على
07-08-2006, 01:20 AM
يوسف الديني - الشرق الاوسط اللندنية
تثار بين فينة وأخرى مسائل شرعية وقضايا دينية لم تزل عالقة في خطابنا الديني المحلي، ويستمر الجدل عليها بين فريقين من المتحاورين. الطرف الأول يمثل وجهة نظر المؤسسة الدينية التقليدية، أو رأي حركة الصحوة التي تحظى بحضور اجتماعي طاغ ومؤثر، أصبح لاحقاً معززاً بفعاليات دعم ضخمة عبر الأدوات المعلوماتية المعاصرة وعلى رأسها شبكة الإنترنت..
ويأتي الطرف الآخر كأقلية وطنية مكافحة من طبقة التكنوقراط والصحفيين والمثقفين والمهجوسين بصورة المملكة في الإطار الإقليمي والعالمي كبلد يحتل موقع الصدارة على مستوى الثقل السياسي والاقتصادي، آخذين في الاعتبار الأصوات المغرضة للتيارات السياسية اليمينية في الغرب، والتي تحاول الاتكاء على بعض مفردات الخطاب الديني المتشدد لتعمم رؤيتها على الإسلام ودول المنطقة، وتصمها بأنها مناخات تساهم في نشوء التطرف والإرهاب. وتدلل على ذلك بنصوص تنتقيها من شخصيات فقهية ودينية هي أبعد ما تكون عن الشأن العام المحلي وتحدياته الراهنة، فضلاً عن إدراكها للثقل السياسي الدولي الذي تتمتع به المملكة، والذي يحتم عليها أن تلعب دورها القيادي في المنطقة وفقاً للعهود والمواثيق الدولية العامة،
وعلى رأسها الأمم المتحدة، مما هو مندرج في أبجديات فن العلاقات الدولية، وهذا ما يفسر تحول هذه «الصراعات الثقافية» من طبيعتها المعرفية إلى السجال السياسي، الذي يستقطب حيثيات الواقع ويسائل على ضوئها مفردات «الخطاب الديني والفقهي»، فقضية مركزية كالموقف من غير المسلمين وطبيعة العلاقة معهم لم تعد قضية فقهية محضة تبحث في أحكام أهل الذمة وإنما باتت قضية مركبة يتداخل فيها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الانثروبولوجي. فالعقد السياسي مثلاً في مفهوم الدولة الحديثة قائم على أساس المواطنة بالدرجة الأولى والتمييز الطائفي أو الإثني جريمة سياسية يعاقب عليها القانون وعلى مستوى العلاقات الدولية فإن مفهوم السيادة من أكثر مرتكزات الحقوق الأولية لأي دولة معاصرة يكفلها لها القانون الدولي الذي تتسارع كل الدول على احترامه وتطبيقه ومحاولة الضغط لتخفيف الاحتقانات التي تنجم بسبب أي خروقات لمبدأ السيادة أو التعايش السلمي.
تكمن المشكلة في أن الخطابات الدينية التقليدية أو تلك ذات البعد السياسي النفعي بغرض الوصول إلى فكرة «الخلافة» المسيطرة على ذهنية حركات الإسلام السياسي، خطابات لا تاريخية وبالتالي ليست واقعية فهي تستخدم أدوات بحث وتفكير تعطي في المحصلة نتائج كارثية على مستوى علاقة تلك الأفكار بالواقع، مهما تذرعت بشعارات من مثل تطبيق الشريعة أو الالتزام بالنص الديني..الخ تلك الشعارات التي هي مقولات حق أريد بها باطل، بحيث باتت تستخدم كفزاعة لتخويف المخالفين عبر التلويح لهم بتهمة «المروق من الدين»، في حين أن كثيراً مما يطرح في مثل هذه المسائل الحساسة لا يعدو أن يكون أخذاً برأي فقهي، تقابله آراء أخرى مقبولة من حيث مرجعيتها الدينية.
