هاشم
06-22-2006, 03:30 PM
GMT 10:30:00 2006 الخميس 22 يونيو
إيمان ابراهيم من بيروت
يعتبر المرجع الشّيعي السّيد محمد حسين فضل الله، أنّ الأغاني، لا تدخل في باب المحرّمات، إذا ما لامست القيم الإنسانيّة والفكرية العميقة في مضمونها، وترافقت مع موسيقى راقية، بينما يحرّم قطعاً تلك الأغاني التي تمجّد بالطّغاة والأنظمة الفاسدة، كما يحصل في معظم الدّول العربيّة، حين يلجأ بعض الفنّانين إلى تمجيد زعمائهم خوفاً من طغيانهم، أو لممالقتهم. ويحسم السيّد فضل الله في حديث خاص وشامل مع "إيلاف"، مسألة حسّاسة تتعلّق بصوت المرأة، الذي لا يعتبره عورةً، بل يشرّع للمرأة الغناء إذا ما كانت الأغنية تحمل تلك المعاني السّامية، مستشهداً بتجربة الدّولة الإسلاميّة في إيران، في هذا المجال، حيث تبث الإذاعات ومحطّات التلفزيون الأغاني. ويضع السيّد فضل الله خطاً عاماً لتحريم الأغاني وتحليلها، ويترك للقارىء تصنيف الأغاني في هذا الإطار من دون الدّخول في الأسماء والتفاصيل، وإن كان يحرّم بشدّة موسيقى الجاز التي تدمّر الأعصاب وتؤثّر سلباً في المستمع.
وفي ما يلي نص الحديث:
الغناء للطغاة من المحرّمات
قد يعتبر البعض أنّ النّقاش في أمور الغناء مسألة سطحيّة، لا تستحق حتّى مجرّد طرحها من النّاحية الدينيّة، علماً أنّ الأغاني تحاوطنا من كل مكان...
الغناء حسب معناه لغوياً هو ترجيع الصّوت وتمديده، وكل حالة من الحالات التي يردد فيها الصوت من خلال تمديده وترجيعه، تسمّى غناءً. والطرب ليس دخيلاً في الغناء، هناك غناء مطرب وغناء غير مطرب، لذا يمكن إعطاء صفة الغناء لكل طريقة في إطلاق الكلام، سواءً كان شعراً أو نثراً، بأسلوب التّرجيع والترديد.
لنتحدّث عن الغناء بشكله اليوم، وبالمعنى المتعارف عليه جماهيرياً...برأينا أنّ مسألة الغناء تنطلق من فكرة، وهي طريقة أداء الصّوت، أو طريقة تحريك الكلمة، وهذه تختلف حسب اختلاف الصوت، والصوت الملحن أو المنغّم، يعطي للكلمة في نفس السامع التأثير العميق الذي قد يؤدّي إلى بعض النّتائج على مستوى الإحساس الشّعوري في هذا المجال، فعندما يكون الكلام، كلام حق، كلام خير مفيد ونافع، فمن الطّبيعي أنّ اللحن يؤدّي دور تعميق هذه المعاني في النّفس، بحيث يتفاعل معها الإنسان، فإن كان الكلام كلاماً طيباً، خيراً، موحياً، نافعاً، تتعمّق هذه المعاني في النّفس، أمّا إذا كان هذا الكلام كلاماً سلبياً، بحيث أنّ فيه دعوة للشر، للهدم، للحقد ولكل ما هو حرام عند الله، هذا أيضاً يترك تأثيراً في النّفس، بحيث النّفس تستوعب كل هذه المعاني، وبالتالي فإنّ الإنسان يمكن من خلال هذه المؤثّرات أن يندفع لتنفيذ هذه الأمور الكامنة في النّفس من خلال الأغنية.
على صعيد العالم العربي لا توجد بالإجمال أغان تدعو إلى الشّر بعبارات صريحة، كما هو الحال في الغرب.
