سلسبيل
06-06-2006, 11:22 AM
المسلم الحقيقي من لا يعتدي على الآخرين بأي اعتداء معنوي بتجريح أو إهانة
كتب:سماحة الشيخ حسن الصفار
من دلائل عظمة الإسلام وصدق دعوته تربيته أبناءه على محبة الناس، مهما اختلفوا في اديانهم واعراقهم وتوجهاتهم، وهذا النهج الاسلامي يتجلى في كثير من المظاهر، نذكر منها ثلاثة:
الأول: النظرة الإنسانية
يعطي الإسلام ابناءه رؤية وثقافة تجعلهم ينظرون الى كل الناس نظرة احترام، ويعاملونهم على اساس المودة ومحبة الخير للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم وأديانهم، وهذا واضح في آيات القرآن الكريم، الذي نص على كرامة الإنسان، يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)، وهذه الآية عامة في دلالتها على تكريم الإنسان كإنسان دون النظر الى انتمائه ولونه ولغته ودينه.
ورود عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» انه قال: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله انفعهم لعياله».
ان هذه الرؤية الدينية المتقدمة في نظرتها للإنسان قد تشوشها وتشوهها بعض النظريات الخاطئة ومحاولات التحريف الذي يطال الديانات، باتجاه الازدراء للآخرين واحتقارهم والنظر اليهم بدونية، كبعض الآراء التي تنظر للمرأة باحتقار وتنسب الى الدين، او الازدراء بمن ينتمي الى دين ومذهب مخالف وينسب ذلك الى الدين، إن هذه التوجهات تخالف روح وتعاليم الاسلام الذي ينظر للإنسان باحترام وتكريم.
الثاني: منع الاساءة والعدوان
إذ لا يجوز في شريعة الاسلام الاعتداء على احد مهما كان لونه ودينه ومذهبه إلا اذا كان معتدياً ففي هذه الحالة يشرع للمسلم الدفاع عن نفسه لرد العدوان، يقول تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين)، ويقول تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، ويقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
وقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال في تعريفه للمسلم: «المسلم من سلم الناس من يده ولسانه»، فالحديث صريح بأن المسلم الحقيقي من لا يعتدي على الآخرين بأي اعتداء معنوي بتجريح او اهانة، او اعتداء مادي من ضرب ونهب وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «من آذى ذمياً فقد آذاني».
الثالث: الإحسان إلى الناس
هناك تشجيع ودفع من الاسلام ليكون المسلم محسناً وباراً بأفراد المجتمع البشري، مهما كانت دياناتهم ومذاهبهم وهوياتهم، يقول تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين)، والحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واضح في دلالته على هذا المعنى، حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الخلق عيال الله، وأحبهم الى الله انفعهم لعياله»، حيث عبر الحديث ان الخلق جميعاً هم عيال الله، ولم يحصر ذلك في المسلمين والمؤمنين.
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عن احب الناس إلى إليه؟
قال: «أنفعهم للناس». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «رأس العقل بعد الدين التودد الى الناس، واصطناع الخير الى كل بر وفاجر».
كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): «ابذل معروفك للناس كافة، فإن فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله شيء».
وقال رجل عند الإمام الحسين بن علي (عليه السلام): «إن المعروف اذا اسدي الى غير اهله ضاع» فقال الإمام الحسين (عليه السلام): «ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر».
ومما ورد في ذلك عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «اصطنع الخير الى من هو أهله وإلى من هو غير أهله، فإن لم تصب من هو أهله فأنت أهله».
وهناك حادثة يرويها احد اصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) هو معلى بن خنيس قال: «خرجت مع الإمام ليلاً ومعه جراب من خبز، فأتينا ظلة بني ساعده، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل الإمام الصادق (عليه السلام) يدس الرغيف والرغيفين عند رأس كل واحد منهم حتى أتى على آخرهم، ثم انصرفنا، وقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال (عليه السلام): لو عرفوه لواسيناهم بالدقة (الملح)».
وفي رواية عن مصادف (من تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كنت مع ابي عبدالله (عليه السلام) بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في اصل شجرة وقد القى بنفسه، فقال: «مل بنا الى هذا الرجل فإني اخاف ان يكون قد اصابه العطش»، فملنا اليه فإذا برجل من الفراشين طويل الشعر، فسأله: «أعطشان أنت؟»، فقال: نعم، فقال لي : «انزل يا مصادف فاسقه»، فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا، فقلت: هذا نصراني، افتتصدق على نصراني؟! فقال (عليه السلام): «نعم، إذا كان في مثل هذا الحال».
من هذه النصوص الشريفة وغيرها نستنتج ان نهج الإسلام هو التربية على محبة الناس، كل الناس.
ولهذه فإن مما اتفق عليه فقهاء المسلمين جميعاً جواز الوقف لخدمة غير المسلمين، كأن يوقف أحد المسلمين وقفاً ليصرف على فقراء اليهود او النصارى، او على تعليم اولادهم او علي علاج مرضاهم، وغير ذلك من المنافع العامة لهم.
ولا يقتصر جواز الوقف على غير المسلم المسالم بل يجوز حتى على الحربي كما هو رأي بعض الفقهاء كالسيد اليزدي في ملحقات العروة الوثقى.
