زوربا
07-06-2006, 03:33 PM
الجزائر ـ سليمة لبال
على رغم أن عددهن في الجزائر بلغ تسعة ملايين حسب إحصائيات غير رسمية،إلا أن غالبيتهن يفضلن حياة العزوبية وان فاقت أعمارهن الثلاثين، على أن تسقط الواحدة منهن في فخ زوج يتظاهر بالحب والحنان، لكنه سرعان ما يميط اللثام عن وجهه، كاشفا حقيقة غير تلك التي صورها وواقعا مرا مخالفا لذاك الذي أظهره في البداية، لتدخلن مرحلة يستحيل تجاوزها،بعد أن بلغت الفأس الرأس، فتراهن يتحملن لقب العانس أو 'البايرة' بالعامية الجزائرية على أن يرمين أنفسهن في غياهب لا تعرف نهايتها، ويجهدن أنفسهن في العمل، فيعتلين مناصب قيادية سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة أو على مستوى قيادات الأحزاب السياسية أو الهيئات المنتخبة أو حتى في الجيش والدرك والشرطة، ليفضلن النجاح المهني على انكسار عاطفي قد يقتلهن إلى الأبد، فيفقدن القدرة على النهوض من جديد.
السيدة تونس، هي عجوز في السبعين من عمرها، التقيتها وأنا أنتظر دوري عند طبيب الأسنان. هي نموذج للنساء الريفيات الجزائريات اللواتي عايشن الثورة ولم يكن محظوظات لنيل قسط من التعليم، لكن الحياة وتجاربها صقلت لديهن خبرات كبيرة، قالت لي لما سألتها عن رأيها في زواج اليوم:
تصوري لقد صعقت وأنا أرى ابن ابنتي وهو يضرب زوجته، التي أنا جدتها أيضا، صفعها أمامي من دون أدنى احترام، على رغم أن زواجهما لم تمر عليه سنة واحدة. تمنيت في تلك اللحظة أن تشق الأرض وتبتلعني حية قبل أن أرى ما رأيت. المرأة عند جيلنا محترمة ولكن الظروف الاجتماعية المتدنية في الفترة الراهنة جعلت منها مجرد قطعة بالبيت يتخلص منها الرجل متى شاء، وعليه فضلت لو أن حفيدتي لم تتزوج قط، على أن تعامل بمثل تلك الطريقة الخشنة التي سلبت ليس فقط أنوثتها وإنما حتى شعورها بأنها إنسانة.
جواب السيدة تونس وتقاسيم وجهها والأخاديد التي رسمتها التجاعيد عليه، جعلتني اطرح السؤال التالي: لماذا تتأخر الجزائريات اليوم في اختيار شريك الحياة ولم يعزف الشباب عن الزواج؟
حملت 'القبس' السؤال وراحت تطرحه هنا وهناك، كان سؤالا قنبلة في أعين البعض وسؤالا محظورا عند البعض الآخر وإجابته من الممنوعات، لكنه كان عاديا ولا يحتاج إلى مقدمات ولا تمهيد عند فئة أخرى.
عرسان غير مناسبين
صفية، آنسة في عقدها الرابع، جميلة وجذابة ورشيقة، شعرها ذهبي منساب على كتفيها وعيناها خضراوان تسحر الرائين وتبهر جميع من يراها، سألتها 'ما الذي ينقصك وأنت على قدر من الجمال والبهاء حتى تزفي إلى نصفك الثاني؟ فأجابت:
لم أجده حتى الآن، أحيانا كثيرة أرجع تأخري في الزواج إلى دراساتي العليا والى اهتمامي لسنوات بمستقبلي المهني، لكني عندما أتذكر جارات لي لم يخرجن من بيوتهن ولم يدرسن، لكنهن لم يظفرن بزوج مثلي، احمد الله الذي حباني هذه المكانة التي اعتز بها، على الأقل انا إنسانة منتجة وبإمكاني شغل نفسي عما يمكن أن يؤرق خاطري ويجعلني حبيسة أفكار سوداوية.
