مرتاح
07-11-2006, 04:31 PM
فيلم «يونايتد 93»
لندن: لؤي عبد الاله
«يونايتد 93»: هذا العنوان مأخوذ من رقم رحلة الطائرة الرابعة التي سقطت يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في أحد حقول ولاية بنسلفانيا، وبذلك يكون المخرج البريطاني بول غرين غراس أول من يباشر في إنتاج فيلم درامي عن هجمات ذلك اليوم الذي فتح الباب لبروز عالم آخر ما زال يتشكل أمامنا. ولعل قصر الفترة الفاصلة بين الحاضر وذلك التاريخ كانت سببا لإثارة الجدل حول فيلم «يونايتد 93» داخل الولايات المتحدة فالجراح التي تركتها هجمات 11 سبتمبر لم تلتئم بعد تماما، وكما هو معروف فإن هوليوود لم تتناول أفلاما عن فيتنام إلا بعد مرور أكثر من عقد على انتهائها لكن الآن وبعد خمس سنوات فقط يتواجه الأميركيون سينمائيا مع تجربة ظلوا يحاولون تجاوزها داخليا.
ولا يضيع المخرج البريطاني غْرين غْراس من وقت الفيلم كثيرا قبل وضعنا في المعمعة. فمنذ اللحظة الأولى نشاهد مجموعة صغيرة من الشبان العرب يتهيئون لحدث جلل، أثناء إقامتهم في فندق. هنا نستمع إلى آيات قرآنية يرددونها وهم تحت تأثير خوف كبير، أو نشاهد لمحة لصلاة أحدهم، وحلاقة آخر لجسده. كل شيء يمر بسرعة لا تتجاوز عدة دقائق، قبل أن نجدهم في المطار. وفي قاعة الانتظار الأخيرة نجدهم مختلطين بركاب الطائرة الآخرين، حيث ينشغل بعضهم وهو نصف صاح في مكالمة الابناء أو الأزواج، هناك عدد من كبار السن بينهم وآخر من النساء، ولعل المشاهد الذي يعرف العربية سيدرك معنى ذلك الدعاء الذي ردده أحد الشبان العرب راجيا من الله مساعدته في الانتصار على الأعداء ومدى تناسبه مع هؤلاء الركاب المدنيين الذين ظلوا يتبادلون الابتسامات مع الآخرين بمن فيهم الخاطفين أنفسهم.
قبل الصعود إلى الطائرة يبادر قائد مجموعة الأربعة ببعث رسالة عبر هاتفه الجوال إلى حبيبته. ويكتفي بكتابة كلمة واحدة: أحبك.
تتحرك الكاميرا ما بين عالمين متجاورين: الطائرة التي تأخر إقلاعها لأكثر من نصف ساعة، ونقاط المراقبة والسيطرة الجوية على الأرض. وخطوة خطوة يتضح أن طائرة 11 يونايتد قد خرجت عن طريقها فوق الخريطة ثم اختفت. وكل ما كان يحرك العاملون هناك هو رفض تصديق وقوع اختطاف لها فحادثة كهذه قد وقعت منذ فترة طويلة مما لا يجعلهم بحكم العادة أن يصدقوا تكررها في ذلك اليوم المشرق بالذات.
لكن الشكوك تبدأ بمساورتهم قليلا حينما يشاهدون من نافذة صالتهم العريضة الدخان يتصاعد من فوق أحد برجي المركز التجاري الدولي في نيويورك. لكن كل المراقبين الجويين بمن فيهم رئيسهم يجدون أنفسهم عاجزين على فعل أي شيء وهم يجدون طائرة أخرى تخرج عن خطها المعتاد فوق الخريطة المرسومة على سطح الشاشة الكبيرة. وحينما يلتفتون هذه المرة صوب الدخان المتصاعد من المركز التجاري الدولي يشاهدون، وكأنهم وسط كابوس لا علاقة له بالواقع، الطائرة الضالة الثانية وهي تخترق بوضوح برج المركز التجاري ضمن مشهد مروع لم يستطع سينمائيو هوليوود أن يصمموا له مثيلا من قبل.
أثناء ذلك يكون الخاطفون الأربعة قد نجحوا في الاستيلاء على الطائرة. والطيار ومساعده تم ذبحهما بعد اختراق كابينة القيادة. لكن المخرج لم يسع إلى تصعيد مشاعر الجزع في نفوس المشاهدين. وحينما تلمح إحدى المضيفات جثتي زميليها أثناء سحبهما إلى خارج الكابينة بواسطة الخاطفين، ينتابها شعور بأن مصيرها سيكون مماثلا لهما.
