yasmeen
08-03-2006, 12:34 PM
الحلم لا يكلف شيئا ولكن السفر شاق والعودة مقبرة
سراييفو: عبد الباقي خليفة
جاؤوا جميعا إلى دول شرق أوروبا يحملون بين جوانحهم أمل الحصول على الشهادة الجامعية في الطب والهندسة بمختلف تخصصاتهما، والطيران والعلوم السياسية، وغير ذلك من التخصصات، فمنهم من حقق حلمه وعاد لوطنه،أو استقر في البلد الذي تخرج فيه وتزوج منه، ومنهم من حبسه حابس التحصيل المعرفي والعلمي، لأسباب مادية أو ذاتية أو أسباب ثانية أوقفت مشروع الدراسة، وجعلته ينخرط في أعمال أخرى، لتأخذ حياته مسارا غير المسار الذي حلم به قبل وبعد أن وطأت قدماه أرض الغربة. وقد تمكنت «الشرق الأوسط» من الالتقاء بعدد من العرب الذين يمثلون الصنفين لتلقي بعض الضوء على جوانب من حياتهم في منطقة البلقان، من الناجحين والفاشلين على حد سواء.
أغلب الطلبة العرب الذين درسوا في جامعات البلقان من الدول التي كانت مقربة من المعسكر الاشتراكي، مثل سورية، وفلسطين، والعراق، والجزائر، وليبيا، والسودان، وقل ما يعثر المرء على طلبة من تونس أو مصر أو المغرب أو دول الخليج، حيث كانت العلاقات بين الدول أو الكتل تساهم في إقدام مواطنيها من الطلبة على مواصلة دراستهم في هذا البلد أو ذاك. كانت الحياة ممتازة وفق روايات الطلبة الذين عاصروا فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينات والثمانيات. ففي تلك الفترة كانت الدول الاشتراكية توفر للطلبة الأجانب، ولا سيما الذين يظهرون ميولا اشتراكيا ويقدمون خدمات أمنية لها، كل ما يحتاجون إليه، فالسكن مجاني وكذلك الطعام وغيرها من الضروريات، الأمر الذي ساهم في تفرغهم للدراسة، وتحقيق نتائج جيدة، وخاصة الذين كانوا نابغين في دراستهم ببلدهم.
وقال سعيد أحمد (طبيب) لـ«الشرق الأوسط» كانت الحياة سهلة قبل تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار يوغوسلافيا، كان السكن مجانا وكذلك الطعام ولم تكن هناك رسوم للدراسة كما هو الحال الآن» ويعمل سعيد الآن في احد المستشفيات، ورغم أن راتبه بالكاد يكفي متطلبات المعيشة إلا إنه راض عن حياته «أهم شيء هو أني حققت حلمي في الحصول على الشهادة، وأستطيع أن أنفق على زوجتي وأولادي»، وهو غير مستعد للخروج من مقدونيا للعمل في بلد ثان، بسبب ارتباطاته العائلية، لكنه أشار إلى أن أطباء عرب ولا سيما من البوسنة سافروا بعد الحرب إلى دول أخرى للعمل ومن ذلك دول الخليج في إطار بعثات طبية في إطار اتفاق بين بعض تلك الدول والحكومة البوسنية.
كما هنالك من هاجر من البوسنة بعد التخرج إلى دول أوروبية ولا سيما العراقيون منهم. ومن الامثلة الناجحة وخاصة في مجال الطب نجد عددا من الكوادر المهمة التي تعتبر من أشهر الاطباء في المنطقة مثل الطبيب الجراح يوسف حجير، الذي ظل طوال الحرب على البوسنة في سراييفو وساهم في تقديم العلاج للمصابين بفعل القذائف والصواريخ التي كان يطلقها الصرب على المدنيين في سراييفو وغيرها من المدن. والدكتور حجير هو أشهر من نار على علم في البوسنة، الجميع يعرفه ويقدر الخدمات التي قدمها ويقدمها للشعب البوسني، وقصته مع الدراسة والتخرج تحتاج لموضوع خاص. ومن الأطباء الذين عادوا لبلادهم بعد التخرج وهم كثيرون منهم الدكتور أحمد المصري (من سورية) فبعد سنوات من القحط التي عاشها في البوسنة، قرر العودة إلى بلده، وكانت «الشرق الاوسط» قد التقته قبل سفره حيث ذكر بأنه يريد أن يعيش حياة الطبيب، ولا يريد أن يعيش فقيرا رغم حصوله على شهادة جامعية «لا يمكنني بعد اليوم أن أضطر لاقتراض 50 ماركا (25 يورو تقريبا) لشراء تذكرة حافلة من سراييفو إلى بلغراد»، واضاف «لقد قلت هذا لزوجتي وأبنائي وكل من طلب مني البقاء في البوسنة».