هناك نقطة في العالم العربي وهو إثارة الغريزة، فنحن نعتبر أن الغناء الذي يثير الغرائز، بحيث يجعل المستمع يعيش في حالة هواجس جنسيّة، حيث أنّ طبيعة اللحن قد يؤدّي إلى ذلك، وإن كان بعض النّاس لا يتأثرون فيها، أو أنّ المضمون الذي يؤدّى به هو مضمون إثاري، يؤدّي إلى إثارة الشّهوات، وربّما يتمثّل ذلك في الغناء الذي يمدح فيه طغاة، كالأغاني التي تتضمّن الإشادة بالأنظمة الفاسدة، أو بالأوضاع السيّئة.
ثمّة أغان تصنّف ضمن خانة الأغاني الوطنيّة، في حين أنّها تقوم على تمجيد زعيم ديكتاتوري، كما هي الحال في بعض الدّول العربيّة.
وثمّة أغان وطنيّة تربط الإنسان بالمعاني الإيجابيّة للوطن، مثل ركن الدّفاع عن الوطن، الالتزام بالحريّة والاستقلال وما إلى ذلك، هذه أغان قطعاً ليست محرّمة. لذلك نقول أنّ الغناء الذي يتضمّن التغزّل بالطّبيعة، والحنين إلى الوطن والأهل، والحنين إلى الأهل وما إلى ذلك، والغناء الذي يرتفع بالرّوح، الغناء الصّوفي مثلاً، الذي يفتح أفق الإنسان على الله سبحانه وتعالى، وعلى كل الأغاني الرّوحيّة، في هذا المجال.
أغاني الحب العذري ليست محرّمة
لماذا التغنّي بالوطن وبالطّبيعة وبالمعاني السّامية ليس محرّماً، بينما التغنّي للحب محرّماً، علماً أنّ الحب معنّى سام هو أيضاً؟
هناك فارق بين الحب الذي هو قيمة إنسانيّة، وبين الحب الذي يخاطب فيه الرّجل المرأة، وتخاطب فيه المرأة الرّجل، لأنّ هذا يؤدّي إلى إثارة الغريزة، والإسلام لا يريد للإنسان أن يعيش في حالة إثارة الغريزة، لأنّ هذه الإثارة سوف تتحوّل إلى سلوك سلبي غير أخلاقي في النّفس في هذا المقام، أمّا الحب بمعانيه الرّوحيّة فهو ليس محرّماً. هناك نقطة ينبغي أن نعرفها في الغناء، هي أنّه قد يسلب الإسلام إرادته في الانفعال بالشيء، والله يريد أن يعيش الإنسان إرادته باختياره، قد يستطيع هو أن يحرّكها سلباً، أو إيجاباً، بينما الإنسان عندما يضغط عليه الجّانب الإحساسي والشّعوري في ألحان مثيرة، تثيره وتحرّكه لا شعورياً نحو بعض السّلوكيات غير المقبولة.
لكن هذا الأمر قد ينطبق أيضاً على الأغاني الثّوريّة، التي تخلق أحياناً ردات فعل عنيفة؟
ثمّة نقطة يجب إيضاحها، وهي أنّه إذا كان هذا الشيء يمثل الخير للإنسان فلا مشكلة فيه، لأنّ الإنسان حين يندفع ستكون النّتائج إيجابيّة، أمّا بالنّسبة إلى الجوانب الأخرى، التي تدفع إلى السلبيات مثل انفعال الإرادة فهي حتماً مرفوضة.
إذاً الأمر نسبياً ؟
نعم الأمر نسبي. حتّى أنّنا أيضاً نحرّم ألحان الجاز التي تحطّم الأعصاب، وتجعل الإنسان يعيش حالات سلبيّة وتخرجه عن طوره.
تقيّمون الأغاني إذاً بحسب تأثيرها على الأشخاص؟
بحسب تأثيرها نوعاً وليس شخصاً. الخمر مثلاً قد لا يسكر بعض النّاس، لكنّه محرّماً، نحن ننطلق في هذه التحديدات من الأدلّة التي نستدل بها على حرمة الغناء، مثلاً "فاجتنبوا قول الزّور"، هناك تفسير يقول أنّه قول الباطل الذي ليس به حقاً، أو "الذين لا يشهدون الزور" مفسّرة بالغناء، أو "من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم"، لهو الحديث الذي يؤدي إلى إضلال الإنسان عقلياً، أو عقائدياً، أو شرعياً، وما إلى ذلك، فالمسألة من ناحية الفتوى تدور حول هذه العناوين، فما كان ينطبق عليه عنوان الباطل أو عنوان الإضلال عن سبيل الله، فهو محرّم.
