المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب النزول لآية عبس وتولى برأى العلماء والمفسرين



لا يوجد
09-25-2003, 10:44 PM
فى تفسير مجمع البيان يستعرض الشيخ أبى على الطبرسى وهو من كبار علماء الأمامية فى القرن السادس الهجرى ، أى أن الكتاب تم تأليفه منذ 800 سنة تقريبا من زماننا الحالى مؤلف هذا التفسير مجمع البيان يشرح أسباب النزول ويطرح رأى المعارضين لتفسير الآية فى كون أنها نزلت فى النبى الأعظم …ولكنه عندما يتكلم عن رأيه الشخصى يؤيد فكرة أن الآية نزلت بالنبى ويبرر أن العبوس ليس ذنبا خاصة أنه كان مع أعمى فهو لا يؤثر على نفسية الطرف المقابل حتى لو كان إنبساطا وليس عبوسا ، وكذلك يؤيد كلامه بالحديث الوارد عن رسول الله عندما كان يصادف إبن إبى مكتوم وهو الشخص الأعمى فيخاطبه النبى بقوله ( مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى ) …المهم يقول مؤلف التفسير بالنص مايلى :

" وقد روى عن الصادق (ع) أنها نزلت فى رجل من بنى أمية كان عند النبى ( ص) فجاء إبن أبى مكتوم فلما تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه فإن قيل فلو صح الخبر الأول هل يكون العبوس ذنبا أم لا فالجواب أن العبوس والإنبساط مع الأعمى سواء ، إذ لا يشق عليه ذلك فلا يكون ذنبا فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك ( ص) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق وينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد ويعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعا فى إيمانه ".

أراء علماء آخرين :

العلامة محمد جواد مغنية فى تفسيره المسمى ( الكاشف :510 ) يقول بالنص ما يلى مؤيدا التفسير القائل بأن الآية نزلت بالنبى ( ص ) فيقول:

"هذا ماذهب إليه أكثر المفسرين وله وجه أرجح وأقوى من الوجه الأول"

ويرى أنه " لا لوم ولا عتاب على النبى ولا على الأعمى فى هذه الآيات ، وإنما هى فى واقعها تحقير وتوبيخ للمشركين الذين أقبل عليهم النبى ، بقصد أن يستميلهم ويرغبهم فى الإسلام "

ولا أريد الإطالة على السادة القراء الذين يمكنهم مراجعة مصادر وآراء أخرى للسادة العلماء من أمثال التالية أسمائهم :

السيد محسن الحكيم كتاب أعيان الشيعة الجزء الأول
هاشم معروف الحسنى كتاب سيرة المصطفى 196-197
السيد محمود الطالقانى تفسير برتوى از قرآن ج30 صفحة 124-125
الشيخ ناصر مكارم الشيرازى كتاب تفسير الأمثل ج19 صفحة 364
السيد كاظم الحائرى كتاب الإمامة وقيادة المجتمع 95 – 98
الشيخ جعفر سبحانى كتاب مفاهيم قرآنية
وعلماء آخرين كثيرين....

إلا أننى سوف أنهى مقالتى بما يقوله المفسر المعاصر يعسوب الدين الجويبارى فى تفسيره المسمى ( البصائر ) وهو من أضخم وأكبر التفاسير التى كتبت حيث يتألف من ستون مجلدا ، يقول مايلى مؤيدا :

" ليس فى هذا شىء ينافى خلقه ( ص) العظيم ، أو يناقض العصمة النبوية كما زعم بعض القشريـيـن من المفسرين ، ولا فيه من ترفيع أهل الدنيا وأصحاب الرئاسة وضعة أهل الآخرة وأصحاب التقوى والهداية على زعم بعض المفسرين " ج 52 صفحة 272

وبودى التسائل هنا هل العلامة الطبطبائى صاحب الميزان والطوسى والفيض الكاشانى وإبن شهراشوب من القشريين بنظر صاحب تفسير البصائر !

شاكر الموسوى الحسينى

الكرار حيدر
09-27-2003, 06:23 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخينا لا يوجد

هل انت ناقل لها الموضوع من باب العلم بالموضوع وان هناك من علمائنا من يقول بهذا التفسير ؟؟
ام من باب انك تذهب الى ما ذهب اليه هؤلاء المفسرون في ان الذي عبس هو رسول الله - ص - ( وحاشاه ذالك ) ؟؟

وهنا يحضرني سؤال وهو
اذا كانت سنة رسول الله هي قوله وفعله وتقريره فهذا يدخل عمل النبي ( العبوس في وجه العميان في تلك الظروف ) هو من السنه التي يجب علينا نحن المسلمين اتباعها فهل ترضاها يا اخينا ؟؟
وهنا احب ان اطلعك على راي السيد الشيرازي قدس سره الشريف في هذه الاية كاملة (تفسير تقريب القران الى الاذهان ) واريد منك ان ترى هل ينطبق تفسير الاية على شخص النبي الاكرم

http://www.holyquran.net/cgi-bin/taqreeb.pl?ch=80&vr=1

وفي الختام سلام

بو حسين
09-27-2003, 12:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

"هل انت ناقل لها الموضوع من باب العلم بالموضوع وان هناك من علمائنا من يقول بهذا التفسير ؟؟"
-----------------
لقد وضعلك أخ لايوجد المصادر التي قالت بذلك..

هناك علامة إستفهام..؟
إن قيل: هل يكون العبوس ذنباً أم لا؟

فالجواب:
أنّ العبوس والانبساط مع الأعمى سواء، إذ لا يشقّ عليه ذلك، فلا يكون ذنباً، فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه(ص) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق، وينبّهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد، ويعرّفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أوْلى من تأليف المشرك طمعاً في إيمانه.

وقال الجبائيّ: في هذا دلالةٌ على أن الفعل يكون معصيةً فيما بعد، لمكان النهي، فأما في الماضي، فلا يدلّ على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه، والله سبحانه لم ينهه إلاَّ في هذا الوقت.

جاء في مجمع البيان ((قيل: نزلت الآيات في عبدالله بن أم مكتوم، وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤيّ، وذلك أنه أتى رسول الله(ص) وهو يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأبيّاً وأمية ابني خلف، يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم، فقال: يا رسول الله أقرئني وعلِّمني ممّا علّمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغلٌ مقبلٌ على غيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله(ص) لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فنزلت الآيات، وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين))

الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان، دار البيان، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، ط:1، 1406هـ ـ 1986م، ج:10، ص:663ـ664.


وهناك حديث ذكره صاحب مجمع البيان
((وروي عن الصادق(ع) أنه قال: كان رسول الله(ص) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال مرحباً مرحباً، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبداً، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكفُّ عن النبي(ص) ممّا يفعل به))
مجمع البيان، ج:10، ص:664

وهناك الكثير من علمائنا قالوا بذلك ولكن بس طايحيلي بالسيد ضال ومضل تعرض للنبي ومادري ايش...

السلام

الكرار حيدر
09-28-2003, 03:55 AM
حبيب قلبي بو حسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
وهناك الكثير من علمائنا قالوا بذلك ولكن بس طايحيلي بالسيد ضال ومضل تعرض للنبي ومادري ايش... اقتباس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ


منو ياب سيرة سماحة اية الله السيد فضل الله حتى ان الاخ لايوجد لم يستشهد في موضوعه الى اراء السيد فضل الله ولا في احد كتبه حتى تقولني مالم اقله ولا انا اعرف راي السيد في هذا الموضوع حتى الان

انا قاعد استفسر من الاخ لايوجد في هل انه هذا رايه ام هو مجرد ناقل لاراء بعض العلماء الذين استشهد بهم

ولاتنسى يا اخي انه ان كان هناك بعض العلماء من يقول بهذا الراي فهناك من العلماء وهم الاكثرية من لايقول بهذا الراي بل ويستنكره

بو حسين
09-28-2003, 03:36 PM
ادري انه محد ذكر السيد فضل الله ولكن هناك من الحاقدين يقولون بأن رايي بالسيد فضل الله كما هو رأيه بعبس وتولى...اي انه يعتبر انها إهانة للنبي وان السيد فضل الله لايرى عصمة النبي...فيربطونها بالسيد فضل الله فقط..


"ولاتنسى يا اخي انه ان كان هناك بعض العلماء من يقول بهذا الراي فهناك من العلماء وهم الاكثرية من لايقول بهذا الراي بل ويستنكره "

اكيد مو ناسي لأنه كل مجتهد وإجتهاده بتفسير الآية...

وانا ما كنت اقصدك اخي...كنت اوجه كلامي الي مايعرفون منو السيد فضل الله وانه عبالهم اهوه يايب حجي يديد من عنده وطايحيلي سب فيه...

