المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موضوع يا زهراء "رد شبهات عبد الله بهبهاني في مسألة الشيخ المفيد و الشيخ كاشف الغطاء"



أبومرتضى
09-22-2003, 08:40 PM
هذا موضوع اورده يا زهراء في منتدى آخر ... يتهجم فيه على السيد و على الاخ بهبهاني ...
__________________________________________________ _______
بسم الله الرحمن الرحيم

يكرر اتباع مدرسة فضل الله ما يكتبه فضل الله في مسألة الشيخ المفيد و الشيخ كاشف الغطاء قدس سرهما و نحن نتأتي لكم بالرد في هذه الاسطر القليلة .



فأولاً عن الشيخ المفيد :

((مراد الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد:
يقول البعض:

يقول الشيخ المفيد (قده): " وفي الشيعة من يذكر: أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي صلى الله عليه وآله ولدا ذكرا، كان سماه رسول الله عليه السلام ـ وهو حمل ـ محسنا، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون. والله أعلم(1) ".

وقد نقل السيد الأمين كلام الشيخ المفيد ـ هذا ـ في كتابه: أعيان الشيعة. ونقله المجلسي في البحار وآخرون.

فإذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على أن عمر ضرب على بطن فاطمة حتى أسقطت محسنا، والرواية بذلك

ــــــــــــــــــــ

(1) الإرشاد: ج 1 ص 355 (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث. سنة 1416 ه‍. ق. بيروت لبنان) والبحار: ج 42 ص 90 عنه وكشف الغمة: ج 2 ص 67. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 167 /

مشهورة عندهم(1). فالشيخ المفيد يخالف الطوسي، وهو معاصر له بل هو أستاذه، وكلامه "يوحي بأنه لا يتبنى الاسقاط من الأساس".

والجواب:

أولا: إن العبارة المذكورة لا تدل على مخالفة المفيد للطوسي في هذا الأمر، لأن كلمة "الشيعة" كانت في زمن الشيخ المفيد تطلق على العديد من الفرق، مثل: الزيدية، والاسماعيلية، والإمامية، وغيرهم، بل وعلى المعتزلة أيضا الذين كانوا هم الحاكمين في بغداد، هم الذين سمحوا بإقامة مناسبة عاشوراء بالطريقة المعروفة والمتداولة حتى يومنا هذا.

وكان يطلق على الشيعة الإمامية من قبل خصومهم اسم: الرافضة.

وقد تحدث النوبختي في كتابه فرق الشيعة، والأشعري في المقالات والفرق، والشيخ المفيد نفسه في الفصول المختارة، وغيرهم عن فرق الشيعة، ومن أراد التفصيل فليراجعها، وغيرها من كتب المقالات والفرق، بل إن العلامة الفاضل المازندراني الخواجوئي قد رد على من أدعى أن إطلاق كلمة الشيعة على خصوص من يعتقد بإمامة علي، وان لم يعتقد بإمامة سائر الأئمة، بقوله: "هذا منه غريب، يدل على قلة تتبعه وعدم تصفحه. فإن في كثير من الأخبار دلالة على إطلاق الشيعة على الزيدية والواقفية، ومن يحذو حذوهم (2)".

بل روي عن الإمام الصادق عليه السلام: " أنه حدث عمر بن

ــــــــــــــــــــ

(1) تلخيص الشافي: ج 3 ص 156.

(2) الرسائل الاعتقادية: ص 27. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 168 /

يزيد في فضائل الشيعة مليا "، ثم قال: " إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب، قلت: جعلت فداك، أليس ينتحلون حبكم ويبرؤون من عدوكم؟! قال: نعم الخ..(1) ".

فالمفيد هنا لا يريد أن ينسب حديث إسقاط المحسن إلى جميع الشيعة بالمعنى الأعم، بل إلى خصوص الإمامية منهم. ولعله رحمه الله اختار التعبير بكلمة " الطائفة " بعد ذلك، ليشير إلى أن طائفة من الشيعة تروي ذلك، وليس كل الطوائف التي يطلق عليها اسم شيعة.

والملفت أنه رحمه الله لم يقل: " إن بعض الشيعة يروي حديثا "

بل قال: " وفي الشيعة من يذكر: أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي الخ.. " فلم يشر رحمه الله إلى حديث واحد أو أكثر، ولا أشار إلى حجم القائلين بذلك من الشيعة من حيث القلة والكثرة.

بل أشار إلى أنهم يصح وصفهم بكلمة " طائفة " حين قال: " فعلى قول هذه الطائفة الخ.. ".

وقد لقب الشيخ الطوسي رحمه الله " بشيخ الطائفة "، والمقصود هو طائفة الإمامية، لا مطلق الشيعة.

وثانيا: لقد كان عصر المفيد رحمه الله بالغ الحساسية ومن أصعب العصور في تاريخ شيعة أهل البيت(ع)، حيث كانت الفتن تتجدد في كل عام في يوم الغدير، وفي خصوص مناسبة عاشوراء، حيث كانت الشيعة تقيم ذكريات لا يصبر عليها خصومهم من حنابلة بغداد المتشددين والمتعصبين فيهاجمونهم، وتكون المصائب

ــــــــــــــــــــ

(1) الرسائل الاعتقادية: ص 27. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 169 /

والنكبات، والبلايا والمذابح الخطيرة، حسبما أوضحناه في كتابنا "صراع الحرية في عصر المفيد" الفصل الأول، وقد أحرقوا في بعض السنين بيوت الشيعة في الكرخ، فمات بسبب ذلك ثمانية عشر ألف إنسان، وعند ابن خلدون: عشرون ألفا بين طفل وشاب وامرأة.

فكان رحمه الله يريد أن يتعامل مع الأمور بمنتهى الحكمة والدقة. وكان كتابه "الإرشاد" الذي ألفه في أواخر حياته، قد راعى فيه أن يكون كتاب تاريخ يتوخى فيه بالإضافة إلى الدقة والأمانة العلمية، أن يكون مقبولا لدى الكافة، ويمكن للجميع أن يستفيدوا منه، ولم يرد له أن يتخذ صفة غير صفة تحديد الحدث بتفاصيله، بعيدا عن المذهبيات، بل هو يتجاوز الحدود والتعصبات المذهبية ليكون كتابا للناس جميعا.

فلأجل ذلك لم يذكر فيه الأمور المثيرة والحساسة بصورة ملفتة للنظر، حتى أنه لم يذكر شيئا عن تفاصيل حادثة السقيفة، وكل ما يرتبط بشأن البيعة لأبي بكر(1)، ويبدو أن ذلك منه رحمه الله يدخل في نطاق سياساته المتوازنة، التي تراعي الظروف، والأجواء، وتتعامل معها بواقعية هادفة، وبمسؤولية ووعي.

أما الشيخ الطوسي فكان كتابه دفاعا عن خصوص الشيعة الإمامية، لأن الشافي قد رد فيه السيد المرتضى على القاضي عبد الجبار المعتزلي، فلخصه الطوسي رحمه الله. فالطوسي إذن كالسيد المرتضى قد كتب كتابه بصفته إماميا، يدافع عن مذهبه، ويثبت صحته، فهو يريد أن ينتهي إلى الحد المذهبي الفاصل بينه وبين غيره، بينما أراد الشيخ المفيد لكتابه الإرشاد أن يتجاوز هذه الحدود، ليكون تاريخا

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع كتاب الإرشاد: ج 1 ص 189 (طبع مؤسسة آل البيت"ع"). (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 170 /

للجميع، يمكنهم الإطلاع عليه، والاستفادة منه دون حرج أو تهمة..

فإذا كان الإمامية فقط هم المجمعون على ذلك دون غيرهم من فرق الشيعة، كالاسماعيلية والزيدية الخ.. فلا يصح من المفيد نسبة ذلك إلى غير الإمامية من الطوائف التي لم تجمع عليه.

والملاحظ: إن المفيد رحمه الله قد تجنب ذكر ما يثير العصبيات من جهة، ثم أشار هنا إلى أمر حساس بصورة خفية وذكية من جهة أخرى، حيث أثبت وجود حمل سماه النبي (ص) محسنا، وترك للقارئ حرية البحث عن دور هذا الولد، وعن مصيره.

