بهبهاني
09-24-2003, 10:15 AM
عالم عامل.. حميد الأخلاق.. جميل السجايا..
قضى ردحاً من حياته في أكناف سيد شهداء المقاومة الإسلامية، العلاّمة السيد عباس الموسوي، فأحبه وصاغ نفسه وفق سيرته العطرة، حتى غدا صورة أخرى عنه..
كانت تشتعل في أعماقه روح الشهادة.. فسعى نحوها، علّه ينالها في مواجهة العتاة الصهاينة، إلاّ أنّ يدَ الجاني رمته برصاصها الغادر، فمضى كما الشهداء المظلومين، يده على جرحه وعينه على الأرض السليبة..
طفولته
في قرية من قرى جبل عامل الصامد المجاهد، أبصر الشيخ علي كريم النور، في قرية خربة سلم قضاء بنت جبيل، تفتحت عينا الشهيد عام 1956م، وتربى في كنف الأبوين الكادحين، ونما وترعرع داخل الأسرة المؤمنة، الفقيرة المستضعفة، ولمّا بلغ الخامسة من عمره، دخل المدرسة الابتدائية في قريته وتلقّى علومه فيها، وبسبب ضنك العيش في القرية، انتقلت العائلة إلى بيروت، طلباً للرزق والحياة الكريمة، وارتحل الفتى مع أهله ليتابع دراسته المتوسطة في منطقة النبعة إحدى ضواحي بيروت الشرقية.
ميوله واهتماماته
.. وفي منطقة النبعة تعرّف الفتى على المسجد الذي كان يصلّي فيه سماحة السيد محمد حسين فضل الله، فأصبح يلازمه ويتردد عليه، وكانت مداركه قد توسعت، فالتحق بالمعهد الشرعي، وكان ذلك في بداية السبعينات، ثم راح يمارس نشاطه الإسلامي، حتى أصبح عضواً في رابطة أصدقاء المسجد التابعة لجمعية أسرة التآخي، وفيها عدد من رفاقه وإخوانه، وكان له نشاطه المميز، وجلّ همّه وهو في مقتبل العمر، أن يكون مجاهداً في سبيل الله.
هجرته إلى العراق
.. ما إن أتمّ الشيخ الشهيد العشرين من عمره، حتى شعر أن لا فائدة من البقاء في لبنان، فالنجف الأشرف هو مهد الحوزات العلمية الفقهية، فيمم الشيخ وجهه شطر مدينة أمير المؤمنين (ع)، وكان ذلك في بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م، فعارض الأهل هذا السفر، لأنه أكبر إخوته وأخواته، وهم بحاجة لمن يساعدهم في إعالة البيت وتدبير شؤونه، لكنه أصرّ على متابعة علومه الدينية ولم يتهاو أمام مغريات السفر والعمل خارج لبنان، ثم فوجئ الأهل في فترة حرب سنة 1976 برسالة أتتهم من النجف الأشرف، يشرح فيها الشيخ الشهيد انتسابه للحوزة العلمية وارتياحه لتلقّي العلوم الدينية.
دراسته الحوزوية
تابع الشيخ الشهيد دراسته في النجف الأشرف على يد المرحوم المقدس السيد أبو القاسم الخوئي، وعلى يد المرجع المجاهد الشهيد السيد محمد باقر الصدر. وكان صديقاً حميماً وأخاً وفياً لسيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، وما إن انتسب للحوزة العلمية في النجف الأشرف حتى "عمّمه" السيد الخوئي، نظراً لكفاءته وجدارته.
كان محباً للشهيد الصدر، متأثراً به، مطيعاً له، ولما ظهرت عليه علامات التفوق، نال إعجاب الجميع وخاصة السيد الشهيد.
نشاطه في العراق
رجع الشيخ الشهيد إلى لبنان سنة 1977م، ثم تزوج من فاضلة مؤمنة، وآب إلى النجف ليكمل تحصيله العلمي. ونتيجة لمؤهلاته، كان الشهيد الصدر يكلفه بالعديد من المهمات، وفي عام 1977م، حدثت ثورة الأربعين الشهيرة في العراق، حيث انطلقت مسيرة ضخمة من النجف إلى كربلاء سيراً على الأقدام، لزيارة الإمام الحسين (ع) وقبر أبي الفضل العباس وذلك مسافة خمسة وثمانين كليومتراً، يومها تصدّى النظام العراقي لهذه المسيرة واستخدم الطائرات المروحية في قمعها.
العودة إلى لبنان
قام النظام العراقي باعتقاله، فبقي في السجن ثلاثة وثلاثين يوماً، ثم تمّ ترحيله إلى لبنان، وكان الشهيد قد أوصى زوجته قبل إعتقاله أن تغادر العراق، إذا ما لقي القبض عليه من قبل النظام، فباعت محتويات المنزل، ونفذت الزوجة هذا الطلب، وعادت إلى لبنان قبل أن يطلق سراحه. ولما أفرجوا عنه، أحرقوا عمامته وثيابه، فوصل إلى لبنان بثياب بالية مهترئة، ألبسوه إياها في سجنه.
في حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك
بعد تشريده من العراق، حاول الأهل إقناعه بترك العمل الديني، والتوجه نحو العمل فرفض رفضاً قاطعاً، ثم التحق عام 1978م بحوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك لمتابعة دروسه وتحصيله العلمي، ثم التقى ثانية بأستاذه وأخيه السيد عباس الموسوي، وراح يتابع تحصيله العلمي ويمارس التدريس في هذه الحوزة.
نشاطاته
مارس العمل الثقافي والإعلامي بنشاط، وعندما اجتاح اليهود لبنان عام 1982م، أحس الشيخ الشهيد بثقل المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء، ووجد في قدوم الحرس الثوري إلى منطقة البقاع فرصة هامة يجب الاستفادة منها، فالتحق بأول دورة عسكرية في البقاع ليتمكن من أداء دوره كعالم يدافع عن دينه وشعبه، وكان مبلّغاً رسالياً صادقاً، نشيطاً، عمل في هذا المجال باندفاع وحماس، حيث كان يترك منزله لأشهر ولا يعود إليه إنشغاله بأداء رسالته، وبالأخص في الشهر المحرم وغيره.
في عام 1987، يمم وجهه نحو الجنوب، ليكون على مقربة من الجبهة مع العدو الإسرائيلي الذي طالما حلم بأن يواجهه وجهاً لوجه، فكان يلازم خطوط التماس مع هذا العدو، وعرفه المقاومون أباً حنوناً ومرشداً معطاءً، وإماماً يؤمهم في صلاتهم. وكم شهدت له ساحات العمليات من صولات، وكم ذاق اليهود من ضرباته ورصاصاته حتى أصبح قدوة العلماء في التضحية والجهاد، وطالما شجع إخوانه المجاهدين على الالتحاق بالمقاومة الإسلامية التي رأى فيها الخلاص من نير المحتلين، وكان يصطحب تلامذته الذين يعطيهم الدروس إلى ساحة العمليات ليطبقوا ما تعلموه من أصول دينهم في أرض المعركة، ولم يترك مناسبة دينية إلا وكان من المشاركين فيها، كان يؤلمه التشرذم والتمزق، فكان يدعو إلى وحدة الصف والابتعاد عن المشاكل الداخلية، وهو الذي كان يفر من المعارك الجانبية حتى لا ينحرف عن هدفه المتمثل بالاستمرار في المقاومة الإسلامية.
إضافة إلى كل هذا العبء من النشاطات والمسؤوليات فإنه كان من المدرسين النشطين في حوزة الإمام المهدي (عج) في بلدة صديقين.
أخلاقه وصفاته
كان الشيخ الشهيد صافي الذهن، راسخ اليقين، دائب الحركة، يقول كلمة الحق بدون تحيز او تكلف، وكان قوله دائماً: "اتكال على الله وامشِ". كان زاهداً في دنياه، متمثلاً بسيرة أمير المؤمنين عليّ (ع). كان متواضعاً يحب الجميع، حتى أحبه الجميع، يبادر إلى خلق جو من الحوار والنقاش المفيد مع جلسائه وفي جلساته، لا ينتظر منهم تكليفاً بالوعظ والكلام، بل يبادر إلى الانطلاق بواجبه الرسالي، بدون تكليف أو تكلف. يجمع الشباب، يدور في طلبهم، يسعى للقائهم. كان يحب الجلوس على الأرض دائماً، حيث كان قوله: "نحن من هذا التراب وإليه نعود".
تقواه وزهده
كان الشيخ الشهيد يحيي صلاة الليل، ويواظب على قراءة الأدعية المستحبة، كالكميل والتوسل والندبة وأدعية طلب الرزق، والأدعية الخاصة لزيارة بيت الله الحرام، إلى أن وفقه الله لأداء فريضة الحج مرتين. زار مشاهد الأئمة الأطهار في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وزار المرقد المقدس للإمام علي بن موسى الرضا (ع) في مدينة مشهد المقدسة.
كان مثالاً للعالم المؤمن الواعي المجاهد، التقي، المتحفز دائماً للقاء الله سبحانه. نذر نفسه لخدمة دين الله، فكان ملتزماً بما ألزم نفسه به، تأثر بالإمام الراحل المقدس الإمام الخميني (قده) فكان مثاله في الدنيا والآخرة، الخارج عن طاعته ضال، والمقتدي به مطيع مهتدي.
حياته الخاصة
رزق الله الشهيد خمسة أولاد: أربعة إناث وذكراً واحداً. كان يحب زوجته ويتعاون معها في عمل البيت، رغم كل الهموم والمشاغل والمسؤوليات، حيث كان يردّد دائماً على مسامعها الحديث الشريف: "مساعدة الزوجة صدقة".
أحب إخوانه المجاهدين والمؤمنين، فأحبوه أكثر. كان يبث روح الحيوية في جلساته فيوقظ الأرواح، ويحرك الضمائر، يحدث بتواضع وأدب وتفهم واستقامة وحكمة، مذكراً بأيام الله، متمثلاً بأهل البيت (ع).
