المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج.. بين الحلم الوردي والقفص الأبدي



زهير
06-13-2006, 07:12 AM
بيروت: مايا مشلب

كثيرون يحلمون بـ«الزواج وتأسيس عائلة والعيش في ثبات ونبات وانجاب الصبيان والبنات»، أوليست هذه هي «النهايات السعيدة» التي تطبع معظم قصص الطفولة التي تتحول فيها كل فتاة إلى «أميرة» تقطن قصر الاحلام الوردية؟ ولكن ماذا لو أبدت خوفا من الزواج وصل الى حدّ الاعراض عنه كما فعلت جوليا روبرتس في فيلمها الشهير «العروس الهاربة»؟

فالخوف من المجهول ودخول مرحلة جديدة يسببان الكثير من القلق لدى البعض. وماذا لو لم يتجرأ الفارس على تتويج هذا الحب بالزواج خوفا من فقدان حريته وحياة العزوبية الحافلة بالمغامرات العاطفية؟ وماذا لو انتابه القلق حيال عدم قدرته على فهم مشاعره والتفريق بين الحب الصادق والرغبة العابرة؟ إذا كانت إمكانيات الفارس المادية عادية، فهو مطالب بتوفير مستوى معيشي لائق له ولاسرته المنتظرة، خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية التي لا تزال تربط هذه المسؤولية بالرجل وحده، بما انها مجتمعات ذكورية. حينها تتحول صورة الزواج إلى قرار بـالأشغال الشاقة، التي تفرض العمل بكدّ لتوفير كل المستلزمات المنزلية والاسرية.

هذه الصورة الواقعية للزواج بدأت تتضح معالمها تدريجيا خصوصا لما شهدته المجتمعات ومنها لبنان على سبيل المثال، من تغيرات اجتماعية واقتصادية، انعكست نتائجها على الشباب. فالمرأة بدأت ترفض الزواج فقط لأنها وصلت سنا معينا، وبدأت تختار وتفضل ان تنتظر حتى تقابل الفارس الذي يغذي أحلامها. فالجانب المادي إلى جانب التحصيل العلمي والانتماء الديني من المعايير الاساسية في الزواج، لا سيما وأن حصول الفتيات على شهادات جامعية من مختلف الاختصاصات، خول لهن دخول سوق العمل بقوة، مما وفر لهن اكتفاء ماديا واستقلالية. وهذا ما يؤخر سن الزواج حسب الشهادات التي حصلنا عليها، مثل شهادة رانيا شهاب (23 سنة) التي تقول:

«الزواج ليس هدفي ولا اسعى اليه، بل اعيش حياتي بشكل طبيعي خصوصا انه لدي الكثير من الصديقات وأتمتع باستقلال مادي، بالإضافة الى انني اجهد في التركيز على عملي وتقدمي المهني، فلن اتزوج عشوائيا لا لسبب إلا لأضع وصيا عليّ». وتشاطر الاسكوتلندية كارولين ماتش التي تعيش ايضا في بيروت، رانيا رأيها، وتقول انها تتمنى ان تتزوج «شرط ان يشاركني في الاعمال المنزلية ونمضي معا اوقاتا نتحادث فيها عن مختلف امورنا اليومية... لكنني لست مستعدة لأتزوج ايا كان وانجاب اطفال اضطر إلى تربيتهم لوحدي، فالمسؤولية في هذه الحالة كبيرة وتحتاج لشخصين لا لشخص واحد. وفي هذه الحالة أنا افضل ان أظل وحيدة من دون زواج».

الملاحظ أن الخوف من الوصاية عبارة ترددها الكثير من الفتيات في الآونة الاخيرة لاسيما اللواتي تمكن من متابعة تحصيلهن العلمي ودخول سوق العمل من بابه الواسع اللواتي لم تعد «السترة» هي التي تدفعهن إلى الزواج، فضلا ان البعض منهن تكون لديهن مخاوف كامنة، ربما عشنها في بيت الأسرة، تتركز على تسلط الزوج وعدم تجاوزه عصر «السي سيد». غير ان هذا الواقع لا ينطبق على الجميع، ويعتبر وضعا شاذا في المجتمعات القروية حيث يلاحظ ان نسبة الزواج لا تزال مرتفعة في صفوف الفتيات من سن الثامنة عشرة، فيما لا يتأخر الشباب عن الزواج بعد سن العشرين بأعوام كثيرة. وهؤلاء عادة ما يكونون في أوجهم العاطفي، وبالتالي لا يولون الصعاب المعيشية أو غيرها من العقبات الاقتصادية اهمية، كما يلعب الالتزام الديني دورا اساسيا في هذه المناطق، حتى ان بعض النساء المتقدمات في السن أو رجال الدين يتحولون «وسطاء زواج» لتسيير امور من لم يحالفهم الحظ بعد من نساء ورجال.