ثالثا: أما القول بأن المفيد يخالف الطوسي في هذا الأمر فسيأتي في الإجابة على السؤال الآتي، في العنوان التالي: أنه لا يخالفه بل هو يوافقه فلا حاجة إلى الاستعجال بالأمر هنا.

رابعا: لقد كان الشيخ الطوسي تلميذا للمفيد، وكان المفيد رحمه الله هو الرجل الأول في الشيعة آنئذ، فلا يعقل أن يدعي الطوسي إجماع الشيعة بهذا الجزم والحزم والوضوح، مع مخالفة أستاذه وأعظم رجل في الشيعة على الإطلاق في ذلك؟!

وعلى الأقل كان المفترض فيه أن يذكر لنا: أن أستاذه مخالف لهذا الإجماع، بل إن أستاذه ينفي هذا الإجماع ولا يقبل بأصل وجوده!!

وهل يستطيع الطوسي أن يقرر إجماعا ينفيه أستاذه صراحة وينكره، ويقول: إن بعض الشيعة فقط هم القائلون؟! أم أن الطوسي لم يطلع على رأي أستاذه؟!!

أو أنه إطلاق دعواه الإجماع جزافا، ومن دون تثبت؟!


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 171 /

أن ذلك كله مما لا يمكن قبوله، وهذا ما يؤكد أن مراد المفيد من كلامه في الإرشاد هو ما قلناه، ولا يريد به ما ينقض أو يعارض الإجماع الذي تحدث عنه الطوسي أبدا.

المفيد لم يذكر ما ذكره الطوسي:
يقول البعض:

"إذا كان الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على ضرب وإسقاط جنين الزهراء، فإن الشيخ المفيد الرجل الشيعي الصلب في حجاجه مع مخالفيه في المذهب معاصر للطوسي، وهو لم يذكر في كتبه ما عدا الاختصاص ـ الذي يشك في نسبته إليه ـ قضية كسر الضلع وغيرها مما يقال في هذا المجال أبدا".

ويزيد هذا البعض فيقول:

"لقد تتبعت الموارد التي ذكرت فيها الزهراء في كتبه ـ أي في كتب الشيخ المفيد ـ فلم أجد حديثا عن كسر الضلع، وإسقاط الجنين، ونحو ذلك.. ولا أدري إذا كان تتبعي دقيقا".

والجواب:

إننا قبل كل شئ نود أن نسجل هنا الملاحظة التالية:

وهي: أن هذا البعض يصر هنا على التصريح بكسر الضلع مع أن نقضه لكلام الطوسي بكلام المفيد في عبارته الأولى، يدل على أنه بصدد إنكار كل ما ذكره الطوسي من ضرب الزهراء وإسقاط المحسن.

ولم يتحدث الطوسي عن كسر الضلع في تقريره للاجماع، وتقريره لتضافر الروايات به: فما المبرر لإقحام كسر الضلع في هذا المورد؟!.


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 172 /

وبعد هذه الملاحظة نقول: إن الشيخ المفيد قد ذكر مظلومية الزهراء، وكثيرا مما جرى عليها في كتبه.

وفي مجال مناقشة ما قاله ذلك البعض حول هذا الأمر نقول:

أولا: لم نفهم المقصود بالأمور التي أشار إليها هذا المتحدث بكلمة "وغيرها" التي عطفها على "كسر الضلع" فهل المقصود هو ضربها عليها السلام؟ أو إسقاط جنينها؟ أو إحراق بيتها، حتى أخذت النار في خشب الباب؟!

ثانيا: إن عدم ذكر المفيد لشئ من ذلك في كتبه ـ لو سلمنا صحته ـ لا يدل على أنه ينكره، لأن السكوت وعدم ذكر شئ لا يدل على إنكاره من الأساس.

بل قد قلنا: إن تقرير الطوسي الذي هو تلميذ المفيد، للإجماع، وإرساله ذلك إرسال المسلمات، يدل على أن أستاذه كان على رأس القائلين به، والمتحمسين له، إذ لا يصح من الشيخ الطوسي ذكر هذا الأمر بهذا الجزم والحزم والوضوح التام، إذا كان أحد أساتذته الذين لا يشك أحد، من موافقيه ومخالفيه، في تضلعه في هذه القضايا يخالف في هذا الأمر وينكر وجود الإجماع من الأساس.

أما إذا كان هذا الأستاذ ـ الذي هو المفيد بالذات ـ يقول بأن أفرادا قليلين قد قالوا بهذا القول، فإن القضية ـ أعني دعوى الإجماع ـ تصبح أكثر إشكالا، لأن دعوى الطوسي للإجماع في هذه الحالة..، ستكون من أوضح مصاديق الكذب والافتراء منه على شيوخ المذهب ورموزه، والطوسي أجل من أن يتوهم في حقه ذلك.

ثالثا: إن المفيد حين يريد أن يخاطب الشيعة، ويؤلف كتابا لهذه


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 173 /

الطائفة، فإنه لا يتوانى عن الجهر والتصريح بتفاصيل ما جرى على الصديقة الطاهرة عليها السلام.

فقد روى في "الاختصاص"، عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن أبا بكر كتب للسيدة الزهراء عليها السلام كتابا برد فدك، فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر.

فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك؟

فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك.

فقال: هلميه إلي.

فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله، وكانت حاملة بابن اسمه "المحسن" فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت(1).

ثم أخذ الكتاب فخرقه. فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت (2).

وروى أيضا رحمه الله في ذلك الكتاب ـ أعني الاختصاص ـ رواية ثانية ذكرت: أن "الثاني" قد ضرب الباب برجله فكسره، وأنه رفس فاطمة برجله، فأسقطت المحسن(3).

ــــــــــــــــــــ

(1) نقفت: كسرت.

(2) الاختصاص: ص 185 والبحار: ج 29 ص 192.

(3) راجع الاختصاص: ص 344. والبحار: ج 29 ص 192، و ج 28 ص 227 و ج 7 ص 270.(*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 174 /

وروى أيضا حديثا آخر في الكتاب نفسه، جاء فيه: عن أبي عبد الله(ع) قوله: " وقاتل أمير المؤمنين، وقاتل فاطمة، وقاتل المحسن، وقاتل الحسن والحسين "(1).

وأما عن صحة نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد، فقد قلنا في الإجابة على سؤال يأتي: إن التشكيك في صحة نسبته للشيخ المفيد في غير محله، وبلا مبرر مقبول أو معقول، وقلنا أيضا: إنه يظهر أن المفيد قد اختار هذا الكتاب من كتاب الاختصاص، لابن عمران، وبناء على هذا يصبح اختياره رحمه الله لهذا الحديث بالذات، لأجل مزية رآها فيه رجحته على غيره.

رابعا: قد تحدث الشيخ المفيد رحمه الله عما جرى على الزهراء في أكثر من مورد في كتبه الأخرى أيضا.

فلاحظ ما يلي:

1 ـ قال الكنجي الشافعي عن الشيخ المفيد رحمه الله: " إنه قد زاد على الجمهور: إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا، وكان سماه رسول الله (ص) محسنا، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة (2) ".

فالكنجي إذن، ينسب القول بإسقاط المحسن إلى المفيد رحمه الله بالذات، إلا أن يكون مراده الإشارة إلى نفس ما ذكره رحمه الله في الإرشاد. مع الاحتمال القوي بأن يكون قد أشار إلى ما ورد في الاختصاص.

ــــــــــــــــــــ

(1) الاختصاص: ص 344، وكامل الزيارات: ص 327 بسند آخر، والبحار: ج 7 ص 270 و ج 8 ص 213. ونقل أيضا عن بصائر الدرجات للصفار.

(2) كفاية الطالب: ص 413. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 175 /

غير أننا نقول للكنجي هنا: إن مراجعة بسيطة للنصوص المنقولة عن أهل النقل، تظهر أن كثيرين غير ابن قتيبة قد نقلوا ذلك أيضا، وسنذكر إن شاء الله شطرا كبيرا من هذه النصوص في بعض فصول الكتاب.