تاريخ النشر: الثلاثاء 6/6/2006
كتب:سماحة الشيخ حسن الصفار
من دلائل عظمة الإسلام وصدق دعوته تربيته أبناءه على محبة الناس، مهما اختلفوا في اديانهم واعراقهم وتوجهاتهم، وهذا النهج الاسلامي يتجلى في كثير من المظاهر، نذكر منها ثلاثة:
الأول: النظرة الإنسانية
يعطي الإسلام ابناءه رؤية وثقافة تجعلهم ينظرون الى كل الناس نظرة احترام، ويعاملونهم على اساس المودة ومحبة الخير للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم وأديانهم، وهذا واضح في آيات القرآن الكريم، الذي نص على كرامة الإنسان، يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)، وهذه الآية عامة في دلالتها على تكريم الإنسان كإنسان دون النظر الى انتمائه ولونه ولغته ودينه.
ورود عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» انه قال: «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله انفعهم لعياله».
ان هذه الرؤية الدينية المتقدمة في نظرتها للإنسان قد تشوشها وتشوهها بعض النظريات الخاطئة ومحاولات التحريف الذي يطال الديانات، باتجاه الازدراء للآخرين واحتقارهم والنظر اليهم بدونية، كبعض الآراء التي تنظر للمرأة باحتقار وتنسب الى الدين، او الازدراء بمن ينتمي الى دين ومذهب مخالف وينسب ذلك الى الدين، إن هذه التوجهات تخالف روح وتعاليم الاسلام الذي ينظر للإنسان باحترام وتكريم.
الثاني: منع الاساءة والعدوان
إذ لا يجوز في شريعة الاسلام الاعتداء على احد مهما كان لونه ودينه ومذهبه إلا اذا كان معتدياً ففي هذه الحالة يشرع للمسلم الدفاع عن نفسه لرد العدوان، يقول تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين)، ويقول تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، ويقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
وقد جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال في تعريفه للمسلم: «المسلم من سلم الناس من يده ولسانه»، فالحديث صريح بأن المسلم الحقيقي من لا يعتدي على الآخرين بأي اعتداء معنوي بتجريح او اهانة، او اعتداء مادي من ضرب ونهب وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «من آذى ذمياً فقد آذاني».
الثالث: الإحسان إلى الناس
هناك تشجيع ودفع من الاسلام ليكون المسلم محسناً وباراً بأفراد المجتمع البشري، مهما كانت دياناتهم ومذاهبهم وهوياتهم، يقول تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين)، والحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واضح في دلالته على هذا المعنى، حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الخلق عيال الله، وأحبهم الى الله انفعهم لعياله»، حيث عبر الحديث ان الخلق جميعاً هم عيال الله، ولم يحصر ذلك في المسلمين والمؤمنين.
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عن احب الناس إلى إليه؟
قال: «أنفعهم للناس». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «رأس العقل بعد الدين التودد الى الناس، واصطناع الخير الى كل بر وفاجر».
كما ورد عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام): «ابذل معروفك للناس كافة، فإن فضيلة المعروف لا يعدلها عند الله شيء».
وقال رجل عند الإمام الحسين بن علي (عليه السلام): «إن المعروف اذا اسدي الى غير اهله ضاع» فقال الإمام الحسين (عليه السلام): «ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر».
ومما ورد في ذلك عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «اصطنع الخير الى من هو أهله وإلى من هو غير أهله، فإن لم تصب من هو أهله فأنت أهله».
وهناك حادثة يرويها احد اصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) هو معلى بن خنيس قال: «خرجت مع الإمام ليلاً ومعه جراب من خبز، فأتينا ظلة بني ساعده، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل الإمام الصادق (عليه السلام) يدس الرغيف والرغيفين عند رأس كل واحد منهم حتى أتى على آخرهم، ثم انصرفنا، وقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال (عليه السلام): لو عرفوه لواسيناهم بالدقة (الملح)».
وفي رواية عن مصادف (من تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كنت مع ابي عبدالله (عليه السلام) بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في اصل شجرة وقد القى بنفسه، فقال: «مل بنا الى هذا الرجل فإني اخاف ان يكون قد اصابه العطش»، فملنا اليه فإذا برجل من الفراشين طويل الشعر، فسأله: «أعطشان أنت؟»، فقال: نعم، فقال لي : «انزل يا مصادف فاسقه»، فنزلت وسقيته ثم ركبت وسرنا، فقلت: هذا نصراني، افتتصدق على نصراني؟! فقال (عليه السلام): «نعم، إذا كان في مثل هذا الحال».
من هذه النصوص الشريفة وغيرها نستنتج ان نهج الإسلام هو التربية على محبة الناس، كل الناس.
ولهذه فإن مما اتفق عليه فقهاء المسلمين جميعاً جواز الوقف لخدمة غير المسلمين، كأن يوقف أحد المسلمين وقفاً ليصرف على فقراء اليهود او النصارى، او على تعليم اولادهم او علي علاج مرضاهم، وغير ذلك من المنافع العامة لهم.
ولا يقتصر جواز الوقف على غير المسلم المسالم بل يجوز حتى على الحربي كما هو رأي بعض الفقهاء كالسيد اليزدي في ملحقات العروة الوثقى.
تاريخ النشر: الثلاثاء 6/6/2006