المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إصلاح أم "تربط عصاعص"!



موالى
07-05-2006, 12:44 AM
محمد عبدالقادر الجاسم


انتخابات رئاسة مجلس الأمة مهمة جدا وهي تحدد مسار العمل السياسي في البلاد في المرحلة القادمة, ولا أبالغ حين أقول أن تلك الانتخابات هي وتحديدا في المجلس الحالي, خطوة حاسمة باتجاه الإصلاح أو تعزيز نفوذ مؤسسة الفساد والإفساد.

يتنافس على الرئاسة, بشكل علني حتى الآن, كل من جاسم الخرافي وأحمد السعدون. وحسب المعلومات المتاحة والتقديرات الشخصية التي قد لا تكون دقيقة, فإن جاسم الخرافي يحظى بتأييد كل من:

صالح عاشور, مرزوق الغانم, عبدالواحد العوضي, جمال العمر, وليد العصيمي, مزعل النمران, علي الدقباسي, مبارك الخرينج, خلف دميثير, طلال العيار, سعدون العتيبي, عبدالله العجمي, غانم الميع, جابر المحيلبي, عبداله راعي الفحماء. إضافة إلى الحكومة طبعا!

أما أحمد السعدون فهو يحظى بتأييد كل من:

أحمد لاري, محمد المطير, محمد الصقر, عبدالله الرومي, علي الراشد, مشاري العنجري, عادل الصرعاوي, أحمد المليفي, فيصل الشايع, صالح الفضالة, عدنان عبدالصمد, فيصل المسلم, ضيف الله بورمية, مسلم البراك, محمد الخليفة, عبدالله عكاش, سعد الشريع, فلاح الهاجري, مرزوق الحبيني.

أما بالنسبة لنواب الحركة الدستورية وعددهم 6 فقد أعلنوا أنهم لن يصوتوا لصالح جاسم الخرافي لكنهم لم يعلنوا إلى من ستتجه أصواتهم, وهم يحثون النائب صالح الفضالة لترشيح نفسه للرئاسة ليس من أجل نجاحه ولا قناعة به ولكن من أجل التخلص من الحرج السياسي, فهم لا يريدون المساهمة في إنجاح الخرافي, كما أنهم لا يريدون المساهمة في خسارة السعدون, والموقف المثالي بالنسبة لهم هو أن تتجه أصواتهم للسعدون وأن ينجح الخرافي, وبهذه الطريقة "يخلصون" ذمتهم أمام قواعدهم المؤيدة للسعدون. ويبدو أن السلف لديهم نفس الميول و الرغبات المتنازعة التي تنتاب موقف الحركة الدستورية.

وقبل الاسترسال في المقال أود التنبيه مرة أخرى إلى أن "الحسبة" السابقة ليست بالضرورة دقيقة كما أنها قد تتغير بين لحظة وأخرى.

و مما يجدر معرفته أن هناك مجموعة من العوامل تتحكم إلى حد كبير في مواقف بعض النواب ومن أهمها "تعليمات الحكومة" وكذلك "الإغراءات المالية" التي تقدم لبعض النواب مقابل التصويت لصالح مرشح معين. كما يجب معرفة أن المناصب الوزارية ذاتها تستخدم أيضا كمقابل لمواقف هذه الكتلة أو تلك في انتخاب الرئاسة, بمعنى أن الحكومة حين تتدخل بقوة في انتخابات رئاسة مجلس الأمة لصالح جاسم الخرافي فإنها تفاوض نيابة عن "مرشحها" حتى على عضوية مجلس الوزراء, فتمنح هذه الكتلة أو تلك منصبا وزاريا أو مكاسب أخرى مقابل دعم هذا المرشح, وفي بعض الأحيان يعرض الخرافي نفسه الوزارة على الكتل أو النواب مقابل التصويت له بحكم "ميانته" على الحكومة!

من الناحية الواقعية يملك جاسم الخرافي "أدوات" تأثير, حكومية وخاصة, تتفوق على أدوات أحمد السعدون, كما أن لدى الخرافي "مرونة" تتيح له استخدام "ما يلزم استخدامه" من وسائل تأثير و"تليين" مواقف النواب والتصويت لصالحه!!

وبعيدا عن الواقع السائد في مجلس الأمة, وعوامل وفرص نجاح الخرافي أو السعدون أو أي مرشح آخر قد يتم طرحه كحل وسط, أود أن أشرح الأسباب التي تجعل من فوز الخرافي برئاسة المجلس "كارثة" سياسية.

