مرتاح
07-11-2006, 04:42 PM
الشرق الاوسط تقضي يوما كاملا في «واشنطن بوست»
واشنطن: محمد علي صالح
لم توافق جريدة «واشنطن بوست» على أن تقضي جريدة «الشرق الأوسط» يوما في «غرفة الاخبار»، إلا بعد اربعة شهور من تقديم الطلب. اعتذرت كيت كارلايل، مديرة «خدمة أخبار واشنطن بوست»، التي تملك «الشرق الأوسط» حق نشرها باللغة العربية، والتي رتبت الزيارة، وقالت ان ترتيب الزيارة لم يكن سهلا، وذلك لأن ليونارد داوني، مدير التحرير التنفيذي (رئيس تحرير الصحيفة)، كان لا بد أن يوافق، وأن يكلف شخصا يشرف على الزيارة. كلف داوني، مسؤولة الأخبار المستمرة، لكسي فيردون، التي قالت انه لم يحدث ان قضى صحافي من جريدة اخرى يوما كاملا في غرفة اخبار «واشنطن بوست» ليسجل ما يحدث. بالطبع تجول صحافيون وناشرون من مختلف أنحاء العالم، ولكن لساعة أو ساعتين فقط. داوني، بعد أن وافق، كان حريصا على أن يوزع، يوم الزيارة، رسالة «إي ميل» قصيرة لكل العاملين في غرفة الاخبار، بأن صحافيا من «الشرق الأوسط» سيقضي يوما معهم، ويرجوهم أن يقدموا له كل مساعدة ممكنة.
* «غرفة» الأخبار:
يعمل أكثر من ستمائة مخبر، ومحرر، ومعلق، ومصور في «غرفة الاخبار». (تصدر الصحيفة يوميا بخمسة اجزاء مكونة من سبعة ملاحق وصفحات متخصصة، وبعدد صفحات يتراوح ما بين ثمان وستين صفحة الى مائة وثماني صفحات، عدا عن الملاحق المتفرقة حسب ايام الاسبوع. كما تصدر ملاحق موزعة على ايام الاسبوع خاصة بضواحي العاصمة واشنطن. وفي عطلة نهاية الاسبوع تصدر الصحيفة مجلة اسبوعية، وقرابة اثني عشر ملحقا متخصصا، مثل الكتب والتلفزيون). لكن «الغرفة»، في الحقيقة، طابقان من طوابق الجريدة الستة. وينقسم هؤلاء الى اقسام حسب اخبار الجريدة: محلية (ضواحي واشنطن)، ووطنية (على مستوى الولايات المتحدة الاميركية) خارجية، رياضة، اقتصاد، الخ... وحسب الملاحق الاسبوعية: كتب، وصحة، وعقارات، و«آوت لوك» (مثل «حصاد الاسبوع»)، الخ... وهناك قسمان جديدان: «اذاعة واشنطن بوست»، و «واشنطن بوست دوت كوم».
لا يفصل بين الستمائة شخص (في طابقين) غير حواجز قصيرة تجعل الانسان لا يرى زملاءه عندما يجلس، ويراهم عندما يقف. وهناك مكاتب منفصلة (زجاجية) للمسؤولين عن الاقسام (تماما مثل صور المكان في فيلم «رجال الرئيس» الذي صدر قبل ثلاثين سنة تقريبا).
يبدأ توزيع الجريدة في الرابعة صباحا. وتدور المطبعة في منتصف الليل. وينزل آخر خبر في الحادية عشرة. وتجهز كل الصفحات في العاشرة. ويعقد المسؤولون عن الاقسام الاجتماع اليومي الثالث والاخير في السادسة مساء. والاجتماع الثاني في الثانية ظهرا. والاجتماع الاول في العاشرة صباحا. ويدخل اول صحافي غرفة الاخبار في الرابعة صباحا.
* الساعة الرابعة صباحا:
> كانت ديبي ويلغورن، أول صحافية دخلت غرفة الاخبار في ذلك اليوم، في الرابعة صباحا. تعمل في قسم «الاخبار المستمرة» الذي يتابع الاخبار في غياب بقية الصحافيين، ويعد الاخبار لـ«اذاعة واشنطن بوست» و«واشنطن بوست دوت كوم».
استيقظت «ديبي» في الثالثة صباحا، وتركت زوجها وطفليهما (سيجهز الزوج الطفلين للذهاب الى المدرسة)، وستترك المكتب بعد ثماني ساعات، في منتصف النهار، وتعود الى البيت لتنام، حتى يعود الطفلان من المدرسة.
بدأت «ديبي» اليوم بمتابعة الاخبار في التلفزيون، وفي الإنترنت، وراجعت بريدها الإلكتروني توقعا لأخبار أرسلها مراسلون محليون أو خارجيون (يعرفون انها مسؤولة في ذلك الصباح الباكر، ويرسلون نسخة من كل خبر اليها، ونسخة الى اقسامهم).
* بدأت بأول خبرين: الأول محلي: حادث سير كبير على جسر «ويلسون»، على نهر بوتوماك بالقرب من واشنطن، وبداية مشكلة مرور عملاقة مع تدفق العاملين نحو واشنطن من الضواحي.
الثاني، عالمي، من العراق: خطف مسلحون تنكروا في ملابس عسكرية، 56 شخصا في بغداد.
كتبت «ديبي» خبرا من ثلاثمائة كلمة عن الكوبري، اعتمادا على خبر من وكالة «اسوشيتدبرس»، واتصال مع شرطة المرور، وأرسلت نسخة الى «الاذاعة»، وأخرى الى «الموقع».
