المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قولوا للأعور....يا أعور ...... أحمد البغدادي



سلسبيل
06-29-2006, 07:25 AM
أحمد البغدادي

* كاتب كويتي


الخجل من إيذاء الآخرين صفة حميدة شريطة أن لا تكون على حساب المصلحة العامة. والعرب بصفة عامة لا يقولون للأعور...يا أعور وجها لوجه حياء منه, بل لا يترددون في المبالغة في التجميل الكاذب فيقولون, فلان " كريم عين", إمعانا في الأدب ما شاء الله, علما بأن صفة النميمة و" الحش" من وراء الظهر عادة عربية أصيلة. المهم أن هذه الأخلاق الكريمة, وعدم مواجهة الشخص بعيوبه المادية أو المعنوية, ربما تكون جيدة وحسنة على المستوى الاجتماعي, لكنها خصلة جد سيئة في الانتخابات العامة لأنها تتستر على الفاسد والمراوغ والكاذب والمنافق والمداهن, في حين أن منصب النيابة العامة عن الشعب في البرلمان يحتاج إلى النظافة المالية والمعنوية, لذلك من المهم جدا, بل ومن المطلوب مواجهة المرشح مواجهة مباشرة وفضح كل ممارساته وتصريحاته ومواقفه العامة والشخصية إذا كانت متناقضة مع الأخلاق أو القانون او الموقف السياسي النزيه المفترض في النائب النظيف اتخاذه.

المصيبة كل المصيبة أن الناخبين لا يجرؤون على المواجهة السياسية أو الأدبية مع المرشحين. بل أن المرشحين أنفسهم لا يحبذون مثل هذه المواجهة حتى لا يتعرضوا هم أنفسهم لمثل هذه المواجهة, وبالتالي يكون كأن هناك اتفاق "جنتلمان" أدبي بين المرشحين بعدم تبادل الفضائح. كما تمتنع الصحف عن اتباع مثل هذا الأسلوب الفضائحي خشية أن ينقلب الأمر على المرشحين الذين تؤيدهم, أو حتى على الصحيفة نفسها. ولهذا يؤثر الجميع السلامة, ويمارس الجميع الكذب الاجتماعي, بدلا من المكاشفة والمصارحة الجارحة لضمان وصول الأفضل لكرسي النيابة العامة في البرلمان.

ويعتقد البعض أن مثل هذا السلوك الانتخابي يتعارض مع الأخلاق العامة, وهو اعتقاد خاطىء بكل المقاييس, لأن هذا السلوك هو السبيل الوحيد لفرز المرشح الصالح من المرشح الفاسد, فضلا عن انعدام وجود أي مصلحة مادية شخصية في الموضوع بالنسبة للناخب الذي يريد مرشحا نظيفا أخلاقيا, وقادرا على مواجهة السلطة التنفيذية. لنأخذ مثلا, مرشح يقوم بتدريس ابنائه في الولايات المتحدة الأميركية, وفي الوقت نفسه يهاجم أميركا ليل نهار! هذا السلوك شخصي لو لم يتقدم صاحبه للانتخابات العامة, لكنه سلوك مزدوج ذرائعي (منافق باللهجة العامية) خطر على العمل النيابي كممارسة, لأن من يتبع مثل هذا الأسلوب لن يتردد عن عقد الصفقات السياسية مع الآخرين على حساب الأخلاق أو المصلحة العامة. كذلك الأمر مع المرشح الذي كانت مواقفه السياسية ضد الحقوق السياسية للمرأة دائما, ثم ينقلب إلى الضد بعد إقرار هذه الحقوق متذرعا بشتى الادعاءات الكاذبة. مثل هذا المرشح يجب فضحه في الانتخابات ومحاسبته على مواقفه. كذلك الأمر مع النائب الذي يسكت عن السرقات العامة خشية تخريب علاقاته مع السلطة أو حرصا على مصالحه الخاصة, هذا أيضا يجب فضحه على العلن حتى يعلم الناس حقيقته على وجه اليقين. وقس على ذلك الكثير من هذه المواقف التي يمكن من خلالها تحقيق التقييم المناسب للمرشحين.
لكن الناس اليوم في الكويت لا يملكون هذه الشجاعة الأدبية لأسباب اجتماعية, بدليل التواصل الغبي الذي ساد بين الليبراليين والمنتمين للتيار الديني أثناء المطالبة الشبابية بالدوائر الخمس. وأصف هذا التواصل بالغباء لأن هدف المنتمين للتيار الديني هو المسايرة العامة وليس المصلحة العامة, وها هم الآن سيكسبون الأصوات من الشباب الليبرالي برغم وقوف التيار الديني ضد حقوق الإنسان والحريات الفكرية, بل وضد الحقوق السياسية للمرأة, وهم الذين سعوا لفرض قانون الفصل بين الجنسين في التعليم الجامعي. إن مجرد التصويت لهؤلاء غباء ما بعده غباء.

المرحلة الجديدة من العمل السياسي تحتاج إلى التخلي عن هذا الحياء الاجتماعي المصطنع, واتباع سياسية انتخابية جديدة يقال فيها للأعور يا أعور بشكل مباشر, بمعنى اتباع الأسلوب الغربي, وخاصة الأسلوب الأميركي الفضائحي وذلك حتى يتحقق الفرز الانتخابي الصحيح للمرشحين, وهو يجب أن يشمل الجميع دون أن يتعدى الأمر فترة الانتخابات, على أمل أن يتحول هذا السلوك الانتخابي إلى ممارسة دائمة فيما بعد كأسلوب لمحاسبة النائب وتقييم سلوكياته الشخصية والسياسية معا.
المجاملة والمداورة الرخيصة سببان أساسيان في استمرار وجود النائب السيء في البرلمان...فلماذا لا نجرب الأسلوب الفضائحي هذه المرة...لعل وعسى.

awtaad@yahoo.com