ومن بين الخريجين العرب من يعمل في غير التخصص الذي درسه في الجامعة، فنجد بعض المهندسين والأطباء يعملون في مجالات أخرى، كمترجم لدى بعض السفارات، أو طابع على الحاسب الآلي، وهم يخجلون من ذلك، ولكن ظروف المعيشة اضطرتهم إلى ذلك العمل، وقال (س. م) «إذا عملت بتخصصي، وهذا في حالة العثور على وظيفة فإن راتبي لا يكفيني، كل شيء قادم من الخارج إلى هذه المنطقة، فمثلا البنطلون القادم من ايطاليا لا يعرض بأسعار إيطالية فحسب بل يزيد عليه رسوم الجمارك والارباح والضرائب المرتفعة فيشتريه المواطن والمقيم هنا بأضعاف سعره في أي بلد أوروبي آخر وهذا ينطبق على المواد الغذائية وكل شيء تقريبا «. أما (إ. ر) وهو من الجزائر وقد أنهى دراسة الاتصالات السلكية واللاسلكية في يوغسلافيا السابقة فيسرد قصته ل»الشرق الاوسط» على النحو التالي» قدمت من الجزائر على نفقة الحكومة للدراسة الاتصالات، وبعد التخرج لم أعثر على أي عمل، وحتى الآن احاول أن أعمل في المجال الذي تخصصت فيه دون جدوى»، ويضيف «تعرضت للكثير من القصص لا سيما وإني متزوج ولي أبناء، وبعد جهد جهيد تمكنت من العمل لدى بعض المؤسسات الخيرية، ولكن سرعان ما جاءت أحداث 11 سبتمبر لتؤثر على عملها وينعكس ذلك سلبا على العاملين فيها».
العرب الذين يعملون في مجالات لا علاقة لهم بتخصصاتهم كثيرون، فمنهم الطبيب الذي فتح له مقهى أو محل لبيع المرطبات، والمهندس الذي يبيع الفلافل، والصيدلي الذي يعمل في مجال التعليم، وخريج العلوم السياسية الذي يعمل في حظيرة لتربية الابقار، بينما الاطباء البيطريون سرعان ما وجدوا عملا في المؤسسات الدولية بالخارج فتركوا البلاد حيث الراتب باليورو والدولار. لقد أثرت الحرب التي شهدتها يوغوسلافيا السابقة على الطلبة العرب والخريجين منهم على حد سواء، فالخريجون إما رضوا بالعمل بدون راتب أو تركوا البلاد، أما بعض الطلبة ولا سيما بعد توقف الدراسة فقد عملوا كمترجمين لدى المؤسسات الخيرية، حيث أن اللغة المحلية لا ينطقها سوى أهلها أو الدارسون في جامعاتها من الاجانب، وقد ساهم حصولهم على المال، ويأسهم من الحصول على شهادات نظرا لصعوبة الدراسة كما يقولون في الركون لوضعهم الجديد، مما فاقم من مشاكلهم الذاتية، وجعلهم يفضلون البقاء في البلقان على العودة لبلادهم صفر الأيدي،وبدون شهادات جامعية يرفعون بها رؤس اهاليهم كما يقول بعضهم أمام الآخرين.
