زهير
06-07-2006, 10:04 AM
القاهرة - من ايهاب حشيش
كشفت ورقة عمل، تقدم بها الأكاديمي المصري الدكتور صلاح الدين الجورشي لورشة العمل الثانية لـ «الاسلام والاصلاح» التي نظمها مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية في القاهرة اخيرا عن أن ضبط قائمة متفق عليها تضم العقوبات الحدية للزنى لا يزال محل جدل واسع بين الفقهاء.
فبعضهم أنكر عقوبة رجم الزاني والزانية، حيث لم يرد فيها نص قرآني، وانما تم الاستناد في تشريعها الى حديث نبوي يدرجه المحدثون ضمن أحاديث الآحاد.
وينتمي هؤلاء الفقهاء المنكرون لعقوبة الرجم الى فرق اسلامية متعددة مثل المعتزلة والشيعة والأباضية,
وأوضح الجورشي أنه دار نقاش بين هؤلاء الفقهاء ومعارضيهم حول الأحاديث التي تضمنت الحكم بالرجم في حالات الزنى، وتساءلوا : هل قيلت هذه الأحاديث قبل نزول سورة النور أم بعدها نظرا لاختلاف الدلالة والنتيجة؟، مشيرا الى أن الرواة ترددوا في اثبات احدى الاجابتين، وهو ما جعل هؤلاء الفقهاء يميلون الى انكار عقوبة الرجم في هذه الحالة.
وقال: «ان هناك شرطين لاثبات حصول جريمة الزنى واقامة الحد على الفاعلين, والمتأمل في هذين الشرطين يراهما أقرب للاستحالة، خاصة في مجتمع لا يقر الاباحية المطلقة».
فلقد تم اشتراط وجود أربعة شهود في مكان وقوع حادثة الزنى، وذلك حسبما ورد في أكثر من آية مثل قوله تعالى «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم».
وأفاض الفقهاء في تحديد من تقبل شهادتهم في هذه الحالة، وأكدوا بالخصوص على أن يكونوا ممن عرفوا باستقامتهم الأخلاقية وانضباطهم الديني, واذا تمكن المتهم أو محاميه من التشكيك في ادعاءات أحد الشهود، والطعن في مصداقيته واثارة الغبار حول جزئية من جزئيات الشهادة تسقط الدعوى برمتها وتلغى العقوبة.
وقال صاحب الورقة : أكثر من ذلك، على الشخص الذي يتهم غيره بالزنى، بما في ذلك اتهام الزوج لزوجته، أن يأتي بشهوده, فاذا لم يوفر سوى ثلاثة منهم فقط، فان بعض الفقهاء يمهله فرصة للمجيء بالشاهد الرابع والا سقطت دعواه، وأصبح هو المتهم، وسلطت عليه العقوبة القصوى.
وفي هذا حرص شديد على تجنب التسرع باتهام الآخرين، خاصة اذا كــانت المتهمــة امرأة، حيث شرعت لمواجهة هذه الحالة عقوبة تسمى حد القــــذف «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمـانين جلدة»,
وأشار الجورشي الى أن الفقهاء اعتبروا أن عملية الزنى الموجبة للحد لا تثبت بمجرد المداعبة والتقبيل، ولا تتأكد حتى لو كان الشخصان موجودين على سرير واحد، وعاريين تماما، كما أن التصاقهما ببعضهما وهما على تلك الحالة، ليس دليلا كافيا لاثبات التهمة، وانما يجب أن تكون العملية الجنسية كاملة أي «غياب حشفة المكلف العاقل المريد المختار في الفرج على وجه المحظور».
وبناء عليه اعتبروا أن «كل وطء مخالف للصورة السابقة لا يمكن اعتباره ركنا من أركان الجريمة المستوجب لعقوبة الحد كالوطء في الدبر أو اللواط أو السحاق أو المفاخذة».
وتم الاستناد في ذلك على حادثة الشخص الذي اعترف بالزنى للرسول (صلى الله عليه وسلم)، فسأله «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، فقال : لا يا رسول الله، فسأله الرسول باللفظ الصريح ، فقال : نعم, قال : «كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قـــال : نعم».