* الساعة الخامسة صباحا:
> وجاء، في الخامسة صباحا، فرد بارباش. قال انه استيقظ من النوم في الرابعة صباحا. وجد «فرد» خبرا من «اسوشيتدبرس» بأن المحكمة العليا ستنظر في قضية عن التفرقة العنصرية في المدارس العليا. لكن الوقت كان مبكرا للاتصال بمسؤولين للحصول على تعليقات منهم، ولهذا نسب الخبر الى الوكالة، بعد ان اضاف اليه خلفيات عن الموضوع كان كتبها في الجريدة في وقت سابق. وارسل نسخة الى «الاذاعة»، واخرى الى «الموقع».
«فرد» أكبر سنا من «ديبي»، وهو صحافي عريق في الجريدة. كان رئيس القسم الاقتصادي، وكتب عمودا فيه نصائح للمستثمرين، وكان مدير مكتب لندن، وعمل مراسلا في المحكمة العليا. وكتب ثلاثة كتب: «سوق الاوراق المالية» و«استثمار أموالك» و«كتابة الدستور الاميركي». وهو الآن مخبر في قسم الاخبار المستمرة. استغرب لسؤال عن «تخفيض منصبه». وقال انه لا يهتم بحقيقة انه اصبح مخبرا بعد ان كان رئيس قسم، وبعد ان الف ثلاثة كتب. وقال في عفوية: «اريد ان ارتاح قليلا، بعد ان انتهي من تأليف الكتاب الاخير». (كانت الجريدة سمحت له بأن يتفرغ سنة كاملة ليكتبه).
* الساعة السادسة صباحا:
> ذهبت «ديبي»، في السادسة، الى قسم «الاذاعة»، على بعد خطوتين، لمقابلة على الهواء عن حادث الكوبري. كانت اتصلت مع مسؤولين آخرين في قسم المرور، وحصلت على تصريحات منهم، واضافت بعضها الى الخبر، ولهذا كانت ربما الشخص الوحيد في واشنطن الذي يعرف كل جوانب حادث الجسر. ظلت «غرفة الاخبار» هادئة. وجاء عمال نظافة ينظفون المكان. هناك، طبعا، اوراق مبعثرة، وجرائد على الارض. لكن، شكرا للكومبيوتر، لا توجد جرائد كثيرة على الارض بالمقارنة مع منظر «غرفة الاخبار» في فيلم «رجال الرئيس».
علق صحافيون ملصقات ساخرة على مكاتبهم عن مواضيع مختلفة. هناك ملصقة عليها رأس تمثال الحرية في صورة جمجمة. وخريطة عملاقة للمستوطنات الاسرائيلية توضح انها غطت جزءا كبيرا من الضفة. وملصقة ايرانية تقول: «جهان بدون اميركا» (عالم بدون اميركا).
* الساعة السابعة صباحا:
> ذهب «فرد»، في السابعة صباحا، الى قسم الاذاعة لمقابلة على الهواء عن خبر المحكمة العليا. ولأنه كان يعرف كل جوانبه (وكتب كتابا عن الدستور الاميركي)، اجاب اجابات اكثر من كافية على كل الاسئلة التي وجهت له. ظل الصباح هادئا. ماذا لو وقعت كارثة كبرى الآن؟ ماذا اذا وقع هجوم ارهابي؟ او اذا وقع اعصار، مثل كاترينا؟. اجابت «ديبي»: «سنعلن حالة الطوارئ، وسيسرع الصحافيون الى مكاتبهم، وسيجرون اتصالات وهم في طريقهم الى مكاتبهم، لأنهم يعرفون، بحكم اختصاصاتهم، ماذا سيفعلون». قالت ان القسم الاقتصادي سيسأل عن الآثار الاقتصادية، والقسم المحلي سيسأل عن اقرباء في واشنطن لضحايا الاعصار، وهكذا.
* الساعة الثامنة صباحا:
> قدمت نشرة اخبار تلفزيون «سي ان ان»، صورا ومعلومات مفصلة عن سرقة عراقيين لملابس شرطة، وخطفهم 56 شخصا في العراق. لكن لم يظهر حتى الآن اي صحافي من القسم الخارجي.
كان نيلسون هيرنانديز وصالح سيف الدين، مراسلا الجريدة في بغداد، قد أرسلا خبرا مطولا. وفضلت «ديبي» الانتظار حتى يأتي صحافيون من القسم الخارجي. لكنها استعملت جزءا من الخبر «للموقع». ثم، في وقت لاحق، أضافت الى خبر «الموقع» التطورات الاخيرة التي شاهدتها في تلفزيون «سي ان ان».
لم تكتب اسمها على خبر «الموقع». لماذا؟ أجابت: «ولماذا اكتب اسمي؟ انا لم افعل سوى ان اخذت الجزء الاول من خبر مكتب بغداد». ولماذا كتبت اسمها على خبر الجسر؟ اجابت: «لأني تعبت فيه، واتصلت مع اكثر من مسؤول». واستغربت للسؤال عن كتابة الاسماء، وكأن الموضوع لا يحتاج الى سؤال.
الساعة التاسعة صباحا:
> وصلت، في التاسعة صباحا، لكسي فيردون، مسؤولة قسم «الاخبار المستمرة». وظيفتها الرسمية هي: نائبة مساعد مدير التحرير. كانت قبل ذلك مسؤولة عن ملحق «الصحة» الذي يصدر كل يوم ثلاثاء (منفصلا من اربع صفحات)، وعملت في القسم الداخلى، وفي اقسام اخرى.