صفية تقول ان من خطبوها منذ وقت مضى لم يكونوا أناسا طموحين ولم يكونوا يستجيبون لتطلعاتها خصوصا أنها على ثقافة عالية ونالت أعلى الشهادات ومن أرقى الجامعات الجزائرية، كما أن مهنتها في الوزارة جعلها تستفيد من عدة بعثات إلى فرنسا وبريطانيا مكنتها من تحسين مستواها. وفي المقابل لم تجد من يشاركها اهتماماتها، لذلك تفضل أن تعيش حياتها وفق النمط الذي تراه مناسبا من دون أن يكون لأي كان تأثير على المسار الذي تسلكه.
إن كانت هذه حال صفية، فان حال أحلام أكثر تعقيدا، لقد بقيت مخطوبة لأكثر من عشر سنوات، وكانت العلاقة التي تجمعها بخطيبها علاقة حب تمتد إلى سنوات الصبا الأولى، لكن اشتراط والديها لمسكن لإتمام مراسيم الزواج اجل عقد القران لسنوات، ليلغى نهائيا بعد أن وقع جمال، وهو سائق في إحدى المؤسسات الخاصة، ضحية سيدة أعمال أوهمته بأنها صاحبة وكالة عقارية، لكنها سلبت منه تحويشة العمر لتتركه يصارع القدر وحده. تقول أحلام:
لم أجد ما افعله وانا أرى سنوات عمري وسنوات انتظاري تضيع مني، لقد خيرني خطيبي بين انتظار المسكن الذي لن يأتي وبين الانسحاب من حياته، وبتاثير من والدي قررت الابتعاد.
اليوم عمري 36 سنة ولا أرى أن هناك مجالا لان ارتبط برجل آخر، لان الظروف قست علي وسلبت مني حلم الطفولة وأحلى سنوات الشباب.
قدر ومكتوب
أسماء موظفة مرموقة في مؤسسة جزائرية معروفة، لا تجد مانعا في التحدث عن الموضوع على الرغم من أنها جاوزت الأربعين بخمس سنوات، ذلك أن الزواج بالنسبة إليها هو قدر مكتوب، على اعتبار أنها امرأة ريفية ومتشبعة بقيم وتقاليد لم تمحها المدينة ولم تلغها الحضارة والعصرنة المصطنعة على مستوى العاصمة، قالت ل'القبس' وفي نفسها الكثير من الغيظ والحنق:
يظلمنا المجتمع كثيرا وكثيرا ما ننعت بشتى الصفات لان الله أراد لنا هذا النصيب، فلو كان الخيار بيدي لفضلت أن أكون اليوم أما وسيدة بيت تقوم على خدمة زوجها، لكنها الأقدار شاءت وأنا أرحب بها. وعلى رغم تقدم السن وعدم ظفري بزوج مناسب، إلا أني احمد الله ليل نهار على وضعيتي، فانا سيدة نفسي ولي صديقات يعانين الأمرين من أزواجهن بسبب انعدام الثقة والخيانة التي وجدت لها مكانا في حياة أزواج اليوم خصوصا في المدن الكبرى. تصوري أن غالبية من يقاسمونني الشغل بالمؤسسة لهن خليلات والارتباط برجل خائن أمر لا استطيع تحمله.
وأما نصيرة وهي معلمة فلا تزال تحلم بعريس المستقبل ولا تزال مصرة على إكمال جهازها والتسوق أسبوعيا لاختيار ما استجد في عالم الموضة، حلم مشروع تقول نصيرة وغير مستحيل وهي في انتظار أن يطرق إنسان مناسب باب بيتها ليطلب يدها من والدتها التي جاوزت الثمانين وشغلها الشاغل أن تزف ابنتها إلى بيت عريسها.
الموضوع من المحظورات عند بعضهن
وإذا كانت النسوة اللواتي تكلمت إليهن قد رحبن بالموضوع، إلا أن سكينة، وتعمل في قسم البيولوجيا بمستشفى جامعي بالعاصمة، رفضت التعبير عن موقفها أو التحدث إلي على الرغم من تكوينها الجامعي والمستوى الذي بلغته، معتبرة أن الأمر لا ينبغي أبدا أن يكون موضوعا ينشر على صفحات الجرائد.
سكينة هي واحدة من النساء اللواتي يربطن نجاحهن بالارتباط برجل، إلا أن رتيبة تقول ان النجاح يمكن أن يقاس أيضا بقيمة الانجازات التي تحرزها المرأة إذا فشلت في اصطياد رجل، فالرجال حسبما أصبحوا اليوم عملة نادرة والظفر بواحد منهم بات قضية، تستدعى إليها كل إمكانات وقدرات المرأة.