الغناء في إيران ليس محرّماً
ثمّة إجماع من قبل نقّاد على مستوى، وحتّى من قبل علماء النّفس بأنّ بعض الإغاني مثل أغاني السيّدة فيروز التي تتحدّث أيضاً عن الحب، من دون أن تحرّك الغرائز بصورة رخيصة، بالعكس تحرّك الجانب الإيجابي في المستمع، وهي حتماً تريح الأعصاب، فما موقف الدّين من هذه النّوعيّة من الأغاني؟
أنا أجبت عن هذا السّؤال، أنا لم أقل أن كل حب محرّم، بل قلت الحب الغرائزي.
مثلاً الحب للأم والأب، وحتّى حب الرّجل المرأة، ذلك الحب العذري، الذي يرتفع بالنّفس، ويشكّل قيمة روحيّة وإنسانيّة، وليس قيمة غرائزيّة، لاحظي الآن عندما تدرسين التّجربة التي يعيشها المراهقون في مسألة الأغاني المتداولة، التي تخلق نوعاً من الانجذاب اللاشعوري بالفنّان، وارتباطهم به ارتباطاً غرائزياً.
هذا ينطبق أيضاً على نجوم التّمثيل، وعلى بعض الزّعماء الذين يعلّق يعض المراهقين صورهم في غرف نومهم؟
تأثير الغناء في النّفس من خلال إثارة المشاعر يعطي معنىً خاص، ليست المسألة أنّه مجرّد شخص يحبّونه، بمعنى أنّ الأغاني في تأثيراتها عليهم، فهم لا ينجذبون وراء الشخص، بل وراء الأغنية التي تترك أثاراً سلبيّة على مستوى الغرائز والشهوات وما إلى ذلك، ممّا لو تركنا له الحريّة، فإنّه يتحوّل إلى وضع اجتماعي غير أخلاقي كما نلاحظ الواقع، في كل أنحاء العالم. لماذا نلح على مسألة الإثارة للشباب؟ الإسلام لا يريد للإنسان أن يخضع للأمور التي فيها مفسدة، فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم "يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما"، فكل ما فيه ضرر أكثر من منفعة فهو حرام للناس، فالأغاني التي تثير الغرائز وتدمر الأعصاب، وتشيد بالباطل والطغاة والأنظمة الفاسدة، لا إشكال في أنّ ضررها أكبر في نوعها.
لو طبّقت الشّريعة الإسلاميّة في لبنان، هل ستلجأون إلى منع الغناء؟
لننظر قليلاً إلى تجربة إيران في هذا المجال، فالغناء ليس محرّماً، عندما ندرس أشعار الفردوسي، وعمر الخيام وإقبال وغيرها، نرى أنّ ثمّة أشعار فلسفيّة، وحتّى أنّ الموسيقى التي ترتفع بالروح وتسمو بها، مثل موسيقى شوبان وموزار فهي ليست محرّمة، ونحن عموماً نقول أنّ الموسيقى الكلاسيكيّة ليست محرّمة، كذلك الموسيقى التي تهدّأ الإعصاب وترتقي بالرّوح، وتحتوي على عناصر ثقافيّة، بحيث أنها تثقف الرّوح بما توحي به، فهي حتماً ليست محرّمة.
هل ثمّة آلالات موسيقيّة محرّمة؟
لا، نحن نقول أنّه ليس ثمّة آلالات للحرام، لكن إذا استعملت في الحلال فهي حلال، وإذا استعملت في الحرام فهي حرام.
ثمّة شباب يحبّون الأغاني ولا يستمعون إليها بحجّة أنّها محرّمة، بالتّالي يعانون من حرمان أنفسهم منها رغماً عنهم، فماذا تقولون لهم؟
الآن لدينا مثلاً بعض الفرق الموسيقيّة التي يستخدمها تلفزيون "المنار" ليست محرّمة، في التلفزيون والإذاعة الإيرانيّة تذاع أغان راقية جداً وألحان جميلة. الفن أي فن سواء كان الفن المغنى، أو التمثيل، أو الرسم أو الشعر، إنما هو من أجل مصلحة الإنسان، فإذا اقترب ممّا يفسد الإنسان، يفسد نفسيّته وسلوكه ومشاعره وأحاسيسه، فهناك ضرر في هذا الموضوع. لماذا تمنع المخدّرات في العالم؟ لأنّ لها تأثيرات سلبيّة، بهذا المعنى، فإنّ كل شيء يؤدّي إلى أثاء سلبيّة، بحيث أن ضرره أكبر من منافعه هو محرّم.