ظل الركاب حتى تلك اللحظة محكومين بقناعة رسختها العادة: الخاطفون سيتفاوضون مع السلطات في الأخير واحتمال إطلاقهم وهم أحياء أقوى بكثير من لو أنهم قاوموا وعرضوا الطائرة للسقوط. لكن هذا الوهم يزول بعد تسرب أخبار اصطدام طائرتين بالمركز التجاري الدولي وسقوط ثالثة فوق البنتاغون، من خلال مكالمات بعض الركاب بأحبائهم. وهنا تترسخ القناعة لدى الجميع: إنهم متاريس لعمل انتحاري آخر. وعليهم أن يقوموا بشيء.
لم يحاول المخرج أن يقدم لنا صورة بطولية عمن قاد الهجوم على الكابينة، بل جاء نتيجة لرد الفعل عن أن يكونوا مجرد خراف تذبح باستسلام. بالمقابل كان قائد المجموعة الذي تكلف بقيادة الطائرة: زياد الجراح مع رفيقه منغمرا في تلاوة أدعية تتضرع لله كي يتقبله في جنانه وأن يسكن من روعه، بينما وراءهم في جناح الركاب كان هناك الكثير من المسافرين منغمرين هم أيضا في صلوات لله كي يشملهم برحمته، أو هناك من وجد في مكالمة من يحبه على هذه الأرض متراسا يقويه أمام محنة الموت القريب.
لم يقدم المخرج غرين غراس أي تأويل وراء ما قام به الانتحاريون الأربعة من قتل لأنفسهم ولأربعة وأربعين مدنيا. لكن الفيلم يدفع المتفرج حتى مع كراهيته لهؤلاء القتلة التساؤل عما يدور في رؤوسهم. ولعل الفيلم الفلسطيني: «الجنة الآن» الذي ترشح لجائزة الأوسكار يكمل هذا الفيلم فهو يعالج هذا الجانب.
هذا الفيلم مجرد بداية لتناول هجمات 11 سبتمبر. هناك فيلم لاوليفر ستون سيظهر على السينما قريبا عن هذا الموضوع. وسيتناول بطولة عمال الانقاذ عند موقع المركز التجاري الدولي. وإذا كان فيلم غرين غراس الحالي «يونايتد 93» يمتلك هذا النفس الانساني العالي، فهذا لن يضمن عدم ظهور أفلام عنصرية ضد العرب والمسلمين تتناول هجمات 11 سبتمبر من زوايا مختلفة.
هذا الفيلم جدير بأن يعرض على كل شاشات السينما في البلدان العربية فهو يطرح أسئلة على الجميع ويجعلنا نتلمس تلك اللحظات العسيرة التي لا نتمنى أن يمر بها أي من أصدقائنا أو أقاربنا فكيف هي الحال حينما نكون نحن طرفا فيها.
لندن: لؤي عبد الاله
«يونايتد 93»: هذا العنوان مأخوذ من رقم رحلة الطائرة الرابعة التي سقطت يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في أحد حقول ولاية بنسلفانيا، وبذلك يكون المخرج البريطاني بول غرين غراس أول من يباشر في إنتاج فيلم درامي عن هجمات ذلك اليوم الذي فتح الباب لبروز عالم آخر ما زال يتشكل أمامنا. ولعل قصر الفترة الفاصلة بين الحاضر وذلك التاريخ كانت سببا لإثارة الجدل حول فيلم «يونايتد 93» داخل الولايات المتحدة فالجراح التي تركتها هجمات 11 سبتمبر لم تلتئم بعد تماما، وكما هو معروف فإن هوليوود لم تتناول أفلاما عن فيتنام إلا بعد مرور أكثر من عقد على انتهائها لكن الآن وبعد خمس سنوات فقط يتواجه الأميركيون سينمائيا مع تجربة ظلوا يحاولون تجاوزها داخليا.
ولا يضيع المخرج البريطاني غْرين غْراس من وقت الفيلم كثيرا قبل وضعنا في المعمعة. فمنذ اللحظة الأولى نشاهد مجموعة صغيرة من الشبان العرب يتهيئون لحدث جلل، أثناء إقامتهم في فندق. هنا نستمع إلى آيات قرآنية يرددونها وهم تحت تأثير خوف كبير، أو نشاهد لمحة لصلاة أحدهم، وحلاقة آخر لجسده. كل شيء يمر بسرعة لا تتجاوز عدة دقائق، قبل أن نجدهم في المطار. وفي قاعة الانتظار الأخيرة نجدهم مختلطين بركاب الطائرة الآخرين، حيث ينشغل بعضهم وهو نصف صاح في مكالمة الابناء أو الأزواج، هناك عدد من كبار السن بينهم وآخر من النساء، ولعل المشاهد الذي يعرف العربية سيدرك معنى ذلك الدعاء الذي ردده أحد الشبان العرب راجيا من الله مساعدته في الانتصار على الأعداء ومدى تناسبه مع هؤلاء الركاب المدنيين الذين ظلوا يتبادلون الابتسامات مع الآخرين بمن فيهم الخاطفين أنفسهم.
قبل الصعود إلى الطائرة يبادر قائد مجموعة الأربعة ببعث رسالة عبر هاتفه الجوال إلى حبيبته. ويكتفي بكتابة كلمة واحدة: أحبك.