خوف من الفشل
مجموعة أخرى من النساء اللواتي جلست إليهن وهن يتمتعن بأشعة الشمس على شاطئ شنوة غرب الجزائر، أكدن لي أن الخوف من الفشل والرهبة من الطلاق الذي قد يوسم حياتهن بعار يصعب غسله فيما بعد، يجعلهن يترددن في قبول أي كان، ذلك أن الحياة كثيرا ما تخبئ مفاجآت غير سارة ينبغي الاحتياط لها والتحضير لها بعناية فائقة.
سمية محامية على قدر من الجمال والمركز، قالت:
لم أكن اعتقد ان الحب الذي أوهمني به خطيبي كان خيالا سرعان ما هوى بعد أن اكتشفت أن هدفه هو الاستحواذ على العقارات التي ورثتها عن والدتي رحمها الله وطمعه في المبالغ التي اجنيها نظير عملي، لم اصدق أذني وأنا اسمع تسجيلا أحضرته صديقة لي بعد أن جرته في الحديث حتى ينكشف أمامي فلا أخدع.
لا تستطيع المرأة اليوم تفهم سر لجوء الرجل إلى الكذب، فلا شيء بإمكانه أن يبرر هذه الصفة المنبوذة لدى من تحدثت إليهن، كلهن يؤكدن أن الكذب يفقد الرجل رجولته ويجعله يصغر في عين المرأة، التي لا تغفر بالطبع التلاعب بمشاعرها وأحاسيسها.
وان كان قلب سمية اكتوى بفعل الخديعة، فان كريمة لا تزال تتذكر كيف أن رفضها لخاطب من أبناء الجيران جعلها رهينة العنوسة، بعد أن حلف أغلظ الأيمان بأنه سيكون السبب في إبعاد جميع العرسان الذين يتقدمون إليها. وبالفعل جرى ذلك، وهي اليوم تعيش على ذكرى زمان أيام كانت تعيش شبابها، وعلى رغم ذلك فهي ليست نادمة على قرارها.
الانتظار بدل الغرق
هل انتن سعيدات؟ وما شعوركن وانتن تناضلن بل حماية رجولية؟
سؤالان طرحتهما على عدد من النسوة العانسات. تباينت إجاباتهن لكنهن أكدن أن العيش بلا رجل يجعلهن محل استهزاء وسخرية واستهجان من قبل أفراد المجتمع الذي لا يرحم، كما أنهن أوضحن أنهن لا يستطعن المغامرة والعيش في هوان مع رجال لا يتناسبون وطموحاتهن وأحلامهن، إنها أذواق وحياة طويلة ومديدة لا يمكن أن تحسب هكذا بقرار اعتباطي غير مدروس، إنهن نساء يحلمن ببيت مستقر وبان يعشن حياة هنيئة أساسها الصراحة والثقة، لكنهن لا يجدن من يضمن لهن الحماية العاطفية والنفسية قبل الجسدية، فينزعن إلى العزوف عن الزواج والتريث في انتظار ذاك القادم من بعيد.
شروط تعجيزية
يرجع العديد من الشباب أسباب عزوفهم عن الزواج إلى كثرة طلبات أهل العروس، فهم يشترطون مهرا لا يقل عن 1200 دولار وحليا ذهبية والتكفل بمصاريف العرس وغيرها من الشروط التي يراها العريس تعجيزية ولا تتوافق وقدراته وتجعله يقترض ويقترض، مما ينعكس سلبا على حياته الزوجية بعد إتمام مراسيم الحفل.
وعلى صعيد آخر أصبح الشباب الجزائريين يفضلون الزواج من عاملات قصد تقاسم أعباء الحياة، فتكاليف الإيجار والكهرباء والغاز والماء والهاتف والأكل، ما عاد يستطيع راتب واحد استيفاءها، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة لدى الماكثات بالبيت ممن لا يملكن صنعة أو لا يوفرن مصروف يومهن.
لكن من جهة أخرى العاملات أيضا غير مقبولات وغير مرغوب فيهن من قبل فئة معينة من الرجال، ذلك أنهن يحملن منظومة قيمية أخرى وطباعا مخالفة ويصعب التحكم فيهن، لتعودهن على الخروج والدخول إن شئن وهو ما يجعل من مسالة تكيفهن مع عالمهن الجديد أمرا مستحيلا بالنسبة إلى عدد من الرجال.