لهذا ألح الفقهاء على أن يصف الشهود العملية الجنسية كاملة كما رأوها, فهل يمكن أن يجتمع أربعة شهود يتمتعون بأخلاق عالية داخل غرفة نوم مغلقة لشخصين في حالة جماع، ثم يبقيان على ذلك الوضع حتى يتولى هؤلاء الشهود التأكد من أن الأعضاء التناسلية في حــالة تداخل ؟.
ثم زاد الفقهاء فاعتبروا أن تراجع الشهود أو أحدهم عن الشهادة يعتبر شبهة تسقط الحد, وبما أن الاسلام يمنع التجسس وكل ما من شأنه أن يؤدي الى المساس بخصوصية الأفراد أو هتك حياتهم الشخصية، ما يجعل من عملية اثبات التهمة مستحيلة.
مع الملاحظ أن الشاهد، حتى لو رأى العملية كاملة، فهو غير مجبر دينيا وقانونا على أداء شهادته أمام القضاء، حتى لو طالبه القاضي بذلك, بل ان الأخلاق الاسلامية تحرم عليه أن يفضح اخوانه، وتدعوه الى سترهم وحماية أسرارهم.
وقال الدكتور صلاح الدين الجورشي : انه على الرغم من أن تعاليم الاسلام واضحة في ادانتها للعلاقات الجنسية التي تتم خارج اطار الزواج، الا أن الرسول كان شديد التأكيد على التستر، الذي يرسخ الحد الفاصل بين الحياة العامة والشأن الخاص.
لهذا قال «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فان من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله».
وأضاف في ورقته المثيرة للجدل: «ان الاسلام لم يشجع المسلمين على تتبع عورات بعضهم البعض، واتهم الذين يحرصون على فضح الآخرين وهتك أسرارهم بأنهم يريدون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، حتى لو ادعوا بأنهم يفعلون ذلك من أجل حماية الأخلاق العامة, يقول القرآن (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)».
وقد أوضح ذلك الرسول «صلى الله عليه وسلم» في قوله: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيــا والآخرة», كل ذلك من أجل الحيلولة دون تحويل المجتمع الى محاكم تفتيش أو اعطاء صلاحيات واسعة للسلطة السياسية والأمنية والدينية تبرر بها تدخلها في الحياة الخاصة للمــواطنين,
وتساءل الجورشي: ألا تدل هذه الحيثيات على أن القصد من كل هذه الشروط والضوابط كان تجنب تطبيق الحد، وتضييق دائرة الاتهام, فالفقهاء يعلمون أن وجود رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة شرعية عاريين على فراش يعتبر كافيا للتدليل على وجود حالة تلبس، ولهذا يسلطون عليهما عقوبة الحبس, لكنهم في الوقت نفسه لا يقيمون عليهما الحد لعدم توافر الشروط المستحيلة التي وضعت لذلك، وهو ما جعل ابن قدامة يقول بوضوح ما بعده وضوح «كل زنــى لا يـوجب الحد»,
أما الحالة الثانية التي يثبت بها وقوع الزنى فهي الاعتراف طواعية بارتكاب الجريمة, وحتى في هذه الحالة، هناك من اعترف أمام الرسول بذلك، لكن النبي أبدى رغبة قوية في عدم الاستماع له، وتجنب اصدار أي نوع من أنواع العقوبة عليه بالاستناد فقط على شهادته على نفسه.
كما قال بعض الفقهاء ان تراجع المتهم عن اقراره بارتكاب الزنى تحت أي عامل من العوامل يعتبر دليلا كافيا لاسقاط العقوبة.
وهكذا يتبين أن شروط اثبات الزنى عملية شديدة الصعوبة، حتى قال بعضهم «الشيء الذي كثرت شروطه قل وجوده».
ومما يثير الانتباه، أن هذا النقاش الفقهي حول كيفية اثبات جريمة الزنى، كان يدور في مرحلة تاريخية، اتخذت فيها العلاقـات الجنسيــة - التي كـــانت تعتـــبر بمقاييس ذلك العهد «مشروعة» - أشكالا متعددة, فالى جانب تعدد الزوجــات، كـــانت الســــوق العــالمية للتجــارة تدرج «الجواري» ضـمن بضائعهـــا.
كما كانت قوانين الحرب المعمول بها بين دول العالم في تلك المرحلة تبيح التصرف في الأسيرات ملكا وبيعا ومعاشرة.
