فاطمي
06-27-2006, 11:07 AM
واشنطن: محمد علي صالح
وقع الرئيس الاميركي جورج بوش في الاسبوع الماضي على القانون الذي اجازه الكونغرس بمضاعفة الغرامة عشر مرات (لتصبح ثلث مليون دولار) على اي محطة اذاعة او تلفزيون تنقل برنامجا «يتعدى حدود الحشمة». وحذر بوش شركات الاذاعات والتلفزيونات بأن «تنظر في جدية لمسؤوليتها بتنظيف الاتصالات اللاسلكية من كل ما هو بذيء، ومخل بالادب، وغير لائق».
كانت الغرامة قليلة حتى «سوبر بول 2004» (منافسات الكأس النهائي السنوية في كرة القدم الاميركية)، عندما غنت المغنية جانيت جاكسون في منتصف الملعب في منتصف المباراة، وكشفت عن صدرها. وبدأت موجة احتجاجات قوية، قادها المسيحيون المتطرفون والجمهوريون المحافظون، حلفاء الرئيس بوش واكبر لوبي ضغط في الكونغرس. وبعد مناقشات استمرت سنتين، اصدر الكونغرس القانون الجديد ووقع عليه بوش. لكن لا الغرامة القديمة ولا المضاعفة تنطبق على تلفزيونات واذاعات الكيبل
والفضائيات والإنترنت. ظلت الحكومة الاميركية، منذ اكثر من مائة سنة، منذ تأسيس اول محطة اذاعة (ثم منذ تأسيس اول محطة تلفزيون قبل اكثر من خمسين سنة) تشرف على الموجات الهوائية التي تنقل هذه البرامج. والسبب هو ان هذه البرامج تنقل على موجات وذبذبات هوائية محدودة العدد، وتحتاج الى تنظيم وتنسيق، ولهذا اصبحت الحكومة مسؤولة عنها، وأصبحت، بالتالي، مسؤولة عن برامجها. لكن تلفزيونات واذاعات الكيبل (عن طريق اسلاك تمتد بلا حدود تحت الارض الواسعة)، والفضائيات (والفضاء لا حدود له)، لا تخضع لأي اشراف حكومي مباشر. وحدث نفس الشيء بالنسبة لاذاعات وتلفزيونات الإنترنت (لأنها تنقل بالكيبل الهاتفي او الكيبل التلفزيوني او الفضائيات). وفيما يخص
الاذاعات، تشكل اغلبيتها محطات هوائية (تخضع لإشراف الحكومة)، لكن ظهرت، خلال السنوات القليلة الماضية، اذاعات فضائية واذاعات إنترنت. وتوجد، حسب ارقام لجنة الاتصالات الفيدرالية (اف سي سي)، 13.600 اذاعة هوائية في الولايات المتحدة. تشكل النصف تقريبا اذاعات «إف إم» تجارية، وهي اساس النشاط الاذاعي، وتعتمد على الاعلانات، وتتنافس للوصول الى اكبر عدد من المستمعين. ويشكل الربع تقريبا اذاعات «إف إم» غير تجارية (مثل اذاعات الجامعات والمؤسسات الحكومية، واذاعات سياسية تعتمد على تبرعات المستمعين). وتشكل الباقي اذاعات «اي ام»، تجارية، او بلغات غير اللغة الانجليزية، واكثر هذه اسبانية، وهناك كورية، وصينية، وفيتنامية. (كانت هناك اذاعة عربية في ديترويت، حيث اكبر جالية عربية، لكنها توقفت قبل سنوات قليلة).
اسس الكونغرس، سنة 1934، لجنة «اف سي سي» لتشرف على المحطات الاذاعية (وعلى المحطات التلفزيونية بعد ان انتشر استعمالها بعد الحرب العالمية الثانية). وتعمل اللجنة، حسب ميثاقها، على «تنظيم التجارة الداخلية والخارجية في الاتصالات السلكية واللاسلكية، لتكون متوفرة، بقدر الامكان، لكل شعب الولايات المتحدة بصورة سريعة، وبكفاءة، وعبر الوطن، وعبر العالم».
ولا تضع وكالة «اف سي سي» رقيبا في كل محطة اذاعة، ولا تستمع الى كل برنامج يذاع (ولا تستمع الى اي برنامج). لكنها تعتمد على شكاوى يرسلها لها المستمعون (لم تحقق في حادث جانيت جاكسون حتى وصلتها شكوى، رغم ان عشرات الملايين، من بينهم مسؤولون في الوكالة، شاهدوه). لكن الوكالة تتشدد في موضوعين: الاول، اذا اذاعت محطة هجوما شخصيا على اي شخص، ولم تعطه حق الرد. والثاني، اذا اذاعت رأيا سياسيا، ولم تعط الطرف الآخر حق الرد.
ويفسر قانون الوكالة الهجوم الشخصي بأنه الذي يهاجم «شرف، ونزاهة، وشخصية، وحياد، وصفات اي شخص معين، او اي مجموعة معينة». ويلزم القانون الاذاعة، اذا فعلت ذلك، ان ترسل الى الشخص الذي هوجم، او المجموعة التي هوجمت، الاشياء الآتية خلال اسبوع:
اولا ـ تاريخ، ووقت، ونوع البرنامج الذي وقع فيه الهجوم.
ثانيا ـ شريطا صوتيا، او شريط فيديو، او محضرا مسجلا للهجوم.
ثالثا ـ عرضا بالرد على الهجوم في وقت مناسب.
ويفسر قانون الوكالة الرأي السياسي بأنه «هو الذي ينحاز نحو مرشح قانوني في انتخابات قانونية» (رأي الاذاعة هو الذي تقول انه رأيها، لا الآراء التي تقال خلال البرامج والاخبار). ويلزم القانون الاذاعة بأن تتخذ نفس الخطوات السابقة. والهدف، في كل الاحوال، هو ضمان فرص متساوية لكل شخص على الموجات الهوائية.
وتتعدد ميول اذاعات الاخبار والبرامج السياسية بتعدد الافكار السياسية. لكن، مع سيطرة الحزب الجمهوري على البيت الابيض والكونغرس لأكثر من ست سنوات، ومع زيادة نفوذ المسيحيين المتطرفين والجمهوريين اليمينيين، رجحت كفة الاذاعات والبرامج اليمينية والمحافظة. فتوجد، في اقصى اليسار، اذاعة «باسفيكا» التقدمية، وهذه اقدم اذاعة اميركية متخصصة في السياسة. اسسها لويس هيل، عميد التقدميين الاميركيين في القرن العشرين. وكان قد اشتهر قبل اكثر من ستين سنة، عندما رفض التجنيد في الحرب العالمية الثانية لأنه «سلمي». واسس، سنة 1949 بعد ان خرج من السجن، اذاعة «باسفيكا» (سلمية) في بيركلي (قرب جامعة كاليفورنيا، رائدة التقدمية وسط الجامعات الاميركية). واصبحت الاذاعة، في وقت لاحق، شبكة فيها مائة فرع تقريبا، بعضها ينقل كل برامج الشبكة، وبعضها ينقل برامج معينة. ولا تنقل الشبكة اعلانات، وتعتمد على تبرعات المستمعين. (وتدير فرع واشنطن زرينا شاكر، من قادة المسلمين السود). واكثر برامج الشبكة شهرة هو «الديمقراطية الآن» الذي تخصص، عبر عشرات السنين، في نقد الحروب التي اشتركت فيها القوات الاميركية، من كوريا الى فيتنام وحرب الخليج، والآن حرب العراق.
وفي الجانب الآخر هناك اذاعات تجارية تقدم اعلانات وتنقل برامج معلقين ينتمون للحزب الجمهوري، وينتمي معظمهم الى الجناح المحافظ في الحزب. اشهر هؤلاء هو رش ليمبو، الذي تنقل برنامجه اكثر من ستمائة اذاعة، ويستمع اليه عشرون مليون شخص تقريبا، ولهذا اصبح اشهر مقدم مقابلات اذاعية في تاريخ اميركا. وزادت شهرته بسبب صوته الجهور، وعدائه المستميت لليبرالية والليبراليين. وقال مرة انه يقدر على «هزيمة كل ليبرالي حتى اذا جمدت نصف مخي، وفكرت بالنصف الثاني». وقال مرة ان قدراته «قرض من الرب»، وعندما انتقده بعض المستمعين رد بأن قدراته «منحة من الرب» وهناك «اير اميركا»، وهي اذاعة ليبرالية خاصة، وجديدة (بدأت قبل ثلاث سنوات)، والهدف منها هو الرد على الاذاعات اليمينية الكثيرة والناجحة نسبيا. ونجمها الاول هو آل فرانكلين (يوصف بأنه لمبو الليبرالي، وكتب كتابا عن ليمبو اليميني: «ليبمو غبي وسمين»). لكن، كما قالت مؤلفة كتاب «مستمعون»، «يبدو ان الليبراليين لا يقدرون على مجاراة المحافظين في اللسان الطويل والصوت المرتفع. ويبدو ان اغلبية الاميركيين صامتة تحب الصامتين». وتوجد 45 محطة اذاعة («اي إم» و «إف إم») في منطقة
واشنطن، منها 15 محطة للاخبار والمناقشات. ولم يسجل التاريخ الاميركي مواجهة حاسمة بين الاذاعات والحكومة، وذلك لأكثر من سبب: اولا، كان عدد الاذاعات، منذ بدايتها، كثيرا. ثانيا، لم تسمع، حتى وقت قريب، اي اذاعة في كل الولايات المتحدة الخمسين. ثالثا، لا توجد اذاعة حكومية تدافع عن الحكومة، وتهاجم معارضيها. رابعا، ساعد تبادل الحزبين الجمهوري والديمقراطي للسلطة في البيت الابيض والكونغرس على عدم احتكار اي حزب لحكم او رأي. خامسا، تركز مقررات كليات الاعلام في الجامعات الاميركية على حياد الصحافي، وليقدم اكثر من رأي.
لكن الرئيس فرانكلين روزفلت (من الحزب الديمقراطي) غضب، سنة 1936، من بروك كارتر، مذيع يميني متطرف ايد الحزب الجمهوري، وعارض الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في «المذهب الجديد» (نيو ديل) الذي اعلنه روزفلت. وعارض المذيع، ايضا، دخول اميركا في الحرب العالمية الثانية، وايد احتلال ادولف هتلر، زعيم المانيا، لتشيكوسلوفاكيا في بداية الحرب. وطلب روزفلت من مدير وكالة الاتصالات الفيدرالية (اف سي سي) ان تطلب من الاذاعات التي تنقل برنامج كارتير وقفه، رغم انه كان ناجحا، ونقلته اكثر من عشرين محطة اذاعة تابعة لشركة «سي بي اس« (ربما يعادل ذلك العدد الف محطة حسب مقاييس اليوم).
وحصل العكس، بعد ثلاثين سنة تقريبا، خلال ادارة الرئيس ريتشارد نيكسون (من الحزب الجمهوري)، عندما شن عليه مذيعون ليبراليون هجوما عنيفا بسبب حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت (التي كانت سبب استقالته). لكن نيكسون لم يقل انه عادى هؤلاء المذيعين لهذه الاسباب السياسية. استعمل، بدلا عن ذلك، شعار «القانون والنظام» الذي رفعه في ذلك الوقت، وقال ان هناك «اذاعات ليبرالية» تروج للجريمة والمخدرات.
وطلب نيكسون من مدير وكالة «اف سي سي» منع اي برنامج او اغنية تروج للمخدرات. لكن اذاعة «كي اس ايه ان» الليبرالية (في سان فرانسيسكو) اعلنت «اسبوع مخدرات»، قدمت خلاله اغاني تشير الى استعمال المخدرات (بدون ان تدينها). وقدمت برامج مقابلات تدافع عن حرية الاعلام، وقرأ المذيعون نص الدستور الاميركي، ونص وثيقة حقوق الانسان، على مدار الساعة خلال الاسبوع. واهمل نيكسون التحدي.
وخلال ادارة الرئيس رونالد ريغان، عندما سيطر الحزب الجمهوري على البيت الابيض والكونغرس، بدأت حملة ضد اذاعة «إن بي آر» (يدفع الكونغرس جزءا من ميزانيتها، لكن التبرعات تغطي جزءا كبيرا من الميزانية). قاد الحملة نيوت غينغرتش، الذي قاد «ثورة» الحزب الجمهوري عندما اصبح زعيم الاغلبية في مجلس النواب. ووصف الاذاعة بأنها «قلعة ليبرالية يصرف عليها دافع الضرائب الاميركي». واشترك في الحملة بوب دول، وكان سناتورا جمهوريا من ولاية كنساس. وظهر مرة في برنامج في نفس الاذاعة، وتضايق من اسئلة مذيع، ووصف المذيع بأن «ليبرالي»، وقال انه سيقدم قانونا الى الكونغرس «يعيد الحياد الى إن بي آر».
خفض الكونغرس الجمهوري، فعلا، ميزانية الاذاعة. لكن الرئيس كلينتون (من الحزب الديمقراطي) وخلال ثماني سنوات في البيت الابيض لم يشك في نزاهة الاذاعة (رغم انها انتقدته بسبب فضيحة علاقته الجنسية مع مونيكا لوينسكي، سكرتيرة البيت الابيض). غير ان سيطرة الحزب الجمهوري الحالية على البيت الابيض والكونغرس (وزيادة نفوذ المسيحيين المتطرفين والجمهوريين المحافظين) اعادت الحملة ضد اذاعة «إن بي آر». ورغم ان الاذاعة بدأت تقدم آراء جمهورية ومسيحية اكثر، لكنها لا تزال تحافظ على حيادها.
وقع الرئيس الاميركي جورج بوش في الاسبوع الماضي على القانون الذي اجازه الكونغرس بمضاعفة الغرامة عشر مرات (لتصبح ثلث مليون دولار) على اي محطة اذاعة او تلفزيون تنقل برنامجا «يتعدى حدود الحشمة». وحذر بوش شركات الاذاعات والتلفزيونات بأن «تنظر في جدية لمسؤوليتها بتنظيف الاتصالات اللاسلكية من كل ما هو بذيء، ومخل بالادب، وغير لائق».
كانت الغرامة قليلة حتى «سوبر بول 2004» (منافسات الكأس النهائي السنوية في كرة القدم الاميركية)، عندما غنت المغنية جانيت جاكسون في منتصف الملعب في منتصف المباراة، وكشفت عن صدرها. وبدأت موجة احتجاجات قوية، قادها المسيحيون المتطرفون والجمهوريون المحافظون، حلفاء الرئيس بوش واكبر لوبي ضغط في الكونغرس. وبعد مناقشات استمرت سنتين، اصدر الكونغرس القانون الجديد ووقع عليه بوش. لكن لا الغرامة القديمة ولا المضاعفة تنطبق على تلفزيونات واذاعات الكيبل
والفضائيات والإنترنت. ظلت الحكومة الاميركية، منذ اكثر من مائة سنة، منذ تأسيس اول محطة اذاعة (ثم منذ تأسيس اول محطة تلفزيون قبل اكثر من خمسين سنة) تشرف على الموجات الهوائية التي تنقل هذه البرامج. والسبب هو ان هذه البرامج تنقل على موجات وذبذبات هوائية محدودة العدد، وتحتاج الى تنظيم وتنسيق، ولهذا اصبحت الحكومة مسؤولة عنها، وأصبحت، بالتالي، مسؤولة عن برامجها. لكن تلفزيونات واذاعات الكيبل (عن طريق اسلاك تمتد بلا حدود تحت الارض الواسعة)، والفضائيات (والفضاء لا حدود له)، لا تخضع لأي اشراف حكومي مباشر. وحدث نفس الشيء بالنسبة لاذاعات وتلفزيونات الإنترنت (لأنها تنقل بالكيبل الهاتفي او الكيبل التلفزيوني او الفضائيات). وفيما يخص