غلاء للمهور ولا توافق ثقافي
يقول أستاذ علم الاجتماع زكريا فارس إن أهم الأسباب التي تؤخر النساء الجزائريات عن الزواج هو عدم تمكن الرجال من التقدم إلى خطبتهن بسبب غلاء المهور وأزمة السكن الخانقة والبطالة وضعف القدرة الشرائية، فيما لا تجد نساء بلغن مستويات ثقافية ومهنية عليا، من يتناسب مع مركزهن فيعزفن هن الأخريات عن الزواج في انتظار عريس أفضل وغالبيتهن يحظين بمرتبة الزوجة الثانية لرجال يتجاوزون في غالبية الأحيان سن الخامسة والأربعين وهذا أمر منطقي ومفهوم.
وأكد فارس أن أهم أسباب العنوسة تعود إلى شروط العروس وأهلها ولو أن بعض الجمعيات الجزائرية حاولت أن تخفف منها من خلال تنظيمها للزواج الجماعي مثل الجمعية الإسلامية التي كان يرأسها الشيخ شمس الدين لكنها حلت قبل ثلاث سنوات بأمر من والي العاصمة آنذاك بسبب جمعها الأموال بطرق قيل أنها غير نظامية ولا قانونية.
فكرة الزواج الجماعي عرفت انتشارا خلال السنوات الأخيرة في الجزائر، ولعل بنو ميزاب في غرداية هم أول من أسس لها في الجزائر حيث ينظمون موسميا زيجات جماعية، يزف فيها العديد من نساء المدينة إلى شباب من المنطقة ذاتها بدعم من الأعيان والسلطات المحلية، وهو أمر استحسنته مناطق أخرى وراحت تنظم هي الأخرى حفلات للزواج الجماعي للمحتاجين والفقراء الذين لا يستطيعون إكمال نصف دينهم. وعلى رغم ذلك تبقى المشكلة حقيقة لعلاقتها بتركيبة اجتماعية وأخلاقية لمجتمع بأسره.
على رغم أن عددهن في الجزائر بلغ تسعة ملايين حسب إحصائيات غير رسمية،إلا أن غالبيتهن يفضلن حياة العزوبية وان فاقت أعمارهن الثلاثين، على أن تسقط الواحدة منهن في فخ زوج يتظاهر بالحب والحنان، لكنه سرعان ما يميط اللثام عن وجهه، كاشفا حقيقة غير تلك التي صورها وواقعا مرا مخالفا لذاك الذي أظهره في البداية، لتدخلن مرحلة يستحيل تجاوزها،بعد أن بلغت الفأس الرأس، فتراهن يتحملن لقب العانس أو 'البايرة' بالعامية الجزائرية على أن يرمين أنفسهن في غياهب لا تعرف نهايتها، ويجهدن أنفسهن في العمل، فيعتلين مناصب قيادية سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة أو على مستوى قيادات الأحزاب السياسية أو الهيئات المنتخبة أو حتى في الجيش والدرك والشرطة، ليفضلن النجاح المهني على انكسار عاطفي قد يقتلهن إلى الأبد، فيفقدن القدرة على النهوض من جديد.
السيدة تونس، هي عجوز في السبعين من عمرها، التقيتها وأنا أنتظر دوري عند طبيب الأسنان. هي نموذج للنساء الريفيات الجزائريات اللواتي عايشن الثورة ولم يكن محظوظات لنيل قسط من التعليم، لكن الحياة وتجاربها صقلت لديهن خبرات كبيرة، قالت لي لما سألتها عن رأيها في زواج اليوم:
تصوري لقد صعقت وأنا أرى ابن ابنتي وهو يضرب زوجته، التي أنا جدتها أيضا، صفعها أمامي من دون أدنى احترام، على رغم أن زواجهما لم تمر عليه سنة واحدة. تمنيت في تلك اللحظة أن تشق الأرض وتبتلعني حية قبل أن أرى ما رأيت. المرأة عند جيلنا محترمة ولكن الظروف الاجتماعية المتدنية في الفترة الراهنة جعلت منها مجرد قطعة بالبيت يتخلص منها الرجل متى شاء، وعليه فضلت لو أن حفيدتي لم تتزوج قط، على أن تعامل بمثل تلك الطريقة الخشنة التي سلبت ليس فقط أنوثتها وإنما حتى شعورها بأنها إنسانة.
