المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرض العصر : التبرم وتلون المزاج



مراقب
09-29-2003, 12:12 AM
ان للناس سبلا ثلاثة فى مواجهتهم لاية ازمة نفسية .. فالاول - وهو الشائع منها - فهوالاستسلام وعدم التحرك لمعرفة الاسباب وعلاجها ، وبالتالى فهم يعيشون حالة من التاقلم مع الازمة على مضض ، ومن الطبيعى ان يصل الامر فى بعض الحالات الى حالة الانهيار، عندما لا تقاوم سدود النفس تلك الامواج العاتية .. والثانى! : فهى محاولة التظاهر بانه لا مشكلة فى البين ، ومن ثم المبالغة فى اقتناء الملذات والانغماس فى الشهوات ، ومنها الادمان على الممنوعات ، كل ذلك لكى ينسى الفرد ما هو فيه .. والقسم الثالث : هو البحث عن الجذور ، والاعتقاد بن الحل هو فى القضاء على الازمة لا فى تجاهلها .


ان من الامراض الشائعه والتى من الممكن القول بانه لا يخلو منه فرد - وان حاول البعض المكابرة وانكار ما هو فيه - الا وهى حالة التبرم والضيق وعدم الاحسا س بالانبساط النفسي ، ومن الطبيعة ان تنعكس هذه الحالة حتى على البدن .. وليس من البعيد ان يشير القران الى هذه الحقيقة من خلال التعبير بـ { يصعد فى السماء } لوضوح انه كلما ارتفعنا فى طبقات الجو العليا ، كلما صعبت علينا عملية التنفس .. وعليه فان الازمة لا تكون سببا لفوات المنافع الاخروية فحسب ، بل سببا لمعيشة الضنك التى تنتظ! ر المعرضين عن ذكر الله تعالى .



ان الحياة الدنيا فى واقعها ضيقة جدا ، فان حدودها المادية تجعل التحرك فيها محدودا ، اذ المجال غير مفتوح لان يحقق الانسان كل طموحاته فى الحياة الدنيا ، ومن هنا يبتلى بنكسة بعد اخرى عندما يخسر رغبة من رغباته ، اضف الى ان طبيعة المتاع الدنيوى سرعان ما توجب الملل ، لانه لا تجدد فيه ، وهذا هو الذى يعترف به المتوغلون فى عالم الاستمتاع الجسدى ، عندما يستنفدون كل الوان المتع، ويصلون الى طريق مسدود فى الحياة ، فانهم يعيشون حالة من الارتداد على انفسهم ، والتبرم من واقعهم الى درجة يقدم احدهم على انهاء حياته ، عندما لا يجد مبررا للاستمرار فى ذلك .


ان الله تعالى يدعونا الى الحياة السعيدة من خلال ما رسمه لنا من خطة الحياة ، فاذا راى عبده عاكفا على طاعته ، فانه سيمنحه تلك المنحة النادرة الت! ى لا يصل اليها احد من عشاق الهوى : الا وهو شرح الصدر ، والذى اذا وصل اليه العبد ، فانه سيرى كل ما فى الوجود - الى جنبه تعالى - صغيرا وان كبر عند الناس ، اذ انه ليس هناك شيئ فى عالم الوجود يستحق الالتفات اليه باستقلال ، اذ ازمة الامور طرا بيده ، والكل مستمدة من مدده .. اوهل يا ترى من الممكن ان يستسلم من يعيش هذه الحالة من الترفع الباطنى ، لازمة من الازمات ، وهو يعتقد ان الكاشف عن كربه ، هو من بيده مقاليد السموات والارض ؟!



ان من آثار انشراح الصدر هو: الاحساس بحالة التمدد فى خط الوجود ، بحيث يرى كل شيئ بمنظار الوقوع فى خط الابدية .. فكل ايجاب - عاقبته السلب فى خط الزمن المستوعب للبرزخ والقيامة - لا يمكن ان يعد ايجابا بل هوعين السلب .. فان من الغباء بمكان ، ان يكدس الانسان موجبات الشقاء الابدى فى الحياة الخالدة ، مقابل سويعات من الانس المحرم ، وهو يعلم بفنائية اللذة وبقائية التبعة !! .. ومن هنا ن! عتقد ان تذكر الموقف المخجل مع رب العالمين حينما يقول : { اخسئوا فيها ولا تكلمون } لهو نعم الرادع فى هذا المجال ، عند الهم بارتكاب المعصية .



عندما سئل النبى (ص) عن شرح الصدر فانه لم يذكر الاسباب الموجبة لذلك من جهة العبد ، فان سعى العبد - مهما كان جادا - فانه لا يثمر هذه الثمرة الغالية ، والتى هى من نفائس هذا الوجود ، وانما يحيل الامر الى هبات الواهب المنان، وذلك حينما عبر عنه قائلا : ( نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فيشرح صدره وينفسح )... فتامل فى كلمة ( النور) الدالة على ان هذه الاداة يرفع التحير من حياة الانسان ، ذلك التحير الذى يقض مضاجع اغلب الخلق ، فانهم لا يعلمون الى اين يسيرون بشكل واضح ، لا فى دنياهم ولا فى اخرتهم !! .. وتامل فى كلمة ( يقذفه ) الدالة على الامر الهى لا بد وان يتحقق من جانب المولى ، وذلك حينما يرى قابلية فى نفس عبده المؤمن ، لتلقى هذا الفيض الربوبى .



ان من بركات شرح الصدر ايضا هو : توفيق العبد لان يكون مرشحا فى دائرة الدعوة الى الله تعالى ، فان شرف دلالة العبيد على الله تعالى شرف عظيم .. ومن المعروف ان من اراد ان ياخذ المولى بيده ، فليحاول الاخذ بايدي العباد من التائهين عن طريق العبودية ، فان معظم التسديد ياتى فى عالم توسعه اثار الشريعه فى نفوس العباد ، وتحكيم قواعد الحاكمية فى البلاد .. ومن هنا طلب الكليم (ع) من ربه ان يمنحه شرح الصدر قبل ان يتوجه الى فرعون ، رغم ما اوتى من الايات الباهرة .



ومن الاثار المهمة لشرح الصدر والتى يعشقها الكثيرون هى : حالة المحبوبية فى نفوس الخلق ، فان منشرح الصدر موجود لطيف رقيق ، لا يخرج عن طوره ، بل يعيد الخارجون عن اطوارهم الى نصابهم .. ومن هنا صاروا مصدر خير فى الارض ، كما ذكر القران الكريم بالنسبة الى المسيح ، حينما ذكر نعمة الله تعالى عليه قائلا : { وجعلنى مباركا اينما كنت } .. اننا ندعو الذين يريدون محبة الخلق - وخاص! ة الذين يشتكون من جفاء الخلق وخاصة فى الحياة الاسرية - الى التامل فى هذه الاية : { ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا }.. ولنتساءل اخيرا : ما قيمة ذلك الود الذى ياتى من غير هذا السبيل ؟!.. وهل المتوادون هذه الايام اوفياء لهذا الود ؟!.. ولو كانوا اوفياء ، فان احدهم يرى لوعة الفراق امام عينه فى الدنيا قبل الاخرة !! .. واما فى الاخرة ، فهل تدع اهوال القيامة لبا لذى لب ، كي يفكر فيمن كان يهواه قبل دهور غابرة ؟!.

ملخص خطبة الجمعة للشيخ حبيب الكاظمي