مهدي عمار
09-28-2003, 03:53 PM
سورة عبس
مكية، وهي اثنتان وأربعون آية
في أجواء السورة
وهذه من السور المكية التي تتنوّع أغراضها، ولكنها تلتقي حول قاعدة واحدة هي انفتاح القلب الإنساني على الله في سلوكه العملي من حيث تحريك القيم الروحية والمعاني الأخلاقية في حياته، ليكون ميزان التقييم لديه هو القرب أو البعد من الله سبحانه وتعالى. وفي هذا المجال، كان الحديث في بداية السورة، عن حادثةٍ، قد يكون النبي هو المخاطب بها لعلاقتها به، وقد يكون غيره، تتصدّى لمسألة الانفتاح على بعض المترفين من كفار قريش، والانغلاق عن بعض المستضعفين من مؤمني الإسلام. فكان التوجيه الإلهي يؤكد على سلبية هذا الأداء، بميزان القيمة الرسالية.
ثم كانت انتقلت السورة إلى إثارة مسألة خلق الإنسان والمراحل الرّئيسة التي يمر بها وصولاً إلى طور البعث والتنوّر، وكل ذلك، في مسعًى لجذب انتباه تفكير الإنسان، وتنشيط وعيه، ليدفعه إلى تصوّر تنوّع المواقع في تهيئة الله للإنسان طعامه، منذ بداية التفاعل بين الحبّة والماء والتربة، إلى نهاية النموّ في النتاج الشهيّ للثمر، وللصورة الحلوة للخضرة الممتدة في الأرض، والمرتفعة في الفضاء، المتنوّعة الفواكه والثمار، ليفكر الإنسان بالنعمة كيف تتحرك لتحفظ له وجوده، ولتبني له حيويّته.
وتختم السورة الحديث عن المسؤولية الفردية في مسألة المصير، فلن ينفعه أحدٌ في يوم القيامة الذي يواجه فيه مسؤوليته، بحيث يفر ـ هناك ـ من أقرب الناس إليه، لينطلق الناس في هذا الجو، بين وجوهٍ ضاحكةٍ مستبشرةٍ، وهي وجوه المؤمنين المتقين، ووجوهٍ عليها غبرة، وهي وجوه الكفرة الفجرة..
وفي ضوء ذلك، نلاحظ أن السورة تعمل على إبقاء الإنسان مشدوداً إلى الوعي الفكري ـ الروحي ـ الذي يتعمق في وعيه لذاته في عمله، ليكون عمله منسجماً مع التزامه وفي ما حوله، مما يتعلق بوجوده وحركة الوجود من حوله، في المفردات التي تحفظ له حياته، ليبقى مشدوداً إلى الله، في إحساسه بارتباطه به في كل شيء، فلا يغفل عنه في كل المواقع، ولا يفكر إلاّ به في خطه العملي. ثم يواجه الموقف في الخط المستقيم بالإشراف على الموقف في الآخرة، ليوازن النتائج على هذا الأساس، باعتبار ارتباط النتائج بالمقدمات.
ــــــــــــــــــــ
الآيــات
{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءهُ الأعْمَ* وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى*أَمَّا مَنِ سْتَغْنَى* فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى* وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَن جَآءكَ يَسْعَى* وَهُوَ يَخْشَى* فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} (1ـ10).
* * *
معاني المفردات
{وَتَوَلَّى} أعرض بوجهه.
{تَصَدَّى}: تتصدى، أي تتعرض له وتقبل عليه.
* * *
مناسبة النزول
دخل المفسرون في جدلٍ حول الشخص الذي كان موضوع الحديث في هذه الآيات، هل هو النبي(ص)، أم هو شخصٌ غيره؟ لأن الصفات التي توحي بها الآيات لهذا الشخص لا تتناسب مع خُلق النبي، وربما لا تتناسب مع عصمته. وسنعالج هذه المسألة في نطاق الروايات الواردة، وفي خط المنهج الإسلامي في خط الدعوة الأخلاقي..
جاء في مجمع البيان «قيل: نزلت الآيات في عبدالله بن أم مكتوم، وهو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤيّ، وذلك أنه أتى رسول الله(ص) وهو يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأبيّاً وأمية ابني خلف، يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم، فقال: يا رسول الله أقرئني وعلِّمني ممّا علّمك الله، فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغلٌ مقبلٌ على غيره، حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله(ص) لقطعه كلامه، وقال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والعبيد، فأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم، فنزلت الآيات، وكان رسول الله بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي، ويقول له: هل لك من حاجة، واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين» [1].
* * *
الشيخ الطبرسي وروايات النزول
جاء في مجمع البيان: «قال المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه: ليس في ظاهر الآية دلالةٌ على توجّهها إلى النبي(ص)، بل هو خبرٌ محضٌ لم يصرّح بالمخبر عنه، وفيها ما يدلّ على أنّ المعنيّ بها غيره، لأن العبوس ليس من صفات النبي(ص) مع الأعداء المباينين، فضلاً عن المؤمنين المسترشدين، ثم الوصف بأنّ يتصدّى للأغنياء ويتلّهى عن الفقراء، لا يشبه أخلاقه الكريمة، ويؤيّد هذا القول قوله سبحانه في وصفه(ص) {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وقوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، فالظاهر أن قوله {عَبَسَ وَتَوَلَّى} المراد به غيره. وقد روي عن الصادق(ع) أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي(ص)، فجاء ابن أم مكتوم، فلما رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
فإن قيل: فلو صحّ الخبر الأوّل هل يكون العبوس ذنباً أم لا؟ فالجواب أنّ العبوس والانبساط مع الأعمى سواء، إذ لا يشقّ عليه ذلك، فلا يكون ذنباً، فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه(ص) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق، وينبّهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد، ويعرّفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أوْلى من تأليف المشرك طمعاً في إيمانه. وقال الجبائيّ: في هذا دلالةٌ على أن الفعل يكون معصيةً فيما بعد، لمكان النهي، فأما في الماضي، فلا يدلّ على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه، والله سبحانه لم ينهه إلاَّ في هذا الوقت.
وقيل: إن في ما فعله الأعمى نوعاً من سوء الأدب، فحسن تأديبه بالإعراض عنه، إلا أنه كان يجوز أن يتوهّم أنه أعرض عنه لفقره، وأقبل عليهم لرياستهم تعظيماً لهم، فعاتبه الله سبحانه على ذلك، وروي عن الصادق(ع) أنه قال: كان رسول الله(ص) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال مرحباً مرحباً، لا والله لا يعاتبني الله فيك أبداً، وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكفُّ عن النبي(ص) ممّا يفعل به»[2].
ولعلّ هذا العرض الذي قدّمه الشيخ الطبرسي أكثر الحديث شمولاً للاعتراضات الدائرة حول نسبة القصة إلى النبي محمد(ص) في سلوكه مع الأعمى، ولذلك نقلناه بطوله.
* * *
مناقشة الروايات
ونحن نريد أوّلاً التعليق على الروايات التي لخّصها الشيخ الطبرسي الواردة في نسبة الموضوع إلى النبي(ص) في ما روي عن عائشة وابن عباس، لنلاحظ أنها تنقل عن تصورات النبي للانطباعات التي يمكن أن تحصل لدى هؤلاء الصناديد بأن أتباعه هم العميان والعبيد، وهذا مما لا يمكن أن يكون صحيحاً، لأن هذه المسألة ليست مسألةً خفيّةً لدى مجتمع الدعوة، فإن أتباع النبي(ص) كانوا يمثلون الطبقة المستضعفة من المجتمع إلا القليل ممن كانوا في طبقة الأغنياء أو الوجهاء، فكيف يمكن أن يخاف النبي من هذا الانطباع الذي يفرض نفسه من خلال الواقع؟!.
ثم إن النبي(ص) هو الأوعى والأعرف بالقيمة الروحية التي يمثلها الإسلام في تقييم الأشخاص على أساس التقوى التي تجمع الإيمان والعمل، فلا يجوز أن ينسب إليه احتقاره للمؤمنين في مسألة الانتماء إلى مجتمع الدعوة التابع له، وهل كان النبي(ص) يجتمع بالمؤمنين سرّاً، ليدفع عنه هذا الانطباع، حتى يكون مجيء الأعمى إلى مجلسه مفاجأةً له؟!
ونحن لا نريد تأكيد هذه الرواية أو رفضها، بل نريد إثارة المسألة حول إمكان نسبة القصة إلى النبي(ص) أو عدم إمكانها، لنتبنّى إمكان ذلك من دون منافاةٍ لخُلُقه العظيم، ولعصمته في عمله، وذلك في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: إن دراستنا لعلاقة النبي(ص) بهذا الأعمى تدلّ على أن هناك صلةً وثيقةً بينهما، بحيث كان يدخل على النبي(ص) وهو جالسٌ بين زوجاته، وقد اشتهرت الرواية التي تتضمّن دخوله عليه وعنده عائشة وأم سلمة، فقال لهما: احتجبا فقالتا: إنه أعمى، فقال: أنتما تريانه.
..وإذا كان ذلك قد حدث في المدينة، بالإضافة إلى استخلافه عليها عند خروجه إلى الغزو، فإنه يدل على عمق الصلة منذ البداية، لا سيما إذا سلّمنا بالرواية التي تتضمن سؤاله الملحّ بأن يتلو عليه كتاب الله ويعلّمه ممّا علمه الله، ما يدلّ على الروحية الإيمانية التي تستوعب المعرفة الدينية للقرآن وللإسلام بالمستوى الذي ينتهز فيه الفرصة الدائمة لاكتساب العلم.
إن ذلك كله قد يوحي بوحدة الحال بينه وبين النبي(ص)، بحيث يغيب عن العلاقة أيّ طابعٍ رسميٍّ، ما يجعل إعراض النبي(ص)، اعتماداً على ما بينهما من الصلة التي تسمح له بتأخير الحديث معه إلى فرصةٍ أخرى، من دون أن يترك أيّ أثرٍ سلبيٍّ في نفسه، لا سيّما إذا كان ذلك لمصلحة الدين التي تجعل أي مسلمٍ في زمن الدعوة الأوّل، يفرح لنجاح النبي في استمالته لأي شخص من كفار قريش الوجهاء في مجتمعهم، إلى دائرة الإيمان أو الدين الجديد، باعتبار أن ذلك يخفف العذاب والحصار على المسلمين المستضعفين، ومنهم ابن أم مكتوم. وبذلك يكون إعراض النبي عنه كإعراضه عن أحد أفراد أصحابه، أو عائلته، اتّكالاً على ما بينهما من صلاتٍ عميقة ووحدة حال. كما أن العبوس لم يكن عبوس الاحتقار، بل قد يكون أقرب إلى عبوس المضايقة النفسية التي توجد تقلّصاً في الوجه عندما يقطع أحدٌ على الإنسان حديثه الذي يرقى إلى مستوى الأهمية لديه، فلا يكون، في ذلك، أيّ عمل غير أخلاقيٍّ، فلا يتنافى مع الآيات التي أكّدت خلقه العظيم وسعة صدره.
النقطة الثانية: إن مدلول الآيات يوحي بأن النبي(ص) كان يستهدف من حديثه مع هؤلاء الصناديد، تزكيتهم الفكرية والروحية والعملية، بعيداً عن مسألة الاهتمام بغناهم من ناحيةٍ ذاتيةٍ، في ما اعتاده الناس من الاهتمام بالغنيّ تعظيماً لغناه، ورغبةً في الحصول على ماله، في ما يمثله ذلك من قيمةٍ سلبيةٍ بالمستوى الأخلاقي، الذي يؤكد على تقييم الشخص لصفاته الفكرية والعملية الإيجابية، وذلك هو قوله تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى *فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى*وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} للإيحاء له بأن عدم حصوله على التزكية، بعد إقامة الحجة عليه من قبلك مدّةً طويلة، لا يمثل مشكلةً بالنسبة إليك، لأنك لم تقصر في تقديم الفرص الفكرية بما قدمته من أساليب الإقناع، ما جعل من التجربة الجديدة تجربةً غير ذات موضوع، لأنه يرفض الهداية من خلال ما يظهر من سلوكه، الأمر الذي يجعل من الاستغراق في ذلك مضيعةً للوقت، وتفويتاً لفرصةٍ مهمّةٍ أخرى، وهي تنمية معرفة هذا المؤمن الداعية الذي يمكن أن يتحول إلى عنصر مؤثّر في الدعوة الإسلامية. فأين هي المشكلة الأخلاقية المنافية للعصمة في هذا كله؟