لا أرى بهذا المعنى، أنّ الأغاني التي تبثّ حالياً عبر الإذاعات، تشكّل كل هذا الضّرر للشباب؟
إذا أردنا أن نفكّر في النتائج، علينا أن ندرس كيف نميّز النتائج السلبيّة والإيجابيّة، مثلاً لننظر إلى العالم الغربي، الحريّة باتت متاحة بما فيها حريّة العري، وإذا نظر أحدهم إلى هذه الأمور قد يقول ليس ثمّة أمر خاطىء، وهذا صحيح، فالأمر ليس خاطئاً نسبة إلى عاداتهم وتقاليدهم، السلبيات الأخلاقيّة ليست مشكلة لديهم في هذا المجال. نحن اليوم نعيش الغرب الشكلي في المقام الأول، فنحن نلاحظ المعاكسات التي أصبحت رائجة لدينا من قبل الشّباب للفتيات والعكس صحيح، والمعاكسات قد تتمّ بأغنية من هنا وأغنية من هناك.
قد يقول لها شعراً أيضاً، فالأمر ليس مقتصراً على الغناء...
هذا واقع موجود، لكن قد لا تعيشين تجربته، هذه الأمور تحصل في المناطق غير المحافظة.
وحتى في المناطق المحافظة أصبح ظاهرة المعاكسات رائجة.
أن تكون محافظة بالحجاب، ليس معناها أنّها محافظة في الجانب السّلوكي، هناك محافظة في الجانب الشّكلي وفي الجانب المضموني، فليس كل امرأة محجّبة فاطمة الزّهراء او مريم بنت عمران.
صوت المرأة ليس عورة
لنعود إلى مسألة الغناء، هل يعتبر صوت المرأة عورة، بالتالي يحرّم عليها غناء ما حلّل في هذا الإطار على مسمع من الرّجل؟
صوت المرأة ليس عورة، ويمكن للمرأة أن تغنّي أمام الرّجل إذا كانت الأغنية ممّا سبق واتفقنا على أنّها تدخل في إطار الأغاني الراقية والملتزمة. تجويد القرأن مثلاً وترتيله، والمفاهيم التي تطلقها في لحن، إذا كانت مفاهيم غير مثيرة أو كان اللحن غير مثير، فلا مشكلة.
أعرف أنّكم لا تحبّون الدّخول في التّفاصيل والأسماء، لكن فقط لتوضيح الفكرة أود السؤال، إذا ما غنّت الفنّانة فيروز "بحبك يا لبنان"، هل ثمّة حرمة في الأمر؟
أنا شخصياً لا أتحدّث عن الواقع الموجود، بل أعطي خطاً عاماً، وعندما ينطبق هذا الخط على المعاني التي ترتفع بالنفس والفكر، والروح ولا تترك تأثير سلبي، سواء صدرت عند الرّجل والمرأة، فلا مشكلة فيه.
الكثير من المتشدّدين، قد يعتبرون أنّ كلامنا متفلّتاً، وفيه انقلاباً على مفاهيم الإسلام؟
هناك أناس يعارضون تفكيري في هذا المجال، وهذا ليس فقط رأيي، بل هناك الكثير من المراجع الدّينيّة والعلماء الأتقياء جداً، الذين يرون أنّ مشكلة الغناء إنما هو بالمضمون وليس باللحن فقط.
أغاني اليوم من دون شك هابطة، وذات مستوى متدنّ، في حين أن أغاني الماضي كانت تحمل قيمة شعرية وموسيقية...
أنا التقيت بعدد من الموسيقيين زاروني هنا، وقالوا لي أنّهم لا يؤمنون بالأغاني الهابطة، لأنّ دائماً مضمون الأغاني يمثّل قيمة فكرية وروحية وثورية وإنسانيّة.