وهي التي اشرفت على زيارة «الشرق الاوسط» لجريدة «واشنطن بوست».
وصل، بعد «لكسي» بقليل، رئيسها، مدير قسم «الاخبار المستمرة» (في وظيفة مساعد مدير التحرير، ليونارد داوني): راجيف شاندراسيكران (أصله هندي). وهو شاب انضم الى الجريدة قبل عشر سنوات فقط. كان، حتى السنة الماضية، مدير مكتب الجريدة في العراق، وقبلها كان مخبرا في شؤون التكنولوجيا. لكنه لا يعمل الآن في الاخبار المستمرة، رغم انه يجلس في «مكتب زجاجي» (مكتب مدير قسم). والسبب هو انه متفرغ، حتى نهاية السنة، لكتابة كتاب عن الفترة التي قضاها في العراق. (سيكون الكتاب عن القوات الاميركية داخل المنطقة الخضراء في بغداد، بعنوان: «حياة امبريالية داخل مدينة خضراء»).
لهذا، عندما وصل «راجيف» في الصباح، حيا الحاضرين، لكنه لم يسأل عن الاخبار، ودخل مكتبه لمواصلة تأليف كتابه.
وصل بعده بقليل ليونارد دواني، مدير التحرير التنفيذي، وحيا الموجودين من بعيد، وذهب الى مكتبه.
* «لكسي»:
سألت «لكسي» اللذين سبقاها، «ديبي» و«فرد»، عن آخر الاخبار. واشارا الى خبري الجسر والمحكمة العليا. وطالعت «لكسي» قائمة الاخبار المتوقعة اثناء اليوم (كانت اعدتها في اليوم السابق): اولا، سيلقي الرئيس بوش خطابا عن معارضته لزواج المثليين (ستكلف به دانيلا دين). ثانيا، ستنظر المحكمة العليا موضوع التفرقة العنصرية في المدارس العليا (ستطلب من «فرد» متابعته). ثالثا، سيتضح مصير ميشيل ويي، لاعبة كرة المضرب التي ربما ستكون اصغر فتاة (15 سنة) تفوز بالبطولة الاميركية (ستكلف به وليام برانيغين). رابعا، سيصدر مجلس مقاطعة فيرفاكس المجاورة قرارا عن الضرائب (ستكلف به بيل بروبيكر).
* الساعة العاشرة صباحا:
> جاء، في العاشرة، وليام برانيغن (اكثر من 30 سنة مع الجريدة). كان، لسنتين، مخبرا في قسم اخبار الضواحي. وقبل ذلك غطى غزو العراق عندما صاحب القوات الاميركية التي دخلت بغداد. وقضى، قبل ذلك، أكثر من عشر سنوات مديرا لمكاتب الجريدة في المكسيك، وتايلند، والفلبين.
أول عمل طلبته منه رئيسته «لكسي»، هو التقاط الهاتف وكتابة رسالة صوتية من مراسل رياضي كان يغطي منافسات التنس. ملخص الخبر ان «الفتاة المعجزة ميشيل ويي» لم تفز بالبطولة. لم يجد المراسل شخصا في القسم الرياضي، فاتصل بقسم الاخبار المستمرة. وتكفل «وليام» بكتابة الخبر وتحريره، وإرسال نسخ الى «الاذاعة»، و«الموقع»، والقسم الرياضي للاستفادة منه.
لم يكتب «وليام» اسمه على الخبر، واكتفى باسم المراسل الرياضي. لماذا؟ قال انه فعل ذلك لأنه لم يضف اشياء كثيرة الى الخبر. قال: «جمعت معلومات من الوكالات وعملت خلفية للخبر، ولم أستحق نشر اسمي».
لكن اذا كانت الفتاة فازت ببطولة كرة المضرب، كان «وليام» سيشترك في كتابة خبر طويل، رغم انه لا يعمل في القسم الرياضي. وسيحدد رئيس القسم الرياضي كتابة اسمه على الخبر، أو عدم كتابته، حسب حجم إسهامه فيه.
* رؤساء الأقسام:
وصلت دانيلا دين متأخرة ساعتين، لكنها كانت أبلغت رئيستها «لكسي». «دانيلا» كانت مراسلة ومديرة مكاتب في دول كثيرة لفترة قاربت عشرين سنة. ثم عادت الى واشنطن وعملت مخبرة في قسم العقارات (يصدر القسم ملحقا كبيرا منفصلا كل يوم سبت). لم تأت في ذلك اليوم فانيسا وليامز، نائبة «لكسي». وكانت، قبل ذلك، مساعدة مسؤول قسم مدينة واشنطن (متروبوليتان). وهكذا اكتمل عقد الصحافيين في قسم الاخبار المتواصلة. وانشغلوا في إعداد ومراجعة الاخبار السابقة الذكر.
وصلت، في الساعة العاشرة تقريبا، أعداد كبيرة من الصحافيين، ومنهم رؤساء الاقسام. وبدأ هؤلاء من حيث وقف قسم الاخبار المتواصلة: اولا، قرر رئيس القسم الخارجي التركيز على خبر العراق، واتصل مع مكتب بغداد لإرسال مزيد من التطورات.
ثانيا، قرر مسؤول القسم المحلي نشر خبر الجسر، وعلم ان رئيس قسم التصوير أرسل مصورين لالتقاط صور للحادث.
ثالثا، قرر مسؤول القسم الوطني نشر خبر بوش (بدأت «دانيلا» تعمل فيه)، ونشر خبر المحكمة العليا (سيتابعة «فرد»).