النقطة الثالثة: إن السورة قد تكون واردةً في مقام توجيه النبي(ص) إلى الاهتمام بالفئة المستضعفة التي تخشى الله وتؤمن به، لتعميق تجربتها الروحية، وتنمية معرفتها القرآنية الإسلامية، لأن ذلك ما يقوّي قاعدة المجتمع الإسلامي الصغير النامي الذي يملك أفراده الإيمان القويّ والالتزام الشديد، ويرفع من مستوى الدعوة في اهتمامات المؤمنين بالدعوة، ليتحوّلوا إلى دعاةٍ أكفاء، كما أن هذه الفئة هي الأكثر استعداداً لبذل الجهد وتحمّل المسؤوليات، وتقديم التضحيات، لأنهم الأقرب إلى روح الدعوة، ولأنهم لم يستغرقوا في خصوصيات الدنيا، ولم يأخذوا بامتيازاتها كما أخذ غيرهم، فهم لا يفقدون شيئاً من امتداد الإسلام كما يفقد الأغنياء والمستكبرون، بل يستفيدون من ذلك. ولعلّ هذا هو الذي نستوحيه من الظاهرة المعروفة، وهي أن أتباع الأنبياء والمصلحين هم الفئة المستضعفة المرذولة في المجتمع، لأن الدعوات الرسالية والإصلاحية تعالج مشاكلها، وتلتقي بتطلّعاتها، وتحترم إنسانيتها المسحوقة لدى الآخرين من المستكبرين.
أمّا الأغنياء، فإن هدايتهم قد تحقق بعض الربح وبعض النتائج الإيجابية على مستوى إزالة المشاكل التي كانوا يثيرونها أمام الدعوة، ولكنهم لا يستطيعون التخلص من رواسبهم بشكلٍ سريعٍ، ما قد يجعل الانصراف إليهم والانشغال بهم عن غيرهم، موجباً لبعض النتائج الصغيرة، على حساب النتائج الكبيرة.
وعلى ضوء ذلك، فقد تكون هذه الآيات واردةً للحديث عن المقارنة بين الاهتمام بتزكية المستضعفين من المؤمنين الذين هم القوّة الحركية للدعوة، وبين الاهتمام بتزكية هؤلاء الذين قد يحتاج الموضوع لديهم إلى جهدٍ كبيرٍ، لا يملك النبي(ص) الوقت الكثير له في اهتماماته العامة، في الوقت الذي لم تكن فرص هدايتهم كبيرة، كما أنهم لن يؤثِّروا تأثيراً كبيراً لمصلحة الدعوة، مع ملاحظةٍ مهمّة، وهي أن قوة الدعوة التي يحققها المستضعفون، في جهدهم وجهادهم، سوف تحقق الامتداد للإسلام، بحيث يدخل هؤلاء المستكبرون فيه بشكلٍ سريع، لأن هؤلاء لا يخضعون للمنطق ـ عادة ـ بل للقوة، وهذا ما لاحظناه في فتح مكة الذي أفسح المجال لدخول الناس في دين الله أفواجاً، لأن الإسلام قد بلغ الذروة في القوة آنذاك.
النقطة الرابعة: إن القسوة الملحوظة في الآيات في الحديث مع النبي(ص) تمثل ظاهرةً واضحةً في أكثر الآيات التي تتصل بسلامة الدعوة واستقامة خطها، سيما في قوله تعالى: {فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:47] وقوله تعالى في الحديث عن المحاولات التي يبذلها المشركون للتأثير عليه من أجل الافتراء على الله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لآَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً*وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً *إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}، [الإسراء:73ـ 75] وقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] وغير ذلك من الآيات، لأن القضية ترقى إلى المستوى الكبير من الأهمية، بحيث لولاها لانحرفت مسيرة الرسالة بانحراف الرسول أو القائد، للإيحاء بأن هذه القضية لا تقبل التهاون حتى في الموارد المستبعدة منها، وذلك، من أجل أن يفهم الدعاة من بعد النبي(ص)، بأن عليهم أن يقفوا في خط الاستقامة، حتى بالمستوى الذي لا يمثل تصرفهم فيه عملاً غير أخلاقيٍّ، لأن الغفلة عن الخطوط الدقيقة في المسألة، قد تجرّ إلى الانحراف بطريقةٍ لا شعوريّةٍ.
* * *
النقطة الخامسة: إن القرآن الكريم قد عمل على تثبيت شخصية النبي(ص) وتأديبه بأدب الله، في ما يريد الله له أن يأخذ به من الكمال الروحي والأخلاقي والعملي، ممّا يلقي إليه الله علمه، مما قد يختلف عن الخط المألوف عند الناس. ولعلَّ هذه المسألة تدخل في هذه الدائرة، لأن المعروف هو الاهتمام بالأغنياء لقدرتهم على التأثير في المجتمع بطريقةٍ فاعلةٍ كبيرةٍ، بينما لا يملك المستضعفون الفقراء مثل ذلك، فتكون النظرة ـ على هذا الأساس ـ نظرةً رساليةً، لكنها قد تترك تأثيراً سلبياً على النظرة العامة لسلوك الرسول، لأنهم قد يفكرون بالجانب السلبي في القضية، وهو ملاحظة جانب الغنى في الاهتمام بالأغنياء من جهة النظرة الذاتية إلى قيمة الغنى في المجتمع، فتأتي الآيات لتثير الموضوع بهذه الطريقة لإبعاد السلوك عن الصورة السلبية من حيث الشكل، حتى لو لم تكن سلبية من حيث المضمون، مع ملاحظة مصلحة الدعوة في ذلك كله، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28] فإن هذه الآية توحي بأن الله يريد إخراج النبي(ص) من الأجواء الضاغطة في العرف الاجتماعي، التي يمكن أن تترك تأثيرها الخفيّ على نفسه بطريقةٍ لا شعورية، فيلتفت إلى الأغنياء رغبةً في الامتيازات الحاصلة عندهم. وربّما كان ذلك على طريقة «إيّاك أعني واسمعي يا جارة» ليكون الخطاب للأمة من خلال النبي(ص)، ليكون ذلك أكثر فاعليةً وتأثيراً إيحائياً في أنفسهم، لأن النبي(ص) إذا كان يخاطب بهذه الطريقة في احتمالات الانحراف، فكيف إذا كان الخطاب يراد به غيره.
النقطة السادسة: إن الرواية المنسوبة إلى الإمام الصادق(ع) في أن الحديث عن رجلٍ من بني أمية، لا تتناسب مع أجواء الآيات، لأن الظاهر من مضمونها، أن صاحب القضية يملك دوراً رسالياً، ويتحمل مسؤولية تزكية الناس، ما يفرض توجيه الخطاب إليه للحديث معه عن الفئة التي يتحمل مسؤولية تزكيتها، باعتبارها القاعدة التي ترتكز عليها الدعوة وتقوى بها، في مقابل الفئة الأخرى التي لم تحصل على التزكية، ولا تستحق بذل الجهد الكثير.
* * *
الرسول بين المهم والأهم
{عَبَسَ وَتَوَلَّى} أي واجه الموقف بالعبوس الذي يتمثل في تقلص عضلات الوجه وقسوة النظرة، والإعراض عن هذا السائل الملحاح، {أَن جَآءهُ الأعْمَى} الذي عاش مسؤولية الإيمان في مسؤولية المعرفة، كما عاش مسؤولية الدعوة في حاجتها إلى الوعي الرسالي بكل مفرداتها العقيدية والتشريعية، فأراد انتهاز فرصة وجود النبي(ص) مع المسلمين ليأخذ من علمه، ممّا أنزله الله عليه من كتاب، وما ألهمه من علم الشريعة والمنهج والحياة... ولكن النبيّ(ص) لم يستجب له، لأن هناك حالةً مهمّة يعالجها في دوره الرسالي المسؤول، في محاولة لتزكية هؤلاء الكفار من وجهاء المشركين، طمعاً في أن يسلموا ليتسع الإسلام في اتباع جماعتهم لهم، لأنهم يقفون كحاجزٍ بين الناس وبين الدعوة، ولذلك أجَّل النبي(ص) الحديث مع هذا الأعمى إلى وقتٍ آخر، إذا كانت الفرص الكثيرة تتسع للّقاء به أكثر من مرّة، فتكون له الحرية في إغناء معلوماته بما يحب في جوٍّ هادىءٍ ملائم، بينما لا تحصل فرصة اللقاء بهؤلاء دائماً، فكانت المسألة دائرةً ـ في وعيه الرسالي ـ بين المهمّ في دور هذا الأعمى، وبين الأهمّ في دور هؤلاء الصناديد.
* * *
الأولوية لمن يتزكى
ولكنّ الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعيةٍ إسلاميٍ كبيرٍ، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} في ما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يُغْني له روحه، فتصفو أفكاره، وترقّ مشاعره، وتتسع آفاقه، وتتعمق معرفته بربه، فيؤدي ذلك إلى عمقٍ في الفكر، وسعةٍ في الأفق، وغنًى في الشخصية، وحيويةٍ في الحركة، مما يؤثّر تأثيراً إيجابياً على حركته في الدعوة، فيحصل من ذلك على خيرٍ كبير. {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى}، في ما يمكن أن يعيشه من غفلةٍ عن بعض الحقائق، أو جهلٍ ببعض القضايا، فتأتي الكلمات القرآنية لتقشع عنه سحائب الغفلة، وتأتي الكلمات الرسولية لترفع عنه حجاب الجهل، فإذا حدث له ذلك، أمكن لهذا التطور في شخصيته، أن يحقق النفع للخط الإسلامي المستقيم على مستوى الالتزام والدعوة والحركة.
* * *
ليس للدعاة الانفتاح على الأغنياء لغناهم
{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} فلم تكن لديه أيّة ميزةٍ إلاّ غناه، وكان يعتبر أن الغنى يمثِّل عمق القيمة التي تمنحه موقعاً اجتماعياً متقدّماً، وتغريه ـ دائماً ـ بأن يضع كل فكره وعمله وعلاقاته بالناس في خدمة هذا الغنى، حتى أن انتماءه إلى أيّ دينٍ أو مذهبٍ يتحرك في جهة الدين الذي يخدم مصلحته المادية، والمذهب الذي يدعم ثروته.
{فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى} لتحاول بجهدك الرسالي أن تمنحه زكاة الروح وطهارة الفكر، في ما تحسبه من النتائج الكبيرة لذلك على مستوى امتداد الإسلام في قريش.
{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى} فلن تتحمل أيّة مسؤوليةٍ من خلال ابتعاده عن الخط المستقيم، وتمرّده على تطلعات الروح إلى آفاق الطهارة وسماوات الصفاء، لأنك لم تقصر في الإبلاغ، ولم تدّخر أيّ جهدٍ في ما حرّكته من الوسائل التي تملكها، وفي ما استخدمته من الأساليب التي تحرّكها في اتجاه التزكية للناس جميعاً. وقد سمعوا ذلك كله، وأصرّوا على الاستكبار والتمرّد، لا من موقع شبهةٍ، ولكن من موقع القرار الذي أصدروه مع جماعتهم في عدم الاستجابة إليك. ولم يكن قدومهم إليك من أجل الهداية، بل كان ذلك ـ ربّما ـ من أجل الضغط عليك بطريقتهم الخاصة، لتترك الرسالة، أو لتدخل معهم في حسابات التسويات، لتقدم التنازلات ضد مصلحة الرسالة. وهذا ما يريد الله أن يعرّفك إيّاه من خلال ما يعلمه من خفايا هذا الإنسان وجماعته، وما قد تعرفه من خلال تجربتك الحسية في المستقبل.
{وَأَمَّا مَن جَآءكَ يَسْعَى} للحصول على المعرفة {وَهُوَ يَخْشَى} الله في نفسه، وفي مسؤوليته في الدعوة، وفي المهمَّات الأخرى الموكولة إليه، مما قد يتوقف على سعة المعرفة، {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} لأنك تحسب أن إيمان هؤلاء الصناديد قد ينفع الإسلام أكثر من نموّ إيمان هذا الأعمى الذي يمكن أن يؤجّل السؤال إلى وقت آخر. ولكن المسألة ليست كذلك، لأن هذا الأعمى وأمثاله، قد يمثلون مسؤوليتك المباشرة كرسولٍ يعمل على تنمية خط الدعوة بتنمية الدعاة من حوله، من أجل أن يوفروا عليك بعض الجهد، أو يوسّعوا ساحة الدعوة في مواقع جديدة. وهذا ما يريد الله أن يفتح قلبك عليه، في ما يريد لك من تكامل الوعي، وسعة الأفق، وعمق النظرة للأمور. ولا مانع من أن يربّي الله رسوله تدريجياً، ويثبت قلبه بطريقةٍ متحركةٍ في حركة الدعوة، تبعاً لحاجتها إلى ذلك، تماماً كما كان إنزال القرآن تدريجياً من أجل الوصول إلى هذه النتائج.
ــــــــــــــــ
(1) الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، مجمع البيان، دار البيان، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان، ط:1، 1406هـ ـ 1986م، ج:10، ص:663ـ664.
(2) مجمع البيان، ج:10، ص:664.

