Osama
07-04-2006, 12:11 AM
شمس الدين الكيلاني الحياة - 17/06/06//
لم تقتصر رحلة منسا موسى على أنها عرفتنا، من وجهة نظر عربية، الى شخصية ذلك السلطان الأسود، وبحاشيته وببلاده، بل أيضاً كانت شكلاً من أشكال «حوار الحضارات» عبر عملية التعارف المضنية تلك، تخللتها محاولة ممارسة إرادة السلطة وإرادة المعرفة معاً، وعكست الصورة العربية الى ذلك المشهد انفتاح نظرتهم على العالم، وبما تحمله من نزعة نسبية نحن مواقع الحضارات وعلاقاتها.
يتفق الجميع مع ابن خلدون على ان السلطان موسى حج سنة 727 هـ - 1324م، ماراً بمصر، ترك بعده أهل القاهرة يعيشون في ذكرى «صورة مبهرة» كوّنوها عنه. أول ما يطالعنا في تلك الصورة، هو غناه الهائل، وهو ما تجلى في كمية الذهب المحمول بقافلته، لدرجة وصلت عند ابن خلدون الى «ثمانين حملاً من التبر كل حمل ثلاثة قناطير»، وبما أغدقه من الهدايا والعطايا على كبراء القاهرة وعامّتها وأسواقها، فقوّى ذلك من (الصورة النمطية) التي تجعل من بلاد السودان بلاداً للذهب، لهذا صدّق العمري ما نُقل عن السلطان، قوله «إن الذهب في بلاده، وفي البلاد المجاورة التابعة له على نوعين: نوع ينبت في زمن الربيع عقب الأمطار في الصحراء، وله ورق شبيه بالنخيل أصوله التبر، والنوع الآخر يوجد على مدى أيام السنة في أماكن معروفة على ضفاف النيل (النيجر)، فتحفر حفائر هناك وتؤخذ أصول الذهب كالحجارة والحصى.
وشهد العرب المصريون تلازم هذا الغنى والثراء عند أهل مالي بالكرم والسخاء، فمنسا موسى أغدق العطايا في كل صوب. فكل الأحمال من الذهب التي أتى بها منسا موسى، لم تكفه لنفقاته، حتى اضطر للاستدانة من التجار المصريين في النهاية، وقد وصفه ابن أمير حاجب «كان كريماً جواداً كثير الصدقة والبر، خرج من بلده بمئة وسق (حمل) من الذهب أنفقها في حجته على القبائل بطريقة من بلاده الى مصر... حتى احتاج الى القرض من مصر «فذاع صيته عند المصريين، فذكر العمري «وقد بلغني أول قدومي مصر... حديث وصول هذا السلطان، ورأيت أهل مصر لهجين بذكر ما رأوه من سعة إنفاقه...». ولقد «أفاض هذا الرجل بمصر فيض الإحسان، لم يدع أميراً مقرباً ولا رب وظيفة سلطانية حتى وصله بجملة من الذهب. وقد كسب أهل مصر عليه وعلى أصحابه في البيع والشراء والعطاء والأخذ ما لا يُحصر، وبدلوا الذهب حتى أهانوا في مصر قدره، وأرخصوا سعره»، لكثرة ما تدفق من ذهب في أسواق القاهرة.
ولم يبخل المصنفون العرب على الماليين ممثلين بسلطانهم وبأمرائهم، في إظهارهم الجوانب الإيجابية في شخصيتهم، فإلى جانب الرفاه والغنى، والكرم والسخاء، وجدوا منسا موسى مثال الأخلاق والتقوى والاستقامة، فقال عنه ابن خلدون «كان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً، له في العدل أخبار تؤثر عنه»، وشهد ابن أمير حاجب على تقواه، إذ كان خلال «مدة مقامه بمصر، قبل توجهه الى الحجاز الشريف، وبعده، على نمط واحد في العبادة والتوجه الى الله... وكان هو ومن معه على مثل هذا، مع حسن الزي في الملبس والسكينة والوقار»، وكان محباً للعمران، فاستقدم من مكة، كما يذكر ابن خلدون، خبير البناء الأندلسي «شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطويجن، وصحبه الى بلاده، وكان له اختصاص وعناية»، وذلك لإقامة المنشآت العمرانية، ومساجد ودور للسلطان.