وكان زواج المتعة معمولا به لدى الشيعة وغيرهم، كما كان الطلاق والزواج يحصلان بسهولة، دون قيود كثيرة،
وان كان ذلك قد تم في الغالب على حساب حقوق النساء وكرامتهن, وهكذا يتبين أن المناخ الاجتماعي والقانوني كان يعطي امتيازات واسعة للذكور، ما جعل تناول مسألة العلاقات الجنسية يختلف في حدته وأسلوب تناوله عن الكيفية التي يتناول بها الكثير من الفقهاء المحدثين أو دعاة اليوم.
وأشار الجورشي الى أن هذا لا يعني محاولة تبرير ما كان يحدث، ولا يتضمن دعوة ضمنية الى عهد التعدد والجواري والتسري، فتلك مرحلة قد ولت دون رجعة, وانما أفضنا في استعراض كل الحيثيات السابقة التي تضمنتها كتب الفقه، حتى ندرك بأن الفقهاء قد أبدوا حرصا في زمانهم على تجنب اللجوء الى العقوبات الجسدية، وقال: ان المطلوب اليوم هو وضع المسألة الجنسية في اطار أشمل، بعيدا عن الرغبة الجامحة لدى البعض في معالجة التحولات الاجتماعية، وما يصاحبها أو يترتب عليها من اضطراب في القيم والعلاقات بين الجنسين، بتشديد العقوبات والدعوة الى احكام الرقابة على الأفراد.
وأضاف: ان القانون يساعد على حماية الأخلاق، لكن شريطة أن تتوافر ثقافة تعادل بين الحرية الشخصية والمحافظة على القواسم المشتركة، مع تجنب كل ما من شأنه أن يصيب أفراد المجتمع بالازدواجية والعقد النفسية, وهي حالات مرضية يمكن أن تنتج عن الفصل الاعتباطي بين الجنسين، أو الربط بين الجنس والشعور بالذنب,
القانون مهم في تنظيم المجتمع، لكن معالجة مشكلات الواقع بطرق علمية، والاستناد على تربية متوازنة قائمة على الحرية والمسؤولية الأخلاقية والشراكة في الاختيار، يعتبران من بين الوسائل المساعدة على بناء مجتمعات أكثر توازنا على الصعيدين الفردي والجماعي.
كشفت ورقة عمل، تقدم بها الأكاديمي المصري الدكتور صلاح الدين الجورشي لورشة العمل الثانية لـ «الاسلام والاصلاح» التي نظمها مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية في القاهرة اخيرا عن أن ضبط قائمة متفق عليها تضم العقوبات الحدية للزنى لا يزال محل جدل واسع بين الفقهاء.
فبعضهم أنكر عقوبة رجم الزاني والزانية، حيث لم يرد فيها نص قرآني، وانما تم الاستناد في تشريعها الى حديث نبوي يدرجه المحدثون ضمن أحاديث الآحاد.
وينتمي هؤلاء الفقهاء المنكرون لعقوبة الرجم الى فرق اسلامية متعددة مثل المعتزلة والشيعة والأباضية,
وأوضح الجورشي أنه دار نقاش بين هؤلاء الفقهاء ومعارضيهم حول الأحاديث التي تضمنت الحكم بالرجم في حالات الزنى، وتساءلوا : هل قيلت هذه الأحاديث قبل نزول سورة النور أم بعدها نظرا لاختلاف الدلالة والنتيجة؟، مشيرا الى أن الرواة ترددوا في اثبات احدى الاجابتين، وهو ما جعل هؤلاء الفقهاء يميلون الى انكار عقوبة الرجم في هذه الحالة.
وقال: «ان هناك شرطين لاثبات حصول جريمة الزنى واقامة الحد على الفاعلين, والمتأمل في هذين الشرطين يراهما أقرب للاستحالة، خاصة في مجتمع لا يقر الاباحية المطلقة».
فلقد تم اشتراط وجود أربعة شهود في مكان وقوع حادثة الزنى، وذلك حسبما ورد في أكثر من آية مثل قوله تعالى «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم».
وأفاض الفقهاء في تحديد من تقبل شهادتهم في هذه الحالة، وأكدوا بالخصوص على أن يكونوا ممن عرفوا باستقامتهم الأخلاقية وانضباطهم الديني, واذا تمكن المتهم أو محاميه من التشكيك في ادعاءات أحد الشهود، والطعن في مصداقيته واثارة الغبار حول جزئية من جزئيات الشهادة تسقط الدعوى برمتها وتلغى العقوبة.
