المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسود في الخطابات ونعام في المواجهات



زوربا
07-29-2006, 02:06 PM
بقلم: عادل فهد الطخيم


يحكى أن حصانا وقع يوما في بئر عميقة، ولكنها كانت جافة وراح يصهل عاليا من شدة ألم السقوط فانتبه له اصحابه الذين صدمتهم الحادثة فوقفوا عاجزين عن انقاذه وانتشاله من قاع البئر. وبعد تفكير لم يدم طويلا توصلوا واقتنعوا لتبرير عجزهم وقلة حيلتهم، بأن الحصان قد اصبح عجوزا وكان يفسد الحرث اكثر مما يصلحه، وأن كلفة استخراجه ستكون باهظة واكبر بكثير من شراء حصان آخر يافع يمكن الاعتماد عليه ولا يفسد، علاوة على ان البئر كانت جافة وينبغي ردمها على اي حال. فتنادى اصحاب الحصان بل طلبوا مساعدة بعض اصدقائهم لردم البئر والحصان معا لينتهوا من المشكلتين في آن واحد (ردم بئر جافة ودفن حصان مزعج). وهكذا فقد شرع الجميع بالمعاول والجواريف على رمي الاتربة والنفايات في البئر.

ادرك الحصان حقيقة ما يدبر له وراح يصهل عاليا، ولكن هذه المرة ليس من ألم السقوط بل حزنا واسى حينما ظن في بادئ الامر انهم سيهبون لمساعدته لا دفنه والتخلص منه، وبعد مرور بعض الوقت لاحظ القوم ان الحصان قد سكت عن الصهيل مما اثار دهشتهم ودفع فضولهم فنظروا الى داخل البئر فوجدوا ان الحصان منهمك في هز ظهره كلما سقطت عليه الاتربة والنفايات فيريها على الارض ليرتفع مستواها ويرتفع هو بدوره خطوة الى الاعلى. استمرت الحال على ذلك النحو حتى اقترب من سطح الارض ووثب وثبة بسيطة وخرج.

منذ بدء الغزو الاسرائيلي البربري للبنان وانا احاول ضبط وقع انفعالاتي ومشاعري طيلة اسبوعين كاملين، ولكن عبثا فالانفعالات كانت تتدافع والمشاعر تتزاحم وتتسابق حتى احسست بأني قد فقدت قدرتي على التعبير وبماذا ابدأ. وقد تلحلحت الامور معي بالنهاية وعثرت على ضالتي في قصة الحصان الذكي السالفة الذكر. لم اكن يوما من انصار او مؤيدي منظمة 'حزب الله' لاسباب عدة ليس هذا مقام بيانها، ولكن جبروت اليهود وطغيانهم على الاشقاء في لبنان وما انزلوه بهم من عقاب تدميري لكل مقوماته بسبب جنديين كان من الممكن ان يفطسا بحادث سير عادي هو ما حرر قيد يدي.
* * *
عندما أمم جمال عبدالناصر قناة السويس وصف بأنه أحمق مغامر، ولم يحسب عواقب فعلته ثم اصبحت القناة من أهم الموارد الاقتصادية والقومية لمصر. واليوم يوصف حسن نصر الله بالحمق والمغامرة لم يحسب عواقب فعلته ونتائجها، علما بأن الرجل قد اقر واعترف في مقابلاته فلم يكن يتوقع مثل هذا الرد التدميري، وان المسألة مخطط لها سلفا ولا يوجد عاقل كان يتوقع مثل ذلك الرد الكارثي. واكاد اجزم بأنه لو كان نصر الله يعلم ذلك لما اقدم على مغامرته او على الاقل لتغيرت حساباته وتجهيزاته، وهذا ما يفسر تحول بعض الدول العربية عن مواقفها السابقة المعلنة من 'حزب الله' بعدما تبين لها غدر اليهود وسوء نيتهم.

منذ اشتعال فتيل الحرب بين 'حزب الله' واسرائيل وانا اقول لمن هم حولي بان ثمة احساسا لدي بان هذه المرة ليست كسابقاتها، وان ثمة واقعا جديدا يفرض نفسه ويتشكل ايجابا على واقع المنطقة جغرافيا وتاريخيا تصديقا لقول الله عز وجل 'فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا والله يعلم وانتم لا تعلمون'.