هكذا نظر المصنفون العرب باحترام الى أهل مالي ممثلين بسلطانهم وحاشيته، والإعجاب بهم، باعتبارهم يمثلون حضارة زاهية سخية وغنية، ويتصف سلوك أهلها بالتقوى والتهذيب، إضافة الى الصدق والبراءة والكرم، لدرجة ان هؤلاء المصنفين وجدوهم في بعض الجوانب السلوكية الأخلاقية يبزون أهالي مصر العرب، ففي مقابل سخاء الرجل (المالي) وإحساسه بالاطمئنان لأنه في دار مركز الإسلام، كان يقابله التاجر المصري بالتحايل لكسب ماله «في البيع والشراء والعطاء والأخذ مالاً لا يحصى» كما يشير العمري، والذي تحدث عن «تجار مصر والقاهرة عما حصل لهم من المكاسب والربح عليهم، فإن الرجل منهم (من مالي) يشتري القميص أو الثوب والإزار وغير ذلك بخمسة دنانير وهو لا يساوي ديناراً واحداً».
وهكذا ظهر الماليون والمصريون بصورتين يبدو الرجحان الأخلاقي فيهما للجانب المالي، ففي الوقت الذي كان المصريون العرب يمارسون عليهم أساليب التحايل والغش، كان الماليون «في غاية سلامة الصدور والطمأنينة، يجوز (ينطلي) عليهم مهما حزر عليهم، ويأخذون كل قول يُقال بالقبول والصدق». ولكن في النهاية تكشفت لهم حقيقة الأمر «ثم ساءت ظنونهم بأهل مصر غاية الاستياء لما ظهر لهم من غشهم لهم في كل قول، وفي تزاحمهم المفرط عليهم في أثمان ما يُباع عليهم من الأطعمة والسلع».
ولقد أظهرت روايات العمري والقلقشندي والمقريزي لهذا اللقاء على مسرح التاريخ، تميُّز الماليين ببعض الجوانب الأخلاقية على العرب المصريين، من دون تحيُّز لأبناء قومهم، إلا أنهم لم يخفوا إعجاب أهل مالي بعمران بلاد العرب المسلمين، ولم يقلل من مرجعية بلاد العرب المسلمين الدينية، وهو ما تجلى في استجلاب السلطان لبنائين عرب وايضاً فقهاء، وإلحاحه على اصطحاب رجال يعود نسبهم الى ابن عم النبي (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب، وحرصه على شراء مجموعة كتب «فقه المالكية» من مصر، بل انه عند عودته لبلاده أظهر رغبته كما يقول العمري «في التخلي عن الملك ويتركه لابنه محمد (منسا مغا) ويعود الى مكة المعظمة».
لقاء السلطانين (بين حوار الحضارات وإرادة الهيمنة)
تتداخل في أجواء لقاء سلطان مالي وسلطان مصر محمد بن قلاوون رغبات التعاون والتفاهم والتقارب، والاتصال والاحترام، مع نزوع خفي، لإثبات تفوق الذات الحضارية وتعاليها ومركزيتها، فاختزنت كل إشارة من هذا اللقاء بالرموز المتعلقة بهذا التنافس الممتزج بإرادة التفاهم.