جواب السيدة تونس وتقاسيم وجهها والأخاديد التي رسمتها التجاعيد عليه، جعلتني اطرح السؤال التالي: لماذا تتأخر الجزائريات اليوم في اختيار شريك الحياة ولم يعزف الشباب عن الزواج؟
حملت 'القبس' السؤال وراحت تطرحه هنا وهناك، كان سؤالا قنبلة في أعين البعض وسؤالا محظورا عند البعض الآخر وإجابته من الممنوعات، لكنه كان عاديا ولا يحتاج إلى مقدمات ولا تمهيد عند فئة أخرى.
عرسان غير مناسبين
صفية، آنسة في عقدها الرابع، جميلة وجذابة ورشيقة، شعرها ذهبي منساب على كتفيها وعيناها خضراوان تسحر الرائين وتبهر جميع من يراها، سألتها 'ما الذي ينقصك وأنت على قدر من الجمال والبهاء حتى تزفي إلى نصفك الثاني؟ فأجابت:
لم أجده حتى الآن، أحيانا كثيرة أرجع تأخري في الزواج إلى دراساتي العليا والى اهتمامي لسنوات بمستقبلي المهني، لكني عندما أتذكر جارات لي لم يخرجن من بيوتهن ولم يدرسن، لكنهن لم يظفرن بزوج مثلي، احمد الله الذي حباني هذه المكانة التي اعتز بها، على الأقل انا إنسانة منتجة وبإمكاني شغل نفسي عما يمكن أن يؤرق خاطري ويجعلني حبيسة أفكار سوداوية.
صفية تقول ان من خطبوها منذ وقت مضى لم يكونوا أناسا طموحين ولم يكونوا يستجيبون لتطلعاتها خصوصا أنها على ثقافة عالية ونالت أعلى الشهادات ومن أرقى الجامعات الجزائرية، كما أن مهنتها في الوزارة جعلها تستفيد من عدة بعثات إلى فرنسا وبريطانيا مكنتها من تحسين مستواها. وفي المقابل لم تجد من يشاركها اهتماماتها، لذلك تفضل أن تعيش حياتها وفق النمط الذي تراه مناسبا من دون أن يكون لأي كان تأثير على المسار الذي تسلكه.
إن كانت هذه حال صفية، فان حال أحلام أكثر تعقيدا، لقد بقيت مخطوبة لأكثر من عشر سنوات، وكانت العلاقة التي تجمعها بخطيبها علاقة حب تمتد إلى سنوات الصبا الأولى، لكن اشتراط والديها لمسكن لإتمام مراسيم الزواج اجل عقد القران لسنوات، ليلغى نهائيا بعد أن وقع جمال، وهو سائق في إحدى المؤسسات الخاصة، ضحية سيدة أعمال أوهمته بأنها صاحبة وكالة عقارية، لكنها سلبت منه تحويشة العمر لتتركه يصارع القدر وحده. تقول أحلام:
لم أجد ما افعله وانا أرى سنوات عمري وسنوات انتظاري تضيع مني، لقد خيرني خطيبي بين انتظار المسكن الذي لن يأتي وبين الانسحاب من حياته، وبتاثير من والدي قررت الابتعاد.
اليوم عمري 36 سنة ولا أرى أن هناك مجالا لان ارتبط برجل آخر، لان الظروف قست علي وسلبت مني حلم الطفولة وأحلى سنوات الشباب.