ومن الطلبة من انخرط في القتال إلى جانب البوشناق أو الصرب أو الكروات وفق انتماءه الايديولوجي، ووجد نفسه بعد الحرب وحيدا بدون أي مساعدة تذكر فعاد البعض لبلدانهم بشهادة مقاتل وبعضهم حظوا باستقبال رسمي كبير كبعض السواديين، وبقي الآخرون حيث انتهى بهم المطاف في البوسنة وصربيا وكرواتيا ومقدونيا وألبانيا ورمانيا وبلغاريا والمجر والجبل الاسود وكوسوفو وغيرها من دول البلقان وأوربا الشرقية. ومن الطلبة العرب الذين الذين انقطعت بهم السبل وفشلوا في دراستهم من توجه إلى التمثيل، ولعب ادوار كوميدية تجعل المتفرجين يسخرون من غباوته، مثل عادل ابوراس الذي يتقمص دور، أنتي، في برنامج فوكاهي كرواتي، فعادل أبو راس فشل في دراسته، لكن زواجه من كرواتية أعاده للحياة الاجتماعية من باب التمثيل حيث توسطت له للعمل مع فرقة تمثيل، واصبح عادل حتى وهو في الشارع يلقب بـ«أنتي» وقد ظن بأن لا أحد من العرب قد علم بما يقوم به، وعندما سأله أحدهم عن ذلك، بدا الغضب على وجهه «إذا قلت لأحد بأني أقوم بالتمثيل وبأنهم ينادونني بأنتي فسوف أخرجك من هذه البلاد» ورغم أن عادل ابو راس قد عمل مع مؤسسة خيرية إلا إنه ظل يعمل في التمثيل، حيث أغلقت المؤسسة وبقي عادل «أنتي». صورة أخرى يمثلها تونسي يدعى علي يوجز مشكلته بعبارة بالغة «الحلم لا يكلف شيئا ولكن السفر شاق والعودة مقبرة».
كان كغيره ممن لم ينهوا دراستهم عندما اندلعت الحرب في يوغوسلافيا السابقة، وفي إثناء الحرب وبعدها صدرت قوانين جديدة تفرض على الطلبة الأجانب دفع رسوم الدراسة والمبيت والتكفل بطعامهم» الأموال التي كانت بحوزتي أنفقتها على إيجار غرفة صغيرة، وبدل أن أرسل الأموال لأسرتي الفقيرة التي عالتني لسنوات طويلة حتى أنهي الجامعة وأساعد في تربية أشقائي وشقيقاتي الذين بقوا في الوطن كانت أسرتي تضطر من حين لحين ان ترسل إلي دولارات أميركية تشتريها من السوق السوداء في تونس حتى تتيح لي مواصلة رحلتي وحلمي أيضا».
وبألم قال «ما أغرب مصير الطالب الذي يغادر بلده قاصدا كان ما يظنه دائما الخلاص، ينفق والداه طوال حياتهما الغالي والنفيس على أمل رؤيته وقد رتب حياته بعد انتهاء دراسته، له عمل مرموق ويقيم في منزل فخم يشيده إلى جوار بيتهما وقد تزوج بامرأة صالحة تسهر على رعايته»، واضاف علي «يقضي الوالدان حياتهما وهما يرددان قولة واحدة كن رجلا يا ولدي. كن رجلا وحتى أحقق حلمهما اخترت المنفى حتى أبلغ الهدف هدفهما وهدفي وهدف مجتمع بأكمله لن يتسامح معي ولن يغفر لي الفشل». ولكن غالبا ما يتعذر على الطالب أن يصبح على الفور الرجل الذي يتطلع إليه والداه ويظل عبئا عليهما حتى وهو بعيد». أجيال بأكملها من الشباب ضلت طريقها على هذا النحو ولم تجرؤ مطلقا على العودة إلى أرض الوطن حتى لا يعتبروا فاشلين في نظر المجتمع». وظلت تعليقات من بقوا في البيت مضطجعين على آرائكهم مصدر عذاب وقلق دائمين لاولئك الذين قطعوا البحار والفيافي لتحقيق أحلامهم في العيش بمستوى أرقى من أوضاعهم المزرية. ويذكر علي «حاولت أكثر من مرة تجاهل تلك التعليقات وقلت بيني وبين نفسي إنهم لا يعرفون قسوة وصعوبة حياة الطالب».