روى العمري، أن منسا موسى كان متردداً في زيارة السلطان قلاوون، ربما لأنه كان يرغب أن يأتي سلطان مصر نفسه ليدعوه، لا أن يرسل له الأمير المهمندار، أو لأنه سمع ان من عادات بلاط قلاوون ان يفرض السجود على زائر السلطان المصري، إشارة لخضوع الضيف، لا سيما إن علمنا أن مصر كانت آنئذ المركز السياسي لبلاد الإسلام، فقال للمهمندار: «أنا جئت لأحج لا لشيء آخر». لكن المهمندار يلح مجدداً على منسا موسى، لأنه يعرف رغبة السلطان قلاوون بلقاء سلطان مالي لتقوية علاقاته الشخصية معه، كممثل لبلد مسلم كبير في أفريقيا السوداء، ولتعزيز علاقاته التجارية بينهما، المارة بتكدة (تكرت)، وهو طريق الحج الذي سلكه منسا موسى نفسه، إضافة الى رغبته بأن يقدم سلطان مالي (إشارة) تدل على اعترافه بتفوق مكانته ومكانة بلاده، فما زال المهمندار يلح حتى وافق، وعندما دخل السلطان موسى القلعة، ووصل الى حضرة سلطان مصر، أتت اللحظة الحاسمة، عندما قالوا له «قبِّل الأرض، فوقف وأبى إباء ظاهراً، وقال: كيف يجوز هذا؟»، عندها أتى إليه من ينقذ الموقف برمته «فأسرّ إليه رجل عاقل كان معه كلاماً ما نعلمه، فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني، ثم سجد، وتقدَّم الى السلطان، فقام له بعض قيام وأكرمه، وأجلسه الى جانبه، وتحدثا حديثاً طويلاً».
وهكذا حل ذلك الحكيم المرافق لسلطان مالي تلك المعضلة الخطيرة، فسهَّل عليه عملية السجود فأرضى الله، وأرضى سلطان مصر، وبين رفضه للخضوع لغير الله، لكن المقريزي ذهب باتجاه آخر، وادعى ان سلطان مصر أعفاه من هذا التقليد، وقد أيده بذلك ابن حجر العسقلاني بقوله، إن «ملك التكرور قدم حاجاً سنة 724 في رجب. فأدخل الى السلطان، فامتنع عن تقبيل الأرض، وقال: لا أسجد لغير الله، فأعفاه السلطان وقربه وكرمه وأحسن تجهيزه الى الحجاز»، وزاد السلطانان من إكرام بعضهما في الهدايا والعطايا.
لم تقتصر رحلة منسا موسى على أنها عرفتنا، من وجهة نظر عربية، الى شخصية ذلك السلطان الأسود، وبحاشيته وببلاده، بل أيضاً كانت شكلاً من أشكال «حوار الحضارات» عبر عملية التعارف المضنية تلك، تخللتها محاولة ممارسة إرادة السلطة وإرادة المعرفة معاً، وعكست الصورة العربية الى ذلك المشهد انفتاح نظرتهم على العالم، وبما تحمله من نزعة نسبية نحن مواقع الحضارات وعلاقاتها.
يتفق الجميع مع ابن خلدون على ان السلطان موسى حج سنة 727 هـ - 1324م، ماراً بمصر، ترك بعده أهل القاهرة يعيشون في ذكرى «صورة مبهرة» كوّنوها عنه. أول ما يطالعنا في تلك الصورة، هو غناه الهائل، وهو ما تجلى في كمية الذهب المحمول بقافلته، لدرجة وصلت عند ابن خلدون الى «ثمانين حملاً من التبر كل حمل ثلاثة قناطير»، وبما أغدقه من الهدايا والعطايا على كبراء القاهرة وعامّتها وأسواقها، فقوّى ذلك من (الصورة النمطية) التي تجعل من بلاد السودان بلاداً للذهب، لهذا صدّق العمري ما نُقل عن السلطان، قوله «إن الذهب في بلاده، وفي البلاد المجاورة التابعة له على نوعين: نوع ينبت في زمن الربيع عقب الأمطار في الصحراء، وله ورق شبيه بالنخيل أصوله التبر، والنوع الآخر يوجد على مدى أيام السنة في أماكن معروفة على ضفاف النيل (النيجر)، فتحفر حفائر هناك وتؤخذ أصول الذهب كالحجارة والحصى.
