واضحا في المقابلات، فالخطوط العامة لموقفه تأتي في الخطابات التي يلقيها زعيمه حسن نصر الله وترددها عضويته. ويقول البعض هنا إن «حزب الله» سيحتفظ بسلاحه مهما كانت التضحيات إلى أن تطلق إسرائيل سراح السجناء اللبنانيين وتعيد مزارع شبعا. ورغم ذلك يقول السيد أبو علي إنه لا يعارض وقف إطلاق النار في وقت ظهر فيه «حزب الله» أكثر قوة من ذي قبل. ويتحدث أبو علي عن هذا النضال بصورة أوسع، مشيرا إلى الغضب العميق وسط كثيرين في جنوب لبنان بسبب عدم تأييد الحكومات العربية وتشجيع الولايات المتحدة لإسرائيل على شن الهجمات. ويقول في هذا السياق، إنهم يخوضون حربا ضد الولايات المتحدة وليس ضد إسرائيل فقط، ويضيف أيضا إن ثمة قرارات أميركية تنفذ. ولدى سؤاله عما يعني، رد قائلا الا حدود لدفاع اللبنانيين عن أنفسهم. ويظهر الدمار في كل مكان في جويا من الحفر التي أحدثها القصف في الشوارع إلى المباني المدمرة. ويقول أبو علي إنهم «سيدمرون ونحن سنبني مجددا».
*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
* شاركت في إعداد هذا التقرير عالية ابراهيم من بيروت