وقال صاحب الورقة : أكثر من ذلك، على الشخص الذي يتهم غيره بالزنى، بما في ذلك اتهام الزوج لزوجته، أن يأتي بشهوده, فاذا لم يوفر سوى ثلاثة منهم فقط، فان بعض الفقهاء يمهله فرصة للمجيء بالشاهد الرابع والا سقطت دعواه، وأصبح هو المتهم، وسلطت عليه العقوبة القصوى.
وفي هذا حرص شديد على تجنب التسرع باتهام الآخرين، خاصة اذا كــانت المتهمــة امرأة، حيث شرعت لمواجهة هذه الحالة عقوبة تسمى حد القــــذف «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمـانين جلدة»,
وأشار الجورشي الى أن الفقهاء اعتبروا أن عملية الزنى الموجبة للحد لا تثبت بمجرد المداعبة والتقبيل، ولا تتأكد حتى لو كان الشخصان موجودين على سرير واحد، وعاريين تماما، كما أن التصاقهما ببعضهما وهما على تلك الحالة، ليس دليلا كافيا لاثبات التهمة، وانما يجب أن تكون العملية الجنسية كاملة أي «غياب حشفة المكلف العاقل المريد المختار في الفرج على وجه المحظور».
وبناء عليه اعتبروا أن «كل وطء مخالف للصورة السابقة لا يمكن اعتباره ركنا من أركان الجريمة المستوجب لعقوبة الحد كالوطء في الدبر أو اللواط أو السحاق أو المفاخذة».
وتم الاستناد في ذلك على حادثة الشخص الذي اعترف بالزنى للرسول (صلى الله عليه وسلم)، فسأله «لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، فقال : لا يا رسول الله، فسأله الرسول باللفظ الصريح ، فقال : نعم, قال : «كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر؟ قـــال : نعم».
لهذا ألح الفقهاء على أن يصف الشهود العملية الجنسية كاملة كما رأوها, فهل يمكن أن يجتمع أربعة شهود يتمتعون بأخلاق عالية داخل غرفة نوم مغلقة لشخصين في حالة جماع، ثم يبقيان على ذلك الوضع حتى يتولى هؤلاء الشهود التأكد من أن الأعضاء التناسلية في حــالة تداخل ؟.
ثم زاد الفقهاء فاعتبروا أن تراجع الشهود أو أحدهم عن الشهادة يعتبر شبهة تسقط الحد, وبما أن الاسلام يمنع التجسس وكل ما من شأنه أن يؤدي الى المساس بخصوصية الأفراد أو هتك حياتهم الشخصية، ما يجعل من عملية اثبات التهمة مستحيلة.
مع الملاحظ أن الشاهد، حتى لو رأى العملية كاملة، فهو غير مجبر دينيا وقانونا على أداء شهادته أمام القضاء، حتى لو طالبه القاضي بذلك, بل ان الأخلاق الاسلامية تحرم عليه أن يفضح اخوانه، وتدعوه الى سترهم وحماية أسرارهم.
وقال الدكتور صلاح الدين الجورشي : انه على الرغم من أن تعاليم الاسلام واضحة في ادانتها للعلاقات الجنسية التي تتم خارج اطار الزواج، الا أن الرسول كان شديد التأكيد على التستر، الذي يرسخ الحد الفاصل بين الحياة العامة والشأن الخاص.
لهذا قال «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فان من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله».
وأضاف في ورقته المثيرة للجدل: «ان الاسلام لم يشجع المسلمين على تتبع عورات بعضهم البعض، واتهم الذين يحرصون على فضح الآخرين وهتك أسرارهم بأنهم يريدون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، حتى لو ادعوا بأنهم يفعلون ذلك من أجل حماية الأخلاق العامة, يقول القرآن (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)».