إيمان ابراهيم من بيروت
يعتبر المرجع الشّيعي السّيد محمد حسين فضل الله، أنّ الأغاني، لا تدخل في باب المحرّمات، إذا ما لامست القيم الإنسانيّة والفكرية العميقة في مضمونها، وترافقت مع موسيقى راقية، بينما يحرّم قطعاً تلك الأغاني التي تمجّد بالطّغاة والأنظمة الفاسدة، كما يحصل في معظم الدّول العربيّة، حين يلجأ بعض الفنّانين إلى تمجيد زعمائهم خوفاً من طغيانهم، أو لممالقتهم. ويحسم السيّد فضل الله في حديث خاص وشامل مع "إيلاف"، مسألة حسّاسة تتعلّق بصوت المرأة، الذي لا يعتبره عورةً، بل يشرّع للمرأة الغناء إذا ما كانت الأغنية تحمل تلك المعاني السّامية، مستشهداً بتجربة الدّولة الإسلاميّة في إيران، في هذا المجال، حيث تبث الإذاعات ومحطّات التلفزيون الأغاني. ويضع السيّد فضل الله خطاً عاماً لتحريم الأغاني وتحليلها، ويترك للقارىء تصنيف الأغاني في هذا الإطار من دون الدّخول في الأسماء والتفاصيل، وإن كان يحرّم بشدّة موسيقى الجاز التي تدمّر الأعصاب وتؤثّر سلباً في المستمع.
وفي ما يلي نص الحديث:
الغناء للطغاة من المحرّمات
قد يعتبر البعض أنّ النّقاش في أمور الغناء مسألة سطحيّة، لا تستحق حتّى مجرّد طرحها من النّاحية الدينيّة، علماً أنّ الأغاني تحاوطنا من كل مكان...
الغناء حسب معناه لغوياً هو ترجيع الصّوت وتمديده، وكل حالة من الحالات التي يردد فيها الصوت من خلال تمديده وترجيعه، تسمّى غناءً. والطرب ليس دخيلاً في الغناء، هناك غناء مطرب وغناء غير مطرب، لذا يمكن إعطاء صفة الغناء لكل طريقة في إطلاق الكلام، سواءً كان شعراً أو نثراً، بأسلوب التّرجيع والترديد.
لنتحدّث عن الغناء بشكله اليوم، وبالمعنى المتعارف عليه جماهيرياً...برأينا أنّ مسألة الغناء تنطلق من فكرة، وهي طريقة أداء الصّوت، أو طريقة تحريك الكلمة، وهذه تختلف حسب اختلاف الصوت، والصوت الملحن أو المنغّم، يعطي للكلمة في نفس السامع التأثير العميق الذي قد يؤدّي إلى بعض النّتائج على مستوى الإحساس الشّعوري في هذا المجال، فعندما يكون الكلام، كلام حق، كلام خير مفيد ونافع، فمن الطّبيعي أنّ اللحن يؤدّي دور تعميق هذه المعاني في النّفس، بحيث يتفاعل معها الإنسان، فإن كان الكلام كلاماً طيباً، خيراً، موحياً، نافعاً، تتعمّق هذه المعاني في النّفس، أمّا إذا كان هذا الكلام كلاماً سلبياً، بحيث أنّ فيه دعوة للشر، للهدم، للحقد ولكل ما هو حرام عند الله، هذا أيضاً يترك تأثيراً في النّفس، بحيث النّفس تستوعب كل هذه المعاني، وبالتالي فإنّ الإنسان يمكن من خلال هذه المؤثّرات أن يندفع لتنفيذ هذه الأمور الكامنة في النّفس من خلال الأغنية.
على صعيد العالم العربي لا توجد بالإجمال أغان تدعو إلى الشّر بعبارات صريحة، كما هو الحال في الغرب.
هناك نقطة في العالم العربي وهو إثارة الغريزة، فنحن نعتبر أن الغناء الذي يثير الغرائز، بحيث يجعل المستمع يعيش في حالة هواجس جنسيّة، حيث أنّ طبيعة اللحن قد يؤدّي إلى ذلك، وإن كان بعض النّاس لا يتأثرون فيها، أو أنّ المضمون الذي يؤدّى به هو مضمون إثاري، يؤدّي إلى إثارة الشّهوات، وربّما يتمثّل ذلك في الغناء الذي يمدح فيه طغاة، كالأغاني التي تتضمّن الإشادة بالأنظمة الفاسدة، أو بالأوضاع السيّئة.