2 ـ لقد ذكر الشيخ المفيد في كتابه "المقنعة" الذي هو كتاب في الفقه الشيعي، وكذا في كتاب " المزار " زيارة الصديقة الطاهرة، التي تنص على أنها عليها السلام قد كانت شهيدة، فقد جاء فيها:

"السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة"(1).

فهل هناك من سبب لاستشهادها عليها السلام سوى ما جرى عليها من هؤلاء القوم؟

فهل استشهدت عليها السلام بمرض ألم بها!!

أم بحادث عرض لها، كسقوطها عن سطح منزلها!!

أو أنها تعرضت لحادث اغتيال من مجهول؟!!

وستأتي النصوص التي أوردها المفيد رحمه الله، في مواضعها في قسم النصوص إن شاء الله.

3 ـ قد ذكر المفيد قدس الله سره الشريف محاولات إحراق بيت الزهراء في كتابه " الأمالي ": عن الجعابي، عن العباس بن المغيرة، عن أحمد بن منصور الرمادي، عن سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، قال: " لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير، والمقداد، بيت فاطمة عليها السلام، وأبوا أن يخرجوا. فقال عمر بن الخطاب: أضرموا

ــــــــــــــــــــ

(1) المقنعة: ص 459، وراجع البحار: ج 97 ص 195. والبلد الأمين: ص 198. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 176 /

عليهم البيت نارا، فخرج الزبير، ومعه سيفه.. إلى أن قال: وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال ما شأنك يا أبا الحسن؟!.

فقال: أرادوا أن يحرقوا علي بيتي، وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره الخ...

فقال له ثابت: لا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك. فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة، فإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها، وقد خلت دارها من أحد من القوم، وهي تقول: لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا، وصنعتم بنا ما صنعتم، ولم تروا لنا حقا(1)".

وهذا الحديث صريح بمحاولة اقتحام البيت، وبأنهم قد اعتدوا على أهله، وذلك لقوله(ع): " وأبو بكر على المنبر يبايع له، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره "، فقد كان هناك هجوم يحتاج إلى دفع، واعتداء يحتاج إلى إنكار.

كما أن التعبير بـ‍ "أرادوا أن يحرقوا" يستبطن أنهم قد بذلوا المحاولة، وجمعوا الحطب مثلا.

خصوصا مع قوله عن أبي بكر: "لا يدفع ذلك ولا ينكره"، أي لا ينكر ولا يدفع ما أرادوا أن يفعلوه من إحراق بيته. إذن فلم تكن القضية مجرد تهديد بالقول.

ويؤيد ذلك أيضا أنه قال: "أرادوا" حيث لم يقل: "هددوا بإحراق بيتي".

ــــــــــــــــــــ

(1) الأمالي للمفيد: ص 59 / 50. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 177 /

كما أن هذه الرواية صريحة في أن البيت الذي هم بصدد مهاجمته قد كان في داخل المسجد، في مقابل منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له هناك، بعد أن عاد من السقيفة مع أصحابه يزفونه إلى المسجد، ويجبرون الناس على البيعة له، ثم جرى أمامه ما جرى ولم يدفع ذلك ولم ينكره.

ومن الواضح: أن قبر رسول الله (ص) قد كان في بيت فاطمة لا في بيت عائشة كما حققناه(1)، فلم يراعوا حرمة القبر، ولا المسجد، ولا البيت، ولا الزهراء.

4 ـ وقال المفيد أيضا في كتاب الجمل: " لما اجتمع من اجتمع إلى دار فاطمة عليها السلام، من بني هاشم، وغيرهم، للتحير على أبي بكر، وإظهار الخلاف عليه، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا، وقال له: أخرجهم من البيت، فإن خرجوا، وإلا فاجمع الأحطاب على بابه، وأعلمهم: أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا.

ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وسالم مولى أبي حذيفة، حتى صاروا إلى باب علي عليه السلام، فنادى: يا فاطمة بنت رسول الله، أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع، ويدخل فيما دخل فيه المسلمون، وإلا ـ والله ـ أضرمت عليهم نارا (2)، في حديث مشهور ".

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع: كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام: ج 1 ص 169. البحث الذي هو بعنوان: أين دفن النبي، في بيت عائشة أم في بيت فاطمة(ع).

(2) الجمل: ط جديد، ص 117 و 118. (*)0


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 178 /

وقد تقدم ما ذكره رحمه الله في كتاب الإرشاد، فلا داعي للإعادة.

كتاب الاختصاص للشيخ المفيد:
تقدم أن البعض: قد جعل التشكيك في نسبة كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد (قده)، ذريعة لرفض الاعتماد عليه فيما يرويه عن مظالم الزهراء عليها السلام، ولرفض نسبة رواية ذلك إلى المفيد رحمه الله.

ونقول: إننا بعد التأمل فيما يثار حول كتاب " الاختصاص " للشيخ المفيد، وجدنا أن تلك التساؤلات لا تصلح للاعتماد عليها للطعن في صحة هذه النسبة إلى ذلك العالم الجليل.

ونحن نجيب فيما يلي بإيجاز عن بعض الأمور التي أثيرت حول هذا الكتاب فنقول:

1 ـ إن في الكتاب روايات كثيرة تبدأ هكذا: " حدثني جعفر بن الحسين المؤمن "، فظن البعض: أن الكتاب من تأليف هذا الرجل.

ونقول:

إن هناك روايات كثيرة وردت في الكتاب وهي لا تبدأ باسم هذا الرجل، بل تبدأ بأسماء آخرين، أو تضيف أشخاصا آخرين بواسطة واو العطف، وهذا لا يناسب نسبة الكتاب إلى الرجل المذكور.

2 ـ إن أصحاب الفهارس، مثل النجاشي في رجاله، والطوسي في فهرسته، وابن شهرآشوب في معالم العلماء، لم يذكروا هذا


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 179 /

الكتاب، في عداد مؤلفات المفيد.

ويجاب بأن جميع هؤلاء لم يذكروا جميع مؤلفات المفيد، بل كل منهم قد عد جملة منها، وليكن كتاب الاختصاص من جملة ما لم يذكروه.

وسيأتي وجه عدم ذكرهم له في عداد مؤلفاته إن شاء الله.

3 ـ إن النسخ الخطية لهذا الكتاب فيها تشويش، فإن خطبة الكتاب في نسخة تجدها بعد صفحات من الكتاب في نسخة أخرى.

ويجاب عن ذلك بأنه قد تكون بعض النسخ قد انفرط عقدها، فظمها منظموها حسبما تيسر لهم.

4 ـ وهنا سؤال آخر أيضا، وهو أنه يقول: " قال محمد بن محمد بن النعمان " فمن الذي قال ذلك يا ترى؟!

والجواب:

أنه من قول المؤلف نفسه، كما جرت عليه عادة المؤلفين القدامى، وليس قول آخرين نقلوا ذلك عنه رحمه الله.

واحتمال أن تكون هذه العبارة قد كتبها البعض توضيحا، ثم أدخلها النساخ في الأصل اشتباها لا يعتد به، وهو يحتاج إلى إثبات.

فإن كان اختياره للمفيد دون سواه لأجل وجود بعض مشايخ المفيد في الكتاب، فإنه يقال له: كما كان هؤلاء من مشايخه فقد كانوا أيضا من مشايخ غيره.

مع أن في الكتاب آخرين لم يعلم أنهم من مشايخ المفيد وهم ثلاثة أضعاف أولئك، فلماذا استفاد من ذلك العدد القليل من المشايخ، أن الكتاب للمفيد، ولم ينظر إلى من تبقى منهم، وهم أكثر عددا؟!


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 180 /

5 ـ كون الكتاب أشبه بكشكول روائي قد جاء معظمه في فضائل أهل البيت عليهم السلام، ولا يسير الكتاب في ترتيبه، وفق منهج منطقي منسجم، والمفيد يمتاز بالدقة والإبداع.

ونقول:

إن هذا ليس عيبا في الكتاب، إذ قد يتعلق غرض بعض المؤلفين بتأليف مجموعات كشكولية، روائية أو غيرها. والمفيد نفسه هو صاحب كتاب الأمالي الذي هو كتاب حديثي كشكولي أيضا. ودقة وأبداع الشيخ المفيد لا يجب أن تتجلى في كتبه الحديثية كما هو ظاهر.