سراييفو: عبد الباقي خليفة
جاؤوا جميعا إلى دول شرق أوروبا يحملون بين جوانحهم أمل الحصول على الشهادة الجامعية في الطب والهندسة بمختلف تخصصاتهما، والطيران والعلوم السياسية، وغير ذلك من التخصصات، فمنهم من حقق حلمه وعاد لوطنه،أو استقر في البلد الذي تخرج فيه وتزوج منه، ومنهم من حبسه حابس التحصيل المعرفي والعلمي، لأسباب مادية أو ذاتية أو أسباب ثانية أوقفت مشروع الدراسة، وجعلته ينخرط في أعمال أخرى، لتأخذ حياته مسارا غير المسار الذي حلم به قبل وبعد أن وطأت قدماه أرض الغربة. وقد تمكنت «الشرق الأوسط» من الالتقاء بعدد من العرب الذين يمثلون الصنفين لتلقي بعض الضوء على جوانب من حياتهم في منطقة البلقان، من الناجحين والفاشلين على حد سواء.
أغلب الطلبة العرب الذين درسوا في جامعات البلقان من الدول التي كانت مقربة من المعسكر الاشتراكي، مثل سورية، وفلسطين، والعراق، والجزائر، وليبيا، والسودان، وقل ما يعثر المرء على طلبة من تونس أو مصر أو المغرب أو دول الخليج، حيث كانت العلاقات بين الدول أو الكتل تساهم في إقدام مواطنيها من الطلبة على مواصلة دراستهم في هذا البلد أو ذاك. كانت الحياة ممتازة وفق روايات الطلبة الذين عاصروا فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينات والثمانيات. ففي تلك الفترة كانت الدول الاشتراكية توفر للطلبة الأجانب، ولا سيما الذين يظهرون ميولا اشتراكيا ويقدمون خدمات أمنية لها، كل ما يحتاجون إليه، فالسكن مجاني وكذلك الطعام وغيرها من الضروريات، الأمر الذي ساهم في تفرغهم للدراسة، وتحقيق نتائج جيدة، وخاصة الذين كانوا نابغين في دراستهم ببلدهم.
وقال سعيد أحمد (طبيب) لـ«الشرق الأوسط» كانت الحياة سهلة قبل تفكك المعسكر الاشتراكي وانهيار يوغوسلافيا، كان السكن مجانا وكذلك الطعام ولم تكن هناك رسوم للدراسة كما هو الحال الآن» ويعمل سعيد الآن في احد المستشفيات، ورغم أن راتبه بالكاد يكفي متطلبات المعيشة إلا إنه راض عن حياته «أهم شيء هو أني حققت حلمي في الحصول على الشهادة، وأستطيع أن أنفق على زوجتي وأولادي»، وهو غير مستعد للخروج من مقدونيا للعمل في بلد ثان، بسبب ارتباطاته العائلية، لكنه أشار إلى أن أطباء عرب ولا سيما من البوسنة سافروا بعد الحرب إلى دول أخرى للعمل ومن ذلك دول الخليج في إطار بعثات طبية في إطار اتفاق بين بعض تلك الدول والحكومة البوسنية.
كما هنالك من هاجر من البوسنة بعد التخرج إلى دول أوروبية ولا سيما العراقيون منهم. ومن الامثلة الناجحة وخاصة في مجال الطب نجد عددا من الكوادر المهمة التي تعتبر من أشهر الاطباء في المنطقة مثل الطبيب الجراح يوسف حجير، الذي ظل طوال الحرب على البوسنة في سراييفو وساهم في تقديم العلاج للمصابين بفعل القذائف والصواريخ التي كان يطلقها الصرب على المدنيين في سراييفو وغيرها من المدن. والدكتور حجير هو أشهر من نار على علم في البوسنة، الجميع يعرفه ويقدر الخدمات التي قدمها ويقدمها للشعب البوسني، وقصته مع الدراسة والتخرج تحتاج لموضوع خاص. ومن الأطباء الذين عادوا لبلادهم بعد التخرج وهم كثيرون منهم الدكتور أحمد المصري (من سورية) فبعد سنوات من القحط التي عاشها في البوسنة، قرر العودة إلى بلده، وكانت «الشرق الاوسط» قد التقته قبل سفره حيث ذكر بأنه يريد أن يعيش حياة الطبيب، ولا يريد أن يعيش فقيرا رغم حصوله على شهادة جامعية «لا يمكنني بعد اليوم أن أضطر لاقتراض 50 ماركا (25 يورو تقريبا) لشراء تذكرة حافلة من سراييفو إلى بلغراد»، واضاف «لقد قلت هذا لزوجتي وأبنائي وكل من طلب مني البقاء في البوسنة».