ثمّة أغان تصنّف ضمن خانة الأغاني الوطنيّة، في حين أنّها تقوم على تمجيد زعيم ديكتاتوري، كما هي الحال في بعض الدّول العربيّة.
وثمّة أغان وطنيّة تربط الإنسان بالمعاني الإيجابيّة للوطن، مثل ركن الدّفاع عن الوطن، الالتزام بالحريّة والاستقلال وما إلى ذلك، هذه أغان قطعاً ليست محرّمة. لذلك نقول أنّ الغناء الذي يتضمّن التغزّل بالطّبيعة، والحنين إلى الوطن والأهل، والحنين إلى الأهل وما إلى ذلك، والغناء الذي يرتفع بالرّوح، الغناء الصّوفي مثلاً، الذي يفتح أفق الإنسان على الله سبحانه وتعالى، وعلى كل الأغاني الرّوحيّة، في هذا المجال.
أغاني الحب العذري ليست محرّمة
لماذا التغنّي بالوطن وبالطّبيعة وبالمعاني السّامية ليس محرّماً، بينما التغنّي للحب محرّماً، علماً أنّ الحب معنّى سام هو أيضاً؟
هناك فارق بين الحب الذي هو قيمة إنسانيّة، وبين الحب الذي يخاطب فيه الرّجل المرأة، وتخاطب فيه المرأة الرّجل، لأنّ هذا يؤدّي إلى إثارة الغريزة، والإسلام لا يريد للإنسان أن يعيش في حالة إثارة الغريزة، لأنّ هذه الإثارة سوف تتحوّل إلى سلوك سلبي غير أخلاقي في النّفس في هذا المقام، أمّا الحب بمعانيه الرّوحيّة فهو ليس محرّماً. هناك نقطة ينبغي أن نعرفها في الغناء، هي أنّه قد يسلب الإسلام إرادته في الانفعال بالشيء، والله يريد أن يعيش الإنسان إرادته باختياره، قد يستطيع هو أن يحرّكها سلباً، أو إيجاباً، بينما الإنسان عندما يضغط عليه الجّانب الإحساسي والشّعوري في ألحان مثيرة، تثيره وتحرّكه لا شعورياً نحو بعض السّلوكيات غير المقبولة.
لكن هذا الأمر قد ينطبق أيضاً على الأغاني الثّوريّة، التي تخلق أحياناً ردات فعل عنيفة؟
ثمّة نقطة يجب إيضاحها، وهي أنّه إذا كان هذا الشيء يمثل الخير للإنسان فلا مشكلة فيه، لأنّ الإنسان حين يندفع ستكون النّتائج إيجابيّة، أمّا بالنّسبة إلى الجوانب الأخرى، التي تدفع إلى السلبيات مثل انفعال الإرادة فهي حتماً مرفوضة.
إذاً الأمر نسبياً ؟
نعم الأمر نسبي. حتّى أنّنا أيضاً نحرّم ألحان الجاز التي تحطّم الأعصاب، وتجعل الإنسان يعيش حالات سلبيّة وتخرجه عن طوره.
تقيّمون الأغاني إذاً بحسب تأثيرها على الأشخاص؟
بحسب تأثيرها نوعاً وليس شخصاً. الخمر مثلاً قد لا يسكر بعض النّاس، لكنّه محرّماً، نحن ننطلق في هذه التحديدات من الأدلّة التي نستدل بها على حرمة الغناء، مثلاً "فاجتنبوا قول الزّور"، هناك تفسير يقول أنّه قول الباطل الذي ليس به حقاً، أو "الذين لا يشهدون الزور" مفسّرة بالغناء، أو "من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم"، لهو الحديث الذي يؤدي إلى إضلال الإنسان عقلياً، أو عقائدياً، أو شرعياً، وما إلى ذلك، فالمسألة من ناحية الفتوى تدور حول هذه العناوين، فما كان ينطبق عليه عنوان الباطل أو عنوان الإضلال عن سبيل الله، فهو محرّم.