قدر ومكتوب
أسماء موظفة مرموقة في مؤسسة جزائرية معروفة، لا تجد مانعا في التحدث عن الموضوع على الرغم من أنها جاوزت الأربعين بخمس سنوات، ذلك أن الزواج بالنسبة إليها هو قدر مكتوب، على اعتبار أنها امرأة ريفية ومتشبعة بقيم وتقاليد لم تمحها المدينة ولم تلغها الحضارة والعصرنة المصطنعة على مستوى العاصمة، قالت ل'القبس' وفي نفسها الكثير من الغيظ والحنق:
يظلمنا المجتمع كثيرا وكثيرا ما ننعت بشتى الصفات لان الله أراد لنا هذا النصيب، فلو كان الخيار بيدي لفضلت أن أكون اليوم أما وسيدة بيت تقوم على خدمة زوجها، لكنها الأقدار شاءت وأنا أرحب بها. وعلى رغم تقدم السن وعدم ظفري بزوج مناسب، إلا أني احمد الله ليل نهار على وضعيتي، فانا سيدة نفسي ولي صديقات يعانين الأمرين من أزواجهن بسبب انعدام الثقة والخيانة التي وجدت لها مكانا في حياة أزواج اليوم خصوصا في المدن الكبرى. تصوري أن غالبية من يقاسمونني الشغل بالمؤسسة لهن خليلات والارتباط برجل خائن أمر لا استطيع تحمله.
وأما نصيرة وهي معلمة فلا تزال تحلم بعريس المستقبل ولا تزال مصرة على إكمال جهازها والتسوق أسبوعيا لاختيار ما استجد في عالم الموضة، حلم مشروع تقول نصيرة وغير مستحيل وهي في انتظار أن يطرق إنسان مناسب باب بيتها ليطلب يدها من والدتها التي جاوزت الثمانين وشغلها الشاغل أن تزف ابنتها إلى بيت عريسها.
الموضوع من المحظورات عند بعضهن
وإذا كانت النسوة اللواتي تكلمت إليهن قد رحبن بالموضوع، إلا أن سكينة، وتعمل في قسم البيولوجيا بمستشفى جامعي بالعاصمة، رفضت التعبير عن موقفها أو التحدث إلي على الرغم من تكوينها الجامعي والمستوى الذي بلغته، معتبرة أن الأمر لا ينبغي أبدا أن يكون موضوعا ينشر على صفحات الجرائد.
سكينة هي واحدة من النساء اللواتي يربطن نجاحهن بالارتباط برجل، إلا أن رتيبة تقول ان النجاح يمكن أن يقاس أيضا بقيمة الانجازات التي تحرزها المرأة إذا فشلت في اصطياد رجل، فالرجال حسبما أصبحوا اليوم عملة نادرة والظفر بواحد منهم بات قضية، تستدعى إليها كل إمكانات وقدرات المرأة.
خوف من الفشل
مجموعة أخرى من النساء اللواتي جلست إليهن وهن يتمتعن بأشعة الشمس على شاطئ شنوة غرب الجزائر، أكدن لي أن الخوف من الفشل والرهبة من الطلاق الذي قد يوسم حياتهن بعار يصعب غسله فيما بعد، يجعلهن يترددن في قبول أي كان، ذلك أن الحياة كثيرا ما تخبئ مفاجآت غير سارة ينبغي الاحتياط لها والتحضير لها بعناية فائقة.
سمية محامية على قدر من الجمال والمركز، قالت:
لم أكن اعتقد ان الحب الذي أوهمني به خطيبي كان خيالا سرعان ما هوى بعد أن اكتشفت أن هدفه هو الاستحواذ على العقارات التي ورثتها عن والدتي رحمها الله وطمعه في المبالغ التي اجنيها نظير عملي، لم اصدق أذني وأنا اسمع تسجيلا أحضرته صديقة لي بعد أن جرته في الحديث حتى ينكشف أمامي فلا أخدع.
لا تستطيع المرأة اليوم تفهم سر لجوء الرجل إلى الكذب، فلا شيء بإمكانه أن يبرر هذه الصفة المنبوذة لدى من تحدثت إليهن، كلهن يؤكدن أن الكذب يفقد الرجل رجولته ويجعله يصغر في عين المرأة، التي لا تغفر بالطبع التلاعب بمشاعرها وأحاسيسها.
وان كان قلب سمية اكتوى بفعل الخديعة، فان كريمة لا تزال تتذكر كيف أن رفضها لخاطب من أبناء الجيران جعلها رهينة العنوسة، بعد أن حلف أغلظ الأيمان بأنه سيكون السبب في إبعاد جميع العرسان الذين يتقدمون إليها. وبالفعل جرى ذلك، وهي اليوم تعيش على ذكرى زمان أيام كانت تعيش شبابها، وعلى رغم ذلك فهي ليست نادمة على قرارها.