رابعا، قرر رئيس القسم الرياضي عدم التركيز على موضوع فتاة التنس (لأنها لم تفز).
* إدارة «لكسي»:
كيف تدير «لكسي» قسمها؟ بداية بكتابة الاسم على الخبر. قالت: «كل شيء يعتمد على إسهام الصحافي في الخبر»: أولا، لا يستحق الصحافي كتابة اسمه إذا أضاف جملا قليلة الى خبر وكالة أو خبر صحافي آخر.
ثانيا، يفوز دائما بكتابة الاسم الصحافي الذي شاهد الحدث. واذا اضاف صحافي آخر معلومات الى الخبر، يوضع اسمه تحت اسم الاول، او في نهاية الخبر (اعتمادا على حجم وأهمية اضافاته).
ثالثا، «لا يتعارك الصحافيون حول كتابة اسمائهم». استغربت «لكسي» لكثرة الاسئلة عن هذا الموضوع، واوضحت انه ليس موضوعا مهما. وقالت ان التركيز يجب ان يكون على المعلومات الجديدة في كل خبر، وليس على من يكتب اسمه، ومن لا يكتبه. وتندرت بأن مجلة «ايكونوميست» البريطانية لا تكتب أسماء، وقالت انها لم تعرف اسم رئيس تحرير «ايكونوميست» إلا بعد ان استقال، وتفرغ لكتابة كتاب عن سنوات عمله فيها.
* رئيس ومرؤوس:
واستغربت «لكسي»، ايضا، لكثرة الاسئلة عن العلاقة بينها كرئيسة وبين العاملين في قسمها (ستة). وقالت انها لا تفكر كثيرا في الموضوع. واضافت انها تعرف «اهمية وجود شخص على رأس القسم لينسق ويرتب. لكننا نعمل معا كفريق رياضي، وليس كفصيلة في القوات المسلحة».
وأكدت ذلك بطريقة تعاملها مع العاملين في القسم. قالت انها مثل لاعب «كورترباك» (كابتن) في فريق كرة قدم اميركي: ينزل الى الملعب مع فريقه لينفذ الخطة التي وضعها المدرب، ويتشاور مع اللاعبين سريعا، ويكلف كل واحد بمهمة معينة.
وقالت ان نقابة الصحافيين تعالج كثيرا من المواضيع التي لها صلة بالعمل، مثل ساعات العمل والاجازات، والعلاج الصحي، الخ...
* الالتزام بالمواعيد:
واستغربت «لكسي» بسبب أسئلة عن الانضباط في العمل، والالتزام بالمواعيد، وقالت ضاحكة: «ألا تقولون اننا نحن الاميركيين نعبد العمل؟ نحن هنا نعبد العمل كأميركيين، ونحبه كصحافيين». وقالت ان نسبة كبيرة من الصحافيين في الجريدة تخرجوا من كليات صحافة اميركية، وان الكليات «لأنها تركز على ان يكون الخبر نزيها، تركز، ايضا، على ان يكون الصحافي نزيها، ليس فقط في كتابة الخبر، ولكن، ايضا، في سلوكه، داخل المكتب على الاقل».
وقالت انها، كرئيسة قسم: أولا، لا تتابع الصحافي كل الوقت. ثانيا، لا تتدخل في شؤونه الخاصة. ثالثا، لا تلزمه بمواعيد محددة. رابعا، لا تتوقع منه ان يكون في المكتب طول الوقت الرسمي. خامسا، تهتم بالإنتاج أكثر من الدوام. سادسا، «لا تهتم بالشكليات» («آي جست دونت كير»).
لكنها قالت انها، في نفس الوقت، تتوقع من الصحافيين ان يلتزموا بالمواعيد، ويقدموا عملا جيدا. وقالت انها لا تتذكر اي مرة عاتبت فيها صحافيا لأنه قصر في العمل، او اهمل، او لم يعمل. واضافت: «ربما حدث، لكني لا اتذكره».
* نشر أسماء الصحافيين:
واستغربت «لكسي» بسبب اسئلة عن نشر اسماء الصحافيين مع الاخبار التي يكتبونها. وقالت: «نحرص على كتابة اسم كل كاتب خبر ليس ليلمع اسمه، ولكن لثلاثة اسباب اهم من ذلك: الاول، لنسأله اذا احتجنا الى معلومات اضافية. والثاني، ليتحمل مسؤولية الخطأ، اذا حدث. والثالث، لأن الخبر، مثل البحث العلمي، لا بد أن يكون له مؤلف». وقالت انها لا تتذكر أي مرة احتج فيها صحافي لأن اسمه لم يظهر في خبر. أو احتج لأن اسمه كتب تحت اسم آخر. او تعارك مع آخر حول كتابة اسميهما. وقالت: «ربما حدث، لكني لا أتذكره».
لكنها قالت ان «هذا المكان ليس جنة. توجد مشاكل مثلما توجد مشاكل في كل مكان يجتمع فيه أكثر من شخص، ناهيك عن مئات الناس. يوجد تنافس، وغيرة، وحسد. لكن الغيرة عاطفة، وليست منطقا، ونفضل ألا نخلطها بالعمل». وأضافت: «العمل منطق».
وقالت: «يوجد هنا كثير من الـ«بي سي» (بوليتكالي كوريكت) لتحاشي المشاكل. نفضل أن يصمت الشخص بدلا من أن يقول كلمة تغضب. وأن يصمت بدلا من أن يقول كلمة ربما تغضب. نفضل تحاشي المشاكل، وتحاشي احتمال المشاكل».