كلماته قبل استشهاده
أحسَّ الشيخ الشهيد بقرب الرحيل إلى عالم الآخرة وشعر بأنه سيكون شهيداً، فراح يتضرع في كل وعاء وفي كل صلاة، إلهي لا تمتني على الفراش، إلهي خذني إليك شهيداً مضرجاً، كثرت كلماته قبل رحيله عن الموت والآخرة، قال لزوجته في الليلة التي سبقت استشهاده: "إنني أشعر أن شهادتي قد أصبحت قريبة، ساعدك الله أيتها الزوجة، في الموت حياة ثانية، هادئة سعيدة، لا شقاء فيها".
قالت زوجته هذه الكلمات ثم أجهشت، وتابعت قائلة: "وقد أوصاني بالأولاد": "علّميهم حب الاستشهاد، لقّنيهم تعاليم الإسلام، أرضعيهم حب أهل البيت (ع)، تابعي المسيرة على نفس النهج. لقد منّ الله علينا في هذا الزمن، بالإمام الخميني، فليكن قدوتك وقدوة الأولاد، لا تيأسي من روح الله بعدي، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، إياك أن تحزني، كوني زينبية، كربلائية، عسى أن يجمعنا الله في جنته".
استشهاده
مع بداية هجرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في مطلع شهر محرم إلى كربلاء، هاجر الشيخ الشهيد إلى ربه سنة 1409هـ الموافق 13/8/1988م، وذلك يوم تعرّض المؤمنون لعدوان مشبوه وهجمة ملفّقة، وأثناء مروره مع أهل وذويه على حاجز لتنظيم محلي بالقرب من بئر السلاسل المحاذية لقريته "خربة سلم" أطلق الرصاص على السيارة التي كان فيها مع أهله، فاستقرت الرصاصات في رأسه واستشهد على الفور، وأصيب بعض أفراد أسرته.
وكان لاستشهاده وقع أليم في نفوس المؤمنين، واستنكار من جميع الفعاليات وعلماء الدين وسائر القيادات الشريفة..
وهكذا انتقل الشيخ الشهيد إلى جوار ربّه راضياً مرضياً، فنال ما كان يتمنى ورزقه الله إحدى الحسنيين، بعد أن أدّى ما عليه من واجبات، وترك في النفوس حرقة وفي العيون قذى، وفي القلوب غصّة وأسى.
وصيته
"زوجتي الكريمة، أم محمود: اصبري على قضاء الله وقدره، وتعلّمي من آل البيت (ع) معنى الصبر والتضحية والشهادة في سبيل الله، واعملي بجد وصبر، وإن الجهاد في سبيل الله ونصرة الدين، هو الفوز العظيم، فسيري لتكملي مسيرة الحق في مواجهة الباطل، وعلّمي أبناءنا أو يواجهوا الظلم والطغيان، وأن يحافظوا على كرامتهم ودينهم.
أبنائي الأحبة: اعلموا أن كل مصائبنا تأتي من أمريكا الشيطان الأكبر، وحليفتها إسرائيل، الجرثومة السرطانية، فاعملوا لكي نزيلها من الوجود لنحقق للإسلام عزّه ومجده.. وأنتنّ يا بناتي العزيزات.. كنّ الزينبيات في مسيرة حياتكن، واعملوا لله وغداً تعرفون أن لا قيمة للحياة..".
شهيد الإسلام المحمدي
كان الإمام الراحل، الإمام الخميني العظيم قدس الله روحه الطاهرة، أول من ذكر الشيخ الشهيد في النداء الذي وجهه إلى العلماء والشعب في باكستان، على أثر مقتل السيد الحجة العلامة عارف الحسيني، في سياق حديثه عن الفرق "بين علماء الدين الملتزمين ووعاض السلاطين"، "والإسلام المحمدي والإسلام الأميركي". حيث قال: "إن الشعوب الإسلامية ينبغي أن تعرف لماذا كان أمثال مطهري وبهشتي وشهداء المحراب وفي العراق أمثال الصدر وآل الحكيم، وفي لبنان راغب حرب وعلي كريم وفي باكستان عارف الحسيني هدفاً للمؤامرات والإرهاب".
"إن طريق الكفاح ضد الإسلام الأميركي له تعقيدات الخاصة، وإن علماء الإسلام المكافحين هم دائماً هدف لسهام المتسلطين، ومن هؤلاء في لبنان الشهيد المظلوم الشيخ علي كريم". لقد أكد الإمام رضوان الله عليه بكلماته هذه على وحدة مجرى الدم العلمائي المراق، وجعل اسمه في عداد العلماء الشهداء المختلفة أماكن شهادتهم.
قبس من أقواله وكلماته
ـ من خطبة له يوم الجمعة 23/8/1985 يقول: "كل يوم شيء جديد في لبنان، ولو حاولنا أن نستكشف لماذا؟ لوجدنا أن السبب هو أن المسلمين استيقظوا من سباتهم وعادو إلى دينهم".
ويكمل في الخطبة ذاتها: "العاقل هو من يعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى وهدفه هو رضوان الله، فبالله عليكم أي سياسي في هذا البلد يحكم بطاعة الله؟ أي سياسي في هذا البلد يعمل بطاعة الله؟ أي سياسي في هذا البلد يطبق على نفسه أحكام الله؟ أي سياسي؟ لا أحد. إذن، من يعمل بطاعة الله فهو عاقل، وكلهم لا يعملون بطاعة الله فهم ليسوا عقلاء".
ـ ومن خطبة له في بلعبك على اثر اجتياح الصهاينة لجبل عامل إبان عملية الأسيرين اليهوديين، وقد ألقاها يوم الجمعة في 21/2/1986 في مسجد الإمام علي (ع) يقول: "وها هو الجهاد قد أصبح اليوم موجوداً في جبل عامل ويتمثل بشباب المقاومة الإسلامية، ونؤكد على إسلاميتها لأنها أثبتت على الأرض أن غير المسلم لا يقاتل كما يقاتل المجاهدون المؤمنون المسلمون اليوم في جنوب لبنان، وفي كل القرى التي دخلتها إسرائيل، يواجهون العدو انطلاقاً من إيمانهم بالله ورسوله".
ويكمل في الخطبة ذاتها فيقول: "يتحمل شبابنا المسلم (شباب المقاومة الإسلامية) يتحملون عن الجميع الدفاع عن الأرض الطاهرة التي ارتوت وترتوي من دماء الشهداء ومن دماء العلماء كأمثال شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب والشهيد السعيد السيد عبد اللطيف الأمين. فأصبحت أرضاً طاهرة ولو كان بإمكانها أن تتزلزل لتزلزلت، لكنها لن تتزلزل لأنه يعيش فيها شباب مؤمن بالله ورسوله، مجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم".
ـ ومن كلمة له أيضاً: "علينا جميعاً أن نعي هذا الهم، أن نترقب الأخبار، أن يكون ابن الثمانين عاماً هنا، على كل كهل أن يتحرك أسوة بحبيب بن مظاهر الأسدي الذي كان مع الحسين (ع)، كان معه في كربلاء، وكان عمره نيفاً وتسعون عاماً، ومع هذا كان ينزل إلى القتال بين يدي الإمام الحسين (ع). على شبابنا أن يكون لهم أسوة حسنة بعلي الأكبر، وعلى رجالنا أن يكون لهم أسوة بالعباس بن علي(ع)، وعلى فتياننا أن يكون لهم أسوة بالقاسم بن الحسن (ع)، وأن يحمل كل واحد منّا طفله كما حمل الإمام الحسين (ع) طفله الرضيع فذبح من الوريد إلى الوريد، لكل منّا إذن قدوة علينا أن نضحي الآن بمالنا وذخيرتنا وعتادنا وسلاحنا وكل ما نملك من وسائل مادية يتطلبها الأخوة المجاهدون".
ـ ومن خطبة له في 25 تموز سنة 1986 يقول: "كل من يضع يده بيد بني إسرائيل فهو كقادة قريش وأتباعهم يجب قتاله، حاكوا المؤامرات ليقضوا على الإسلام والمسلمين في المدينة، وكذلك هم اليوم يتآمرون عندما وجدوا الدولة الإسلامية المباركة بقيادة نائب الإمام الحجة (عج) ألا وهو إمامنا الخميني العظيم (قده)".
ـ ومن أقواله الأخرى:
ـ لا يقاتل إسرائيل بحق إلا المؤمن الحسيني المعتصم بحبل الله.
ـ إن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان قد تنامت وقد أقلقت راحة بني إسرائيل حلفاء العرب في السر، إنهم يريدون أن ينقلوا هذا الحلف إلى الظاهر وإلى العلن.
ـ إن الشعوب العربية الإسلامية في مصر وفي الأردن وفي تونس وفي بلاد عربية أخرى قد تعلموا من المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان أن لا يسكتوا على حكامهم، فتحركوا من جامعة أسيوط إلى جامعات الأردن إلى طلاب تونس وإلى معاقل الثوار والشرفاء.. هذه النماذج تعلمت من المقاومة الإسلامية أساليب الرفض والدفاع والتضحية والفداء.
ـ لنا تجربة ولا تزال هذه التجربة مع اليهود في جنوب لبنان، وستبقى مستمرة حتى يفهم القريب والبعيد بأننا رجال حرب ولسنا رجال استسلام، ولسنا رجال تخاذل، ولا نرضخ للمؤامرات ولا ندخل في المؤامرات، بل نحن رجال قول وعمل، نحن من رجال المهدي (عج).
وهكذا انتهت حياة الشيخ الشهيد، الحافلة بالجهاد، بشقيه: الأصغر والأكبر، فكان مثالاً يحتذى، ونموذجاً حسينياً صادقاً مضحياً أدى ما عليه، فصنع ثورتين في آن معاً: ثورة في حياته وأخرى في مماته. فالسلام على الشيخ الشهيد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
قضى ردحاً من حياته في أكناف سيد شهداء المقاومة الإسلامية، العلاّمة السيد عباس الموسوي، فأحبه وصاغ نفسه وفق سيرته العطرة، حتى غدا صورة أخرى عنه..