الانتظار بدل الغرق
هل انتن سعيدات؟ وما شعوركن وانتن تناضلن بل حماية رجولية؟
سؤالان طرحتهما على عدد من النسوة العانسات. تباينت إجاباتهن لكنهن أكدن أن العيش بلا رجل يجعلهن محل استهزاء وسخرية واستهجان من قبل أفراد المجتمع الذي لا يرحم، كما أنهن أوضحن أنهن لا يستطعن المغامرة والعيش في هوان مع رجال لا يتناسبون وطموحاتهن وأحلامهن، إنها أذواق وحياة طويلة ومديدة لا يمكن أن تحسب هكذا بقرار اعتباطي غير مدروس، إنهن نساء يحلمن ببيت مستقر وبان يعشن حياة هنيئة أساسها الصراحة والثقة، لكنهن لا يجدن من يضمن لهن الحماية العاطفية والنفسية قبل الجسدية، فينزعن إلى العزوف عن الزواج والتريث في انتظار ذاك القادم من بعيد.
شروط تعجيزية
يرجع العديد من الشباب أسباب عزوفهم عن الزواج إلى كثرة طلبات أهل العروس، فهم يشترطون مهرا لا يقل عن 1200 دولار وحليا ذهبية والتكفل بمصاريف العرس وغيرها من الشروط التي يراها العريس تعجيزية ولا تتوافق وقدراته وتجعله يقترض ويقترض، مما ينعكس سلبا على حياته الزوجية بعد إتمام مراسيم الحفل.
وعلى صعيد آخر أصبح الشباب الجزائريين يفضلون الزواج من عاملات قصد تقاسم أعباء الحياة، فتكاليف الإيجار والكهرباء والغاز والماء والهاتف والأكل، ما عاد يستطيع راتب واحد استيفاءها، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة لدى الماكثات بالبيت ممن لا يملكن صنعة أو لا يوفرن مصروف يومهن.
لكن من جهة أخرى العاملات أيضا غير مقبولات وغير مرغوب فيهن من قبل فئة معينة من الرجال، ذلك أنهن يحملن منظومة قيمية أخرى وطباعا مخالفة ويصعب التحكم فيهن، لتعودهن على الخروج والدخول إن شئن وهو ما يجعل من مسالة تكيفهن مع عالمهن الجديد أمرا مستحيلا بالنسبة إلى عدد من الرجال.
غلاء للمهور ولا توافق ثقافي
يقول أستاذ علم الاجتماع زكريا فارس إن أهم الأسباب التي تؤخر النساء الجزائريات عن الزواج هو عدم تمكن الرجال من التقدم إلى خطبتهن بسبب غلاء المهور وأزمة السكن الخانقة والبطالة وضعف القدرة الشرائية، فيما لا تجد نساء بلغن مستويات ثقافية ومهنية عليا، من يتناسب مع مركزهن فيعزفن هن الأخريات عن الزواج في انتظار عريس أفضل وغالبيتهن يحظين بمرتبة الزوجة الثانية لرجال يتجاوزون في غالبية الأحيان سن الخامسة والأربعين وهذا أمر منطقي ومفهوم.
وأكد فارس أن أهم أسباب العنوسة تعود إلى شروط العروس وأهلها ولو أن بعض الجمعيات الجزائرية حاولت أن تخفف منها من خلال تنظيمها للزواج الجماعي مثل الجمعية الإسلامية التي كان يرأسها الشيخ شمس الدين لكنها حلت قبل ثلاث سنوات بأمر من والي العاصمة آنذاك بسبب جمعها الأموال بطرق قيل أنها غير نظامية ولا قانونية.
فكرة الزواج الجماعي عرفت انتشارا خلال السنوات الأخيرة في الجزائر، ولعل بنو ميزاب في غرداية هم أول من أسس لها في الجزائر حيث ينظمون موسميا زيجات جماعية، يزف فيها العديد من نساء المدينة إلى شباب من المنطقة ذاتها بدعم من الأعيان والسلطات المحلية، وهو أمر استحسنته مناطق أخرى وراحت تنظم هي الأخرى حفلات للزواج الجماعي للمحتاجين والفقراء الذين لا يستطيعون إكمال نصف دينهم. وعلى رغم ذلك تبقى المشكلة حقيقة لعلاقتها بتركيبة اجتماعية وأخلاقية لمجتمع بأسره.