الغناء في إيران ليس محرّماً
ثمّة إجماع من قبل نقّاد على مستوى، وحتّى من قبل علماء النّفس بأنّ بعض الإغاني مثل أغاني السيّدة فيروز التي تتحدّث أيضاً عن الحب، من دون أن تحرّك الغرائز بصورة رخيصة، بالعكس تحرّك الجانب الإيجابي في المستمع، وهي حتماً تريح الأعصاب، فما موقف الدّين من هذه النّوعيّة من الأغاني؟
أنا أجبت عن هذا السّؤال، أنا لم أقل أن كل حب محرّم، بل قلت الحب الغرائزي.
مثلاً الحب للأم والأب، وحتّى حب الرّجل المرأة، ذلك الحب العذري، الذي يرتفع بالنّفس، ويشكّل قيمة روحيّة وإنسانيّة، وليس قيمة غرائزيّة، لاحظي الآن عندما تدرسين التّجربة التي يعيشها المراهقون في مسألة الأغاني المتداولة، التي تخلق نوعاً من الانجذاب اللاشعوري بالفنّان، وارتباطهم به ارتباطاً غرائزياً.
هذا ينطبق أيضاً على نجوم التّمثيل، وعلى بعض الزّعماء الذين يعلّق يعض المراهقين صورهم في غرف نومهم؟
تأثير الغناء في النّفس من خلال إثارة المشاعر يعطي معنىً خاص، ليست المسألة أنّه مجرّد شخص يحبّونه، بمعنى أنّ الأغاني في تأثيراتها عليهم، فهم لا ينجذبون وراء الشخص، بل وراء الأغنية التي تترك أثاراً سلبيّة على مستوى الغرائز والشهوات وما إلى ذلك، ممّا لو تركنا له الحريّة، فإنّه يتحوّل إلى وضع اجتماعي غير أخلاقي كما نلاحظ الواقع، في كل أنحاء العالم. لماذا نلح على مسألة الإثارة للشباب؟ الإسلام لا يريد للإنسان أن يخضع للأمور التي فيها مفسدة، فالله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم "يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير، ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما"، فكل ما فيه ضرر أكثر من منفعة فهو حرام للناس، فالأغاني التي تثير الغرائز وتدمر الأعصاب، وتشيد بالباطل والطغاة والأنظمة الفاسدة، لا إشكال في أنّ ضررها أكبر في نوعها.
لو طبّقت الشّريعة الإسلاميّة في لبنان، هل ستلجأون إلى منع الغناء؟
لننظر قليلاً إلى تجربة إيران في هذا المجال، فالغناء ليس محرّماً، عندما ندرس أشعار الفردوسي، وعمر الخيام وإقبال وغيرها، نرى أنّ ثمّة أشعار فلسفيّة، وحتّى أنّ الموسيقى التي ترتفع بالروح وتسمو بها، مثل موسيقى شوبان وموزار فهي ليست محرّمة، ونحن عموماً نقول أنّ الموسيقى الكلاسيكيّة ليست محرّمة، كذلك الموسيقى التي تهدّأ الإعصاب وترتقي بالرّوح، وتحتوي على عناصر ثقافيّة، بحيث أنها تثقف الرّوح بما توحي به، فهي حتماً ليست محرّمة.
هل ثمّة آلالات موسيقيّة محرّمة؟
لا، نحن نقول أنّه ليس ثمّة آلالات للحرام، لكن إذا استعملت في الحلال فهي حلال، وإذا استعملت في الحرام فهي حرام.
ثمّة شباب يحبّون الأغاني ولا يستمعون إليها بحجّة أنّها محرّمة، بالتّالي يعانون من حرمان أنفسهم منها رغماً عنهم، فماذا تقولون لهم؟
الآن لدينا مثلاً بعض الفرق الموسيقيّة التي يستخدمها تلفزيون "المنار" ليست محرّمة، في التلفزيون والإذاعة الإيرانيّة تذاع أغان راقية جداً وألحان جميلة. الفن أي فن سواء كان الفن المغنى، أو التمثيل، أو الرسم أو الشعر، إنما هو من أجل مصلحة الإنسان، فإذا اقترب ممّا يفسد الإنسان، يفسد نفسيّته وسلوكه ومشاعره وأحاسيسه، فهناك ضرر في هذا الموضوع. لماذا تمنع المخدّرات في العالم؟ لأنّ لها تأثيرات سلبيّة، بهذا المعنى، فإنّ كل شيء يؤدّي إلى أثاء سلبيّة، بحيث أن ضرره أكبر من منافعه هو محرّم.
لا أرى بهذا المعنى، أنّ الأغاني التي تبثّ حالياً عبر الإذاعات، تشكّل كل هذا الضّرر للشباب؟
إذا أردنا أن نفكّر في النتائج، علينا أن ندرس كيف نميّز النتائج السلبيّة والإيجابيّة، مثلاً لننظر إلى العالم الغربي، الحريّة باتت متاحة بما فيها حريّة العري، وإذا نظر أحدهم إلى هذه الأمور قد يقول ليس ثمّة أمر خاطىء، وهذا صحيح، فالأمر ليس خاطئاً نسبة إلى عاداتهم وتقاليدهم، السلبيات الأخلاقيّة ليست مشكلة لديهم في هذا المجال. نحن اليوم نعيش الغرب الشكلي في المقام الأول، فنحن نلاحظ المعاكسات التي أصبحت رائجة لدينا من قبل الشّباب للفتيات والعكس صحيح، والمعاكسات قد تتمّ بأغنية من هنا وأغنية من هناك.
قد يقول لها شعراً أيضاً، فالأمر ليس مقتصراً على الغناء...
هذا واقع موجود، لكن قد لا تعيشين تجربته، هذه الأمور تحصل في المناطق غير المحافظة.
وحتى في المناطق المحافظة أصبح ظاهرة المعاكسات رائجة.
أن تكون محافظة بالحجاب، ليس معناها أنّها محافظة في الجانب السّلوكي، هناك محافظة في الجانب الشّكلي وفي الجانب المضموني، فليس كل امرأة محجّبة فاطمة الزّهراء او مريم بنت عمران.
صوت المرأة ليس عورة
لنعود إلى مسألة الغناء، هل يعتبر صوت المرأة عورة، بالتالي يحرّم عليها غناء ما حلّل في هذا الإطار على مسمع من الرّجل؟
صوت المرأة ليس عورة، ويمكن للمرأة أن تغنّي أمام الرّجل إذا كانت الأغنية ممّا سبق واتفقنا على أنّها تدخل في إطار الأغاني الراقية والملتزمة. تجويد القرأن مثلاً وترتيله، والمفاهيم التي تطلقها في لحن، إذا كانت مفاهيم غير مثيرة أو كان اللحن غير مثير، فلا مشكلة.
أعرف أنّكم لا تحبّون الدّخول في التّفاصيل والأسماء، لكن فقط لتوضيح الفكرة أود السؤال، إذا ما غنّت الفنّانة فيروز "بحبك يا لبنان"، هل ثمّة حرمة في الأمر؟
أنا شخصياً لا أتحدّث عن الواقع الموجود، بل أعطي خطاً عاماً، وعندما ينطبق هذا الخط على المعاني التي ترتفع بالنفس والفكر، والروح ولا تترك تأثير سلبي، سواء صدرت عند الرّجل والمرأة، فلا مشكلة فيه.
الكثير من المتشدّدين، قد يعتبرون أنّ كلامنا متفلّتاً، وفيه انقلاباً على مفاهيم الإسلام؟
هناك أناس يعارضون تفكيري في هذا المجال، وهذا ليس فقط رأيي، بل هناك الكثير من المراجع الدّينيّة والعلماء الأتقياء جداً، الذين يرون أنّ مشكلة الغناء إنما هو بالمضمون وليس باللحن فقط.
أغاني اليوم من دون شك هابطة، وذات مستوى متدنّ، في حين أن أغاني الماضي كانت تحمل قيمة شعرية وموسيقية...
أنا التقيت بعدد من الموسيقيين زاروني هنا، وقالوا لي أنّهم لا يؤمنون بالأغاني الهابطة، لأنّ دائماً مضمون الأغاني يمثّل قيمة فكرية وروحية وثورية وإنسانيّة.