كانت تشتعل في أعماقه روح الشهادة.. فسعى نحوها، علّه ينالها في مواجهة العتاة الصهاينة، إلاّ أنّ يدَ الجاني رمته برصاصها الغادر، فمضى كما الشهداء المظلومين، يده على جرحه وعينه على الأرض السليبة..
طفولته
في قرية من قرى جبل عامل الصامد المجاهد، أبصر الشيخ علي كريم النور، في قرية خربة سلم قضاء بنت جبيل، تفتحت عينا الشهيد عام 1956م، وتربى في كنف الأبوين الكادحين، ونما وترعرع داخل الأسرة المؤمنة، الفقيرة المستضعفة، ولمّا بلغ الخامسة من عمره، دخل المدرسة الابتدائية في قريته وتلقّى علومه فيها، وبسبب ضنك العيش في القرية، انتقلت العائلة إلى بيروت، طلباً للرزق والحياة الكريمة، وارتحل الفتى مع أهله ليتابع دراسته المتوسطة في منطقة النبعة إحدى ضواحي بيروت الشرقية.
ميوله واهتماماته
.. وفي منطقة النبعة تعرّف الفتى على المسجد الذي كان يصلّي فيه سماحة السيد محمد حسين فضل الله، فأصبح يلازمه ويتردد عليه، وكانت مداركه قد توسعت، فالتحق بالمعهد الشرعي، وكان ذلك في بداية السبعينات، ثم راح يمارس نشاطه الإسلامي، حتى أصبح عضواً في رابطة أصدقاء المسجد التابعة لجمعية أسرة التآخي، وفيها عدد من رفاقه وإخوانه، وكان له نشاطه المميز، وجلّ همّه وهو في مقتبل العمر، أن يكون مجاهداً في سبيل الله.
هجرته إلى العراق
.. ما إن أتمّ الشيخ الشهيد العشرين من عمره، حتى شعر أن لا فائدة من البقاء في لبنان، فالنجف الأشرف هو مهد الحوزات العلمية الفقهية، فيمم الشيخ وجهه شطر مدينة أمير المؤمنين (ع)، وكان ذلك في بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م، فعارض الأهل هذا السفر، لأنه أكبر إخوته وأخواته، وهم بحاجة لمن يساعدهم في إعالة البيت وتدبير شؤونه، لكنه أصرّ على متابعة علومه الدينية ولم يتهاو أمام مغريات السفر والعمل خارج لبنان، ثم فوجئ الأهل في فترة حرب سنة 1976 برسالة أتتهم من النجف الأشرف، يشرح فيها الشيخ الشهيد انتسابه للحوزة العلمية وارتياحه لتلقّي العلوم الدينية.
دراسته الحوزوية
تابع الشيخ الشهيد دراسته في النجف الأشرف على يد المرحوم المقدس السيد أبو القاسم الخوئي، وعلى يد المرجع المجاهد الشهيد السيد محمد باقر الصدر. وكان صديقاً حميماً وأخاً وفياً لسيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، وما إن انتسب للحوزة العلمية في النجف الأشرف حتى "عمّمه" السيد الخوئي، نظراً لكفاءته وجدارته.
كان محباً للشهيد الصدر، متأثراً به، مطيعاً له، ولما ظهرت عليه علامات التفوق، نال إعجاب الجميع وخاصة السيد الشهيد.
نشاطه في العراق
رجع الشيخ الشهيد إلى لبنان سنة 1977م، ثم تزوج من فاضلة مؤمنة، وآب إلى النجف ليكمل تحصيله العلمي. ونتيجة لمؤهلاته، كان الشهيد الصدر يكلفه بالعديد من المهمات، وفي عام 1977م، حدثت ثورة الأربعين الشهيرة في العراق، حيث انطلقت مسيرة ضخمة من النجف إلى كربلاء سيراً على الأقدام، لزيارة الإمام الحسين (ع) وقبر أبي الفضل العباس وذلك مسافة خمسة وثمانين كليومتراً، يومها تصدّى النظام العراقي لهذه المسيرة واستخدم الطائرات المروحية في قمعها.
العودة إلى لبنان
قام النظام العراقي باعتقاله، فبقي في السجن ثلاثة وثلاثين يوماً، ثم تمّ ترحيله إلى لبنان، وكان الشهيد قد أوصى زوجته قبل إعتقاله أن تغادر العراق، إذا ما لقي القبض عليه من قبل النظام، فباعت محتويات المنزل، ونفذت الزوجة هذا الطلب، وعادت إلى لبنان قبل أن يطلق سراحه. ولما أفرجوا عنه، أحرقوا عمامته وثيابه، فوصل إلى لبنان بثياب بالية مهترئة، ألبسوه إياها في سجنه.
في حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك
بعد تشريده من العراق، حاول الأهل إقناعه بترك العمل الديني، والتوجه نحو العمل فرفض رفضاً قاطعاً، ثم التحق عام 1978م بحوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك لمتابعة دروسه وتحصيله العلمي، ثم التقى ثانية بأستاذه وأخيه السيد عباس الموسوي، وراح يتابع تحصيله العلمي ويمارس التدريس في هذه الحوزة.
نشاطاته
مارس العمل الثقافي والإعلامي بنشاط، وعندما اجتاح اليهود لبنان عام 1982م، أحس الشيخ الشهيد بثقل المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء، ووجد في قدوم الحرس الثوري إلى منطقة البقاع فرصة هامة يجب الاستفادة منها، فالتحق بأول دورة عسكرية في البقاع ليتمكن من أداء دوره كعالم يدافع عن دينه وشعبه، وكان مبلّغاً رسالياً صادقاً، نشيطاً، عمل في هذا المجال باندفاع وحماس، حيث كان يترك منزله لأشهر ولا يعود إليه إنشغاله بأداء رسالته، وبالأخص في الشهر المحرم وغيره.
في عام 1987، يمم وجهه نحو الجنوب، ليكون على مقربة من الجبهة مع العدو الإسرائيلي الذي طالما حلم بأن يواجهه وجهاً لوجه، فكان يلازم خطوط التماس مع هذا العدو، وعرفه المقاومون أباً حنوناً ومرشداً معطاءً، وإماماً يؤمهم في صلاتهم. وكم شهدت له ساحات العمليات من صولات، وكم ذاق اليهود من ضرباته ورصاصاته حتى أصبح قدوة العلماء في التضحية والجهاد، وطالما شجع إخوانه المجاهدين على الالتحاق بالمقاومة الإسلامية التي رأى فيها الخلاص من نير المحتلين، وكان يصطحب تلامذته الذين يعطيهم الدروس إلى ساحة العمليات ليطبقوا ما تعلموه من أصول دينهم في أرض المعركة، ولم يترك مناسبة دينية إلا وكان من المشاركين فيها، كان يؤلمه التشرذم والتمزق، فكان يدعو إلى وحدة الصف والابتعاد عن المشاكل الداخلية، وهو الذي كان يفر من المعارك الجانبية حتى لا ينحرف عن هدفه المتمثل بالاستمرار في المقاومة الإسلامية.
إضافة إلى كل هذا العبء من النشاطات والمسؤوليات فإنه كان من المدرسين النشطين في حوزة الإمام المهدي (عج) في بلدة صديقين.
أخلاقه وصفاته
كان الشيخ الشهيد صافي الذهن، راسخ اليقين، دائب الحركة، يقول كلمة الحق بدون تحيز او تكلف، وكان قوله دائماً: "اتكال على الله وامشِ". كان زاهداً في دنياه، متمثلاً بسيرة أمير المؤمنين عليّ (ع). كان متواضعاً يحب الجميع، حتى أحبه الجميع، يبادر إلى خلق جو من الحوار والنقاش المفيد مع جلسائه وفي جلساته، لا ينتظر منهم تكليفاً بالوعظ والكلام، بل يبادر إلى الانطلاق بواجبه الرسالي، بدون تكليف أو تكلف. يجمع الشباب، يدور في طلبهم، يسعى للقائهم. كان يحب الجلوس على الأرض دائماً، حيث كان قوله: "نحن من هذا التراب وإليه نعود".
تقواه وزهده
كان الشيخ الشهيد يحيي صلاة الليل، ويواظب على قراءة الأدعية المستحبة، كالكميل والتوسل والندبة وأدعية طلب الرزق، والأدعية الخاصة لزيارة بيت الله الحرام، إلى أن وفقه الله لأداء فريضة الحج مرتين. زار مشاهد الأئمة الأطهار في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وزار المرقد المقدس للإمام علي بن موسى الرضا (ع) في مدينة مشهد المقدسة.
كان مثالاً للعالم المؤمن الواعي المجاهد، التقي، المتحفز دائماً للقاء الله سبحانه. نذر نفسه لخدمة دين الله، فكان ملتزماً بما ألزم نفسه به، تأثر بالإمام الراحل المقدس الإمام الخميني (قده) فكان مثاله في الدنيا والآخرة، الخارج عن طاعته ضال، والمقتدي به مطيع مهتدي.
حياته الخاصة
رزق الله الشهيد خمسة أولاد: أربعة إناث وذكراً واحداً. كان يحب زوجته ويتعاون معها في عمل البيت، رغم كل الهموم والمشاغل والمسؤوليات، حيث كان يردّد دائماً على مسامعها الحديث الشريف: "مساعدة الزوجة صدقة".
أحب إخوانه المجاهدين والمؤمنين، فأحبوه أكثر. كان يبث روح الحيوية في جلساته فيوقظ الأرواح، ويحرك الضمائر، يحدث بتواضع وأدب وتفهم واستقامة وحكمة، مذكراً بأيام الله، متمثلاً بأهل البيت (ع).
كلماته قبل استشهاده
أحسَّ الشيخ الشهيد بقرب الرحيل إلى عالم الآخرة وشعر بأنه سيكون شهيداً، فراح يتضرع في كل وعاء وفي كل صلاة، إلهي لا تمتني على الفراش، إلهي خذني إليك شهيداً مضرجاً، كثرت كلماته قبل رحيله عن الموت والآخرة، قال لزوجته في الليلة التي سبقت استشهاده: "إنني أشعر أن شهادتي قد أصبحت قريبة، ساعدك الله أيتها الزوجة، في الموت حياة ثانية، هادئة سعيدة، لا شقاء فيها".
قالت زوجته هذه الكلمات ثم أجهشت، وتابعت قائلة: "وقد أوصاني بالأولاد": "علّميهم حب الاستشهاد، لقّنيهم تعاليم الإسلام، أرضعيهم حب أهل البيت (ع)، تابعي المسيرة على نفس النهج. لقد منّ الله علينا في هذا الزمن، بالإمام الخميني، فليكن قدوتك وقدوة الأولاد، لا تيأسي من روح الله بعدي، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، إياك أن تحزني، كوني زينبية، كربلائية، عسى أن يجمعنا الله في جنته".
استشهاده
مع بداية هجرة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في مطلع شهر محرم إلى كربلاء، هاجر الشيخ الشهيد إلى ربه سنة 1409هـ الموافق 13/8/1988م، وذلك يوم تعرّض المؤمنون لعدوان مشبوه وهجمة ملفّقة، وأثناء مروره مع أهل وذويه على حاجز لتنظيم محلي بالقرب من بئر السلاسل المحاذية لقريته "خربة سلم" أطلق الرصاص على السيارة التي كان فيها مع أهله، فاستقرت الرصاصات في رأسه واستشهد على الفور، وأصيب بعض أفراد أسرته.
وكان لاستشهاده وقع أليم في نفوس المؤمنين، واستنكار من جميع الفعاليات وعلماء الدين وسائر القيادات الشريفة..
وهكذا انتقل الشيخ الشهيد إلى جوار ربّه راضياً مرضياً، فنال ما كان يتمنى ورزقه الله إحدى الحسنيين، بعد أن أدّى ما عليه من واجبات، وترك في النفوس حرقة وفي العيون قذى، وفي القلوب غصّة وأسى.
وصيته
"زوجتي الكريمة، أم محمود: اصبري على قضاء الله وقدره، وتعلّمي من آل البيت (ع) معنى الصبر والتضحية والشهادة في سبيل الله، واعملي بجد وصبر، وإن الجهاد في سبيل الله ونصرة الدين، هو الفوز العظيم، فسيري لتكملي مسيرة الحق في مواجهة الباطل، وعلّمي أبناءنا أو يواجهوا الظلم والطغيان، وأن يحافظوا على كرامتهم ودينهم.
أبنائي الأحبة: اعلموا أن كل مصائبنا تأتي من أمريكا الشيطان الأكبر، وحليفتها إسرائيل، الجرثومة السرطانية، فاعملوا لكي نزيلها من الوجود لنحقق للإسلام عزّه ومجده.. وأنتنّ يا بناتي العزيزات.. كنّ الزينبيات في مسيرة حياتكن، واعملوا لله وغداً تعرفون أن لا قيمة للحياة..".
شهيد الإسلام المحمدي
كان الإمام الراحل، الإمام الخميني العظيم قدس الله روحه الطاهرة، أول من ذكر الشيخ الشهيد في النداء الذي وجهه إلى العلماء والشعب في باكستان، على أثر مقتل السيد الحجة العلامة عارف الحسيني، في سياق حديثه عن الفرق "بين علماء الدين الملتزمين ووعاض السلاطين"، "والإسلام المحمدي والإسلام الأميركي". حيث قال: "إن الشعوب الإسلامية ينبغي أن تعرف لماذا كان أمثال مطهري وبهشتي وشهداء المحراب وفي العراق أمثال الصدر وآل الحكيم، وفي لبنان راغب حرب وعلي كريم وفي باكستان عارف الحسيني هدفاً للمؤامرات والإرهاب".
"إن طريق الكفاح ضد الإسلام الأميركي له تعقيدات الخاصة، وإن علماء الإسلام المكافحين هم دائماً هدف لسهام المتسلطين، ومن هؤلاء في لبنان الشهيد المظلوم الشيخ علي كريم". لقد أكد الإمام رضوان الله عليه بكلماته هذه على وحدة مجرى الدم العلمائي المراق، وجعل اسمه في عداد العلماء الشهداء المختلفة أماكن شهادتهم.
قبس من أقواله وكلماته
ـ من خطبة له يوم الجمعة 23/8/1985 يقول: "كل يوم شيء جديد في لبنان، ولو حاولنا أن نستكشف لماذا؟ لوجدنا أن السبب هو أن المسلمين استيقظوا من سباتهم وعادو إلى دينهم".