وقد أوضح ذلك الرسول «صلى الله عليه وسلم» في قوله: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيــا والآخرة», كل ذلك من أجل الحيلولة دون تحويل المجتمع الى محاكم تفتيش أو اعطاء صلاحيات واسعة للسلطة السياسية والأمنية والدينية تبرر بها تدخلها في الحياة الخاصة للمــواطنين,
وتساءل الجورشي: ألا تدل هذه الحيثيات على أن القصد من كل هذه الشروط والضوابط كان تجنب تطبيق الحد، وتضييق دائرة الاتهام, فالفقهاء يعلمون أن وجود رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة شرعية عاريين على فراش يعتبر كافيا للتدليل على وجود حالة تلبس، ولهذا يسلطون عليهما عقوبة الحبس, لكنهم في الوقت نفسه لا يقيمون عليهما الحد لعدم توافر الشروط المستحيلة التي وضعت لذلك، وهو ما جعل ابن قدامة يقول بوضوح ما بعده وضوح «كل زنــى لا يـوجب الحد»,
أما الحالة الثانية التي يثبت بها وقوع الزنى فهي الاعتراف طواعية بارتكاب الجريمة, وحتى في هذه الحالة، هناك من اعترف أمام الرسول بذلك، لكن النبي أبدى رغبة قوية في عدم الاستماع له، وتجنب اصدار أي نوع من أنواع العقوبة عليه بالاستناد فقط على شهادته على نفسه.
كما قال بعض الفقهاء ان تراجع المتهم عن اقراره بارتكاب الزنى تحت أي عامل من العوامل يعتبر دليلا كافيا لاسقاط العقوبة.
وهكذا يتبين أن شروط اثبات الزنى عملية شديدة الصعوبة، حتى قال بعضهم «الشيء الذي كثرت شروطه قل وجوده».
ومما يثير الانتباه، أن هذا النقاش الفقهي حول كيفية اثبات جريمة الزنى، كان يدور في مرحلة تاريخية، اتخذت فيها العلاقـات الجنسيــة - التي كـــانت تعتـــبر بمقاييس ذلك العهد «مشروعة» - أشكالا متعددة, فالى جانب تعدد الزوجــات، كـــانت الســــوق العــالمية للتجــارة تدرج «الجواري» ضـمن بضائعهـــا.
كما كانت قوانين الحرب المعمول بها بين دول العالم في تلك المرحلة تبيح التصرف في الأسيرات ملكا وبيعا ومعاشرة.
وكان زواج المتعة معمولا به لدى الشيعة وغيرهم، كما كان الطلاق والزواج يحصلان بسهولة، دون قيود كثيرة،
وان كان ذلك قد تم في الغالب على حساب حقوق النساء وكرامتهن, وهكذا يتبين أن المناخ الاجتماعي والقانوني كان يعطي امتيازات واسعة للذكور، ما جعل تناول مسألة العلاقات الجنسية يختلف في حدته وأسلوب تناوله عن الكيفية التي يتناول بها الكثير من الفقهاء المحدثين أو دعاة اليوم.
وأشار الجورشي الى أن هذا لا يعني محاولة تبرير ما كان يحدث، ولا يتضمن دعوة ضمنية الى عهد التعدد والجواري والتسري، فتلك مرحلة قد ولت دون رجعة, وانما أفضنا في استعراض كل الحيثيات السابقة التي تضمنتها كتب الفقه، حتى ندرك بأن الفقهاء قد أبدوا حرصا في زمانهم على تجنب اللجوء الى العقوبات الجسدية، وقال: ان المطلوب اليوم هو وضع المسألة الجنسية في اطار أشمل، بعيدا عن الرغبة الجامحة لدى البعض في معالجة التحولات الاجتماعية، وما يصاحبها أو يترتب عليها من اضطراب في القيم والعلاقات بين الجنسين، بتشديد العقوبات والدعوة الى احكام الرقابة على الأفراد.
وأضاف: ان القانون يساعد على حماية الأخلاق، لكن شريطة أن تتوافر ثقافة تعادل بين الحرية الشخصية والمحافظة على القواسم المشتركة، مع تجنب كل ما من شأنه أن يصيب أفراد المجتمع بالازدواجية والعقد النفسية, وهي حالات مرضية يمكن أن تنتج عن الفصل الاعتباطي بين الجنسين، أو الربط بين الجنس والشعور بالذنب,
القانون مهم في تنظيم المجتمع، لكن معالجة مشكلات الواقع بطرق علمية، والاستناد على تربية متوازنة قائمة على الحرية والمسؤولية الأخلاقية والشراكة في الاختيار، يعتبران من بين الوسائل المساعدة على بناء مجتمعات أكثر توازنا على الصعيدين الفردي والجماعي.