سياسى
05-28-2006, 04:32 PM
فخار.. ذهب وبلاتين!!
محمد عبدالقادر الجاسم
26/5/2006
من المفترض أن تكون الخطابات الرسمية لرؤساء الدول معبرة تعبيرا دقيقا عن أفكار الرؤساء, وهذه مهمة من يتولى كتابة الخطابات وهم عادة, في الدول العريقة, أشخاص لهم مؤهلات خاصة, ليست لغوية فقط, وإنما مهارات تمكنهم من عرض أفكار الرئيس على نحو دقيق. غير أن الرؤساء العرب ومن يكتب لهم يفرطون عادة في استخدام الجمل البلاغية على حساب المضمون. ولو تمعنا في الخطاب الذي ألقاه صاحب السمو أمير البلاد بمناسبة حل مجلس الأمة, لوجدنا أنه تضمن كلمات مثل "غبار" وغيم" و"أمواج" و "عواصف" على نحو غير ملائم سوى "للسرايات" التي انتهى موسمها قبل صدور مرسوم حل مجلس الأمة بأيام قليلة. إن الأوصاف التي وردت في الخطاب الأميري بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي, فلا أظن ان الكويت كانت على حافة حرب أهلية مثلا, كما أن وحدتها الوطنية لم تكن على وشك الانهيار, ولم يهتز أمنها ولا استقرارها. كل ما في الأمر ان الخلاف بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة قد وصل فعلا إلى الحد الذي لا يمكنهما معه العمل, فكان لابد من صدور مرسوم حل مجلس الأمة وفقا للدستور. إنني لا أتصور ان مفردات الخطاب الأميري تعكس فعلا ما يجول في خاطر سمو الأمير ففيها مبالغة وتهويل أكثر مما يستدعيه المقام.
من جهة أخرى فإن المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة, وان كانت مفرداته ملائمة في اغلبها لواقع الحال, إلا انه تضمن عبارة لم يكن لها مبرر وهي العبارة التي تشير إلى "إثارة الفتن" فلم تشهد البلاد خلال الفترة السابقة على حل المجلس أي نوع من أنواع الفتن, لكن ان كان هناك من يرى أن رفع لافتات مضادة لرئيس مجلس الأمة السابق هو نوع من أنواع الفتنة فماذا يمكن أن يقال عن تصرف الرئيس السابق ذاته الذي استدعى القوات الخاصة ضد الناس... وماذا نسمي تحريض بعض كبار المسؤولين في الدولة بعض نواب الحكومة وشخصيات عامة على تنظيم ندوات مضادة لندوات أحمد السعدون وجماعته...عمل وطني مثلا!! ثم إذا كانت هناك فتنة فهل انتهت بمجرد صدور مرسوم الحل؟ إنها والله "خوش" فتنة تلك التي تبدأ بمهرجان خطابي في الشارع وتنتهي بمرسوم أميري. أقول هذا وأنا اتفق تماما مع مرسوم حل المجلس كمخرج "مؤقت" لما وصلت إليه العلاقة بين الحكومة والبرلمان.
على أي حال, خلال الأيام الماضية تم تداول فكرة أشار إليها الخطاب الأميري وهي فكرة خروج الحوار عن أروقة مجلس الأمة. والواقع ان هذا "الخروج" هو ما تحتاجه الكويت فعلا بعد ان تمادت الأطراف السياسية في ممارسة الوصاية على الرأي العام بعد أن تم اختزال العمل السياسي في العلاقة بين الوزراء والنواب, واغلب تلك العلاقة كان يمارس "تحت الطاولة" وعبر أدوات غير مشروعة مثل التنفيع والتربح. ان اشتراك الرأي العام في القضايا المهمة هو الذي يعزز الديمقراطية وليس الحوار تحت مظلة القوات الخاصة أو في الجلسات السرية أو في "قعدات" الوفرة أو غيرها! إننا نعلم ان اشتراك الرأي العام في مناقشة القضايا المهمة يجعل مهمة "فرقة التضبيط" صعبة وهذا ما حصل في موضوع الدوائر الانتخابية حيث "اضطر" بعض النواب الذين ترعرعوا في أحضان الحكومة إلى الوقوف ضدها فخرجت الأمور عن السيطرة ولم يعد ممكنا "تضبيط" النواب. وإذا كان هناك من أزعجه خروج الناس إلى الشارع وتعبيرهم عن رأيهم وممارسة الضغط السياسي فليبشر بالخير, فالمرحلة القادمة سوف تشهد المزيد من العمل العلني الشعبي خاصة ان الشباب تذوقوا طعم النجاح وهم لن يكتفوا بما أنجزوه.
والآن ننتقل إلى الحديث عن الحملة الانتخابية التي بدأت... ان هذه الحملة سوف تكون من أشرس الحملات من جهة تدخل بعض الشيوخ فيها, وهو تدخل يستهدف إسقاط بعض المرشحين وإنجاح غيرهم, وهذا هدف قديم. لكن الجديد هو ان كل الشيوخ الذين باشروا التدخل في الانتخابات القادمة يستهدفون تعزيز النفوذ الشخصي في مواجهة بعضهم البعض. إنني أتوقع أن تصرف في هذه الحملة الانتخابية مبالغ طائلة جدا ذلك ان المعركة هي معركة "كسر عظم"... ان بعض "شيوخ" الفساد يدركون ان نجاح "نواب المعارضة" يعني انتهاء حياتهم السياسية نظرا لتصاعد الحديث عن الفساد ووجوب محاربته, كما يدرك اغلب الشيوخ الذين القوا بثقلهم في هذه الانتخابات ان لمجلس الأمة القادم أهمية خاصة في "صراع الشيوخ" المتوقع عندما تظهر بوادر مرحلة الشيخ نواف الأحمد, والتي ينظر لها بعض الشيوخ على انها المرحلة "البلاتينية" لهم بعد ان تمكنوا من حصد نتائج مذهلة في المرحلة "الذهبية" التي انتهت مؤخرا, إنهم يسعون للحفاظ على وجودهم السياسي في الفترة القصيرة القادمة وتحجيم كل من ينافسهم.
إن الحملة الانتخابية الحالية سوف تشهد تقاطع طرق بين الشيوخ الذين يتطلعون لدور مهم في مرحلة الشيخ نواف الأحمد, وهو الموضوع الذي سوف أتطرق اليه بالتفصيل في مقال قادم بإذن الله.
وعلى ذلك من الواجب على العناصر الوطنية ان تقود حملة مبكرة ضد "شيوخ" الفساد... فنحن لا نريد ان نسمع من المرشحين شعارات رنانة, بل نريد منهم توصيل رسائل واضحة وصريحة ومباشرة إلى من يعنيهم الأمر. ان الرسالة الأهم هي تلك المتعلقة بتشكيل الحكومة, ولتتهيىء القوى السياسية الوطنية منذ الآن إلى التلويح باستجواب رئيس الوزراء القادم ان تضمنت تشكيلته الوزارية الجديدة وزراء "فاحت ريحتهم" أو وزراء يعبثون الآن في الانتخابات القادمة. إن المحافظة على مستقبل الكويت تتطلب العمل السياسي الجاد, فقد انتهى وقت "الموازنة والملائمة والمراعاة", ولو ان القوى السياسية في مجالس الأمة السابقة استجوبت رئيس وزراء لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
إنني أدرك تمام الإدراك ان مواجهة "شيوخ" الفساد ليست سهلة, فهم قد تمكنوا من التغلغل في كل زوايا المجتمع, كما أن لديهم موارد مالية ضخمة تمكنهم من الصرف بلا حساب, لذلك لا أرى وسيلة لمواجهتهم سوى اللعب على اختلافاتهم واختلاف مصالحهم, فصراعاتهم فيما بينهم سوف ترهقهم.
الفخار يبقى فخارا حتى لو طليته بالذهب... وحين يتصادم الفخار ببعضه يتكسر!!
وللحديث بقية...
محمد عبدالقادر الجاسم
26/5/2006
من المفترض أن تكون الخطابات الرسمية لرