المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التاريخ السري لرئاسة بوش



فاطمي
06-27-2006, 10:43 AM
على الرغم من التغطية الإعلامية والتحقيقات المستقلة وقائع كثيرة لا تزال خفية


بيروت: سمير شمس

على الرغم من التغطية الإعلامية الكثيفة، وآلاف الدراسات، والتحقيقات المستقلة، لا تزال بعض أهم الوقائع عن رئاسة بوش الثانية مجهولة، مما يشكل تاريخاً سرياً حافلاً، وسلسلة من الأحداث الخفية التي بمعظمها أكثر قيمة مما كشفته الصحافة، وأكثر إيلاماً. ويحاول هذا الكتاب لمؤلفه جيمس ريزن، المختص بشؤون الأمن القومي، الكشف عن كل ذلك، وبشكل أخص إخفاقات وكالة المخابرات المركزية الأميركية. ما من مؤسسة أخفقت في أداء رسالتها في عهد بوش كالسي آي إيه. لقد كانت في ورطة بعد انتهاء الحرب الباردة، فبتداعي الاتحاد السوفياتي عام 1991 انتهت مهمتها الأصلية. وأصبح العمل الاستخباراتي منصباً على كتابة التقارير بدلاً من إجراء أبحاث أساسية.


في الستينات والسبعينات، كانت القضية في الولايات المتحدة تتعلّق بسوء استخدام السلطة في السياسة المحلية. وفي الثمانينات، كانت تتعلّق بخرق القانون في الشؤون الخارجية السرية. أما الآن فالولايات المتحدة في حالة حرب، ولا يشكل التجسس على المواطنين في الداخل، والخرق السري للقانون سوى قمة جبل الجليد.

يحاول كشف كل ذلك الصحافي المختص بشؤون الأمن القومي «جيمس ريزن»، ويربط بينها الحلقات مما يشكل التاريخ السري لرئاسة بوش.

يقول المؤلف، إنه ما من مؤسسة أخفقت في أداء رسالتها في عهد بوش كالسي آي إيه. لقد كانت في ورطة بعد انتهاء الحرب الباردة، فبتداعي الاتحاد السوفياتي عام 1991 انتهت مهمتها الأصلية. وأصبح العمل الاستخباراتي منصباً على كتابة التقارير بدلاً من إجراء أبحاث أساسية. لقد أصبحت الوكالة هيئة يستثير إفلاسها الصيحات المُطالبة بالإصلاح.

لقد قُبِل جورج تنيت في البيت الأبيض كقائد للسي آي إيه، وبعد أحداث 11/9 أصبحت الشراكة قائمة بين بوش وتنيت لكونه الشخص الوحيد من إدارته المطلع جيداً على تحركات أسامة بن لادن والقاعدة. وأنكر تنيت فيما بعد أن تكون أحداث 11/9 تشكل فشلاً استخباراتياً، لأن الوكالة ساقت ما يكفي من التحذيرات من أن القاعدة تخطط لشن هجوم كبير. وهذا كل ما يمكن للوكالة أن تفعله لأنه ما إن يصبح الإرهابيون داخل الولايات المتحدة حتى تبدأ مسؤولية مكتب التحقيقات الفدرالي (أف. بي. آي). لقد أمن بوش لتنيت الغطاء اللازم. وكان من نجاحات الوكالة بالمصادفة إلقاء القبض على أبي زبيدة مما عزز دورها.

سأل الرئيس بوش تنيت بعد أيام على اعتقال أبي زبيدة عن المعلومات التي تمكن من الحصول عليها منه، فأجاب: لا شيء لحد الآن لأن الرجل أصيب بجروح بليغة. فأجاب الرئيس بوش: ومن أوعز بمداواته من آلامه؟. من الجائز أن تكون هذه الجملة مجرد مزحة، وربما كانت تشجيعاً ضمنياً لمدير الوكالة على معاملة الأسرى بقسوة بالغة. ويؤكد توجه بوش هذا، العبارة التي رددها علناً وفي مناسبات عدّة «بأنه علينا نزع القفازات».

بعد سنتين من إلقاء القبض على أبي زبيدة انفجرت فضيحة إساءة معاملة السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، ثم اتسعت بانكشاف المزيد من وقائع سوء المعاملة. وثابر البيت الأبيض من جانبه على التأكيد بأن الرئيس بوش قد روّع لدى اطلاعه على صور التعذيب، وأساليب الاستجواب العنيفة.

واجهت الولايات المتحدة على امتداد حكم بوش ولا تزال ما يرقى إلى «تمرد إسلامي»، سيئ التشكل إنما شامل. تمرد امتد وتجاوز شبكة القاعدة وتعاظم على نحو أشد فتكاً في العراق وأفغانستان وأوروبا وشرق آسيا. إن المعضلة الأساسية هي ما إذا كانت سياسة الرئيس بوش قد فاقمت الإرهاب سواء بتفويتها توجيه ضربة إلى القاعدة حينما سمحت الظروف بذلك، أو بتعميقها روح العداء للولايات المتحدة داخل العالم العربي للطريقة التي تتعامل بها أميركا في العراق.

وفي أفغانستان أطلقت الحكومة الأميركية على المعتقلين تسمية «مقاتلين أعداء» بدلاً من «أسرى حرب» في ظروف شبيهة بالقرون الوسطى، وفي سجون أفغانية مكتظة. ولتفادي هذا الوضع أقام الجيش الأميركي في بداية 2002 معسكر اعتقال في خليج غوانتانامو في كوبا، وبدأ ينقل السجناء جواً إلى السجن الذي سمي «معسكر أشعة إكس»، لكن المعسكر أصبح مكتظاً أكثر من اللازم، فعملت الوكالة على إيجاد مواقع احتجاز بديلة في بلدان متفرقة من العالم، وانكبت على دراسة «كيف يجعلون الناس يختفون».

وأمام إخفاقات سي. آي. ايه المتواصلة، عيَّن الرئيس في العام 1999 مايكل هيدن مديراً لوكالة الأمن القومي، المنظمة الأضخم. وهي الوكالة التي لها السيطرة على العالم. لقد كانت الوكالة بنظر العالم وحشاً منفلتاً من عقاله يديره كادر بيروقراطي لا يعرف الرحمة. ووجدت الوكالة التي كانت يوماً سراً من أسرار الدولة، نفسها ملزمة بالتحدث إلى الصحافة. كان هذا الأمر مربكاً بالنسبة لقدامى العاملين الذين تدربوا أن لا يتحدثوا مطلقاً عن وظائفهم.

وكانت هذه الوكالة قد أنشئت في عام 1952 بهدف تعزيز قدرة الحكومة على فك وتركيب الرموز الشيفرية. وبعد 11/9 خضعت وكالة الأمن القومي لتحولات متتالية، وربما لأول مرة بعد فضيحة واترغيت تقوم الوكالة بالتجسس على الأميركيين وعلى نطاق واسع، وذلك بموجب أمر رئاسي موقّع في أوائل 2002، من دون مذكرات تفتيش، بحجة أن القواعد الراهنة المكبلة لسلطات وكالة الأمن القومي قد تركت فجوات في قُدرة الولايات المتحدة على اكتشاف الهجمات الإرهابية والحؤول دون حصولها.

لقد عمدت إدارة بوش إلى تجاوز قرابة ثلاثين سنة من القواعد والأنظمة وأعادت وكالة الأمن القومي خفية إلى مشغل التجسس الداخلي، فجوفت الحريات المدنية وتطفلت على حياة الأميركيين وعلى المكالمات الدولية.

في هذه الأثناء أصبحت القرارات تتخذ على الطائر. وتفرض فرضاً من فوق، وضاقت دائرة النقاش، ولم يتمكن البيروقراطيون من اللحاق بالسياسيين. فلم يعد رامسفيلد يعير انتباهاً لمنسق مكافحة الإرهاب طالما أنه يؤمن بأن مكافحة الإرهاب على نطاق العالم كله تقع على عاتقه.

ودأبت إدارة بوش، حسب الكتاب، تعلي أكثر فأكثر من نبرتها الخطابية بصدد الخطر الذي يشكله الإرهابيون وأسلحة الدمار الشامل والعراق. وأعلن الرئيس عن حرب استباقية ضد الأنظمة الديكتاتورية. عملت السي آي إيه على إيجاد دليل على وجود أسلحة دمار شامل في العراق لكنهم تأكدوا بشكل قاطع أن صدام حسين تخلى فعلاً عن مساعيه لامتلاك هذه الأسلحة. غير إن الوكالة، كما يقول ريزن، آثرت أن لا يشاطرها الرئيس هذه المعلومات وهو الذي يتأهب لإرسال الجنود الأميركيين للقتال والموت في العراق.

لكن هذا الانتصار لم ينزل هزيمة حاسمة بالنظام العراقي بل تفرّق شمله. وكان حل الجيش العراقي وغيره من مؤسسات الأمن وانعدام الفرص الاقتصادية أعطى عناصر النظام السابق الثقة التي تحتاجها لترميم شبكاتها وإعادة تثبيت أقدامها. وأصبح العراق جاذباً للمتشددين الإسلاميين فحققت أميركا بذلك الصلة بين العراق والقاعدة على نحو حاسم.

إن مشاكل إدارة بوش الكبرى جاءت عندما تجاهلت حقائق الشرق الأوسط، وقبلت معلومات استخباراتية حافلة بالعيوب ومتفائلة بإفراط، وقمعت وجهات النظر المخالفة داخل حكومتها هي. وقد تضافرت تلك المشاكل مع إخفاقات عانت منها السي آي إيه نفسها. ويخلص المؤلف إلى أن إدارة بوش أمعنت في تسييس السي آي إيه لدرجة فقدت معها هذه الأخيرة مصداقيتها. فاستجمعت شجاعتها في صيف 2005 وأصدرت تقييماً سرياً يقول بأن غزو العراق لم يساهم في لجم الإرهاب بل حوّل العراق إلى ملاذ جديد ودموي للإرهابيين. ورد المحافظون الجدد بأن السي آي إيه تعج بالبراغماتيين الذين لا يستطيعون إلاّ أن يروا الشرق الأوسط كما هو، وليس كما يجب أن يكون.