نحن بحاجة إلى تجاوز رصد الظواهر المرضية للخطاب الديني، والانتقال إلى قراءة نقدية لجذور العطل في بنية الخطاب الذي أعاد إنتاج الإسلام، وفق رؤية صدامية آيديولوجية تستمد جذوتها من شعارات طوباوية تدعي قيادة الأمة وتزعم التحكم في مصائرها مع أنها لا تملك أحقية تمثيل الخطابات الدينية الأخرى المنافسة لها فضلاً عن وهم امتلاك الحقيقة للحديث باسم المجتمعات والدول وفق رؤيتها الضيقة للعالم.
الخطاب الديني المعاصر هو خطاب حديث من جهة تناوله للمسائل المعاصرة وإن كان يستمد نتائجه من خلال الاعتماد على النصوص الدينية عبر آليات القياس وإلحاق المعاصر بوقائع قديمة مع إلغاء الفوارق الزمانية الضخمة والأهم من ذلك أن هذه الخطابات لا تمتلك حالة توافقية أو أي إجماع فهي منذ لحظة الاصطدام بالواقع الجديد مع سقوط الخلافة العثمانية وهي تعيش أشكالاً من التذرر والانشطار لمحاولة التكيف مع المستجدات التي يفرزها الواقع دون مساءلة للمقولات الأساسية التي اكتسبت هذه الجماعات كينونتها عبرها. والحال أن هذا «التذرر» في رؤيتها التغييرية للعالم، أو حتى في مواقفها الآنية من التحولات المتجددة، والتي تحاصر مشروعيتها ومدى صلاحية بقائها فاعلة على الأرض، من أهم ما يمكن الاستدلال به عليها على مدى بشريتها، وأنها خطابات قابلة للخطأ والصواب، بل والمحدودية من حيث ارتباطها بواقع خاص جداً لا يتجاوز حتى جغرافية المكان الذي تنتمي إليه. السؤال الحقيقي الذي تغيبه هذه الخطابات الدينية هو مدى إمكانية أن يظل على قيد الحياة، وهو يحمل مسببات موته معه، متى ما استمرت حالة الغياب لأي مراجعات نقدية لأطروحاته مقارنة بالواقع الذي لا زال يؤكد لنا يوما بعد يوم أن «البقاء للأصلح».
تثار بين فينة وأخرى مسائل شرعية وقضايا دينية لم تزل عالقة في خطابنا الديني المحلي، ويستمر الجدل عليها بين فريقين من المتحاورين. الطرف الأول يمثل وجهة نظر المؤسسة الدينية التقليدية، أو رأي حركة الصحوة التي تحظى بحضور اجتماعي طاغ ومؤثر، أصبح لاحقاً معززاً بفعاليات دعم ضخمة عبر الأدوات المعلوماتية المعاصرة وعلى رأسها شبكة الإنترنت..
ويأتي الطرف الآخر كأقلية وطنية مكافحة من طبقة التكنوقراط والصحفيين والمثقفين والمهجوسين بصورة المملكة في الإطار الإقليمي والعالمي كبلد يحتل موقع الصدارة على مستوى الثقل السياسي والاقتصادي، آخذين في الاعتبار الأصوات المغرضة للتيارات السياسية اليمينية في الغرب، والتي تحاول الاتكاء على بعض مفردات الخطاب الديني المتشدد لتعمم رؤيتها على الإسلام ودول المنطقة، وتصمها بأنها مناخات تساهم في نشوء التطرف والإرهاب. وتدلل على ذلك بنصوص تنتقيها من شخصيات فقهية ودينية هي أبعد ما تكون عن الشأن العام المحلي وتحدياته الراهنة، فضلاً عن إدراكها للثقل السياسي الدولي الذي تتمتع به المملكة، والذي يحتم عليها أن تلعب دورها القيادي في المنطقة وفقاً للعهود والمواثيق الدولية العامة،
وعلى رأسها الأمم المتحدة، مما هو مندرج في أبجديات فن العلاقات الدولية، وهذا ما يفسر تحول هذه «الصراعات الثقافية» من طبيعتها المعرفية إلى السجال السياسي، الذي يستقطب حيثيات الواقع ويسائل على ضوئها مفردات «الخطاب الديني والفقهي»، فقضية مركزية كالموقف من غير المسلمين وطبيعة العلاقة معهم لم تعد قضية فقهية محضة تبحث في أحكام أهل الذمة وإنما باتت قضية مركبة يتداخل فيها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الانثروبولوجي. فالعقد السياسي مثلاً في مفهوم الدولة الحديثة قائم على أساس المواطنة بالدرجة الأولى والتمييز الطائفي أو الإثني جريمة سياسية يعاقب عليها القانون وعلى مستوى العلاقات الدولية فإن مفهوم السيادة من أكثر مرتكزات الحقوق الأولية لأي دولة معاصرة يكفلها لها القانون الدولي الذي تتسارع كل الدول على احترامه وتطبيقه ومحاولة الضغط لتخفيف الاحتقانات التي تنجم بسبب أي خروقات لمبدأ السيادة أو التعايش السلمي.