الاذاعات، تشكل اغلبيتها محطات هوائية (تخضع لإشراف الحكومة)، لكن ظهرت، خلال السنوات القليلة الماضية، اذاعات فضائية واذاعات إنترنت. وتوجد، حسب ارقام لجنة الاتصالات الفيدرالية (اف سي سي)، 13.600 اذاعة هوائية في الولايات المتحدة. تشكل النصف تقريبا اذاعات «إف إم» تجارية، وهي اساس النشاط الاذاعي، وتعتمد على الاعلانات، وتتنافس للوصول الى اكبر عدد من المستمعين. ويشكل الربع تقريبا اذاعات «إف إم» غير تجارية (مثل اذاعات الجامعات والمؤسسات الحكومية، واذاعات سياسية تعتمد على تبرعات المستمعين). وتشكل الباقي اذاعات «اي ام»، تجارية، او بلغات غير اللغة الانجليزية، واكثر هذه اسبانية، وهناك كورية، وصينية، وفيتنامية. (كانت هناك اذاعة عربية في ديترويت، حيث اكبر جالية عربية، لكنها توقفت قبل سنوات قليلة).
اسس الكونغرس، سنة 1934، لجنة «اف سي سي» لتشرف على المحطات الاذاعية (وعلى المحطات التلفزيونية بعد ان انتشر استعمالها بعد الحرب العالمية الثانية). وتعمل اللجنة، حسب ميثاقها، على «تنظيم التجارة الداخلية والخارجية في الاتصالات السلكية واللاسلكية، لتكون متوفرة، بقدر الامكان، لكل شعب الولايات المتحدة بصورة سريعة، وبكفاءة، وعبر الوطن، وعبر العالم».
ولا تضع وكالة «اف سي سي» رقيبا في كل محطة اذاعة، ولا تستمع الى كل برنامج يذاع (ولا تستمع الى اي برنامج). لكنها تعتمد على شكاوى يرسلها لها المستمعون (لم تحقق في حادث جانيت جاكسون حتى وصلتها شكوى، رغم ان عشرات الملايين، من بينهم مسؤولون في الوكالة، شاهدوه). لكن الوكالة تتشدد في موضوعين: الاول، اذا اذاعت محطة هجوما شخصيا على اي شخص، ولم تعطه حق الرد. والثاني، اذا اذاعت رأيا سياسيا، ولم تعط الطرف الآخر حق الرد.
ويفسر قانون الوكالة الهجوم الشخصي بأنه الذي يهاجم «شرف، ونزاهة، وشخصية، وحياد، وصفات اي شخص معين، او اي مجموعة معينة». ويلزم القانون الاذاعة، اذا فعلت ذلك، ان ترسل الى الشخص الذي هوجم، او المجموعة التي هوجمت، الاشياء الآتية خلال اسبوع:
اولا ـ تاريخ، ووقت، ونوع البرنامج الذي وقع فيه الهجوم.
ثانيا ـ شريطا صوتيا، او شريط فيديو، او محضرا مسجلا للهجوم.
ثالثا ـ عرضا بالرد على الهجوم في وقت مناسب.
ويفسر قانون الوكالة الرأي السياسي بأنه «هو الذي ينحاز نحو مرشح قانوني في انتخابات قانونية» (رأي الاذاعة هو الذي تقول انه رأيها، لا الآراء التي تقال خلال البرامج والاخبار). ويلزم القانون الاذاعة بأن تتخذ نفس الخطوات السابقة. والهدف، في كل الاحوال، هو ضمان فرص متساوية لكل شخص على الموجات الهوائية.
وتتعدد ميول اذاعات الاخبار والبرامج السياسية بتعدد الافكار السياسية. لكن، مع سيطرة الحزب الجمهوري على البيت الابيض والكونغرس لأكثر من ست سنوات، ومع زيادة نفوذ المسيحيين المتطرفين والجمهوريين اليمينيين، رجحت كفة الاذاعات والبرامج اليمينية والمحافظة. فتوجد، في اقصى اليسار، اذاعة «باسفيكا» التقدمية، وهذه اقدم اذاعة اميركية متخصصة في السياسة. اسسها لويس هيل، عميد التقدميين الاميركيين في القرن العشرين. وكان قد اشتهر قبل اكثر من ستين سنة، عندما رفض التجنيد في الحرب العالمية الثانية لأنه «سلمي». واسس، سنة 1949 بعد ان خرج من السجن، اذاعة «باسفيكا» (سلمية) في بيركلي (قرب جامعة كاليفورنيا، رائدة التقدمية وسط الجامعات الاميركية). واصبحت الاذاعة، في وقت لاحق، شبكة فيها مائة فرع تقريبا، بعضها ينقل كل برامج الشبكة، وبعضها ينقل برامج معينة. ولا تنقل الشبكة اعلانات، وتعتمد على تبرعات المستمعين. (وتدير فرع واشنطن زرينا شاكر، من قادة المسلمين السود). واكثر برامج الشبكة شهرة هو «الديمقراطية الآن» الذي تخصص، عبر عشرات السنين، في نقد الحروب التي اشتركت فيها القوات الاميركية، من كوريا الى فيتنام وحرب الخليج، والآن حرب العراق.
وفي الجانب الآخر هناك اذاعات تجارية تقدم اعلانات وتنقل برامج معلقين ينتمون للحزب الجمهوري، وينتمي معظمهم الى الجناح المحافظ في الحزب. اشهر هؤلاء هو رش ليمبو، الذي تنقل برنامجه اكثر من ستمائة اذاعة، ويستمع اليه عشرون مليون شخص تقريبا، ولهذا اصبح اشهر مقدم مقابلات اذاعية في تاريخ اميركا. وزادت شهرته بسبب صوته الجهور، وعدائه المستميت لليبرالية والليبراليين. وقال مرة انه يقدر على «هزيمة كل ليبرالي حتى اذا جمدت نصف مخي، وفكرت بالنصف الثاني». وقال مرة ان قدراته «قرض من الرب»، وعندما انتقده بعض المستمعين رد بأن قدراته «منحة من الرب» وهناك «اير اميركا»، وهي اذاعة ليبرالية خاصة، وجديدة (بدأت قبل ثلاث سنوات)، والهدف منها هو الرد على الاذاعات اليمينية الكثيرة والناجحة نسبيا. ونجمها الاول هو آل فرانكلين (يوصف بأنه لمبو الليبرالي، وكتب كتابا عن ليمبو اليميني: «ليبمو غبي وسمين»). لكن، كما قالت مؤلفة كتاب «مستمعون»، «يبدو ان الليبراليين لا يقدرون على مجاراة المحافظين في اللسان الطويل والصوت المرتفع. ويبدو ان اغلبية الاميركيين صامتة تحب الصامتين». وتوجد 45 محطة اذاعة («اي إم» و «إف إم») في منطقة
واشنطن، منها 15 محطة للاخبار والمناقشات. ولم يسجل التاريخ الاميركي مواجهة حاسمة بين الاذاعات والحكومة، وذلك لأكثر من سبب: اولا، كان عدد الاذاعات، منذ بدايتها، كثيرا. ثانيا، لم تسمع، حتى وقت قريب، اي اذاعة في كل الولايات المتحدة الخمسين. ثالثا، لا توجد اذاعة حكومية تدافع عن الحكومة، وتهاجم معارضيها. رابعا، ساعد تبادل الحزبين الجمهوري والديمقراطي للسلطة في البيت الابيض والكونغرس على عدم احتكار اي حزب لحكم او رأي. خامسا، تركز مقررات كليات الاعلام في الجامعات الاميركية على حياد الصحافي، وليقدم اكثر من رأي.