وقالت ان هذا ربما سر الصمت العام في المكان، رغم كثرة العاملين فيه.
واشنطن: محمد علي صالح
لم توافق جريدة «واشنطن بوست» على أن تقضي جريدة «الشرق الأوسط» يوما في «غرفة الاخبار»، إلا بعد اربعة شهور من تقديم الطلب. اعتذرت كيت كارلايل، مديرة «خدمة أخبار واشنطن بوست»، التي تملك «الشرق الأوسط» حق نشرها باللغة العربية، والتي رتبت الزيارة، وقالت ان ترتيب الزيارة لم يكن سهلا، وذلك لأن ليونارد داوني، مدير التحرير التنفيذي (رئيس تحرير الصحيفة)، كان لا بد أن يوافق، وأن يكلف شخصا يشرف على الزيارة. كلف داوني، مسؤولة الأخبار المستمرة، لكسي فيردون، التي قالت انه لم يحدث ان قضى صحافي من جريدة اخرى يوما كاملا في غرفة اخبار «واشنطن بوست» ليسجل ما يحدث. بالطبع تجول صحافيون وناشرون من مختلف أنحاء العالم، ولكن لساعة أو ساعتين فقط. داوني، بعد أن وافق، كان حريصا على أن يوزع، يوم الزيارة، رسالة «إي ميل» قصيرة لكل العاملين في غرفة الاخبار، بأن صحافيا من «الشرق الأوسط» سيقضي يوما معهم، ويرجوهم أن يقدموا له كل مساعدة ممكنة.
* «غرفة» الأخبار:
يعمل أكثر من ستمائة مخبر، ومحرر، ومعلق، ومصور في «غرفة الاخبار». (تصدر الصحيفة يوميا بخمسة اجزاء مكونة من سبعة ملاحق وصفحات متخصصة، وبعدد صفحات يتراوح ما بين ثمان وستين صفحة الى مائة وثماني صفحات، عدا عن الملاحق المتفرقة حسب ايام الاسبوع. كما تصدر ملاحق موزعة على ايام الاسبوع خاصة بضواحي العاصمة واشنطن. وفي عطلة نهاية الاسبوع تصدر الصحيفة مجلة اسبوعية، وقرابة اثني عشر ملحقا متخصصا، مثل الكتب والتلفزيون). لكن «الغرفة»، في الحقيقة، طابقان من طوابق الجريدة الستة. وينقسم هؤلاء الى اقسام حسب اخبار الجريدة: محلية (ضواحي واشنطن)، ووطنية (على مستوى الولايات المتحدة الاميركية) خارجية، رياضة، اقتصاد، الخ... وحسب الملاحق الاسبوعية: كتب، وصحة، وعقارات، و«آوت لوك» (مثل «حصاد الاسبوع»)، الخ... وهناك قسمان جديدان: «اذاعة واشنطن بوست»، و «واشنطن بوست دوت كوم».
لا يفصل بين الستمائة شخص (في طابقين) غير حواجز قصيرة تجعل الانسان لا يرى زملاءه عندما يجلس، ويراهم عندما يقف. وهناك مكاتب منفصلة (زجاجية) للمسؤولين عن الاقسام (تماما مثل صور المكان في فيلم «رجال الرئيس» الذي صدر قبل ثلاثين سنة تقريبا).
يبدأ توزيع الجريدة في الرابعة صباحا. وتدور المطبعة في منتصف الليل. وينزل آخر خبر في الحادية عشرة. وتجهز كل الصفحات في العاشرة. ويعقد المسؤولون عن الاقسام الاجتماع اليومي الثالث والاخير في السادسة مساء. والاجتماع الثاني في الثانية ظهرا. والاجتماع الاول في العاشرة صباحا. ويدخل اول صحافي غرفة الاخبار في الرابعة صباحا.
* الساعة الرابعة صباحا:
> كانت ديبي ويلغورن، أول صحافية دخلت غرفة الاخبار في ذلك اليوم، في الرابعة صباحا. تعمل في قسم «الاخبار المستمرة» الذي يتابع الاخبار في غياب بقية الصحافيين، ويعد الاخبار لـ«اذاعة واشنطن بوست» و«واشنطن بوست دوت كوم».
استيقظت «ديبي» في الثالثة صباحا، وتركت زوجها وطفليهما (سيجهز الزوج الطفلين للذهاب الى المدرسة)، وستترك المكتب بعد ثماني ساعات، في منتصف النهار، وتعود الى البيت لتنام، حتى يعود الطفلان من المدرسة.
بدأت «ديبي» اليوم بمتابعة الاخبار في التلفزيون، وفي الإنترنت، وراجعت بريدها الإلكتروني توقعا لأخبار أرسلها مراسلون محليون أو خارجيون (يعرفون انها مسؤولة في ذلك الصباح الباكر، ويرسلون نسخة من كل خبر اليها، ونسخة الى اقسامهم).
* بدأت بأول خبرين: الأول محلي: حادث سير كبير على جسر «ويلسون»، على نهر بوتوماك بالقرب من واشنطن، وبداية مشكلة مرور عملاقة مع تدفق العاملين نحو واشنطن من الضواحي.
الثاني، عالمي، من العراق: خطف مسلحون تنكروا في ملابس عسكرية، 56 شخصا في بغداد.
كتبت «ديبي» خبرا من ثلاثمائة كلمة عن الكوبري، اعتمادا على خبر من وكالة «اسوشيتدبرس»، واتصال مع شرطة المرور، وأرسلت نسخة الى «الاذاعة»، وأخرى الى «الموقع».