هذا، مع غض النظر عن حقيقة: إن الكتاب هو اختيار وانتخاب من الشيخ المفيد لكتاب الاختصاص لابن عمران، كما سنرى..

6 ـ توجد في هذا الكتاب بحوث لا تنسجم مع آراء المفيد في سائر كتبه، ولا يدل إطار الكتاب العام على أنه من تأليف متكلم عقلي كالشيخ المفيد، بل هو أقرب إلى تأليف أحد المحدثين كالشيخ الصدوق مثلا.

وقد عرف الجواب على هذا مما قدمناه آنفا، من أن الغرض قد يتعلق بحفظ بعض الأحاديث في ضمن مجموعة كشكولية كما هو الحال في كتب الأمالي ـ مثلا ـ التي ألف الشيخ المفيد واحدا منها.

بالإضافة إلى أنه قد يكون جمع هذه الأحاديث قد حصل قبل أن يصبح المفيد إماما في العقائد والفقه وغير ذلك.


--------------------------------------------------------------------------------



يتبع ...

أبومرتضى
09-22-2003, 08:44 PM
/ صفحة 181 /

وقد لا يكون الهدف من جمعها هو أن تكون كتابا منسقا بصورة فنية يتداوله الناس ويعتمدونه.

وهذا عدا عن أن الرأي الكلامي والعقيدي لا يمنع من إيراد ما يعارضه، كإيراد ما يوافقه من أحاديث، ومن ميزة العالم أن يتقيد بقواعد البحث الكلامي حينما يتصدى للكلام، وأن يلتزم أيضا بكل الضوابط، ويراعي كل الأصول المرعية في الحديث، ونقله واختياره، حينما يتخذ لنفسه صفة المحدث، ولأجل ذلك نجد المحدثين يروون الأخبار المتعارضة في كتبهم، رغم تبنيهم وقبولهم بطائفة منها بخصوصها، وعلى الأخص في المجال الفقهي، وبمراجعة كتب الكليني والصدوق وغيرهما من المحدثين يعلم ذلك.

هذا، وقد رأينا: أن بعض العلماء يؤلف كتبه بأكثر من صفة، فالفقيه يكتب بصفة المحدث كما وقع للطوسي (قده)، حيث كتب النهاية، وهي متون أخبار. وقد يكتب الفيلسوف بلسان العرفاء كما وقع للشيخ نصير الدين الطوسي في بعض رسائله، وقد يكتب المتكلم بلسان الفيلسوف، كما جرى للفخر الرازي، والمتصوف بلسان الفلاسفة كما جرى للغزالي، وغير هؤلاء كثير.

ومن جهة أخرى نقول: إن بعض الآراء قد تتغير على مر الزمن، ولا سيما إذا كان صاحب الرأي من العلماء الذين يتمتعون بحيوية فكرية، ويسيرون في صراط التكامل في وعيهم وفي فكرهم، وفي معرفتهم. وقد تختلف درجات تنبه المؤلف إلى الحيثيات التي يلاحظها في تآليفه بين فترة زمنية وأخرى.

مع أننا سنذكر أن هذا الكتاب هو اختيار للمفيد من كتاب آخر.


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 182 /

7 ـ قد سجلت ملاحظة أخرى على كتاب " الاختصاص "، وهي وجود خلل أو عدم وضوح أحيانا في إرجاعه بعض الضمائر فيه، أو وجود فاصل كبير بين الضمير وبين مرجعه.

وقد أجيب عن ذلك بأن هذا الخلل لا ينحصر في هذا الكتاب، بل هو موجود في مختلف الكتب ومنها الكافي والتهذيب، والوسائل أيضا.

ولهذا الأمر أسباب مختلفة، منها: أن المؤلف قد يعثر على رواية فيضعها في مكان من الكتاب، ثم لا يلتفت إلى ضرورة إعادة النظر في التناسق المفترض أن يكون فيما بين الضمير ومرجعه بين روايتين قد فصل بينهما حديث جديد، أو كلام جديد.

8 ـ ومن إيراداتهم على هذا الكتاب: أن مؤلفه قد نقل تارة من الكتب ككتب الصدوق، وبصائر الدرجات، وأخرى عن المشايخ، وإذا نظرنا إلى المشايخ الذين نقل عنهم فسنجد أن خمسة منهم هم من مشايخ المفيد، وثمة ستة عشر آخرون لم يعثر على رواية المفيد عنهم في غير كتاب الاختصاص أصلا.

ومن جهة أخرى: هناك مشايخ للمفيد لهم مكانتهم المميزة وليس في كتاب " الاختصاص " أية رواية عنهم، كالجعابي، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، والصيرفي، وغيرهم.

والجواب عن ذلك:

أولا: إن مؤلف الكتاب هو ابن عمران على الظاهر، والمفيد قد انتخب واختار منه ما أعجبه، فمشايخ الكتاب هم مشايخ ابن عمران، إذن، لا مشايخ المفيد. وسيأتي مزيد تأييد لهذا إن شاء الله تعالى.



--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 183 /

ثانيا: إن من الجائز أن يكون مؤلف الكتاب قد كتبه قبل أن يصبح له مشايخ كثيرون، بل قد يكون رحمه الله قد اختار كل رواياته أو بعضها من الكتب التي توفرت لديه، وليس في ذلك أي محذور.

ثالثا: قولهم: إن بعض من روى عنهم مؤلف الكتاب لم نجد المفيد يروي عنهم في سائر كتبه، لا يصلح دليلا على نفي نسبة الكتاب إليه، إذ قد يروي عن شيخ له هنا شيئا، لم ينقله له مشايخه الآخرون، وقد يستفيد شيوخا جددا فيكتب عنهم، ثم يتركهم، ويلتزم شيوخا آخرين، لأسباب تتفاوت بحسب الحالات والظروف، والأغراض عبر الأزمان...

وهل في علماء الحديث من يشترط في الراوي أن يروي في كل كتاب عن كل فرد فرد من شيوخه الذين يأخذ عنهم في كل تاريخه العلمي الطويل.؟

وبعدما تقدم نقول:

هناك عدة نسخ لكتاب الاختصاص، وهي التالية:

1 ـ النسخة المكتوبة عن نسخة الشيخ الحر(1) وقد نسبت الكتاب إلى الشيخ المفيد، دون أي غموض، حيث كتب عليها. " كتاب الاختصاص للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، منتخب من الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران ".

ــــــــــــــــــــ

(1) وهي نسخة موجودة في الروضة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد في ايران، وسنة كتابة هذه النسخة هو 1085 ه‍. أو1087هـ.(*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 184 /

وكتب في آخرها: " تم كتاب الاختصاص للشيخ المفيد قدس سره ".

أما نسخة الشيخ الحر نفسه فقد كتب عليها تملك الشيخ الحر رحمه الله في سنة 1087 ه‍. وأما تاريخ كتابتها فغير معلوم، وهي موجودة في مكتبة آية الله الحكيم رحمه الله في النجف الأشرف.

2 ـ هناك نسخة أخرى توجد في مكتبة سپه سالار طهران، تاريخ كتابتها هو سنة 1118 ه‍. وذكر ناسخها أن هذا الكتاب هو مختصر كتاب الاختصاص لأحمد بن الحسين بن عمران.

وهذه العبارة لا تختلف مع ما كتب على نسخة الشيخ الحر، لأن المقصود بهذه العبارة أن الاختصاص نفسه لابن عمران، وذلك لا ينافي أن يكون مختصره للشيخ المفيد أيضا.

3 ـ هناك نسخة قديمة توجد في مكتبة الروضة الرضوية في مشهد الرضا(ع)، تاريخ كتابتها سنة 1055 ه‍. وهي تذكر بعد عدة صفحات العبارة التالية:

" كتاب مستخرج من كتاب الاختصاص، تصنيف أبي علي أحمد بن الحسين بن أحمد بن عمران رحمه الله ".

ولا تنافي هذه العبارة أيضا ما كتب على نسخة الشيخ الحر لعين ما ذكرناه آنفا، من أن الاختصاص نفسه من تأليف ابن عمران، وتلخيصه للشيخ المفيد.