مهدي عمار
09-28-2003, 03:55 PM
الآيــات
{كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ* فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ* في صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ* مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (11ـ16).
* * *
معاني المفردات
{صُحُفٍ}: جمع صحيفة، وهو عند العرب كل مكتوب فيه.
{سَفَرَةٍ}: الملائكة.
* * *
كلام الله تذكرة للعباد
{كَلاَّ} هل هو ردعٌ عن العبوس والتلهي عن الأعمى والتصدي للأغنياء، وتوجيهٌ للنبي بأن لا يعود إلى مثل ذلك، أم أنه رفضٌ للواقع الذي كان يعيشه الناس في الغفلة عن الانفتاح على آيات الله، من خلال ما يمكن أن تطلّ به الآيات المتقدمة من الإيحاء بذلك الواقع الغافل عن الحق الذي كُلِّف النبي(ص) أن يغيّره إلى واقع يعيش فيه الإنسان التذكرة؟ والأقرب الأول، لأن الكلمة مسوقة للحديث عما سبقها.
{إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} وهي آيات القرآن التي أنزلها الله على عباده ليخرجهم من ظلمات الغفلة إلى نور التذكرة بما تفتح به عقولهم على حقائق العقيدة والكون والحياة، ليكونوا أكثر وعياً للخالق والمخلوق، ويتعرّفوا مقام الخالق في عظمته وألوهيته، ومقام المخلوق في عبوديته.
{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} أي القرآن وانفتح عليه باختياره، لأن الله لم يرد للناس أن يلتزموا بدينه من خلال الجبر التكويني، بل أراد له أن يكون صادراً عن القناعة والمشيئة الفكرية للإنسان بالإيمان به.
{في صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ} والظاهر أن المراد بها كل ما يكتب فيه، ولعل تكريمها من خلال اشتمالها على كلام الله، في ما أنزله على رسله، {مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ} مرفوعة في قدرها ومعناها، مطهرة من قذارة الباطل، أو أنها مصونة من أيدي الكافرين، وفيه خفاء. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} وهم الملائكة الذين ينزلون بها على الأنبياء، وهم {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} فقد أكرمهم الله بأن جعلهم في مواقع القرب لديه، وفي مراكز المسؤولية لإبلاغ وحيه من خلال صلاحهم وتقواهم، فهم البررة بمعنى الصالحين المتقين.
الآيــات
{قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ* كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً* ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً* فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً* وَحَدَآئِقَ غُلْباً* وَفَاكِهَةً وَأَبّاً* مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} (17ـ32).
* * *
معاني المفردات
{مَآ أَكْفَرَهُ}: ما أشدّ كفره.
{أَنشَرَهُ}: بعثه إلى الحياة من جديد.
{وَقَضْباً}: القضب: هو ما يؤكل رطباً غضاً من الخضرة التي تقطع مرة بعد أخرى.
{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}: قيل: الفاكهة مطلق الثمار، والأبّ: الكلأ والمرعى.
* * *
الكفر المحض
وهذا حديثٌ عن الإنسان الذي يكفر بالله، فلا يتطلع إلى مواقع عظمته في خلقه، ولا إلى مواقع نعمه في حياته، ما يجعل من كفره بهذه الحقيقة الواضحة، كفراً بما لا يجوز الكفر به، لأن مجرد التفكير به يدفع إلى الإيمان به.
{قُتِلَ الإِنسَانُ} كلمة دعاءٍ عليه، وإيحاءٍ بتفظيع أمره وتقبيحه، باعتبار أنه فعلٌ يستحق عليه القتل، لخطورته في نتائجه الخطيرة، {مَآ أَكْفَرَهُ} أي ما أشدّ كفره وجحوده وتمرده على ربّه، فإنه يستوجب العجب، في إنكاره ما لا يجوز إنكاره من حقيقة الإيمان بربه، لأنه جمّد عقله عن الحركة في اتجاه اكتشاف الأسس التي يرتكز عليها الإيمان.
{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} هل طرح هذا السؤال على نفسه؟ وهل فكّر في أصله؟
{مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} ما قيمة هذه النطفة؟ وماذا تملك في ذاتها من العناصر الذاتية للنمو؟ إنها ـ ككل الأشياء ـ لا تملك القدرة، ولكن الله هو الذي يقدّر لها طبيعة النمو، وحركة التحول، وعناصر التنوّع، وسرّ الحياة، بالمستوى الذي يصل فيه هذا الموجود الحقير إلى أن يكون خلقاً سوياً يملك السمع والبصر والحس والعقل والإرادة.
* * *
ثم السبيل يسَّره
{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أي مهّد للإنسان سبل الحياة في ما سخّره له من ظواهرها المتصلة بوجوده، كما مهّد له سبل الهداية في ما فتحه له من طرق معرفة الخير والشّرّ، ليختار ما يريده منها، وفي ما أودعه، في ذاته، من عناصر الحركة، التي يتمكن بها من سلوك الطريق المستقيم، ومن الأخذ بأسباب الحياة.
وهناك توجيهٌ آخر لهذه الآية، ذكره صاحب تفسير الميزان قال: «ظاهر السياق المقصود به نفي العذر من الإنسان في كفره واستكباره، أن المراد بالسبيل ـ وقد أطلق ـ السبيل إلى طاعة الله وامتثال أوامره، وإن شئت فقل: السبيل إلى الخير والسعادة.
فتكون الآية في معنى دفع الدخل، فإنه إذا قيل: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} أمكن أن يتوهم السامع أن الخلق والتقدير إذا كانا محيطين بالإنسان من كل جهةٍ، كانت أفعال الإنسان لذاته وصفاته مقدّرة مكتوبة ومتعلّقة لمشيئة الربوبية التي لا تتخلف، فتكون أفعال الإنسان ضرورية الثبوت واجبة التحقق، والإنسان مجبراً عليها فاقداً للاختيار، فلا صُنع للإنسان في كفره إذا كفر، ولا في فسقه إذا فسق، ولم يقض ما أمره الله به، وإنما ذلك بتقديره، تعالى، وإرادته، فلا ذمّ ولا لائمة على الإنسان، ولا دعوة دينية تتعلق به، لأن ذلك كله فرعٌ للاختيار ولا اختيار.
فدفع الشبهة بقوله: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}، ومحصله أن الخلق والتقدير لا ينافيان كون الإنسان مختاراً في ما اَمر به من الإيمان والطاعة، له طريقٌ إلى السعادة التي خلق لها، فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له، وذلك أن التقدير واقعٌ على الأفعال الإنسانية من طريق اختياره، والإرادة الربوبية متعلقةٌ بأن يفعل الإنسان بإرادته واختياره كذا وكذا، فالفعل صادرٌ عن الإنسان باختياره، وهو بما أنه اختياريٌّ متعلّق للتقدير.
فالإنسان مختارٌ في فعله مسؤول عنه، وإن كان متعلقاً للقدر..»[1].
ولكن يظهر من سياق الآية أن المراد هو تذكير الإنسان بتطور وجوده، ومواقع نعمة الله عليه، لينتهي من خلال التفكير بذلك إلى الإيمان بالله، وليبتعد عن خط الكفر به، وليس المراد الحديث عن طبيعة مسؤوليته، في ما هو الجبر والاختيار، لأن الجوّ ليس جوّ البحث في تفاصيل طبيعة خلق الإنسان في تكوينه الداخلي والخارجي.
{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عندما انتهت رحلة الحياة في الأجل المحدّد له في ذاته من حيث طبيعة إمكانات الحياة فيه، أو في دائرة الظروف المحيطة به، من خلال علاقته بالواقع الكوني، في ما خلقه الله من أسباب الحياة والموت. وهكذا أماته، وجعل السنّة أن يدفن في باطن الأرض تكريماً له لئلا تأكله السباع.
{ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} وبعثه إلى الحياة من جديد ليواجه نتائج أعماله في الدنيا، لأن الله لم يخلقه عبثاً، ولم يتركه سدًى، بل جعل لكل عملٍ جزاءً ثواباً أو عقاباً، فهل فكر الإنسان في ذلك؟ وهل وعى ضرورة الاستعداد ليوم الحشر؟ {كَلاَّ} فلم يفكر الإنسان تفكيراً دقيقاً في هذا الموضوع، ولو فكر به لرأى أن الاحتمال ـ وحده ـ يكفي لإثارة الاهتمام به، لأنه يتصل بمسألة المصير في مواجهة الموقف ـ غداً ـ بين يدي الله، ما قد يؤدي إلى الخسارة الخالدة، لو كان حقاً.
وهكذا امتد هذا الإنسان في غفلته، و{لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ} الله به من مسؤوليات وما فرضه عليه من شكر النعمة، فعاش الحياة غافلاً عن ربه، مستغرقاً في دنياه، مقصراً في واجباته، مهملاً لدوره الذي أعده الله له في خلافته عنه.
وإذا كان هذا الإنسان لا يعي مسألة الوجود في بدايته وفي تقديره، وفي موته ونشوره، لأنه لا يستغرق عادةً في طبيعة كيانه، باعتبار أنه ليس منفصلاً عنه، ما يجعل التركيز فيه يستدعي المزيد من الإعداد والتفكير للوصول إلى ذلك، ولكن هناك مسألة تتكرر في حياته اليومية، في ما يتناوله من طعامه الذي قد يثير لديه الكثير من التفكير حوله، وربما يصنعه بيده في زراعته له.
* * *
فلينظر الإنسان إلى طعامه
{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} كيف تكوَّن؟ وما هي العناصر المكوِّنة له؟ إن هذه الآيات تختصر له رحلة الطعام منذ البداية حتى النهاية.
{أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً} وذلك من خلال إنزال المطر الذي يعرفه كل الناس كحقيقةٍ وجودية متحركة في كل مكان، وأمام كل الناس، فكيف كان المطر؟ وما هي العوامل التي دفعت به إلى الأرض، وكيف اختلفت الفصول والمناطق في أمره، من حيث تكوّنه وهطوله؟
إن الناس لا يثيرون عادةً كل هذه الأسئلة، لأن الكثيرين منهم لا يهتمون بدراسة أسرار الظاهرة، بل يكتفون بالارتباط بها في مواقع الحسّ، والاستفادة منها في مجالات الحاجة. ولكن هناك بعضاً من الناس الذين يملكون الفضول العلمي، فيبحثون عن الأسرار في جهد دائب للوصول إليها، وقد جاء في بعض الأبحاث العلمية الحديثة بعضاً من الحديث عن ذلك. فقد قال «كريسي موريسون» في كتابه: «الإنسان لا يقوم وحده » الذي ترجمه محمود صالح الفلكي بعنوان: «العلم يدعو إلى الإيمان»:
إذا كان صحيحاً أن درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوالي 12,000 درجة، أو كانت تلك درجة حرارة سطح الأرض، فعندئذ كانت كل العناصر حرّةً، ولذا لم يكن في الإمكان وجود تركيب كيميائيّ ذي شأن. ولما أخذت الكرة الأرضية أو الأجزاء المكوّنة لها في أن تبرد تدريجياً، حدثت تركيبات، وتكوّنت خليّة العالم كما نعرفه. وما كان للأوكسجين والهيدروجين أن يتّحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فهرنهايت. وعند هذه النقطة اندفعت معاً تلك العناصر، وكوّنت الماء الذي نعرّفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية، ولا بد أنه كان هائلاً في ذلك الحين. وجميع المحيطات كانت في السماء، وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازاتٍ في الهواء. وبعد أن تكوّن الماء في الجوّ الخارجي، سقط نحو الأرض، ولكنه لم يستطع الوصول إليها، إذ كانت درجة الحرارة على مقربةٍ من الأرض أعلى مما كانت على مسافةِ آلاف الأميال. وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانياً في شكل بخار. ولما كانت المحيطات في الهواء، فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد، كانت فوق الحسبان، وتمشّي الجيشان مع التفتت[2].
وقد لا نستطيع التأكد من هذه التصورات العلمية، كما لا نتمكن من إخضاع المضمون القرآني لها، ولكننا نجد، في هذه الظاهرة المحسوسة، في صبّ الماء من السماء، توجيهاً للفكر الإنساني، ليتأمله، وليتعمق في دراسته، وفي القوانين الإلهية الكونية التي تحكمه، ليزداد بذلك معرفة، فيزداد بالمعرفة إيماناً، لأن أيّ تفسيرٍ ينطلق من القانون الإلهي، لا بد من أن يثير الشعور بالعظمة في التدبير والتقدير.
* * *
شقّ الأرض
{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً} عندما ينفذ الماء إليها ليفتح أعماقها، ويمتزج بتربتها، ويحوّل جوفها إلى خزّاناتٍ واسعةٍ تتفجر منها الينابيع، وتجري منها الأنهار، وتحوّل التراب إلى حياة تتفاعل مع البذور التي أبدع الله خلقها وأودعها في الأرض، لتنمو في أجزاء التربة وعناصرها الغذائية، ثم لتشق الأرض من جديدٍ، لتخرج إلى وجهها، وتتنفس هواءها، وقد يلاحظ الإنسان، كيف تشق النبتة النحيلة الأرض الصلبة القويّة، من دون أي عنصر للقوّة إلا تقدير الله، في ما جعله في طبيعة الأرض من قوانين التفتت والانفتاح على عملية نمو النبتة في أجزاء التربة.
* * *
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} من كل الحبوب التي تمثل غذاء الإنسان والحيوان، كالحنطة والشعير والعدس ونحوها {وَعِنَباً وَقَضْباً} والقضب هو ما يؤكل رطباً غضّاً من الخضرة التي تقطع مرةً بعد أخرى، {وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً} أي البساتين ذات الأشجار المسوّرة بحوائط تحميها، وكلمة {وَحَدَآئِقَ غُلْباً} معناها الضخمة العظيمة الملتفة الأشجار.
{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} قيل: الفاكهة: مطلق الثمار، والأبّ :الكلاء والمرعى.
وقد جاء في الدر المنثور: «أخرج أبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، عن إبراهيم التيمي، قال: سُئل أبو بكر الصدّيق (رضي الله عنه) عن قوله: {وَأَبّاً} فقال: أيّ سماء تظلني وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب، والحاكم، وصحّحه عن أنس، أنّ عمر قرأ على المنبر: {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً*وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَيْتُوناً ـ إلى قوله ـ وَأَبّاً} قال: كل هذا قد عرفناه، فما الأبّ؟ ثم رفع عصاً كانت في يده، فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأبّ؟ اتبعوا ما بُيِّنٍ لكم هداه من الكتاب، فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربه»[3].
وقد نستوحي من هاتين الروايتين أن عظماء الصحابة كانوا لا يملكون المعرفة الشاملة للقرآن، وأنهم كانوا يتحرّجون من القول في القرآن بغير علم، فيقفون عند ما لا يعرفون ويتكلّمون بما يعرفون.
{مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} في ما أراده الله من تهيئة الظروف التي تتيح لكم الاستمرار في الحياة من خلال تهيئة كل حاجاتها الطبيعية.
وهكذا نلاحظ أن الله أراد من الإنسان أن لا يجلس إلى الطعام جلسةً مستغرفةً في الحاجة، وفي الرغبة في اللذة، ولكنه أراد له أن يجلس إليه جلسة تأمّل وتفكير، ليتعرف ـ من خلال ذلك ـ إلى مواقع العظمة، ومصادر النعمة، ليعرف ربّه، ولينطلق من خلال هذه المعرفة في خط طاعته وتقواه وشكره على نعمه.
ـــــــــــــــ
(1) تفسير الميزان، ج:20، ص:227.
(2) نقلاً عن: في ظلال القرآن، م:8، ج:30، ص:469ـ470.
(3) السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار الفكر، 1993 ـ 1414هـ، ج:8، ص:421ـ422

الآيــات
{فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} (33-42).
* * *
معاني المفردات
{الصَّآخَّةُ}: الصيحة العظيمة التي تصمّ الآذان.
{مُّسْفِرَةٌ}: مشرقة.
{قَتَرَةٌ}: ظلمة الدّخان.
* * *
متاع الدنيا إلى زوال
ويبقى متاع الدنيا لكم ولأنعامكم. ولكن إلى متى؟ هل تخلدون له أو يخلد لكم؟ فستزولون بعد عمرٍ قصيرٍ أو طويل، وسيزول المتاع كله عنكم وعن غيركم، لأن الدنيا سوف تزول بأهلها ومتاعها، ولن يبقى منها للآخرة إلاَّ العمل، ويختلف المصير تبعاً لاختلاف العمل، وتأتي المفاجأة الصعبة.
{فَإِذَا جَآءتِ الصَّآخَّةُ} وهي الصيحة العظيمة التي تصمُّ الأسماع من شدّتها، وربما كانت كنايةً عن نفخة الصور التي تخرج الناس من الأجداث فتدب الحياة فيهم من جديد، لينطلقوا إلى لقاء الله في ساحة المحشر.
* * *
يوم يفر المرء من أخيه
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وأُمِّهِ وأبِيه* وصاحِبَتِهِ وبَنِيه} إنه الهول الشديد الذي يدفع الإنسان إلى التفكير بنفسه، بعيداً عن التفكير بغيره، فضلاً عن تحمّل مسؤوليته، فتتقطع بذلك العلاقات التي تشد الإنسان إلى أرحامه وإلى الأقربين منه، فلا دور للأخوّة هناك في اجتذاب عاطفة الأخ لأخيه، ولا مجال للأمومة والأبوّة لاجتذاب عاطفة الابن لأبويه، كما تذوب المشاعر الحنونة الحميمة في شعور الأب تجاه بنيه، أو إحساس الحب للزوج تجاه زوجته. إنه الفرار، فرار الإنسان من كلّ الذين قد يتعلّقون به، وقد يسألونه حاجةً، وقد يذكّرونه بعلاقتهم به، وقد يشغلونه بذلك عن بعض ما هو فيه، إنه مشغول بنفسه، بمصيره، بالنتائج المرتقبة أمامه، ولذلك، فإن كل تفكيره يتجه إلى ذلك، بعيداً عن كل هؤلاء.
إنها لا تمثل موت العاطفة، بل تمثل تغلّب الخوف المرعب الهائل على إحساسه بعلاقاته النسبية والعاطفية، مما يجمّد له ذلك الشعور الإنساني الحميم، تماماً كما هي الحال في الحياة الدنيا، عندما تضغط عليه التحديات الصعبة.
* * *
لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
{لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} لأن القضية قضية المصير الذي لا يملك أحد تبديله بأيّة وسيلةٍ من الوسائل التي كان يستعملها في الدنيا، عندما تزدحم المشاكل في ساحته، وتشتدُّ الضغوط عليه، فيلجأ إلى ماله أو إلى أهله أو ولده أو عشيرته، فإن الدنيا في خطها التاريخي العملي هي التي تحدد الصورة الأخيرة للمصير الإنساني يوم لا تملك نفس لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذ لله، ما يجعل من كل إنسان إنساناً مشغولاً بما يقدم عليه في شأنه الجزائي، فهل يقدم على الجنة أو يقدم على النار؟! فليس لديه فراغ لغيره وليس عنده فضلة لسواه، إنه همّه الكبير الذي لا همّ أكبر منه، وهو شأنه العظيم الذي لم يطرأ في حياته شأنٌ مثله، فعلى الآخرين من أهله أن يتركوه ليفكر في همه، وأن يدعوه وشأنه، فلا يشغلوه بشيءٍ من أمرهم.
إنه الموقف العظيم الذي ترى فيه مستقبل الناس وماضيهم في وجوههم، لأن تاريخ الإنسان الأسود والأبيض يتحوّل إلى إشراقٍ وظلمةٍ في ملامح وجهه، كما أن مصيره المستقبلي ينطبع على وجهه في الصفاء الذي يموج في بسمات العيون والشفاه، أو في الغبرة المشبعة بالسواد في كل الملامح المتعبة.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} مشرقةٌ بالنور الذي يتلألأ في لمعات عيونهم وفي إشراقة وجوههم، {ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} فهي تضحك ضحكة السعادة حتى لتحسّ بضحكة العينين قبل ضحكة الشفتين، وهي تستبشر بما أعطاها الله من فضله، وأعدّه لها من ثوابه، وهذه هي وجوه المؤمنين المتقين.
{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} في ملامح الحزن والحسرة والهم الكبير التي تكدّر الوجه بما يشبه الغبار، {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } وهو السواد الذي يعلو الوجوه، فتحسّ بأن الليل يزدحم في كل ملامحها، وتلمح الذّلّ الذي يتمثل في الخشوع والانقباض، {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} الذين عاشوا الكفر عقيدة والفجور عملاً. فهذا هو الجزاء العادل لهم، فهل يفكّر أمثالهم الآن قبل فوات الأوان؟
--------------------------------------------------------------------------------
من تفسير من وحي القرآن للسيد فضل الله دام ظله

بو حسين
09-28-2003, 08:23 PM
أحسنت أخ واعتصموا...

الكرار حيدر
10-02-2003, 06:41 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ان النقاط التي سردها كاتب الموضوع والتي نقلها الاخ واعتصموا تدور كلها تقريبا في تبرير فعل النبي -ص- ( العبوس )
السؤال هنا
اذا لماذا عاتب الله عز وجل النبي على عبوسه وزجره ؟؟
الم تكن هذي الاسباب السالف ذكرها كافية لتبريرا لفعل النبي ( على افتراض انه هو الذي عبس )

اخواني الذين يؤيدون فكرة ان عبس وتولى نزلت في النبي الاكرم الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله

لن اقول لكم انه على خلق عظيم وهذا الفعل لايناسب الخلق العظيم وانه معصوم وغيره مما قاله العلماء انما ساقول التالي :-


ماذا لو ان المفسرون قالوا ان السورة نزلت في علي بن ابي طالب -ع - ماهو موقفكم حين ذاك ؟؟

ماذا لو كنتم في مجلس عالم دين وعبس في وجه احد ابائكم في محضركم ماذا ستقولون عنه ؟؟

ان الذي يستسهل القول بان النبي هو الذي عبس سيهل عليه القول ايضا ان النبي صلى الفجر ثلاثا فانه بشر والبشر خطاء بطبعه كما قال علماء السنة

ادعوكم ان تطلعوا على تفاسير مختلفة وستجدون ان تفسير الاية الكريمة فيها زجر من الله عز وجل لصاحب الموقف فهل ترضون الزجر للنبي الاكرم ؟؟


اخواني رايكم اما صواب يحتمل الخطاء وراينا اما خطاء يحتمل الصواب
فان اصبتم في رايكم لن نؤاخذ نحن على راينا بانها نزلت بغير النبي

ام اذا اصبنا نحن في راينا فستؤاخذون على انكم ظننتم بالرسول انه هو الذي عبس في وجه الاعمى وعاتبه وزجره الله عز وجل على فعله فاختاروا في اي الفريقين تريدون ان تكونوا ؟؟


يقول الله في كتابه الكريم
ان بعض الظن اثم
فما بالك بالظن برسول الله - صلى الله عليه واله -

نسال الله للجميع بحق محمد وال محمد الهداية

بو حسين
10-02-2003, 12:36 PM
حبيبي الكرار حيدر
يعني مادري شقولك؟؟

حطينالك تفاسير علماء كبار وأفاضل ؟ وكل عالم واجتهاده...ونحطهم مره ثانيه وراح نزيد ونلعن يزيد :)

هاشم معروف الحسنى كتاب سيرة المصطفى 196-197
السيد محمود الطالقانى تفسير برتوى از قرآن ج30 صفحة 124-125
الشيخ ناصر مكارم الشيرازى كتاب تفسير الأمثل ج19 صفحة 364
السيد كاظم الحائرى كتاب الإمامة وقيادة المجتمع 95 – 98
الشيخ جعفر سبحانى كتاب مفاهيم قرآنية
العلامة محمد جواد مغنية فى تفسيره المسمى ( الكاشف :510 )
الطريحي في تفسيره (غريب القرآن)
ابن أبي جامع العاملي في تفسيره (الوجيز)
الميرزا محمد المشهدي في تفسيره (كنز الدقائق)
السيد ابن طاووس في كتابه (سعد السعود)
أبو جعفر النجاشي في تفسيره (معاني القرآن)
الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العيان)
الثائر الشهيد زيد بن علي في التفسير المنسوب إليه (غريب القرآن)
المجلسي في كتابه (بحار الأنوار)
السيد محمد محسن الأمين (أعيان الشيعة)
ملا فتح الله الكاشاني في تفسيره (منهج الصادقين).(بالفارسية) -تعال فجج :)
محمد تقي شريعتي في تفسيره (نورين) (الجديد).بالفارسية
نصرت الأمين الأصفهاني (مخزن العرفان)
محمد مهدي شمس الدين في (محاضراته التفسيرية)
يعسوب الدين الجويباري في تفسيره الكبير (البصائر)
بعد شتبي تعبت وانا انقل :)
يعني اهمه بحدود الثلاثين المتوافر عندي فقط..وما اعتقد انه احنا نقدر نهمل الثلاثين واحد ؟

وعزيزي هؤلاء العلماء ماقالوها عبط ؟
عندهم ادلة وبراهين..
ولو قرأت مشاركتي الأولى وهي هل العبس ذنب ام لا ؟ هل هو معصية ام لا ؟
طبعا ليس معصية..والملح هو أعمى فلم يرى عبس النبي..

إن العبوس لم يكن عبوس إحتقار. بل كان عبوس مضايقة بسبب قطع ابن أم مكتوم لكلامه الذي يستهدف هداية أولئك القوم، فلا يكون في العبوس - والحاله هذه- ((أي عمل غير أخلاقي، ولا يتنافى مع الآيات التي أكدت خلقه العظيم وسعة صدره)) - من وحي القرآن -

1- ((إن العبوس والإنبساط مع الأعمى سواء.إذ لايشق عليه ذلك فلايكون ذنباً))
2- ((فيجوز أن يكوت عاتب الله سبحانه بذلك نبيه))
3- يقول بآية ((ومايدريك لعله يزكى)) أي (يتطهر بالعمل الصالح وما يتعلمه منك)
الطبرسي في تفسيره الكبير مجمع البيان
- هل يتزكى الأعمى من عثمان ؟؟ ومارأيكم برأي الطبرسي ؟

((لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي (عليه السلام) على ترك الأولى)) ذلك لأن ((فعل المكروه أو خلاف الأولى لاينافي العصمة))
السيد محسن الأمين..

((ولنفترض ان التفسير الآخر هو الصحيح، وهو أن الخطاب الموجه إلى رسول الله (ص) وأن الله تعالى عاتب رسوله..عندئذ فلنتأمل شيئاً ما، لنرى ما هو الذنب الذي صدر من رسول الله (ص)؟))
ثم يجيب قائلا: ((كلا فالرسول (ص) أراد خيراً ، أراد هداية جماعة من علية القوم ورجا بذلك هداية ناس كثيرين، فأعرض عن هذا الرجل))
السيد كاظم الحائري..

والكثير من ذكرناهم في القائمة بأنهم ذهبوا بتفسيرها للنبي او رجحوها او اجزموا انه النبي..فارجع إلى المصادر لأني مالي خلق اكتب :):)

كلنا نعلم ان الأنبياء معصومين طبعا
إذن كيف تفسر هالآية.
1- {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} (35) سورة البقرة

السؤال : آدم عصى ربه فهل هو من الظالمين ؟

2- {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (121) سورة طـه
لاحظ ؟ عصى ربه فغوى!!!
السؤال: كيف يغوي الشيطان النبي المعصوم ؟

3- {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } (15) سورة القصص

يرى في هذا القول((إلى أن فعله عليه السلام كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان)) فقد ((تنبه موسى عليه السلام أنه (أخطأ) -نبي ويخطئ- في ما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة..وفعله ذاك وإن لم يكن معصية لوقوعه في الخطأ، وكون دفاعه عن الإسرائيلي دفاعاً لكفر الظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الانسان في الظلم والمعصية ، كذلك يوقعه في أيّ مخالفةٍ للصواب يقع بها في الكلفة والمشقة كما أوقع آدم وزوجته))
العلامة الطبطبائي (الميزان /16/18-19)

وتفسير ((هذا من عمل الشيطان))
((أي : بسببه حتى هيج غضبي فضربته فهو من إغرائه))
للعلامة الطبرسي (مجمع البيان /7-8/382)
سبحان الله هل نبي الله موسى المعصوم يغريه الشيطان!!!!

ما رأيك بالتفاسير مولانا ؟
طولناها بس ماعليه تحملنا..
وأرجو منك الإجابة عزيزي..

الكرار حيدر
10-03-2003, 04:22 AM
عزيزنا بو حسين


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)

بيان

وردت الروايات من طرق أهل السنة أن الآيات نزلت في قصة ابن أم مكتوم الأعمى دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و عنده قوم من صناديد قريش يناجيهم في أمر الإسلام فعبس النبي عنه فعاتبه الله تعالى بهذه الآيات و في بعض الأخبار من طرق الشيعة إشارة إلى ذلك.

و في بعض روايات الشيعة أن العابس المتولي رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل عليه ابن أم مكتوم فعبس الرجل و قبض وجهه فنزلت الآيات: و سيوافيك تفصيل البحث عن ذلك في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.

و كيف كان الأمر فغرض السورة عتاب من يقدم الأغنياء و المترفين على الضعفاء و المساكين من المؤمنين فيرفع أهل الدنيا و يضع أهل الآخرة ثم ينجر الكلام إلى الإشارة إلى هوان أمر الإنسان في خلقه و تناهيه في الحاجة إلى تدبير أمره و كفره مع ذلك بنعم ربه و تدبيره العظيم لأمره و تتخلص إلى ذكر بعثه و جزائه إنذارا و السورة مكية بلا كلام.

قوله تعالى: «عبس و تولى» أي بسر و قبض وجهه و أعرض.

قوله تعالى: «أن جاءه الأعمى» تعليل لما ذكر من العبوس بتقدير لام التعليل.

قوله تعالى: «و ما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى» حال من فاعل «عبس و تولى» و المراد بالتزكي التطهر بعمل صالح بعد التذكر الذي هو الاتعاظ و الانتباه للاعتقاد الحق، و نفع الذكرى هو دعوتها إلى التزكي بالإيمان و العمل الصالح.

و محصل المعنى: بسر و أعرض عن الأعمى لما جاءه و الحال أنه ليس يدري لعل الأعمى الذي جاءه يتطهر بصالح العمل بعد الإيمان بسبب مجيئه و تعلمه و قد تذكر قبل أو يتذكر بسبب مجيئه و اتعاظه بما يتعلم فتنفعه الذكرى فيتطهر.

و في الآيات الأربع عتاب شديد و يزيد شدة بإتيان الآيتين الأوليين في سياق الغيبة لما فيه من الإعراض عن المشافهة و الدلالة على تشديد الإنكار و إتيان الآيتين الأخيرتين في سياق الخطاب لما فيه من تشديد التوبيخ و إلزام الحجة بسبب المواجهة بعد الإعراض و التقريع من غير واسطة.

و في التعبير عن الجائي بالأعمى مزيد توبيخ لما أن المحتاج الساعي في حاجته إذا كان أعمى فاقدا للبصر و كانت حاجته في دينه دعته إلى السعي فيها خشية الله كان من الحري أن يرحم و يخص بمزيد الإقبال و التعطف لا أن ينقبض و يعرض عنه.

و قيل - بناء على كون المراد بالمعاتب هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -: أن في التعبير عنه أولا بضمير الغيبة إجلالا له لإيهام أن من صدر عنه العبوس و التولي غيره (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه لا يصدر مثله عن مثله، و ثانيا بضمير الخطاب إجلالا له أيضا لما فيه من الإيناس بعد الإيحاش و الإقبال بعد الإعراض.

و فيه أنه لا يلائمه الخطاب في قوله بعد: «أما من استغنى فأنت له تصدى» إلخ و العتاب و التوبيخ فيه أشد مما في قوله: «عبس و تولى» إلخ و لا إيناس فيه قطعا.

قوله تعالى: «أما من استغنى فأنت له تصدى و ما عليك ألا يزكى» الغنى و الاستغناء و التغني و التغاني بمعنى على ما ذكره الراغب فالمراد بمن استغنى من تلبس بالغنى و لازمه التقدم و الرئاسة و العظمة في أعين الناس و الاستكبار عن اتباع الحق قال تعالى: «إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى»: العلق: 7 و التصدي التعرض للشيء بالإقبال عليه و الاهتمام بأمره.