* الساعة الخامسة صباحا:
> وجاء، في الخامسة صباحا، فرد بارباش. قال انه استيقظ من النوم في الرابعة صباحا. وجد «فرد» خبرا من «اسوشيتدبرس» بأن المحكمة العليا ستنظر في قضية عن التفرقة العنصرية في المدارس العليا. لكن الوقت كان مبكرا للاتصال بمسؤولين للحصول على تعليقات منهم، ولهذا نسب الخبر الى الوكالة، بعد ان اضاف اليه خلفيات عن الموضوع كان كتبها في الجريدة في وقت سابق. وارسل نسخة الى «الاذاعة»، واخرى الى «الموقع».
«فرد» أكبر سنا من «ديبي»، وهو صحافي عريق في الجريدة. كان رئيس القسم الاقتصادي، وكتب عمودا فيه نصائح للمستثمرين، وكان مدير مكتب لندن، وعمل مراسلا في المحكمة العليا. وكتب ثلاثة كتب: «سوق الاوراق المالية» و«استثمار أموالك» و«كتابة الدستور الاميركي». وهو الآن مخبر في قسم الاخبار المستمرة. استغرب لسؤال عن «تخفيض منصبه». وقال انه لا يهتم بحقيقة انه اصبح مخبرا بعد ان كان رئيس قسم، وبعد ان الف ثلاثة كتب. وقال في عفوية: «اريد ان ارتاح قليلا، بعد ان انتهي من تأليف الكتاب الاخير». (كانت الجريدة سمحت له بأن يتفرغ سنة كاملة ليكتبه).
* الساعة السادسة صباحا:
> ذهبت «ديبي»، في السادسة، الى قسم «الاذاعة»، على بعد خطوتين، لمقابلة على الهواء عن حادث الكوبري. كانت اتصلت مع مسؤولين آخرين في قسم المرور، وحصلت على تصريحات منهم، واضافت بعضها الى الخبر، ولهذا كانت ربما الشخص الوحيد في واشنطن الذي يعرف كل جوانب حادث الجسر. ظلت «غرفة الاخبار» هادئة. وجاء عمال نظافة ينظفون المكان. هناك، طبعا، اوراق مبعثرة، وجرائد على الارض. لكن، شكرا للكومبيوتر، لا توجد جرائد كثيرة على الارض بالمقارنة مع منظر «غرفة الاخبار» في فيلم «رجال الرئيس».
علق صحافيون ملصقات ساخرة على مكاتبهم عن مواضيع مختلفة. هناك ملصقة عليها رأس تمثال الحرية في صورة جمجمة. وخريطة عملاقة للمستوطنات الاسرائيلية توضح انها غطت جزءا كبيرا من الضفة. وملصقة ايرانية تقول: «جهان بدون اميركا» (عالم بدون اميركا).
* الساعة السابعة صباحا:
> ذهب «فرد»، في السابعة صباحا، الى قسم الاذاعة لمقابلة على الهواء عن خبر المحكمة العليا. ولأنه كان يعرف كل جوانبه (وكتب كتابا عن الدستور الاميركي)، اجاب اجابات اكثر من كافية على كل الاسئلة التي وجهت له. ظل الصباح هادئا. ماذا لو وقعت كارثة كبرى الآن؟ ماذا اذا وقع هجوم ارهابي؟ او اذا وقع اعصار، مثل كاترينا؟. اجابت «ديبي»: «سنعلن حالة الطوارئ، وسيسرع الصحافيون الى مكاتبهم، وسيجرون اتصالات وهم في طريقهم الى مكاتبهم، لأنهم يعرفون، بحكم اختصاصاتهم، ماذا سيفعلون». قالت ان القسم الاقتصادي سيسأل عن الآثار الاقتصادية، والقسم المحلي سيسأل عن اقرباء في واشنطن لضحايا الاعصار، وهكذا.
* الساعة الثامنة صباحا:
> قدمت نشرة اخبار تلفزيون «سي ان ان»، صورا ومعلومات مفصلة عن سرقة عراقيين لملابس شرطة، وخطفهم 56 شخصا في العراق. لكن لم يظهر حتى الآن اي صحافي من القسم الخارجي.
كان نيلسون هيرنانديز وصالح سيف الدين، مراسلا الجريدة في بغداد، قد أرسلا خبرا مطولا. وفضلت «ديبي» الانتظار حتى يأتي صحافيون من القسم الخارجي. لكنها استعملت جزءا من الخبر «للموقع». ثم، في وقت لاحق، أضافت الى خبر «الموقع» التطورات الاخيرة التي شاهدتها في تلفزيون «سي ان ان».
لم تكتب اسمها على خبر «الموقع». لماذا؟ أجابت: «ولماذا اكتب اسمي؟ انا لم افعل سوى ان اخذت الجزء الاول من خبر مكتب بغداد». ولماذا كتبت اسمها على خبر الجسر؟ اجابت: «لأني تعبت فيه، واتصلت مع اكثر من مسؤول». واستغربت للسؤال عن كتابة الاسماء، وكأن الموضوع لا يحتاج الى سؤال.
الساعة التاسعة صباحا:
> وصلت، في التاسعة صباحا، لكسي فيردون، مسؤولة قسم «الاخبار المستمرة». وظيفتها الرسمية هي: نائبة مساعد مدير التحرير. كانت قبل ذلك مسؤولة عن ملحق «الصحة» الذي يصدر كل يوم ثلاثاء (منفصلا من اربع صفحات)، وعملت في القسم الداخلى، وفي اقسام اخرى.
وهي التي اشرفت على زيارة «الشرق الاوسط» لجريدة «واشنطن بوست».