ويبدو أن في هذه النسخة تقديما وتأخيرا في أوراقها، كما يظهر من ملاحظتها، وهذا الأمر يحصل لأسباب مختلفة.


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 185 /

إذن، لا مانع من نسبة ما في كتاب الاختصاص المطبوع، الموافق للنسختين الأوليين إلى الشيخ المفيد، باعتبار أنه قد اختاره من كتاب ابن عمران وارتضى منه ما راق له.

وقد يكون هذا الاختصار هو السبب في عدم ذكر هذا الكتاب في جملة مؤلفاته رحمه الله، حيث إنه لم يبادر هو إلى تأليفه، وإنما استخرجه واختاره من كتاب لشخص آخر.. وعليه فهذا يدل على مدى اهتمامه بالكتاب، حتى أنه ليبادر إلى انتخاب ما فيه من نفائس الآثار، واستخراج ما تيسر له منه من درر الأخبار.

ويشهد لذلك: أن كتاب الفصول المختارة، الذي هو اختيار الشريف المرتضى من كتاب " العيون والمحاسن " للمفيد، لم يذكر في عداد مؤلفات الشريف. بل بقيت نسبته إلى المفيد أظهر وأوضح، ولا يزال يعد من مؤلفاته كما هو معلوم. ))

مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 ص 166- 189 ..

((

/ صفحة 189 /

كاشف الغطاء ما ذا يقول؟!:
قد استدل البعض، بإجابة العالم العلم الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ـ الذي وصفه بأنه من المفكرين ـ على سؤال حول هذا الموضوع، معتبرا أن كلام كاشف الغطاء يثبت عدم صحة ما يقال من كسر ضلع الزهراء عليها السلام، بسبب ضرب المهاجمين لها، كما أن ذلك ينفي ما يقال من دخولهم بيتها، وضربها وما لحق أو سبق ذلك من أحداث.

وما استدل به كاشف الغطاء هو ما يلي:

1 ـ قال رحمه الله: " أنا لا أبرئ هؤلاء القوم، لكن ضرب المرأة كان في ذلك الزمان عيبا، فمن يضرب امرأة يصبح ذلك عارا عليه وعلى عقبه، ففي نهج البلاغة عن علي عليه السلام: .. ولا تهيجوا النساء بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى، والأنفس، والعقول، إن كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر، أو الهراوة، فيعير بها وعقبه من بعده(1) "..

ــــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة: قسم الرسائل (شرح محمد عبده): ج 3 ص 16 ط دار المعرفة، بيروت، لبنان. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 190 /

2 ـ وقال رحمه الله: " ولكن قضية الزهراء، ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني، ويتقبله عقلي، ويقنع به مشاعري، لا لأن القوم يتحرجون ويتورعون من هذه الجرأة العظيمة، بل لأن السجايا العربية، والتقاليد الجاهلية التي ركزتها إلخ..(1) ".

3 ـ ثم اعتبر أنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا من الصحابة، من يمنعهم ويردعهم عن ذلك.

4 ـ واستدل أيضا بأنها عليها السلام ما ذكرت أنهم قد اعتدوا عليها بالضرب، أو أسقطوا جنينها، ولا أشارت إليه في شئ من خطبها ومقالاتها المتضمنة لتظلمها من القوم، وسوء صنيعهم معها،

مثل خطبتها في المسجد، بحضور المهاجرين والأنصار " مع أنها كانت ثائرة متأثرة أشد التأثر ".

وقد خاطبت عليا(ع) بأن فلانا " يبتزني نحلة أبي، وبلغة ابني "، ولم تقل: إنه أو صاحبه قد ضربني.

وكذلك الحال حين كلمت نساء المهاجرين والأنصار، حيث بدأت كلامها بقولها: أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن الخ... فلم تشك إلا من غصب فدك، وغصب الخلافة، مع أن ضربها، ولطم خدها، وكسر ضلعها، ونبات المسمار في صدرها، ـ لو صح ـ أعظم من غصب فدك.

كما أنها حين جاء أبو بكر وعمر، واستأذنا عليا، ودخلا عليها لاسترضائها لم تذكر لهما شيئا مما يقال إنه قد جرى عليها.

وعلي أمير المؤمنين عليه السلام أيضا لم يشر إلى ذلك في شئ

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع: جنة المأوى: ص 81. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 191 /

من خطبه ومقالاته. وقد هاجت أشجانه بعد دفنها، وخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: السلام عليك يا رسول الله، عني، وعن ابنتك النازلة في جوارك... إلخ.. وقد كان المقام يقتضي ذكر ذلك، لو أنه قد كان، لأنه حجة قوية عليهم، وفيه إثارة عاطفية ضدهم من جميع الجهات(1).

ثم اعتبر رحمه الله أن هذا الأمر إنما صدر عن قنفذ الوردي دون سواه.

هذا، ما ذكره كاشف الغطاء، وتمسك به وأعاده بعض من يريد التشكيك، وإثارة غبار الريب حول هذه القضية.

ونقول في الجواب:

إن كلام الشيخ كاشف الغطاء، الذي استفاد منه هذا البعض للتشكيك بما جرى على الزهراء، يتضمن العديد من النقاط، نذكرها على النحو التالي:

1 ـ كاشف الغطاء لا ينكر ما جرى:
إننا على الرغم من أننا نعتقد أن كاشف الغطاء لا ينكر ما جرى على الزهراء من أحداث وبلايا فإننا نقول:

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع المصادر المتقدمة. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 192 /

أولا: إنه رحمه الله، وإن كان عالما مبرزا، لكن ذلك لا يجعله في مأمن من الوقوع في الخطأ والاشتباه، لا سيما في أمر يحتاج إلى مزيد من التتبع للآثار والنصوص في مصادرها، وقد رأيناه حين ذكر رأيه في مسألة الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام، وضربها وإسقاط جنينها، قد ذكر ما استند إليه، واعتمد عليه. فالعمدة هو ذلك الدليل، فلا بد من النظر فيه ومحاكمته، فقد لا يكون صحيحا..

وكونه من الإمامية لا يجعله في منأى عن النقد العلمي والموضوعي لآرائه، ولما يستدل به.

ثانيا: لعل الشيخ كاشف الغطاء يخاطب أولئك الذين يقدسون هؤلاء المهاجمين، ويرون فيهم معيار الحق وميزان الصدق، فأراد إفهامهم حقيقة الأمر، دون أن يثير حفيظتهم وعصبياتهم، ولذا نراه يظهر استبعاده لحصول هذا الأمر، ثم يلقي التبعة على شخص لا حساسية لهم منه، ولا قداسة كبيرة له في نفوسهم، وهو قنفذ العدوي.

ويؤيد هذا المعنى أنه رحمه الله إنما كتب ذلك جوابا على سؤال ورد إليه، فهو قد راعى حال السائل، أو الحالة العامة التي لا يريد أن يثير فيها ما يهيج أو يثير، لا سيما مع ما ظهر من اهتمامه الكبير بأمر الوحدة فيما بين المسلمين.

ثالثا: إننا نجد هذا العالم الجليل بالذات يصرح بحقيقة رأيه حينما لا يكون ثمة مبرر للمجاراة، والمداراة، حيث لا يكون خطابه موجها إلى أولئك الذين يفترض فيه أن لا يجرح عواطفهم، فتراه رحمه الله يجهر منددا بإسقاط المحسن، وبإضرام النار بباب فاطمة عليها الصلاة والسلام، فهو يقول:


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 193 /

وفي الطفوف سقوط السبط منجدلا * من سقط محسن خلف الباب منهجه

وبـالخيام ضرام النار مـن حطب * بباب دار ابنة الهادي تأججه(1)

رابعا: هو نفسه رحمه الله يذكر أن هناك إجماعا على هذا الأمر، وقد تقدم شئ من عبارته حول ذلك، ونحن نعيدها كاملة هنا مرة أخرى، وهي التالية:

" طفحت واستفاضت كتب الشيعة، من صدر الإسلام والقرن الأول، مثل كتاب سليم بن قيس، ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل وإلى يومنا هذا، كل كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة، وأبيهم الآية الكبرى، وأمهم الصديقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين، وكل من ترجم لهم، وألف كتابا فيهم، وأطبقت كلمتهم تقريبا أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة، أنها بعد رحلة أبيها المصطفى (ص) ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدها، حتى احمرت عينها وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها، وأسقطت جنينها، وماتت وفي عضدها كالدملج.

ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم، وأرسلوها إرسال المسلمات: من الكميت والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، والنميري، والسلامي، وديك الجن، ومن بعدهم، ومن قبلهم إلى هذا العصر.

وتوسع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر، والرابع

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع: مقتل الحسين، للسيد عبد الرزاق المقرم: ص 389، منشورات قسم الدراسات الإسلامية ـ طهران ـ ايران. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 194 /

عشر، الذي نحن فيه، كالخطي، والكعبي، والكوازين، وآل السيد مهدي الحليين، وغيرهم ممن يعسر تعدادهم، ويفوق الحصر جمعهم وآحادهم.

وكل تلك الفجائع والفظائع، وإن كانت في غاية الفظاعة والشناعة، ومن موجبات الوحشة والدهشة، ولكن يمكن للعقل أن يجوزها، وللأذهان والوجدان أن تستسيغها، وللأفكار أن تقبلها، وتهضمها، ولا سيما وأن القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة، وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعد أعظم وأفظع(1) ".

2 ـ ضرب النساء:
إن ما اعتبره رحمه الله مبررا لاستبعاد ضرب العربي للمرأة لا يصلح للتبرير، وذلك:

أولا: لأن كلمة أمير المؤمنين عليه السلام عن العار في ضرب المرأة لا يعني استحالة صدور هذا الأمر منهم، إذا كان ثمة داع أقوى، يدفع إلى ارتكاب أفظع الجرائم، وهتك أعظم الحرمات.

ولا سيما إذا كان هذا الداعي هو شهوة الحكم والسلطة، وخصوصا إذا كانت الحكومة تستطيع بعد توطيدها أن تمحو العار بما تفرضه من هيبة، وبما تملك من مال وجاه، وحيث تعنو لها الرقاب خوفا أو طمعا، ثم بما يحيط المتصدي لمقام خلافة النبوة من شعور بالتقديس، والاحترام من منطلق التدين والإيمان لدى عامة الناس.

ومن جهة أخرى: قد كان ولا يزال وأد البنات عارا؟! وكان ولا يزال قتل الابن والأخ من أجل الدنيا عارا؟ وقد قتلت الخيزران ولدها

ــــــــــــــــــــ

(1) لا حظ جنة المأوى: ص 83 ـ 84 و 78 ـ 81. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 195 /

من أجل الملك كما يزعمون، وقتل المأمون أخاه. وعرفت عنهم مقولة: الملك عقيم لا رحم له(1).

ولو كان ثمة تقيد بعدم صدور القبيح منهم لما قالوا للنبي (ص)، وهو يسمع: إن النبي ليهجر، مع أن الوازع الديني يفترض أن يكون أقوى من وازع التقاليد والعادات.

بالإضافة إلى أن إطلاق هذه الكلمة بحق النبي أدعى للصوق العار الأبدي بهم، وهو أعظم من تجرئهم على امرأة بالضرب، أو باجتياح بيتها، أو بإسماعها قواذع القول، وعوار الكلام.

وخلاصة الأمر: إذا كان ثمة شخص يخاف من العار فلا بد أن يخاف منه في كل شؤونه وحالاته، أما أن يخاف من العار هنا، ولا يخاف منه هناك كما في جرأته على رسول الله (ص) فذلك غير واضح ولا مقبول..

بل إن جرأته على العار في مورد تجعلنا نتريث في تكذيب ما ينسب إليه منه في مورد آخر، فكيف إذا كان ذلك ثابتا بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة.

وهل يسع هذا المشكك إنكار تهديدهم للزهراء عليها السلام بإحراق الدار عليها وعلى أولادها؟ فهل هذا الأمر ليس عارا على من هدد به؟! وهل يمكن أن يكون ضربها على خدها هو العار فقط دون سواه؟!.

ثانيا: إن هذا البعض الذي يستدل بكلام كاشف الغطاء، هو

ــــــــــــــــــــ

(1) الكامل في التاريخ، لابن الأثير: ج 6 ص 99 / 100. تاريخ الطبري: ج 8 ص 205. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 196 /

نفسه يضع علامات استفهام كبيرة حول صحة النصوص الواردة في نهج البلاغة، وفي غيره، إذا كانت تشير إلى أي ضعف في شخصية المرأة، وقد تحدث هذا النص المستشهد به عن هذا الضعف، فهو يقول: " فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول ".

وقد شكك هو نفسه في صحة خصوص هذا النص أكثر من مرة!! فكيف يستدل هنا بأمر يرفضه جملة وتفصيلا في مقام آخر؟!.

ثالثا: لقد ضربت بنات رسول الله (ص) بالسياط في يوم كربلاء حين وجد الحقد الأسود الذي أعمى بصائرهم وأبصارهم، وصدهم عن التفكير بما يترتب على ذلك من عار في الدنيا، ومن التعرض لغضب الجبار في الدنيا والآخرة..

وهناك شواهد تاريخية كثيرة تؤكد: أنه إذا وجد دافع أقوى من دافع دفع العار، فإنهم لا يتورعون عن قبول هذا العار.

ونحن نذكر من الشواهد ما يلي:

1 ـ لقد كان أحدهم يدفن ابنته في التراب، وهي حية، مخافة أن تأكل من طعامه، وقد قال تعالى: {وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت}(1).

2 ـ إن هذا القائل نفسه يذكر: إن ابن زياد لعنه الله هم بأن يبطش بالسيدة زينب، حينما خاطبته بما أثار حفيظته، فتدخل عمرو بن حريث، وصده عن ذلك بقوله: إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها (2).

ــــــــــــــــــــ

(1) سورة التكوير: 8.

(2) جنة المأوى: ص 82.(*) .


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 197 /

3 ـ بل لقد ذكر هذا المستدل بكلام كاشف الغطاء: إن زينب (ع) قد جلدت بالسياط وكذلك غيرها من بنات الوحي(1) صلوات الله وسلامه عليهم، فراجع كتبه ومؤلفاته وخطاباته.

4 ـ وقد قتلت سمية والدة عمار تحت وطأة التعذيب في مكة، من قبل " فرعون قريش " أبي جهل لعنه الله، فكانت أول شهيدة في الإسلام (2).

5 ـ وكان عمر نفسه يعذب جارية بني مؤمل أيضا، فكان يضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا ملالة (3). وعذبت أيضا أم شريك رحمها الله، فلماذا لم يكن خوف لحوق العار به عائقا له عن اقتراف هذا الأمر الموجب للعار.

6 ـ وتحدثنا كتب الحديث والتاريخ: أنه لما مات عثمان بن مظعون بكت النساء، فجعل عمر يضربهن بسوطه، فأخذ رسول الله (ص) يده، وقال: مهلا يا عمر، دعهن يبكين الخ (4).

7 ـ ثم ضرب عمر النساء اللواتي بكين على أبي بكر، حتى

ــــــــــــــــــــ

(1) الإنسان والحياة: ص 271.

(2) راجع: الإستيعاب (هامش الإصابة): ج 4 ص 330 و 331 و 333 والإصابة: ج 4 ص 334 و 335 والسيرة النبوية لابن كثير: ج 1 ص 495 وأسد الغابة: ج 5 ص 481 واليعقوبي: ج 2 ص 28.

(3) السيرة النبوية لابن هشام: ج 1 ص 341، والسيرة الحلبية: ج 1 ص 300 والسيرة النبوية لابن كثير: ج 1 ص 493 المحبر: ص 184.

(4) مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 237 و 335، ومستدرك الحاكم: ج 3 ص 190، وصححه وقال الذهبي في تلخيصه المطبوع بهامشه: سنده صالح. ومسند الطيالسي: ص 351، ومجمع الزوائد: ج 3 ص 17. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 198 /

قال المعتزلي: " أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة، مات أبو بكر فناح النساء عليه، وفيهن أخته أم فروة، فنهاهن عمر مرارا وهن يعادون، فأخرج أم فروة من بينهن، وعلاها بالدرة، فهربن وتفرقن(1). وذكر هذه القصة آخرون فليراجعها من أراد (2).