ويكمل في الخطبة ذاتها: "العاقل هو من يعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى وهدفه هو رضوان الله، فبالله عليكم أي سياسي في هذا البلد يحكم بطاعة الله؟ أي سياسي في هذا البلد يعمل بطاعة الله؟ أي سياسي في هذا البلد يطبق على نفسه أحكام الله؟ أي سياسي؟ لا أحد. إذن، من يعمل بطاعة الله فهو عاقل، وكلهم لا يعملون بطاعة الله فهم ليسوا عقلاء".
ـ ومن خطبة له في بلعبك على اثر اجتياح الصهاينة لجبل عامل إبان عملية الأسيرين اليهوديين، وقد ألقاها يوم الجمعة في 21/2/1986 في مسجد الإمام علي (ع) يقول: "وها هو الجهاد قد أصبح اليوم موجوداً في جبل عامل ويتمثل بشباب المقاومة الإسلامية، ونؤكد على إسلاميتها لأنها أثبتت على الأرض أن غير المسلم لا يقاتل كما يقاتل المجاهدون المؤمنون المسلمون اليوم في جنوب لبنان، وفي كل القرى التي دخلتها إسرائيل، يواجهون العدو انطلاقاً من إيمانهم بالله ورسوله".
ويكمل في الخطبة ذاتها فيقول: "يتحمل شبابنا المسلم (شباب المقاومة الإسلامية) يتحملون عن الجميع الدفاع عن الأرض الطاهرة التي ارتوت وترتوي من دماء الشهداء ومن دماء العلماء كأمثال شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب والشهيد السعيد السيد عبد اللطيف الأمين. فأصبحت أرضاً طاهرة ولو كان بإمكانها أن تتزلزل لتزلزلت، لكنها لن تتزلزل لأنه يعيش فيها شباب مؤمن بالله ورسوله، مجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم".
ـ ومن كلمة له أيضاً: "علينا جميعاً أن نعي هذا الهم، أن نترقب الأخبار، أن يكون ابن الثمانين عاماً هنا، على كل كهل أن يتحرك أسوة بحبيب بن مظاهر الأسدي الذي كان مع الحسين (ع)، كان معه في كربلاء، وكان عمره نيفاً وتسعون عاماً، ومع هذا كان ينزل إلى القتال بين يدي الإمام الحسين (ع). على شبابنا أن يكون لهم أسوة حسنة بعلي الأكبر، وعلى رجالنا أن يكون لهم أسوة بالعباس بن علي(ع)، وعلى فتياننا أن يكون لهم أسوة بالقاسم بن الحسن (ع)، وأن يحمل كل واحد منّا طفله كما حمل الإمام الحسين (ع) طفله الرضيع فذبح من الوريد إلى الوريد، لكل منّا إذن قدوة علينا أن نضحي الآن بمالنا وذخيرتنا وعتادنا وسلاحنا وكل ما نملك من وسائل مادية يتطلبها الأخوة المجاهدون".
ـ ومن خطبة له في 25 تموز سنة 1986 يقول: "كل من يضع يده بيد بني إسرائيل فهو كقادة قريش وأتباعهم يجب قتاله، حاكوا المؤامرات ليقضوا على الإسلام والمسلمين في المدينة، وكذلك هم اليوم يتآمرون عندما وجدوا الدولة الإسلامية المباركة بقيادة نائب الإمام الحجة (عج) ألا وهو إمامنا الخميني العظيم (قده)".
ـ ومن أقواله الأخرى:
ـ لا يقاتل إسرائيل بحق إلا المؤمن الحسيني المعتصم بحبل الله.
ـ إن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان قد تنامت وقد أقلقت راحة بني إسرائيل حلفاء العرب في السر، إنهم يريدون أن ينقلوا هذا الحلف إلى الظاهر وإلى العلن.
ـ إن الشعوب العربية الإسلامية في مصر وفي الأردن وفي تونس وفي بلاد عربية أخرى قد تعلموا من المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان أن لا يسكتوا على حكامهم، فتحركوا من جامعة أسيوط إلى جامعات الأردن إلى طلاب تونس وإلى معاقل الثوار والشرفاء.. هذه النماذج تعلمت من المقاومة الإسلامية أساليب الرفض والدفاع والتضحية والفداء.
ـ لنا تجربة ولا تزال هذه التجربة مع اليهود في جنوب لبنان، وستبقى مستمرة حتى يفهم القريب والبعيد بأننا رجال حرب ولسنا رجال استسلام، ولسنا رجال تخاذل، ولا نرضخ للمؤامرات ولا ندخل في المؤامرات، بل نحن رجال قول وعمل، نحن من رجال المهدي (عج).
وهكذا انتهت حياة الشيخ الشهيد، الحافلة بالجهاد، بشقيه: الأصغر والأكبر، فكان مثالاً يحتذى، ونموذجاً حسينياً صادقاً مضحياً أدى ما عليه، فصنع ثورتين في آن معاً: ثورة في حياته وأخرى في مماته. فالسلام على الشيخ الشهيد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.