ومن بين الخريجين العرب من يعمل في غير التخصص الذي درسه في الجامعة، فنجد بعض المهندسين والأطباء يعملون في مجالات أخرى، كمترجم لدى بعض السفارات، أو طابع على الحاسب الآلي، وهم يخجلون من ذلك، ولكن ظروف المعيشة اضطرتهم إلى ذلك العمل، وقال (س. م) «إذا عملت بتخصصي، وهذا في حالة العثور على وظيفة فإن راتبي لا يكفيني، كل شيء قادم من الخارج إلى هذه المنطقة، فمثلا البنطلون القادم من ايطاليا لا يعرض بأسعار إيطالية فحسب بل يزيد عليه رسوم الجمارك والارباح والضرائب المرتفعة فيشتريه المواطن والمقيم هنا بأضعاف سعره في أي بلد أوروبي آخر وهذا ينطبق على المواد الغذائية وكل شيء تقريبا «. أما (إ. ر) وهو من الجزائر وقد أنهى دراسة الاتصالات السلكية واللاسلكية في يوغسلافيا السابقة فيسرد قصته ل»الشرق الاوسط» على النحو التالي» قدمت من الجزائر على نفقة الحكومة للدراسة الاتصالات، وبعد التخرج لم أعثر على أي عمل، وحتى الآن احاول أن أعمل في المجال الذي تخصصت فيه دون جدوى»، ويضيف «تعرضت للكثير من القصص لا سيما وإني متزوج ولي أبناء، وبعد جهد جهيد تمكنت من العمل لدى بعض المؤسسات الخيرية، ولكن سرعان ما جاءت أحداث 11 سبتمبر لتؤثر على عملها وينعكس ذلك سلبا على العاملين فيها».
العرب الذين يعملون في مجالات لا علاقة لهم بتخصصاتهم كثيرون، فمنهم الطبيب الذي فتح له مقهى أو محل لبيع المرطبات، والمهندس الذي يبيع الفلافل، والصيدلي الذي يعمل في مجال التعليم، وخريج العلوم السياسية الذي يعمل في حظيرة لتربية الابقار، بينما الاطباء البيطريون سرعان ما وجدوا عملا في المؤسسات الدولية بالخارج فتركوا البلاد حيث الراتب باليورو والدولار. لقد أثرت الحرب التي شهدتها يوغوسلافيا السابقة على الطلبة العرب والخريجين منهم على حد سواء، فالخريجون إما رضوا بالعمل بدون راتب أو تركوا البلاد، أما بعض الطلبة ولا سيما بعد توقف الدراسة فقد عملوا كمترجمين لدى المؤسسات الخيرية، حيث أن اللغة المحلية لا ينطقها سوى أهلها أو الدارسون في جامعاتها من الاجانب، وقد ساهم حصولهم على المال، ويأسهم من الحصول على شهادات نظرا لصعوبة الدراسة كما يقولون في الركون لوضعهم الجديد، مما فاقم من مشاكلهم الذاتية، وجعلهم يفضلون البقاء في البلقان على العودة لبلادهم صفر الأيدي،وبدون شهادات جامعية يرفعون بها رؤس اهاليهم كما يقول بعضهم أمام الآخرين.
ومن الطلبة من انخرط في القتال إلى جانب البوشناق أو الصرب أو الكروات وفق انتماءه الايديولوجي، ووجد نفسه بعد الحرب وحيدا بدون أي مساعدة تذكر فعاد البعض لبلدانهم بشهادة مقاتل وبعضهم حظوا باستقبال رسمي كبير كبعض السواديين، وبقي الآخرون حيث انتهى بهم المطاف في البوسنة وصربيا وكرواتيا ومقدونيا وألبانيا ورمانيا وبلغاريا والمجر والجبل الاسود وكوسوفو وغيرها من دول البلقان وأوربا الشرقية. ومن الطلبة العرب الذين الذين انقطعت بهم السبل وفشلوا في دراستهم من توجه إلى التمثيل، ولعب ادوار كوميدية تجعل المتفرجين يسخرون من غباوته، مثل عادل ابوراس الذي يتقمص دور، أنتي، في برنامج فوكاهي كرواتي، فعادل أبو راس فشل في دراسته، لكن زواجه من كرواتية أعاده للحياة الاجتماعية من باب التمثيل حيث توسطت له للعمل مع فرقة تمثيل، واصبح عادل حتى وهو في الشارع يلقب بـ«أنتي» وقد ظن بأن لا أحد من العرب قد علم بما يقوم به، وعندما سأله أحدهم عن ذلك، بدا الغضب على وجهه «إذا قلت لأحد بأني أقوم بالتمثيل وبأنهم ينادونني بأنتي فسوف أخرجك من هذه البلاد» ورغم أن عادل ابو راس قد عمل مع مؤسسة خيرية إلا إنه ظل يعمل في التمثيل، حيث أغلقت المؤسسة وبقي عادل «أنتي». صورة أخرى يمثلها تونسي يدعى علي يوجز مشكلته بعبارة بالغة «الحلم لا يكلف شيئا ولكن السفر شاق والعودة مقبرة».
كان كغيره ممن لم ينهوا دراستهم عندما اندلعت الحرب في يوغوسلافيا السابقة، وفي إثناء الحرب وبعدها صدرت قوانين جديدة تفرض على الطلبة الأجانب دفع رسوم الدراسة والمبيت والتكفل بطعامهم» الأموال التي كانت بحوزتي أنفقتها على إيجار غرفة صغيرة، وبدل أن أرسل الأموال لأسرتي الفقيرة التي عالتني لسنوات طويلة حتى أنهي الجامعة وأساعد في تربية أشقائي وشقيقاتي الذين بقوا في الوطن كانت أسرتي تضطر من حين لحين ان ترسل إلي دولارات أميركية تشتريها من السوق السوداء في تونس حتى تتيح لي مواصلة رحلتي وحلمي أيضا».
وبألم قال «ما أغرب مصير الطالب الذي يغادر بلده قاصدا كان ما يظنه دائما الخلاص، ينفق والداه طوال حياتهما الغالي والنفيس على أمل رؤيته وقد رتب حياته بعد انتهاء دراسته، له عمل مرموق ويقيم في منزل فخم يشيده إلى جوار بيتهما وقد تزوج بامرأة صالحة تسهر على رعايته»، واضاف علي «يقضي الوالدان حياتهما وهما يرددان قولة واحدة كن رجلا يا ولدي. كن رجلا وحتى أحقق حلمهما اخترت المنفى حتى أبلغ الهدف هدفهما وهدفي وهدف مجتمع بأكمله لن يتسامح معي ولن يغفر لي الفشل». ولكن غالبا ما يتعذر على الطالب أن يصبح على الفور الرجل الذي يتطلع إليه والداه ويظل عبئا عليهما حتى وهو بعيد». أجيال بأكملها من الشباب ضلت طريقها على هذا النحو ولم تجرؤ مطلقا على العودة إلى أرض الوطن حتى لا يعتبروا فاشلين في نظر المجتمع». وظلت تعليقات من بقوا في البيت مضطجعين على آرائكهم مصدر عذاب وقلق دائمين لاولئك الذين قطعوا البحار والفيافي لتحقيق أحلامهم في العيش بمستوى أرقى من أوضاعهم المزرية. ويذكر علي «حاولت أكثر من مرة تجاهل تلك التعليقات وقلت بيني وبين نفسي إنهم لا يعرفون قسوة وصعوبة حياة الطالب».