المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هشاشة الفكر الديني......أحمد البغدادي



سلسبيل
06-12-2006, 06:27 AM
أحمد البغدادي - كاتب كويتي


يقول المؤرخ الكاثوليكي الاميركي, جورج فيجل الذي وضع كتابا حول السيرة الذاتية للبابا يوحنا بولس الثاني, وهو من المؤرخين المتدينين المتشددين, ما نصه, »ان الكنائس التي تترك تعاليمها مشرعة على التغيير لن تصمد طويلا«, واعتقد ان هذه الجملة البلاغية والموجزة جدا تجسد لنا رفض الفكر الديني للحداثة او المعاصرة الملازمة للعلمانية, دع عنك مرحلة ما بعد الحداثة التي لا يعرف عنها رجال الدين شيئا. ومن متابعة ما يحدث حولنا من رفض الفكر الديني للديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة بين الرجل والمراة والاصرار على قتل الذي يقوم بتغيير دينه , ان القضية لا تتعلق بالدين الاسلامي ذاته, قدر تعلقها بهشاشة الفكر الديني الذي يتم تصنيعه في عقول رجل الدين, او الفقيه الذي يسبغ على نفسه مسمى " عالم", وما هو بعالم بمفهوم " العلم" الذي نعرفه جميعا.

رجل الدين او الفقيه, يعلم اكثر من غيره حقيقة ان تعرض النصوص الدينية لاعادة التفسير بما يتناسب ومفاهيم العصر ستؤدي, مع الوقت, الى نوع من " التحلل",( وهنا اقصد المضمون العلمي للتحلل). بمعنى ان تقديم تنازلا ما في اي قضية, سيتبعه تنازلات اخرى في قضايا اخرى, حتى لا يتبقى شيء صلب في بنية الفكر الديني ذاته. وهذا بالضبط ما فعله الامام محمد عبده حين حاول المزج الفكري بين المفاهيم الدينية كالشورى مثلا بمفهوم الديمقراطية الغربية, الامر الذي ادى في النهاية الى " انتصار" النظرية الديمقراطية على نظرية " الشورى" الاسلامية التي لم يتمكن الفقهاء الى اليوم من تحويلها الى واقع ملموس, وان جميع التجارب التي حاولت ممارسة الشورى قد انتهت الى فشل ذريع في مجال تمثيل الامة او الشعب, وبذلك تجاوزت الديمقراطية فكرة الشورى, واصبحت الاسلوب الاكثر قبولا لدى الشعوب العربية.

كذلك الامر مع التعليم الذي تم فصل الديني فيه عن المدني, والقانون الوضعي الذي تجاوز الاحكام الدينية,( لا يوجد مصطلح " القانون" في الدين), ويثبت الواقع العملي ان المشكلة البنيوية لقانون الاحوال الشخصية غير قابلة للحل الا بالتحول للقانون المدني الوضعي. كما اثبت الواقع ان التعليم المدني اكثر فائدة واكثر تطورا من التعليم الديني الجامد الذي عجز الفقهاء عن تطويره علميا طوال الخمسين سنة الماضية بسبب هشاشته بنيويا ايضا. ويمكن القول بكل ثقة ان الدولة المدنية افضل بكثير من الدولة الدينية في مجالات حقوق الانسان, والحريات الفكرية والمدنية, والتطور الحضاري. بل ويمكن القول بكل ثقة ان الدولة الدينية المعاصرة اخذة في التقلص لصالح الدولة المدنية, او بتعبير اكثر دقة, الدولة العلمانية, بدليل ان الدولة العلمانية ليست بحاجة في اي شيء للدولة الدينية, في حين ان الدولة الدينية لا تستطيع البقاء بدون مساعدة الدولة العلمانية.

للاسباب سالفة الذكر, يرفض الفقهاء فكرة التطوير, وفي اي مستوى, للفكر الديني, لان النتيجة لن تكون في صالحهم , وان المؤسسة الدينية لن تصمد طويلا اذا ما تركت تعاليمها مشرعة على التغيير, كما يقول المؤرخ جورج فيجل. وكثيرا ما اضحك حين اشاهد اللوحة الاعلانية الكبيرة في شارع الملك فيصل, رحمه الله, وقد ظهرت عليها صورة رجل ماليزي الجنسية, حليق اللحية والشارب, وفوق رأسه كتبت كلمة " الوسطية"!! يا سبحان الله, اين الاحاديث النبوية عن تحريم حلاقة اللحية طوال هذه السنوات?? ولم يقصر النائب السلفي وليد الطبطبائي في تدعيم ما يقوله المؤرخ الاميركي, حين قبل الاجتماع مع " الكاسيات العاريات"( مع خالص الاعتذار لهن) لضرورات السياسة!!!.......حقا, لقد صدق المؤرخ الاميركي فيما قاله من قول حكيم وعقل رزين, وبين للجميع هشاشة الفكر الديني.

awtaad@yahoo.com