لكن الرئيس فرانكلين روزفلت (من الحزب الديمقراطي) غضب، سنة 1936، من بروك كارتر، مذيع يميني متطرف ايد الحزب الجمهوري، وعارض الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية في «المذهب الجديد» (نيو ديل) الذي اعلنه روزفلت. وعارض المذيع، ايضا، دخول اميركا في الحرب العالمية الثانية، وايد احتلال ادولف هتلر، زعيم المانيا، لتشيكوسلوفاكيا في بداية الحرب. وطلب روزفلت من مدير وكالة الاتصالات الفيدرالية (اف سي سي) ان تطلب من الاذاعات التي تنقل برنامج كارتير وقفه، رغم انه كان ناجحا، ونقلته اكثر من عشرين محطة اذاعة تابعة لشركة «سي بي اس« (ربما يعادل ذلك العدد الف محطة حسب مقاييس اليوم).
وحصل العكس، بعد ثلاثين سنة تقريبا، خلال ادارة الرئيس ريتشارد نيكسون (من الحزب الجمهوري)، عندما شن عليه مذيعون ليبراليون هجوما عنيفا بسبب حرب فيتنام وفضيحة ووترغيت (التي كانت سبب استقالته). لكن نيكسون لم يقل انه عادى هؤلاء المذيعين لهذه الاسباب السياسية. استعمل، بدلا عن ذلك، شعار «القانون والنظام» الذي رفعه في ذلك الوقت، وقال ان هناك «اذاعات ليبرالية» تروج للجريمة والمخدرات.
وطلب نيكسون من مدير وكالة «اف سي سي» منع اي برنامج او اغنية تروج للمخدرات. لكن اذاعة «كي اس ايه ان» الليبرالية (في سان فرانسيسكو) اعلنت «اسبوع مخدرات»، قدمت خلاله اغاني تشير الى استعمال المخدرات (بدون ان تدينها). وقدمت برامج مقابلات تدافع عن حرية الاعلام، وقرأ المذيعون نص الدستور الاميركي، ونص وثيقة حقوق الانسان، على مدار الساعة خلال الاسبوع. واهمل نيكسون التحدي.
وخلال ادارة الرئيس رونالد ريغان، عندما سيطر الحزب الجمهوري على البيت الابيض والكونغرس، بدأت حملة ضد اذاعة «إن بي آر» (يدفع الكونغرس جزءا من ميزانيتها، لكن التبرعات تغطي جزءا كبيرا من الميزانية). قاد الحملة نيوت غينغرتش، الذي قاد «ثورة» الحزب الجمهوري عندما اصبح زعيم الاغلبية في مجلس النواب. ووصف الاذاعة بأنها «قلعة ليبرالية يصرف عليها دافع الضرائب الاميركي». واشترك في الحملة بوب دول، وكان سناتورا جمهوريا من ولاية كنساس. وظهر مرة في برنامج في نفس الاذاعة، وتضايق من اسئلة مذيع، ووصف المذيع بأن «ليبرالي»، وقال انه سيقدم قانونا الى الكونغرس «يعيد الحياد الى إن بي آر».
خفض الكونغرس الجمهوري، فعلا، ميزانية الاذاعة. لكن الرئيس كلينتون (من الحزب الديمقراطي) وخلال ثماني سنوات في البيت الابيض لم يشك في نزاهة الاذاعة (رغم انها انتقدته بسبب فضيحة علاقته الجنسية مع مونيكا لوينسكي، سكرتيرة البيت الابيض). غير ان سيطرة الحزب الجمهوري الحالية على البيت الابيض والكونغرس (وزيادة نفوذ المسيحيين المتطرفين والجمهوريين المحافظين) اعادت الحملة ضد اذاعة «إن بي آر». ورغم ان الاذاعة بدأت تقدم آراء جمهورية ومسيحية اكثر، لكنها لا تزال تحافظ على حيادها.