مما لا شك فيه انه وفي ميزان حسابات القوة والتفوق العسكري فالكفة هي لاسرائيل، ولكن في ميزان حسابات النتائج فهو لصالح 'حزب الله' او المقاومة اللبنانية التي لم تعد مقاومة اسلامية فقط بعد انضمام اطراف اخرى من المسيحيين والدروز والسنة دون الاعلان عنها خشية امتداد القصف الصهيوني لمناطق لبنانية آمنة حتى الان، رغم الانحياز السياسي والعسكري الاميركي السافر لإسرائيل.
مما تكشف من حقائق ان اسرائيل قد دبرت وخططت لعدوانها بليل بعلم ومباركة ودعم سياسي وعسكري اميركي منذ عامين تقريبا، ولكن كل ما فعله 'حزب الله' هو انه قد عجل به وابطل عنصر المفاجأة فيه من دون ان يعلم، فقد تم التخطيط للهجوم ليكون مباغتا وبشكل واسع يفقد 'حزب الله' القدرة على الرد بحيث تندفع القوات الاسرائيلية بشكل سريع ومفاجئ الى داخل الجنوب اللبناني منطلقة من مناورات تقوم بها على الحدود.

كذلك يبدو ان مؤتمر روما قد اعد له هو الاخر سلفا وضمن المخطط ذاته بحيث تفرض فيه اسرائيل شروطها، ولكن اختلاف سير العمليات العسكرية عما كان متوقعا، ومفاجأة قوة وتكتيكات 'حزب الله' القتالية احرق تلك الورقة فأنابت عنها اميركا بالشروط المعدة سلفا والتي لا تنطبق والواقع، وفوجئت بانقسام الموقف الدولي وتغير الموقف العربي فأفشلته لاعطاء اسرائيل مزيدا من الوقت لانجاز مهمتها ثم الدعوة له مجددا على امل ان تستطيع اسرائيل تحقيق مكاسب وانجازات تعطيها الافضلية ويمكن التفاوض عليها.

لقد استخدمت اسرائيل جميع ما لديها من ترسانة اسلحتها جوا وبرا وبحرا، واستعانت بقنابل اميركية ذكية اقل ما توصف به انها قنابل ذرية مصغرة بزعم انه متعاقد عليها مسبقا ولم تستطع كسر شوكة المقاومة. وراهنت على إذكاء حرب أهلية تعينها في مهمتها فوحدت اللبنانيين.. ثم راهنت على قوة اميركا في حشد العالم العربي والعالمي الى صفها فتصدع املها بعد ان تحقق لها ذلك في بداية الامر.

لقد خاضت اسرائيل 3 حروب رئيسية مع العرب عام 56 و67 و73 ولم تتمكن دولة عربية من ضرب عمقها والنيل منها كما فعل 'حزب الله' او المقاومة اللبنانية التي كسرت ذلك الحاجز النفسي الضارب في قلوب جيوشنا وانظمتنا، فأثبتت لنا هشاشة اسطورة الجيش العالمي الثالث. فاذا كان ذلك ما فعلته مقاومة ضعيفة التجهيز وقليلة العدة والعدد وبصواريخ بتوجيه ذاتي فكيف ستكون الحال لو ان جيشا عربيا نظاميا كالجيش السوري قد دخل الحرب ولو بمنظمته الصاروخية الاكثر تطورا وفاعلية من صواريخ المقاومة اللبنانية؟ وبمناسبة الجيش السوري فقد اضحكني تحذيرهم الرهيب لاسرائيل بانها ستدخل الحرب إذا اقتربت قواتها 20 كلم من الحدود. اي كأنها تقول افعلوا ما يحلو لكم في لبنان ولكن خلف 20 كلم وكأن الجولان ليس حدودا سورية مبتلعة من اسرائيل ولا يفصلها عنها سوى امتار وليس كيلومترات. التحذير السوري يذكرني باغنية مشهورة للفنان اللبناني الراحل فيلمون وهبي تقول: 'خربت عمرت طلعت نزلت حايدة عن ظهري بسيطة'.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها واحفظ اللهم الكويت آمنة مطمئنة وارزقها من الثمرات انت ولينا والقادر عليه.


عادل فهد الطخيم