تتحرك الكاميرا ما بين عالمين متجاورين: الطائرة التي تأخر إقلاعها لأكثر من نصف ساعة، ونقاط المراقبة والسيطرة الجوية على الأرض. وخطوة خطوة يتضح أن طائرة 11 يونايتد قد خرجت عن طريقها فوق الخريطة ثم اختفت. وكل ما كان يحرك العاملون هناك هو رفض تصديق وقوع اختطاف لها فحادثة كهذه قد وقعت منذ فترة طويلة مما لا يجعلهم بحكم العادة أن يصدقوا تكررها في ذلك اليوم المشرق بالذات.
لكن الشكوك تبدأ بمساورتهم قليلا حينما يشاهدون من نافذة صالتهم العريضة الدخان يتصاعد من فوق أحد برجي المركز التجاري الدولي في نيويورك. لكن كل المراقبين الجويين بمن فيهم رئيسهم يجدون أنفسهم عاجزين على فعل أي شيء وهم يجدون طائرة أخرى تخرج عن خطها المعتاد فوق الخريطة المرسومة على سطح الشاشة الكبيرة. وحينما يلتفتون هذه المرة صوب الدخان المتصاعد من المركز التجاري الدولي يشاهدون، وكأنهم وسط كابوس لا علاقة له بالواقع، الطائرة الضالة الثانية وهي تخترق بوضوح برج المركز التجاري ضمن مشهد مروع لم يستطع سينمائيو هوليوود أن يصمموا له مثيلا من قبل.
أثناء ذلك يكون الخاطفون الأربعة قد نجحوا في الاستيلاء على الطائرة. والطيار ومساعده تم ذبحهما بعد اختراق كابينة القيادة. لكن المخرج لم يسع إلى تصعيد مشاعر الجزع في نفوس المشاهدين. وحينما تلمح إحدى المضيفات جثتي زميليها أثناء سحبهما إلى خارج الكابينة بواسطة الخاطفين، ينتابها شعور بأن مصيرها سيكون مماثلا لهما.
ظل الركاب حتى تلك اللحظة محكومين بقناعة رسختها العادة: الخاطفون سيتفاوضون مع السلطات في الأخير واحتمال إطلاقهم وهم أحياء أقوى بكثير من لو أنهم قاوموا وعرضوا الطائرة للسقوط. لكن هذا الوهم يزول بعد تسرب أخبار اصطدام طائرتين بالمركز التجاري الدولي وسقوط ثالثة فوق البنتاغون، من خلال مكالمات بعض الركاب بأحبائهم. وهنا تترسخ القناعة لدى الجميع: إنهم متاريس لعمل انتحاري آخر. وعليهم أن يقوموا بشيء.
لم يحاول المخرج أن يقدم لنا صورة بطولية عمن قاد الهجوم على الكابينة، بل جاء نتيجة لرد الفعل عن أن يكونوا مجرد خراف تذبح باستسلام. بالمقابل كان قائد المجموعة الذي تكلف بقيادة الطائرة: زياد الجراح مع رفيقه منغمرا في تلاوة أدعية تتضرع لله كي يتقبله في جنانه وأن يسكن من روعه، بينما وراءهم في جناح الركاب كان هناك الكثير من المسافرين منغمرين هم أيضا في صلوات لله كي يشملهم برحمته، أو هناك من وجد في مكالمة من يحبه على هذه الأرض متراسا يقويه أمام محنة الموت القريب.
لم يقدم المخرج غرين غراس أي تأويل وراء ما قام به الانتحاريون الأربعة من قتل لأنفسهم ولأربعة وأربعين مدنيا. لكن الفيلم يدفع المتفرج حتى مع كراهيته لهؤلاء القتلة التساؤل عما يدور في رؤوسهم. ولعل الفيلم الفلسطيني: «الجنة الآن» الذي ترشح لجائزة الأوسكار يكمل هذا الفيلم فهو يعالج هذا الجانب.
هذا الفيلم مجرد بداية لتناول هجمات 11 سبتمبر. هناك فيلم لاوليفر ستون سيظهر على السينما قريبا عن هذا الموضوع. وسيتناول بطولة عمال الانقاذ عند موقع المركز التجاري الدولي. وإذا كان فيلم غرين غراس الحالي «يونايتد 93» يمتلك هذا النفس الانساني العالي، فهذا لن يضمن عدم ظهور أفلام عنصرية ضد العرب والمسلمين تتناول هجمات 11 سبتمبر من زوايا مختلفة.
هذا الفيلم جدير بأن يعرض على كل شاشات السينما في البلدان العربية فهو يطرح أسئلة على الجميع ويجعلنا نتلمس تلك اللحظات العسيرة التي لا نتمنى أن يمر بها أي من أصدقائنا أو أقاربنا فكيف هي الحال حينما نكون نحن طرفا فيها.