تكمن المشكلة في أن الخطابات الدينية التقليدية أو تلك ذات البعد السياسي النفعي بغرض الوصول إلى فكرة «الخلافة» المسيطرة على ذهنية حركات الإسلام السياسي، خطابات لا تاريخية وبالتالي ليست واقعية فهي تستخدم أدوات بحث وتفكير تعطي في المحصلة نتائج كارثية على مستوى علاقة تلك الأفكار بالواقع، مهما تذرعت بشعارات من مثل تطبيق الشريعة أو الالتزام بالنص الديني..الخ تلك الشعارات التي هي مقولات حق أريد بها باطل، بحيث باتت تستخدم كفزاعة لتخويف المخالفين عبر التلويح لهم بتهمة «المروق من الدين»، في حين أن كثيراً مما يطرح في مثل هذه المسائل الحساسة لا يعدو أن يكون أخذاً برأي فقهي، تقابله آراء أخرى مقبولة من حيث مرجعيتها الدينية.
نحن بحاجة إلى تجاوز رصد الظواهر المرضية للخطاب الديني، والانتقال إلى قراءة نقدية لجذور العطل في بنية الخطاب الذي أعاد إنتاج الإسلام، وفق رؤية صدامية آيديولوجية تستمد جذوتها من شعارات طوباوية تدعي قيادة الأمة وتزعم التحكم في مصائرها مع أنها لا تملك أحقية تمثيل الخطابات الدينية الأخرى المنافسة لها فضلاً عن وهم امتلاك الحقيقة للحديث باسم المجتمعات والدول وفق رؤيتها الضيقة للعالم.
الخطاب الديني المعاصر هو خطاب حديث من جهة تناوله للمسائل المعاصرة وإن كان يستمد نتائجه من خلال الاعتماد على النصوص الدينية عبر آليات القياس وإلحاق المعاصر بوقائع قديمة مع إلغاء الفوارق الزمانية الضخمة والأهم من ذلك أن هذه الخطابات لا تمتلك حالة توافقية أو أي إجماع فهي منذ لحظة الاصطدام بالواقع الجديد مع سقوط الخلافة العثمانية وهي تعيش أشكالاً من التذرر والانشطار لمحاولة التكيف مع المستجدات التي يفرزها الواقع دون مساءلة للمقولات الأساسية التي اكتسبت هذه الجماعات كينونتها عبرها. والحال أن هذا «التذرر» في رؤيتها التغييرية للعالم، أو حتى في مواقفها الآنية من التحولات المتجددة، والتي تحاصر مشروعيتها ومدى صلاحية بقائها فاعلة على الأرض، من أهم ما يمكن الاستدلال به عليها على مدى بشريتها، وأنها خطابات قابلة للخطأ والصواب، بل والمحدودية من حيث ارتباطها بواقع خاص جداً لا يتجاوز حتى جغرافية المكان الذي تنتمي إليه. السؤال الحقيقي الذي تغيبه هذه الخطابات الدينية هو مدى إمكانية أن يظل على قيد الحياة، وهو يحمل مسببات موته معه، متى ما استمرت حالة الغياب لأي مراجعات نقدية لأطروحاته مقارنة بالواقع الذي لا زال يؤكد لنا يوما بعد يوم أن «البقاء للأصلح».