وشهد العرب المصريون تلازم هذا الغنى والثراء عند أهل مالي بالكرم والسخاء، فمنسا موسى أغدق العطايا في كل صوب. فكل الأحمال من الذهب التي أتى بها منسا موسى، لم تكفه لنفقاته، حتى اضطر للاستدانة من التجار المصريين في النهاية، وقد وصفه ابن أمير حاجب «كان كريماً جواداً كثير الصدقة والبر، خرج من بلده بمئة وسق (حمل) من الذهب أنفقها في حجته على القبائل بطريقة من بلاده الى مصر... حتى احتاج الى القرض من مصر «فذاع صيته عند المصريين، فذكر العمري «وقد بلغني أول قدومي مصر... حديث وصول هذا السلطان، ورأيت أهل مصر لهجين بذكر ما رأوه من سعة إنفاقه...». ولقد «أفاض هذا الرجل بمصر فيض الإحسان، لم يدع أميراً مقرباً ولا رب وظيفة سلطانية حتى وصله بجملة من الذهب. وقد كسب أهل مصر عليه وعلى أصحابه في البيع والشراء والعطاء والأخذ ما لا يُحصر، وبدلوا الذهب حتى أهانوا في مصر قدره، وأرخصوا سعره»، لكثرة ما تدفق من ذهب في أسواق القاهرة.
ولم يبخل المصنفون العرب على الماليين ممثلين بسلطانهم وبأمرائهم، في إظهارهم الجوانب الإيجابية في شخصيتهم، فإلى جانب الرفاه والغنى، والكرم والسخاء، وجدوا منسا موسى مثال الأخلاق والتقوى والاستقامة، فقال عنه ابن خلدون «كان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً، له في العدل أخبار تؤثر عنه»، وشهد ابن أمير حاجب على تقواه، إذ كان خلال «مدة مقامه بمصر، قبل توجهه الى الحجاز الشريف، وبعده، على نمط واحد في العبادة والتوجه الى الله... وكان هو ومن معه على مثل هذا، مع حسن الزي في الملبس والسكينة والوقار»، وكان محباً للعمران، فاستقدم من مكة، كما يذكر ابن خلدون، خبير البناء الأندلسي «شاعر الأندلس أبو إسحاق إبراهيم الساحلي المعروف بالطويجن، وصحبه الى بلاده، وكان له اختصاص وعناية»، وذلك لإقامة المنشآت العمرانية، ومساجد ودور للسلطان.
هكذا نظر المصنفون العرب باحترام الى أهل مالي ممثلين بسلطانهم وحاشيته، والإعجاب بهم، باعتبارهم يمثلون حضارة زاهية سخية وغنية، ويتصف سلوك أهلها بالتقوى والتهذيب، إضافة الى الصدق والبراءة والكرم، لدرجة ان هؤلاء المصنفين وجدوهم في بعض الجوانب السلوكية الأخلاقية يبزون أهالي مصر العرب، ففي مقابل سخاء الرجل (المالي) وإحساسه بالاطمئنان لأنه في دار مركز الإسلام، كان يقابله التاجر المصري بالتحايل لكسب ماله «في البيع والشراء والعطاء والأخذ مالاً لا يحصى» كما يشير العمري، والذي تحدث عن «تجار مصر والقاهرة عما حصل لهم من المكاسب والربح عليهم، فإن الرجل منهم (من مالي) يشتري القميص أو الثوب والإزار وغير ذلك بخمسة دنانير وهو لا يساوي ديناراً واحداً».
وهكذا ظهر الماليون والمصريون بصورتين يبدو الرجحان الأخلاقي فيهما للجانب المالي، ففي الوقت الذي كان المصريون العرب يمارسون عليهم أساليب التحايل والغش، كان الماليون «في غاية سلامة الصدور والطمأنينة، يجوز (ينطلي) عليهم مهما حزر عليهم، ويأخذون كل قول يُقال بالقبول والصدق». ولكن في النهاية تكشفت لهم حقيقة الأمر «ثم ساءت ظنونهم بأهل مصر غاية الاستياء لما ظهر لهم من غشهم لهم في كل قول، وفي تزاحمهم المفرط عليهم في أثمان ما يُباع عليهم من الأطعمة والسلع».