وصل، بعد «لكسي» بقليل، رئيسها، مدير قسم «الاخبار المستمرة» (في وظيفة مساعد مدير التحرير، ليونارد داوني): راجيف شاندراسيكران (أصله هندي). وهو شاب انضم الى الجريدة قبل عشر سنوات فقط. كان، حتى السنة الماضية، مدير مكتب الجريدة في العراق، وقبلها كان مخبرا في شؤون التكنولوجيا. لكنه لا يعمل الآن في الاخبار المستمرة، رغم انه يجلس في «مكتب زجاجي» (مكتب مدير قسم). والسبب هو انه متفرغ، حتى نهاية السنة، لكتابة كتاب عن الفترة التي قضاها في العراق. (سيكون الكتاب عن القوات الاميركية داخل المنطقة الخضراء في بغداد، بعنوان: «حياة امبريالية داخل مدينة خضراء»).
لهذا، عندما وصل «راجيف» في الصباح، حيا الحاضرين، لكنه لم يسأل عن الاخبار، ودخل مكتبه لمواصلة تأليف كتابه.
وصل بعده بقليل ليونارد دواني، مدير التحرير التنفيذي، وحيا الموجودين من بعيد، وذهب الى مكتبه.
* «لكسي»:
سألت «لكسي» اللذين سبقاها، «ديبي» و«فرد»، عن آخر الاخبار. واشارا الى خبري الجسر والمحكمة العليا. وطالعت «لكسي» قائمة الاخبار المتوقعة اثناء اليوم (كانت اعدتها في اليوم السابق): اولا، سيلقي الرئيس بوش خطابا عن معارضته لزواج المثليين (ستكلف به دانيلا دين). ثانيا، ستنظر المحكمة العليا موضوع التفرقة العنصرية في المدارس العليا (ستطلب من «فرد» متابعته). ثالثا، سيتضح مصير ميشيل ويي، لاعبة كرة المضرب التي ربما ستكون اصغر فتاة (15 سنة) تفوز بالبطولة الاميركية (ستكلف به وليام برانيغين). رابعا، سيصدر مجلس مقاطعة فيرفاكس المجاورة قرارا عن الضرائب (ستكلف به بيل بروبيكر).
* الساعة العاشرة صباحا:
> جاء، في العاشرة، وليام برانيغن (اكثر من 30 سنة مع الجريدة). كان، لسنتين، مخبرا في قسم اخبار الضواحي. وقبل ذلك غطى غزو العراق عندما صاحب القوات الاميركية التي دخلت بغداد. وقضى، قبل ذلك، أكثر من عشر سنوات مديرا لمكاتب الجريدة في المكسيك، وتايلند، والفلبين.
أول عمل طلبته منه رئيسته «لكسي»، هو التقاط الهاتف وكتابة رسالة صوتية من مراسل رياضي كان يغطي منافسات التنس. ملخص الخبر ان «الفتاة المعجزة ميشيل ويي» لم تفز بالبطولة. لم يجد المراسل شخصا في القسم الرياضي، فاتصل بقسم الاخبار المستمرة. وتكفل «وليام» بكتابة الخبر وتحريره، وإرسال نسخ الى «الاذاعة»، و«الموقع»، والقسم الرياضي للاستفادة منه.
لم يكتب «وليام» اسمه على الخبر، واكتفى باسم المراسل الرياضي. لماذا؟ قال انه فعل ذلك لأنه لم يضف اشياء كثيرة الى الخبر. قال: «جمعت معلومات من الوكالات وعملت خلفية للخبر، ولم أستحق نشر اسمي».
لكن اذا كانت الفتاة فازت ببطولة كرة المضرب، كان «وليام» سيشترك في كتابة خبر طويل، رغم انه لا يعمل في القسم الرياضي. وسيحدد رئيس القسم الرياضي كتابة اسمه على الخبر، أو عدم كتابته، حسب حجم إسهامه فيه.
* رؤساء الأقسام:
وصلت دانيلا دين متأخرة ساعتين، لكنها كانت أبلغت رئيستها «لكسي». «دانيلا» كانت مراسلة ومديرة مكاتب في دول كثيرة لفترة قاربت عشرين سنة. ثم عادت الى واشنطن وعملت مخبرة في قسم العقارات (يصدر القسم ملحقا كبيرا منفصلا كل يوم سبت). لم تأت في ذلك اليوم فانيسا وليامز، نائبة «لكسي». وكانت، قبل ذلك، مساعدة مسؤول قسم مدينة واشنطن (متروبوليتان). وهكذا اكتمل عقد الصحافيين في قسم الاخبار المتواصلة. وانشغلوا في إعداد ومراجعة الاخبار السابقة الذكر.
وصلت، في الساعة العاشرة تقريبا، أعداد كبيرة من الصحافيين، ومنهم رؤساء الاقسام. وبدأ هؤلاء من حيث وقف قسم الاخبار المتواصلة: اولا، قرر رئيس القسم الخارجي التركيز على خبر العراق، واتصل مع مكتب بغداد لإرسال مزيد من التطورات.
ثانيا، قرر مسؤول القسم المحلي نشر خبر الجسر، وعلم ان رئيس قسم التصوير أرسل مصورين لالتقاط صور للحادث.
ثالثا، قرر مسؤول القسم الوطني نشر خبر بوش (بدأت «دانيلا» تعمل فيه)، ونشر خبر المحكمة العليا (سيتابعة «فرد»).
رابعا، قرر رئيس القسم الرياضي عدم التركيز على موضوع فتاة التنس (لأنها لم تفز).