8 ـ ولما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين، فجاء عمر... فكان يضربهن بالدرة، فسقط خمار امرأة منهن، فقالوا: يا أمير المؤمنين خمارها، فقال: دعوها، فلا حرمة لها الخ.. (3).

9 ـ وقد أهدر النبي (ص) دم هبار بن الأسود لما كان منه في حق زينب. وذلك معروف ومشهور.

رابعا: لماذا لا يقبل وجدان هؤلاء أن يكون عمر هو الذي ضربها(ع)، معللين ذلك بأن ضربه لها يوجب لحوق العار به، ثم يقبل وجدانهم أن يلحق العار بقنفذ؟! فكما أن عمر عربي يخاف من العار، فإن قنفذا عربي ويخاف من ذلك أيضا!!.

وكما أن عمر من قبيلة بني عدي، فإن قنفذا أيضا هو من نفس هذه القبيلة، فلماذا تجر الباء هنا ولا تجر هناك يا ترى؟.

لكن المحقق التستري (4) قد ذلك: أن قنفذا تيمي لا عدوي، وأن المراد أنه عدوي الولاء لأنه مولاهم، وسواء كان عدويا أو تيميا فإنه إذا كان ضرب المرأة قبيحا عند العرب، فلا بد أن ينكره الإنسان العربي، ويرفضه سواء صدر من هذا الشخص أو ذاك.. بل إن صدوره

ــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 181.

(2) الغدير: ج 6 ص 161 عن كنز العمال: ج 8 ص 119 والإصابة: ج 3 ص 606.

(3) الغدير: ج 6 ص 162. عن كنز العمال: ج 8 ص 118.

(4) راجع: قاموس الرجال: ج 7 ص 393 / 394. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 199 /

من المولى بحق العربية سيواجهه العربي ـ وفقا لمفاهيمهم ـ بحساسية أكبر ورفض أشد.

خامسا: لقد روي عن علي عليه السلام: أنهم لم يصادروا أملاك قنفذ، كما صنعوا بسائر ولاتهم، لأنهم شكروا له ضربته للزهراء(1).

فشكرهم له لكونه قد ضرب امرأة، هي الزهراء عليها السلام، سيدة نساء العاملين، هو الآخر عار عليهم، وهو يدينهم، ويهتك الحجاب عن خفي نواياهم، وعن دخائلهم.

ويظهر أنهم لا يهتمون لهذا العار ولا لغضب الله ورسوله (ص)، بسبب غضب الزهراء(ع)، إذا وجد لديهم داع أقوى، ولا سيما إذا كان هو تحقيق شهوة هي بمستوى حكم العالم الإسلامي بأسره، والحصول على مقام خلافة النبوة، وهو مقام له قداسته وخطره بنظر الناس.

وذلك يبطل أيضا دعوى البعض: أنهم كانوا يجلون فاطمة ويحترمونها ويسعون لرضاها، وما إلى ذلك.

وأما استرضاؤهم لها، فسيأتي أنه كان مناورة سياسية، فاشلة وغير مقبولة..

3 ـ قبول الناس بضرب الزهراء(ع):
أما بالنسبة إلى قول المستدل:

إن الناس لن يوافقوا على التعرض للزهراء(ع) بسوء أو أذى.

ــــــــــــــــــــ

(1) جنة المأوى: ص 84 والبحار: ج 30 ص 302 و 303 وكتاب سليم بن قيس: ج 2 ص 674 و 275 والعوالم: ج 11 ص 413. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

يتبع ...

أبومرتضى
09-22-2003, 08:46 PM
/ صفحة 200 /

فإننا نقول:

أولا: لو صح إن الناس سوف يواجهونهم لو أرادوا بالزهراء (ع) سوءا، فإن محاولتهم إحراق الباب، وجمعهم الحطب، قد كان يجري بمرأى من الناس، وقد امتلأت شوارع المدينة بالناس، كما جاء في بعض النصوص، فلماذا لم يتدخل أحد لمنعهم من ذلك؟!

وثانيا: حين قال فلان للنبي (ص) لما طلب الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده: إن النبي ليهجر. لماذا لم يجد أحدا يعترض عليه، ويدينه، أو يلومه، أو يواجهه بما يكره، أو حتى من يعبس في وجهه؟!

ألم يكن النبي (ص) أعظم وأقدس في نفوس الناس من الزهراء(ع)، ومن علي عليه السلام، ومن كل أحد؟!.

وثالثا: لو قبلنا بأن الناس لا يوافقونهم على ذلك، لكن هل كان بوسع الناس وبمقدورهم الإنكار على الحكام الجدد، الذين بدأوا حياتهم السياسية بالعنف وأقاموا حكمهم بقوة السيف؟!.. ألم يكن الناس مغلوبين على أمرهم؟!.

4 ـ احتجاج الزهراء(ع) بما جرى!
وأما بالنسبة للاحتجاج على القوم بما اقترفوه في حق الزهراء عليها السلام فإننا نقول:

أولا: إنه لا تصح مقولة: أن عدم الاحتجاج تلازم عدم وقوع الحدث، إذ أن الحدث يقع ثم تحصل موانع من ممارسة الاحتجاج به


--------------------------------------------------------------------------------
\ صفحة 201 /

أحيانا، وبعبارة أخرى إذا حدث أمر، وشهده الناس وعاينوه، وتحققوه بأنفسهم، فلا تبقى ثمة حاجة إلى ذكره، ولا فائدة من الإخبار به، ولا سيما لمقترف ذلك الجرم نفسه، إلا إذا كان ثمة ضرورة أخرى كإلزامه بالأمر أو ما شاكل.

ثانيا: قد ذكرنا أنها عليها السلام لو جعلت هذا الأمر محور اعتراضها على الغاصبين للخلافة، فإنها تكون قد وقعت في محذور تضييع القضية المحورية الكبرى، وهي قضية الخلافة، لأنهم سوف يتمكنون من أن يصوروا للناس: أن النزاع معها(ع) نزاع شخصي على أمور صغيرة، ولن يعود نزاعا على الدين، أو على من هو أحق بالخلافة، أو على مصلحة الأمة.

وإذا صارت المسألة شخصية، فإن الواجب يفرض على الزهراء (ع) العفو عن المسيئين، حين جاؤا إليها، وطلبوا العفو منها، لأن العفو في الأمور الشخصية مما يفرضه الخلق الإنساني والاسلامي، وقد قال الله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف، واعرض عن الجاهلين}(1)،

وقال: {واعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم}(2)، وقال: {فاصفح الصفح الجميل}(3).

إن تحويل النزاع إلى نزاع على أمر شخصي هو أعظم هدية تقدمها الزهراء(ع) إليهم، مع أن القضية ليست شخصية، ولم يرجعوا الحق إلى نصابه، فلم يرجعوا الخلافة إلى صاحبها الشرعي، ولا فعلوا أي شئ يدل على انصياعهم للحق، إذن، فلم يكن من حق الزهراء

ــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأعراف: 199.

(2) سورة البقرة: 109.

(3) سورة الحجر: 85. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 202 /

عليها السلام أن تعفو عنهم، أو أن تهادنهم، وتظهر لهم القبول والرضا.

ثالثا: إنها عليها السلام قد ذكرت ذلك وذكره علي أمير المؤمنين عليه السلام أيضا. فلنلاحظ معا النصوص التي ستأتي في القسم المخصص للنصوص والآثار.

ونشير هنا إلى بعض من ذلك أيضا:

5 ـ احتجاج الزهراء(ع):
روى الديلمي: أنها عليها السلام قالت: " فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله، وبأبي: أن يكفوا عنا وينصرفوا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ ـ مولى أبي بكر ـ فضرب به عضدي، فالتوى السوط على عضدي، حتى صار كالدملج(1).

وركل الباب برجله، فرده علي وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وتسفع وجهي، فضربني بيده، حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم " (2).

ــــــــــــــــــــ

(1) الدملج: حلي يلبس في العضد. محيط المحيط: ص 293.