و في الآية إلى تمام ست آيات إشارة إلى تفصيل القول في ملاك ما ذكر من العبوس و التولي فعوتب عليه و محصله أنك تعتني و تقبل على من استغنى و استكبر عن اتباع الحق و ما عليك ألا يزكى و تتلهى و تعرض عمن يجتهد في التزكي و هو يخشى.

و قوله: «و ما عليك ألا يزكى» قيل: «ما» نافية و المعنى و ليس عليك بأس أن لا يتزكى حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض و التلهي عمن أسلم و الإقبال عليه.

و قيل: «ما» للاستفهام الإنكاري و المعنى و أي شيء يلزمك أن لم يتطهر من الكفر و الفجور فإنما أنت رسول ليس عليك إلا البلاغ.

و قيل: المعنى و لا تبالي بعدم تطهره من دنس الكفر و الفجور و هذا المعنى أنسب لسياق العتاب ثم الذي قبله ثم الذي قبله.

قوله تعالى: «و أما من جاءك يسعى و هو يخشى فأنت عنه تلهى» السعي الإسراع في المشي فمعنى قوله: «و أما من جاءك يسعى» بحسب ما يفيده المقام: و أما من جاءك مسرعا ليتذكر و يتزكى بما يتعلم من معارف الدين.

و قوله: «و هو يخشى» أي يخشى الله و الخشية آية التذكر بالقرآن قال تعالى: «ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى»: طه: 3 و قال: «سيذكر من يخشى»: الأعلى: 10.

و قوله: «فأنت عنه تلهى» أي تتلهى و تتشاغل بغيره و تقديم ضمير أنت في قوله: «فأنت له تصدى» و قوله: «فأنت عنه تلهى» و كذا الضميرين «له» و «عنه» في الآيتين لتسجيل العتاب و تثبيته.

من تفسير ( الميزان في تفسير القرأن )












انا متمسك بآراء العلماء والمجتهدين الذين يقولن بعدم نزول السورة بالنبي الاكرم - ص- ولهم حججهم الدالة على ذالك وأفضل ان اكون مخطأ في رأي ( ان السورة لم تنزل بالنبي ) على ان اكون مخطأ في رأي ( ان النبي هو الذي عبس ) لأن عاقبتي ستكون في خطر ان انا اخطأت في تبني هذا الرأي ان لم يصح ولا أنا غلطان

بو حسين
10-03-2003, 06:38 PM
مولااااااااااا
حجي..آغاتي...مولاي...عزيزي...حبيبي

"انا متمسك بآراء العلماء والمجتهدين الذين يقولن بعدم نزول السورة بالنبي الاكرم - ص- ولهم حججهم الدالة على ذالك وأفضل ان اكون مخطأ في رأي ( ان السورة لم تنزل بالنبي ) على ان اكون مخطأ في رأي ( ان النبي هو الذي عبس ) لأن عاقبتي ستكون في خطر ان انا اخطأت في تبني هذا الرأي ان لم يصح ولا أنا غلطان "
---------------------------------------------- إقتباس

لا اسمحلي جزء صح وجزء خطأ
الجزء الصح :
انا متمسك بآراء العلماء والمجتهدين الذين يقولن بعدم نزول السورة بالنبي الاكرم - ص- ولهم حججهم الدالة على ذالك

والجزء الخطأ :
ناخذ مثال

انت الحين لمن مرجعك يقول الزنا حرام...ومرجع ثاني يقول الزنا حلال..انزين

(فرض فتوة مبسطه فالمعروف بالقرآن انه الزنا حرام ولكن اقصد بالفتاوة الي لا انا ولا انت نقدر نعرف شنو الصح وشنو الغلط فنعتمد على مراجعنا)

وانت قلدت الي يقول حلال مثلاً...عبالك يوم القيامة الله يقولك انت طعت مرجعك وزنيت واهيه حرام فانت معاقب ؟ لا حبيبي

مايعاقبك انت يعاقب مرجعك...وله ليش في مراجع ؟
فانت لمن تاخذ برأي مرجعك وانت مطمئن باجتهاده فالعقاب يقع في عاتقه وليس في عاتقك..وصلت ؟

وثانياً:
انا باخذ براي العلماء الي يقولون بالرسول (ص) وما اعتقد فيها شي لأنه مثل ماشفنا وايد علماء قالوا بهالشي واكبرهم العلامة الطبطبائي...وانا مطمئن من ناحيتهم..

وثالثاً:
عزيزي وين الأجوبة عن أسئلتي ؟؟ الرجاء انك ترد علي...واعيدهم لك وارجوك تجاوب.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلنا نعلم ان الأنبياء معصومين طبعا
إذن كيف تفسر هالآية.
1- {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} (35) سورة البقرة

السؤال : آدم عصى ربه فهل هو من الظالمين ؟

2- {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (121) سورة طـه
لاحظ ؟ عصى ربه فغوى!!!
السؤال: كيف يغوي الشيطان النبي المعصوم ؟

3- {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } (15) سورة القصص

يرى في هذا القول((إلى أن فعله عليه السلام كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان)) فقد ((تنبه موسى عليه السلام أنه (أخطأ) -نبي ويخطئ- في ما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة..وفعله ذاك وإن لم يكن معصية لوقوعه في الخطأ، وكون دفاعه عن الإسرائيلي دفاعاً لكفر الظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الانسان في الظلم والمعصية ، كذلك يوقعه في أيّ مخالفةٍ للصواب يقع بها في الكلفة والمشقة كما أوقع آدم وزوجته))
العلامة الطبطبائي (الميزان /16/18-19)

وتفسير ((هذا من عمل الشيطان))
((أي : بسببه حتى هيج غضبي فضربته فهو من إغرائه))
للعلامة الطبرسي (مجمع البيان /7-8/382)
سبحان الله هل نبي الله موسى المعصوم يغريه الشيطان!!!!

والسلام

الكرار حيدر
10-04-2003, 06:18 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزنا بو حسين

لقد جانبك الصواب في المثال الذي اخترته
فالمرجع الذي يقول بان الزنا حلال ما اطيعه واروح ازني على اساس ( قطها برأس عالم واطلع سالم ) لا بل افصخ النعال - وانت بكرامه - واطقه على راسه

بعدين احنا مأمورين باتباع المقلدين بالعبادات فقط مو لي قال ان الفيل يطير اقول يطير بس مو وايد

خلني انا اعطيك مثال :
اذا مرجعي قال ان الجمس ( سوبر بان ) 4 سلندر وانا قلت لا يبا الجمس 8 سلندر هل معناته ان تقليدي باطل وانني يجب ان اخذ براي المقلد

نفس المثال خل انطبقه على موضوعنا اذا مقلدي قال ان (عبس وتولى ) نزلت بالرسول - ص- وكثير من الفقهاء يقول لا لم تنزل بالنبي وانا اخذت برايهم هل تقليدي لهذا المقلد باطل ؟ وما الذي سيترتب على اني لم آخذ براي مرجعي في هذا الموضوع بالذات يا أخي ماراح ادش النار اذا اعتقدت بان (عبس وتولى ) لم تنزل بالنبي ولكن العكس فيه مشكلة اذا لم يصح التفسير وهذا وارد جدا


اما بالنسبة الى اسئلتك اخي بوحسين

موضوع عصيان الانبياء ( ان جاز لي التعبير ) موضوع فقهي كبير جدا وعلمائنا الامامية اتفقوا على تفسيره بعكس موضوع ( عبس وتولى ) فيمكنك الرجوع اليى اي واحد منهم لان آرائهم متفقة عليه


ولكن دعني اجيبك بالتالي :

سأل الامام امير المؤمنين سلام الله عليه
من افضل انت ام آدم ؟
فأجاب انا افضل فآدم عصى الله في ترك الاولى وانا لم اعصي الله طرفة عين
فسأل من افضل انت ام موسى ؟
فأجاب انا افضل فموسى قتل نفسا بغير نفس وانا لا اقتل رجلا الا بعد ان ارى في اصلابه السبعة فان كان فيهم مؤمنا فلا اقتله
فسأل من افضل انت ام عيسى ؟
فاجاب انا افضل فأمه طردتها الملائكة حين اتاها المخاض وانا امي ولدتني ببطن الكعبة
فسأل من أفضل انت ام محمد -ص- فقال سلام الله عليه انا عبد من عبيد محمد

فعلي بن ابي طالب-ع- افضل من جميع الانبياء عدا سيدنا محمد -ص- فلا تقارن النبي الاكرم بباقي الانبياء عليهم وعلى نبينا واله السلام

اضافة الى اننا لم نجد في تاريخنا الاسلامي الجعفري الحق كله ان الله عزوجل قد عاتب احد الائمة المعصومين قط فكيف بنا نقول ان الله عاتب وزجر الرسول الاعظم ( استغفر الله ) نعم يا اخي بني ادم خطأ ومن الممكن ان العلماء اخطاوا في تفسير هذه الاية وليس النبي هو الذي اخطأ مع ابن ابي مكتوم

فهل تنكر على العلماء الخطأ ولا تنكره على النبي -ع-

fadel
07-16-2004, 10:38 AM
أين رأى السيد شاكر ...فهو لم يجب على الأسئلة الموجهة إليه .

hsein_iran
07-16-2004, 12:25 PM
أرجح نزولها في النبي ص
والعتاب لا يعني خطأ
ولا يوجد عتاب إنما توجيه
والتوجيه لا يعني أن انحرافا قد حدث...