* إدارة «لكسي»:
كيف تدير «لكسي» قسمها؟ بداية بكتابة الاسم على الخبر. قالت: «كل شيء يعتمد على إسهام الصحافي في الخبر»: أولا، لا يستحق الصحافي كتابة اسمه إذا أضاف جملا قليلة الى خبر وكالة أو خبر صحافي آخر.
ثانيا، يفوز دائما بكتابة الاسم الصحافي الذي شاهد الحدث. واذا اضاف صحافي آخر معلومات الى الخبر، يوضع اسمه تحت اسم الاول، او في نهاية الخبر (اعتمادا على حجم وأهمية اضافاته).
ثالثا، «لا يتعارك الصحافيون حول كتابة اسمائهم». استغربت «لكسي» لكثرة الاسئلة عن هذا الموضوع، واوضحت انه ليس موضوعا مهما. وقالت ان التركيز يجب ان يكون على المعلومات الجديدة في كل خبر، وليس على من يكتب اسمه، ومن لا يكتبه. وتندرت بأن مجلة «ايكونوميست» البريطانية لا تكتب أسماء، وقالت انها لم تعرف اسم رئيس تحرير «ايكونوميست» إلا بعد ان استقال، وتفرغ لكتابة كتاب عن سنوات عمله فيها.
* رئيس ومرؤوس:
واستغربت «لكسي»، ايضا، لكثرة الاسئلة عن العلاقة بينها كرئيسة وبين العاملين في قسمها (ستة). وقالت انها لا تفكر كثيرا في الموضوع. واضافت انها تعرف «اهمية وجود شخص على رأس القسم لينسق ويرتب. لكننا نعمل معا كفريق رياضي، وليس كفصيلة في القوات المسلحة».
وأكدت ذلك بطريقة تعاملها مع العاملين في القسم. قالت انها مثل لاعب «كورترباك» (كابتن) في فريق كرة قدم اميركي: ينزل الى الملعب مع فريقه لينفذ الخطة التي وضعها المدرب، ويتشاور مع اللاعبين سريعا، ويكلف كل واحد بمهمة معينة.
وقالت ان نقابة الصحافيين تعالج كثيرا من المواضيع التي لها صلة بالعمل، مثل ساعات العمل والاجازات، والعلاج الصحي، الخ...
* الالتزام بالمواعيد:
واستغربت «لكسي» بسبب أسئلة عن الانضباط في العمل، والالتزام بالمواعيد، وقالت ضاحكة: «ألا تقولون اننا نحن الاميركيين نعبد العمل؟ نحن هنا نعبد العمل كأميركيين، ونحبه كصحافيين». وقالت ان نسبة كبيرة من الصحافيين في الجريدة تخرجوا من كليات صحافة اميركية، وان الكليات «لأنها تركز على ان يكون الخبر نزيها، تركز، ايضا، على ان يكون الصحافي نزيها، ليس فقط في كتابة الخبر، ولكن، ايضا، في سلوكه، داخل المكتب على الاقل».
وقالت انها، كرئيسة قسم: أولا، لا تتابع الصحافي كل الوقت. ثانيا، لا تتدخل في شؤونه الخاصة. ثالثا، لا تلزمه بمواعيد محددة. رابعا، لا تتوقع منه ان يكون في المكتب طول الوقت الرسمي. خامسا، تهتم بالإنتاج أكثر من الدوام. سادسا، «لا تهتم بالشكليات» («آي جست دونت كير»).
لكنها قالت انها، في نفس الوقت، تتوقع من الصحافيين ان يلتزموا بالمواعيد، ويقدموا عملا جيدا. وقالت انها لا تتذكر اي مرة عاتبت فيها صحافيا لأنه قصر في العمل، او اهمل، او لم يعمل. واضافت: «ربما حدث، لكني لا اتذكره».
* نشر أسماء الصحافيين:
واستغربت «لكسي» بسبب اسئلة عن نشر اسماء الصحافيين مع الاخبار التي يكتبونها. وقالت: «نحرص على كتابة اسم كل كاتب خبر ليس ليلمع اسمه، ولكن لثلاثة اسباب اهم من ذلك: الاول، لنسأله اذا احتجنا الى معلومات اضافية. والثاني، ليتحمل مسؤولية الخطأ، اذا حدث. والثالث، لأن الخبر، مثل البحث العلمي، لا بد أن يكون له مؤلف». وقالت انها لا تتذكر أي مرة احتج فيها صحافي لأن اسمه لم يظهر في خبر. أو احتج لأن اسمه كتب تحت اسم آخر. او تعارك مع آخر حول كتابة اسميهما. وقالت: «ربما حدث، لكني لا أتذكره».
لكنها قالت ان «هذا المكان ليس جنة. توجد مشاكل مثلما توجد مشاكل في كل مكان يجتمع فيه أكثر من شخص، ناهيك عن مئات الناس. يوجد تنافس، وغيرة، وحسد. لكن الغيرة عاطفة، وليست منطقا، ونفضل ألا نخلطها بالعمل». وأضافت: «العمل منطق».
وقالت: «يوجد هنا كثير من الـ«بي سي» (بوليتكالي كوريكت) لتحاشي المشاكل. نفضل أن يصمت الشخص بدلا من أن يقول كلمة تغضب. وأن يصمت بدلا من أن يقول كلمة ربما تغضب. نفضل تحاشي المشاكل، وتحاشي احتمال المشاكل».
وقالت ان هذا ربما سر الصمت العام في المكان، رغم كثرة العاملين فيه.