(2) البحار: ج 8 ط حجرية ص 231 عن إرشاد القلوب وستأتي المصادر في قسم النصوص. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 203 /

6 ـ ذكر علي(ع) لهذا الأمر:
وبالنسبة لما روي عن علي عليه السلام نقول:

أولا: روى الصدوق بسنده عن علي عليه السلام، أنه قال: بينا أنا وفاطمة، والحسن، والحسين عند رسول الله (ص) إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟!

قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها(1).

ثانيا: ثمة حديث آخر يقول: " وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام نحو العالية، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس فقال: ما شأنك يا أبا الحسن؟ قال: أرادوا أن يحرقوا علي بيتي، وأبو بكر على المنبر يبايع له، ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره (2).

فهو عليه السلام يشكو ويظهر ما فعلوه معه، بطريقة عرض ما حدث، لا بطريقة الاحتجاج، بحيث يكون ذلك هو محور الأخذ والرد، والجزم والحسم، بل كانت الاحتجاجات تتجه دائما نحو إحقاق الحق في الأمر الأهم، والقضية الكبرى، قضية الانقلاب الذي استهدف الخلافة (التي ترتبط بالواقع الإسلامي كله) على حد تعبير المستدل. وثمة روايات أخرى ستأتي في فصل النصوص والآثار، إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــ

(1) أمالي الصدوق: ص 118 والبحار: ج 28 ص 51 وستأتي المصادر في قسم النصوص.

(2) الأمالي للمفيد: ص 49 / 50. (*)


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 204 /

7 ـ مبررات الاحتجاج غير متوفرة:
أما بالنسبة لتساؤل البعض عن السبب في عدم استفادة علي عليه السلام من هذا الأمر في حجاجه واحتجاجه، مع أن فيه حجة قوية وهامة عليهم، وإثارة عاطفية من جميع الجهات ضدهم على حد تعبير المستدل.

فإننا نقول:

1 ـ لم يكن هذا الأمر خافيا على الناس ليذكره(ع) لهم، ويخبرهم به.

وليس بالضرورة استيعاب جميع الوقائع للاحتجاج بمضمونها لا سيما مع وضوحها وظهورها.

2 ـ لم يكن الموقف يتحمل إثارة، العواطف، بل كان لا بد من المداراة، وتهدئة العواطف الثائرة حتى لا يبلغ السيل الزبى، ويقع في مخالفة أمر رسول الله (ص) له بالسكوت، وعدم المواجهة المسلحة لهم، لما في ذلك من أضعاف للدين، وتهيئة لأجواء الردة عن الإسلام، كما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وغيره.

3 ـ قد تقدم أنه عليه السلام قد ذكر ذلك حين لم يكن ثمة ما يمنع من ذكره، ولكن بطريقة هادئة، لا تجعل الخلافة خلافا على أمر شخصي، يمكن الاعتذار منه، والعفو عنه.

4 ـ إن مخالفتهم لأمر الله ولأمر رسول الله (ص) هي الأهم، والأولى بالتذكير بها، لأنها هي المعيار والمقياس للحق وللباطل، أما الجراح الشخصية، والآلام الروحية فيمكن حل عقدتها ببعض من


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 205 /

الكلام المعسول منهم، وبالخضوع الظاهري بإظهار العذر والندم، بحيث يظهر للناس أنه ليس ثمة مبرر للإصرار على إدانتهم. وما ذكر من محاولة استرضائهما لها(ع) قبل وفاتها خير دليل على ذلك.

وسنوضح هذا الأمر في موضع آخر إن شاء الله تعالى.

8 ـ لم تذكر الزهراء(ع) أبا بكر بما جرى:
وقد تسائل المستدل بكلام كاشف الغطاء عن السبب في عدم ذكرها ما جرى ـ من ضرب وإسقاط الجنين ـ لأبي بكر وعمر، حينما جاءا إليها ليسترضياها.

ونقول في الجواب:

1 ـ إنها لم تذكر أيضا لهما حين جاءا غصب فدك، ولا غصب الخلافة، اللذين أشار إليهما المستدل في سؤاله، وهو نفسه يعتبر غصب الخلافة أعظم من أي جريمة.

2 ـ إن ذكر هذا الأمر لهما لا بد أن يكون له غرض، وداع. ولم يكن غرضها آنئذ يتعلق بالذكر نفسه، بل أرادت إقامة الحجة عليهما بانتزاع إقرار منهما بما سمعاه من أبيها، فرفضت أن تكلمهما قبل هذا الإقرار، ثم سجلت الموقف الحاسم والدائم لها بإدانتهما على مر الأعصار والأزمان، ولم تفسح لهما في المجال لطرح أية قضية أخرى على الإطلاق، ولم تكن جلسة حساب أو عتاب، أو تعداد لما فعلاه معها، لأن ذلك لن يجدي شيئا، فقد يعتذران عن ذلك بأنها كانت فلتة، فرضتها ظروف الهيجان والغضب غير المسؤول، فلم تعطهما عليها السلام الفرصة لذلك، وهذا من بالغ الحكمة، وصواب الرأي منها(ع).


--------------------------------------------------------------------------------

/ صفحة 206 /

ولأجل ذلك: نجدها عليها السلام تكتفي بإجمال الأمور، وتعرض عن تفاصيلها، فهي تقول: اللهم اشهد أنهما آذياني الخ.. ))

مأساة الزهراء عليها السلام ج 1 ص 189 - 206


انتهى

المراسل
09-22-2003, 11:45 PM
أووووووله ، كل هل الكلام كتبه يازهراء ، هل قد متدين الأخ ، مبين عليه مينون مو صاحى صارف ها الوقت كله علشان يطعن فى السيد فضل الله ،ليش ما يطالع شنو كاتب خرسانى وتبريزى ، ويكتب ربع اللى كتبه !

أبومرتضى
09-23-2003, 12:24 AM
لا طبعا اخوي مراسل ... يا زهراء كتب له كلمتين فوق و تحرش ... هذا حده... و بعدين نقل لنا من كتاب مأساة الزهراء لجعفر مرتضى عاملي ...

كان المفروض يسمي الكتاب مأساة جعفر مرتضى ...

بو حسين
09-23-2003, 01:48 AM
اسم الكتاب مأساة الزهراء (ع) وكله طب بالسيد فضل الله وتهجم عليه..

المهدى
09-24-2003, 12:17 PM
العضو يا زهراء قد نبت لحمه من الكذب والمال الحرام ، والسيد العاملى علم اتباعه على تزوير الحقائق والضرب على وتر مصائب أهل البيت .

سيد مرحوم
09-27-2003, 10:59 PM
نقل عن السيد فارس الموسوي وهو احد تلامذة الشهيد الصدر الثاني (رض) وممن له اخلاق عاليه جدا ومنبر خطابي رائع وموجود حاليا كامام مسجد في احدى دول الخليج وومن يعد بالنسبة لمواقف العامة مستقلا في ظل الازمة الدائرة حول المرجع فضل الله 00ذكر في مجلس خاص بانه سئل شخصيا اثناء الازمة المثارة السيد الشهيد الصدر الثاني عن حقيقة صحة الضجة المثارة حول السيد فضل الله من عدم ثبوت مايمكن الركون اليه علميا في روايات اهل البيت مما يؤيد مسالة الهجوم على السيدة الزهراء (ع) بتفاصيلها ...((اكرر الهجوم وليس نية الهجوم او الظلامة بشكل عام00)))..فذكر له السيد الصدر الثاني بانه يوافق السيد فضل الله (دام ظله) في ذلك من حيث عدم وجود الدليل الذي يمكن الاطمئنان اليه علميا باثبات هذا الامر وحدوثه00مع ملاحظة مهمة وهي اننا نتحدث هنا عن مسالة عدم امكانية الاثبات وليس النفي وهو عين ماقاله السيد فضل الله دام ظله وتوقف فيه00


هذا مانقله شخصيا السيد فارس الموسوي في مجلس خاص من باب التعقيب عندما فتح الموضوع ..والله العالم

لا يوجد
09-28-2003, 12:07 AM
جزاك الله خيرا يا سيد مرحوم .

لا يوجد
10-26-2003, 10:52 PM
للرفع