لكن ما لا يشغل القرويين والقرويات من هواجس معيشية يحتل أولويات شباب المدن، فالفتيات مثلا يترددن قبل الزاوج ويدرسن «أخلاق العريس المادية»، ولكن اذا كنّ متقدمات في السن تظهر على غالبيتهن أعراض «الخوف من فوات الاوان» وما يتبعها من اوضاع اجتماعية تأسرهن ضمن قيود والقاب في مقدمتها لقب «عانس»، مما يدفع البعض إلى شطب بضعة شروط من اللائحة الموضوعة سلفا لتحديد «معالم العريس».

اما الشباب فيعانون من هواجس مختلفة، مثل سامر رميلي (30 سنة) الذي يخشى «تغير طبيعة العلاقة بعد الزواج وفتورها بسبب اهمال زوجتي مظهرها مثلا او غياب الثقة بيننا بسبب عدم الثقة وما شابه». اما شربل حلو (23 سنة) فيخشى ان تكون زوجته متذمرة «لان هذا ما لا اقوى على تحمله، ويفقدني صوابي»، ويضيف «قد اتحمل اي شيء حتى الغيرة انما لا اطيق التذمر والشكوى طوال الوقت».

وتعلق الدكتورة مي مارون سبع، المستشارة في شؤون الزواج والباحثة الاجتماعية ان «الذين يترددون او يخافون من الارتباط هم الذين بلغوا مرحلة النضج العاطفي لانهم يرون ان الزواج سجن ومسؤولية ملقاة على كواهلهم أكثر مما هو حياة مليئة بالسعادة والتعاون على العكس من الشباب في بداية العشرينات، ممن لا يدركون الفروق والاختلافات، لكن العديد منهم يواجهون المشاكل التي كثيرا ما تنتهي بالطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، بمجرد ان يخف التأجج العاطفي».

وتشير الى ان المرأة عموما، سواء كانت شرقية أو غربية، لا تخاف من الزواج «لانها تبحث بطبيعتها عن الاستقرار النفسي أولا، حتى لو كانت مستقلة ماديا واجتماعيا. صحيح انها في الشرق تكتسب لقب العانس، لكنها في الغرب لا تعاني من هذه المشكلة إطلاقا مما يدل ان الزواج بالنسبة لها حاجة نفسية أولا. ففي فرنسا مثلا تقام احتفالات الـ«كاترينات» تشارك فيها كل الفتيات اللواتي لم يرتبطن قبل الـ24 سنة، بينما يتم الاحتفال بالشباب على أساس انهم «سان نيكولا» اذا لم يتزوجوا قبل الثلاثين». وتضيف «الرجل بطبيعته يمكن ان يعيش وحيدا، فهو لا يميل إلى التعبير عن مشاكله وأحاسيسه مثل المرأة، وبالتالي لا يحتاج الى من يستمع اليه كما المرأة، التي تحتاج أكثر إلى الدعم النفسي والعائلي وتشعر بكيانها أكثر ضمن العائلة أو عندما تكون مع صديقات». وعلى هذه الظاهرة، يعلق المحلل النفسي اللبناني الدكتور عبدو قاعي:

«ان متوسط التعليم الجامعي ارتفع في لبنان من سنتين أو ثلاث الى اربع أو خمس سنوات بسبب مستلزمات سوق العمل التي تفرض حمل شهادات عالية، اضافة الى السعي لامتلاك التكنولوجيا، وهذان العاملان يؤخران سن الزواج. المشكلة في عدم الارتباط ليست الخوف من الآخر، انما الخوف من الارتباط النهائي. ففي الشرق، ورغم سعي المرأة الى الاستقرار تخاف من سيطرة الذكورة، لذلك نرى ان الفتيات يبحثن عن رجل متحرر من هذه العقدة. وليس فيلم «العروس الهاربة» لجوليا روبرتس سوى مواكبة لتحرر المرأة، ولكن هذه النسبة لا تزال منخفضة بشكل عام في لبنان والعالم العربي حيث تمتنع الفتيات عن الزواج أو يتأخرن عنه لأسباب مختلفة تتلخص بالسعي الى التحصيل العلمي أو الخوف من عدم قدرة الرجل على تحمل المسؤولية كاملة».

وفي غياب احصاءات دقيقة أو دراسات معمقة عن هذا الموضوع، يقول قاعي ان أحدث دراسة توصل اليها افادت ان متوسط سن الزواج لدى الرجال 32 سنة و28.5 لدى النساء. «وهذا يعكس تأخرا واضحا في الزواج يسبب احيانا ضغطا نفسيا لاسيما لدى الاناث مما يؤدي الى حالة مرضية نتيجة شعورهن بالعزلة». وامام هذا الواقع يرى قاعي ان حل هذه المشكلة ليس متعلقا بعلاج طبي او نفسي انما بالمجتمع الذي يمر في مرحلة تشنجات وتحجر في الرأي لا يسمح بتحرر الفرد، فضلا عن خوف الرجل من تحرر المرأة ما يمنعه من ممارسة ذكوريته المطلقة عليها. كما ان جو العائلة والمحيط يؤثران على قرار الفرد».