إن أول الأسباب هي أن الكويت تحتاج إلى توازن سياسي بين السلطات, فمنذ سقوط معادلة الأقطاب في الأسرة الحاكمة وغياب المعارضة الوطنية, وضعف الرقابة الشعبية ( قبل حل مجلس الأمة) ومجاملة الصحافة للسلطة, وغياب العمل المؤسسي, اتجهت البلاد نحو الحكم الفردي, وهو ما دفع بعض الشيوخ ومعهم الخرافي نفسه إلى التمادي وأصيبوا بمرض "غرور السلطة" و انتابتهم "شهوة الحكم" وهي الحالة التي رفضها الشعب وعبر عن رفضه لها في نتائج الانتخابات. وقد تفشى الفساد داخل مجلس الأمة وبين النواب, وأصبح الوزراء خارج نطاق المساءلة السياسية, وعم النفاق في البلاد وتم احتكار العقود ذات الأرقام الفلكية, وتم توزيع أراضي الدولة بما يشبه الهبات والعطايا, كما بدأت الحواجز تظهر بين الأسرة الحاكمة والشعب بسبب ممارسة "الفتنة" التي تم من خلالها اختطاف القرار السياسي في البلاد وتصوير الوضع وترسيخه في ذهن صاحب القرار وكأنه صراع ضد الأسرة الحاكمة, بل أنه في مرحلة سابقة كان يتم الإيحاء لأصحاب القرار أن هناك "مؤامرات" تدبر بهدف السيطرة على الحكم, وأن بعض أطراف تلك المؤامرات المزعومة هم نواب في البرلمان. كل هذا تم ويتم حتى هذه اللحظة بهدف تضليل صاحب القرار وبالتالي إبقاءه في حاجة دائمة للاعتماد على من يضحك على الشيوخ وعلى ما يصفه "بسذاجتهم" التي أتاحت له الفرصة للتدخل والتأثير في كل القضايا حتى أصبح "شريكا في الحكم"!

إن الخرافي منحاز تماما إلى الحكومة وبينه وبينها تنسيق كامل يتم بهدف منع المجلس من استخدام سلطته الرقابية, وتمرير القوانين التي تريدها الحكومة, وهو يقوم بعرقلة استقلالية المجلس ويسعى دائما للتحكم في قرار المجلس على نحو يخدم الحكومة ويرفع "أسهمه" السياسية لدى الأسرة الحاكمة. كما أنه "يلعب سياسة" بلا حد أدنى, أي بلا خطوط حمراء, فكل شيء مباح وقابل للتفاوض بما في ذلك صلاحيات المجلس. وهو, أي الخرافي, جزء من منظومة سياسية تشمل عدد من الشيوخ وغيرهم يسعون للسيطرة على القرار السياسي في البلاد وفق أجندة تتعارض غالبا مع المصلحة العامة. كما أن هناك شبهات كثيرة تدور حول دور ودوافع ومصلحة الخرافي وطريقة نجاحه في الانتخابات.

فضلا عن ذلك فإن البلد تحتاج إلى تجديد سياسي يعيد العلاقة بين الأسرة والشعب إلى سابق عهدها حين كان يسود تلك العلاقة احترام متبادل, حيث لم تكن الأسرة في حاجة إلى "وسطاء", مثل جاسم الخرافي, بينها وبين الشعب. كما أن مجلس الأمة ذاته يحتاج إلى تطوير في أداءه وليس تقييد الأداء, وهذا التطوير لن يتحقق طالما كان الخرافي رئيسا للمجلس.

إن ما سبق هو أهم الأسباب التي تدفعني لمطالبة النواب بعدم انتخاب الخرافي كرئيس للمجلس, وعليهم الانتباه إلى أن سمعة المجلس هي, من حيث الأمانة, في الحضيض, وأن الناس تتحدث عن سعر الصوت في انتخابات رئاسة المجلس, وستبقى الشبهات تلحق كل نائب يصوت للخرافي في الرئاسة!!

وإذا كنت أعلن موقفي السابق بوضوح, فهذا الموقف لا يعني أنني أدعم حصول أحمد السعدون بالتحديد على رئاسة المجلس, بيد أن المرحلة الحالية تحتاج إلى من يعيد الاعتبار إلى مجلس الأمة كمؤسسة شعبية, ويسترد سمعة البرلمان, ويخلق حالة توازن سياسي تمنع تمادي السلطة وتوقف اندفاع الدولة نحو الحكم الفردي, ويمنع تفشي الرشوة بين أعضاء المجلس ويحقق تطوير في أداء البرلمان, ويقضي على سياسة "تربط العصاعص". فإذا كان ما سبق يمكن أن يتحقق على يد أحمد السعدون فليكن, وإذا كان يتحقق على يد أي نائب آخر فليكن. فالمهم هو أن تسحب الرئاسة من جاسم الخرافي, فقد انتهت مبررات وجوده أصلا, ولم تعد الأسرة الحاكمة في حاجة إليه بل هي في حاجة لتحسين صورتها واسترداد مكانتها التي عبث بها "وسطاء وسماسرة" مقابل ما حققوه لأنفسهم من نفوذ وما حصلوا عليه من مكاسب ضخمة.

ونظرا لأهمية منصب رئيس مجلس الأمة, ولمعرفتنا بطرق اتخاذ القرار في المجلس وبخراب ذمم بعض النواب وبتفشي الرشوة بينهم, فإن الشعب يجب أن يكون له دور مباشر في انتخابات رئاسة المجلس, ومثلما ارتفع الصوت عاليا ووصلت الرسالة الشعبية بشأن ضرورة استبعاد "شيوخ" الفساد من الوزارة يجب أن يرتفع صوت الشعب مرة أخرى لإبعاد جاسم الخرافي عن رئاسة المجلس. إن الهدف الأول يجب أن يكون إبعاد جاسم الخرافي وليس حصول أحمد السعدون على الرئاسة, وأظن أن من السهل تحقيق الهدف الأول إن لم يرتبط تحقيقه بحصول السعدون على الرئاسة. إن المسؤولية تقع على عاتق الحركة الدستورية, فإما أن يثبت أنها حركة انتهازية أو حركة وطنية, وستكشف الأيام القادمة موقفها!





4/7/2006