على
07-05-2006, 05:03 PM
محمد الرميحي - الحياة
- 05/07/06//
كثيرون من المعلقين على نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت تسرعوا بالقول «إن الإسلاميين فازوا في الانتخابات الكويتية» بل أن بعضهم تحدث عن «حماس في الكويت» وبعضهم ربط بين ما تم وظاهرة عامة في دول عربية وإسلامية حقق الإسلاميون فيها تقدماً كبيراً مثل مصر والعراق ولبنان والبحرين وإيران وتركيا. وإذا كان القول ذاك يتصف بالعمومية وربما عدم الدقة، حيث أن برنامج الإسلاميين في تركيا غيره بالطبع في إيران، فانه من ذلك المنطلق وغيره لا يمكن أن يوضع الجميع في سلة واحدة، إلا أن الذي تم في الكويت يختلف جزئيا عن ذلك.
تتصف الانتخابات العامة الحرة في منطقتنا العربية بالتنوع والتغير، وإذا كان هناك توصيف دقيق لما حدث في الكويت يوم الخميس الفائت فهو ان الناس صوتت للإصلاح. بدليل أن من عرف شعبيا بـ «الفساد» ومحسوباً على الإسلاميين تحول عنه الناخب لآخرين، كما أنه تم إبدال رجل دين يعتمر العمامة بأشخاص آخرين والعمامة هنا رمزية، وحدث التحول إذا ليس بسبب انتماء ديني ولكن بسبب موقف سياسي، وهو دليل على أولوية الإصلاح والشفافية على الانتماء الحقيقي او المظهري. من هنا يمكن أن يطمئن البعض إلى أن الديموقراطية هي آلية يمكن أن تصحح نفسها في المجتمع المنفتح الذي يمارس حرية القول، حيث ينطبق عليها القول: انك يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لا كل الناس كل الوقت!
فالإصلاح هو الهدف الذي صوت له الناخب و الناخبة الكويتيان، وذا كان الإصلاح له مدخل، فمدخله إصلاح النظام الانتخابي، وهو مطلب العامة من الناس، ومن الملاحظ انه مطلب في الديموقراطيات الناشئة، هو المطلب نفسه في البحرين ولبنان والمغرب. اللبنانيون مثلا شكلوا هيئة مستقلة ذات كفاءة عالية للنظر في إصلاح النظام الانتخابي، وبعد أن وضعت تقريرها أصبح هناك من يعارض، وهو أمر يعني صعوبة التوافق.
الرأي العام الكويتي يريد أن يتحول إلى خمس دوائر، لا لأنها الأصلح بل لأنها أخذت جزءا غير يسير من التوافق العام، وهي بالتأكيد طريق للإصلاح لا كل الإصلاح. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد صرح علنا انه مع الدائرة الواحدة، وهي الأوفق كثيرا من أي اقتراح آخر، فهي تحقق النسبية التي لم يتحدث عنها احد حتى الآن وتحقق العدالة شبه المطلقة. والملفت أن لبنان، بعد دراسات كثيرة، وجد أن أفضل توزيع للدوائر هو الدائرة الواحدة مع النسبية.
موضوع الإصلاح بالطبع اكبر من موضوع تعديل الدوائر، فهو طريق طويل وأيضا متجدد، إلا أن الأهم هو أن تكون هناك إرادة مجتمعية لما يراد للمجتمع أن يكون. لا تتوفر هذه الإرادة حتى الآن، وان توفرت فهي محصورة في قطاع صغير من الناس.
الفساد كان القطب الثاني في الحملة الانتخابية السريعة التي تمت في الكويت، ولكن ما هو الفساد؟ لم يحدد احد بالضبط ما يعنيه، وأن ترك الشعار هكذا فان المجاميع تفسره كما يفهمه كل منها من وجهة نظر مخالفة، وهو (أي الفساد) يعرف في الغالب بأنه استخدام سلطة لمنفعة خاصة أو محدودة لأناس بعينهم، وإذا كان هذا هو المفهوم الأكثر شيوعا، فإنه لا يقتصر على السلطة التنفيذية، بل أيضاً على السلطات الأخرى التشريعية والقضائية وحتى السلطة الرابعة، أي كل شخص له سلطة يستخدمها «أخلاقياً» لمنفعة خاصة. ومحاربة الفساد بهذا الشمول تحتاج إلى قوانين ومؤسسات، وتحتاج إلى التعرف على سلوكيات لها علاقة بالأفراد في المجتمع. وإلا أصبح ما يخصني هو «الإصلاح» وما يخص الآخرين هو «الفساد» والحاجة إلى مرجعية هنا لها أهمية كأهمية محاربة الفساد ذاتها.
لقد توقع كثيرون أن تكون المرأة في الكويت ذات تأثير اكبر مما حدث بالفعل، فقد كانت هذه الانتخابات هي الأولى التي تشارك فيها المرأة، ولكن نسبة المشاركة كانت فقط 35 في المئة، وهذا رقم متدن إلى حد كبير، اذا قارناه بما كانت نسب الانتخابات السابقة للرجل التي كانت تصل في معظم الأوقات إلى مساهمة 80 في المئة من الناخبين. تفسيرات الرقم المتدني كثيرة، ربما كانت لها علاقة بأكثر من عامل، منه الفترة الصيفية الساخنة، ومنه تأثير المجتمع المحافظ على المرأة وخروجها للمشاركة العامة، ولكن الأهم هو التفسير السياسي الذي يمكن إيجازه بقلة وعي لأهمية المساهمة المجتمعية. الكثير من الصور التي نقلت إلى العالم حول مساهمة المرأة الكويتية في الانتخابات الماضية هي صور للقلة التي تنحدر من وضع اقتصادي وتعليمي محدد، أما اغلبية نساء الكويت فقد عزفن عن المشاركة الفعالة. وفي الوقت نفسه لم تستطع امرأة من المرشحات أن تنافس في مرتبة تؤهلها للفوز. لقد اقتصرت المرأة المرشحة في دعوتها على موضوعات نسوية وأسرية واجتماعية، في الوقت الذي خيضت فيه الانتخابات على خلفية احتقان سياسي حاد واستقطاب غير مسبوق. كل ذلك يعني أن المرأة الكويتية ليست أفضل من أختها العربية في العديد من الدول التي مارست الانتخاب والترشيح. حظ المرأة ما زال محدوداً في الولاية العامة وفي الانتخاب.
أما المشهد الملفت في الانتخابات الكويتية الاخيرة فهو انخراط الشباب غير المسبوق واعتمادهم على التقنية الحديثة في التواصل، من رسائل الجوال إلى الموقع على الشبكة الدولية للانترنت إلى البلوغرز الحديث. وهو يعني ضمن ما يعني أن الشباب وقد أصبح لهم وعي كبير بما يدور من حولهم من أحداث لا بد أن ينعكس ذلك على مطالبات جديدة، خاصة أذا عرفنا أن ثلاثة ارباع المجتمع الكويتي تقريبا هم دون العشرين من العمر! توافق الشباب والتقنية الحديثة لا بد أن يلفتا نظر متخذ القرار الكويتي إلى أهمية النظر في مطالب هذه الشريحة، التي لم تعرف «الأيام الخوالي» من الفقر والضنك، وخرجت إلى الدنيا معتبرة ما هو قائم هو الحد الأدنى من المرغوب. وانعكس ذلك على متوسط سن عضو المجلس الجديد، الذي إذا استثنينا بعض «التاريخين» فيه، فإن اغلبيته شبابية.
كاتب كويتي.
- 05/07/06//
كثيرون من المعلقين على نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت تسرعوا بالقول «إن الإسلاميين فازوا في الانتخابات الكويتية» بل أن بعضهم تحدث عن «حماس في الكويت» وبعضهم ربط بين ما تم وظاهرة عامة في دول عربية وإسلامية حقق الإسلاميون فيها تقدماً كبيراً مثل مصر والعراق ولبنان والبحرين وإيران وتركيا. وإذا كان القول ذاك يتصف بالعمومية وربما عدم الدقة، حيث أن برنامج الإسلاميين في تركيا غيره بالطبع في إيران، فانه من ذلك المنطلق وغيره لا يمكن أن يوضع الجميع في سلة واحدة، إلا أن الذي تم في الكويت يختلف جزئيا عن ذلك.
تتصف الانتخابات العامة الحرة في منطقتنا العربية بالتنوع والتغير، وإذا كان هناك توصيف دقيق لما حدث في الكويت يوم الخميس الفائت فهو ان الناس صوتت للإصلاح. بدليل أن من عرف شعبيا بـ «الفساد» ومحسوباً على الإسلاميين تحول عنه الناخب لآخرين، كما أنه تم إبدال رجل دين يعتمر العمامة بأشخاص آخرين والعمامة هنا رمزية، وحدث التحول إذا ليس بسبب انتماء ديني ولكن بسبب موقف سياسي، وهو دليل على أولوية الإصلاح والشفافية على الانتماء الحقيقي او المظهري. من هنا يمكن أن يطمئن البعض إلى أن الديموقراطية هي آلية يمكن أن تصحح نفسها في المجتمع المنفتح الذي يمارس حرية القول، حيث ينطبق عليها القول: انك يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لا كل الناس كل الوقت!
فالإصلاح هو الهدف الذي صوت له الناخب و الناخبة الكويتيان، وذا كان الإصلاح له مدخل، فمدخله إصلاح النظام الانتخابي، وهو مطلب العامة من الناس، ومن الملاحظ انه مطلب في الديموقراطيات الناشئة، هو المطلب نفسه في البحرين ولبنان والمغرب. اللبنانيون مثلا شكلوا هيئة مستقلة ذات كفاءة عالية للنظر في إصلاح النظام الانتخابي، وبعد أن وضعت تقريرها أصبح هناك من يعارض، وهو أمر يعني صعوبة التوافق.
الرأي العام الكويتي يريد أن يتحول إلى خمس دوائر، لا لأنها الأصلح بل لأنها أخذت جزءا غير يسير من التوافق العام، وهي بالتأكيد طريق للإصلاح لا كل الإصلاح. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد صرح علنا انه مع الدائرة الواحدة، وهي الأوفق كثيرا من أي اقتراح آخر، فهي تحقق النسبية التي لم يتحدث عنها احد حتى الآن وتحقق العدالة شبه المطلقة. والملفت أن لبنان، بعد دراسات كثيرة، وجد أن أفضل توزيع للدوائر هو الدائرة الواحدة مع النسبية.
موضوع الإصلاح بالطبع اكبر من موضوع تعديل الدوائر، فهو طريق طويل وأيضا متجدد، إلا أن الأهم هو أن تكون هناك إرادة مجتمعية لما يراد للمجتمع أن يكون. لا تتوفر هذه الإرادة حتى الآن، وان توفرت فهي محصورة في قطاع صغير من الناس.
الفساد كان القطب الثاني في الحملة الانتخابية السريعة التي تمت في الكويت، ولكن ما هو الفساد؟ لم يحدد احد بالضبط ما يعنيه، وأن ترك الشعار هكذا فان المجاميع تفسره كما يفهمه كل منها من وجهة نظر مخالفة، وهو (أي الفساد) يعرف في الغالب بأنه استخدام سلطة لمنفعة خاصة أو محدودة لأناس بعينهم، وإذا كان هذا هو المفهوم الأكثر شيوعا، فإنه لا يقتصر على السلطة التنفيذية، بل أيضاً على السلطات الأخرى التشريعية والقضائية وحتى السلطة الرابعة، أي كل شخص له سلطة يستخدمها «أخلاقياً» لمنفعة خاصة. ومحاربة الفساد بهذا الشمول تحتاج إلى قوانين ومؤسسات، وتحتاج إلى التعرف على سلوكيات لها علاقة بالأفراد في المجتمع. وإلا أصبح ما يخصني هو «الإصلاح» وما يخص الآخرين هو «الفساد» والحاجة إلى مرجعية هنا لها أهمية كأهمية محاربة الفساد ذاتها.
لقد توقع كثيرون أن تكون المرأة في الكويت ذات تأثير اكبر مما حدث بالفعل، فقد كانت هذه الانتخابات هي الأولى التي تشارك فيها المرأة، ولكن نسبة المشاركة كانت فقط 35 في المئة، وهذا رقم متدن إلى حد كبير، اذا قارناه بما كانت نسب الانتخابات السابقة للرجل التي كانت تصل في معظم الأوقات إلى مساهمة 80 في المئة من الناخبين. تفسيرات الرقم المتدني كثيرة، ربما كانت لها علاقة بأكثر من عامل، منه الفترة الصيفية الساخنة، ومنه تأثير المجتمع المحافظ على المرأة وخروجها للمشاركة العامة، ولكن الأهم هو التفسير السياسي الذي يمكن إيجازه بقلة وعي لأهمية المساهمة المجتمعية. الكثير من الصور التي نقلت إلى العالم حول مساهمة المرأة الكويتية في الانتخابات الماضية هي صور للقلة التي تنحدر من وضع اقتصادي وتعليمي محدد، أما اغلبية نساء الكويت فقد عزفن عن المشاركة الفعالة. وفي الوقت نفسه لم تستطع امرأة من المرشحات أن تنافس في مرتبة تؤهلها للفوز. لقد اقتصرت المرأة المرشحة في دعوتها على موضوعات نسوية وأسرية واجتماعية، في الوقت الذي خيضت فيه الانتخابات على خلفية احتقان سياسي حاد واستقطاب غير مسبوق. كل ذلك يعني أن المرأة الكويتية ليست أفضل من أختها العربية في العديد من الدول التي مارست الانتخاب والترشيح. حظ المرأة ما زال محدوداً في الولاية العامة وفي الانتخاب.
أما المشهد الملفت في الانتخابات الكويتية الاخيرة فهو انخراط الشباب غير المسبوق واعتمادهم على التقنية الحديثة في التواصل، من رسائل الجوال إلى الموقع على الشبكة الدولية للانترنت إلى البلوغرز الحديث. وهو يعني ضمن ما يعني أن الشباب وقد أصبح لهم وعي كبير بما يدور من حولهم من أحداث لا بد أن ينعكس ذلك على مطالبات جديدة، خاصة أذا عرفنا أن ثلاثة ارباع المجتمع الكويتي تقريبا هم دون العشرين من العمر! توافق الشباب والتقنية الحديثة لا بد أن يلفتا نظر متخذ القرار الكويتي إلى أهمية النظر في مطالب هذه الشريحة، التي لم تعرف «الأيام الخوالي» من الفقر والضنك، وخرجت إلى الدنيا معتبرة ما هو قائم هو الحد الأدنى من المرغوب. وانعكس ذلك على متوسط سن عضو المجلس الجديد، الذي إذا استثنينا بعض «التاريخين» فيه، فإن اغلبيته شبابية.
كاتب كويتي.