ولقد أظهرت روايات العمري والقلقشندي والمقريزي لهذا اللقاء على مسرح التاريخ، تميُّز الماليين ببعض الجوانب الأخلاقية على العرب المصريين، من دون تحيُّز لأبناء قومهم، إلا أنهم لم يخفوا إعجاب أهل مالي بعمران بلاد العرب المسلمين، ولم يقلل من مرجعية بلاد العرب المسلمين الدينية، وهو ما تجلى في استجلاب السلطان لبنائين عرب وايضاً فقهاء، وإلحاحه على اصطحاب رجال يعود نسبهم الى ابن عم النبي (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب، وحرصه على شراء مجموعة كتب «فقه المالكية» من مصر، بل انه عند عودته لبلاده أظهر رغبته كما يقول العمري «في التخلي عن الملك ويتركه لابنه محمد (منسا مغا) ويعود الى مكة المعظمة».
لقاء السلطانين (بين حوار الحضارات وإرادة الهيمنة)
تتداخل في أجواء لقاء سلطان مالي وسلطان مصر محمد بن قلاوون رغبات التعاون والتفاهم والتقارب، والاتصال والاحترام، مع نزوع خفي، لإثبات تفوق الذات الحضارية وتعاليها ومركزيتها، فاختزنت كل إشارة من هذا اللقاء بالرموز المتعلقة بهذا التنافس الممتزج بإرادة التفاهم.
روى العمري، أن منسا موسى كان متردداً في زيارة السلطان قلاوون، ربما لأنه كان يرغب أن يأتي سلطان مصر نفسه ليدعوه، لا أن يرسل له الأمير المهمندار، أو لأنه سمع ان من عادات بلاط قلاوون ان يفرض السجود على زائر السلطان المصري، إشارة لخضوع الضيف، لا سيما إن علمنا أن مصر كانت آنئذ المركز السياسي لبلاد الإسلام، فقال للمهمندار: «أنا جئت لأحج لا لشيء آخر». لكن المهمندار يلح مجدداً على منسا موسى، لأنه يعرف رغبة السلطان قلاوون بلقاء سلطان مالي لتقوية علاقاته الشخصية معه، كممثل لبلد مسلم كبير في أفريقيا السوداء، ولتعزيز علاقاته التجارية بينهما، المارة بتكدة (تكرت)، وهو طريق الحج الذي سلكه منسا موسى نفسه، إضافة الى رغبته بأن يقدم سلطان مالي (إشارة) تدل على اعترافه بتفوق مكانته ومكانة بلاده، فما زال المهمندار يلح حتى وافق، وعندما دخل السلطان موسى القلعة، ووصل الى حضرة سلطان مصر، أتت اللحظة الحاسمة، عندما قالوا له «قبِّل الأرض، فوقف وأبى إباء ظاهراً، وقال: كيف يجوز هذا؟»، عندها أتى إليه من ينقذ الموقف برمته «فأسرّ إليه رجل عاقل كان معه كلاماً ما نعلمه، فقال: أنا أسجد لله الذي خلقني وفطرني، ثم سجد، وتقدَّم الى السلطان، فقام له بعض قيام وأكرمه، وأجلسه الى جانبه، وتحدثا حديثاً طويلاً».
وهكذا حل ذلك الحكيم المرافق لسلطان مالي تلك المعضلة الخطيرة، فسهَّل عليه عملية السجود فأرضى الله، وأرضى سلطان مصر، وبين رفضه للخضوع لغير الله، لكن المقريزي ذهب باتجاه آخر، وادعى ان سلطان مصر أعفاه من هذا التقليد، وقد أيده بذلك ابن حجر العسقلاني بقوله، إن «ملك التكرور قدم حاجاً سنة 724 في رجب. فأدخل الى السلطان، فامتنع عن تقبيل الأرض، وقال: لا أسجد لغير الله، فأعفاه السلطان وقربه وكرمه وأحسن تجهيزه الى الحجاز»، وزاد السلطانان من إكرام بعضهما في الهدايا والعطايا.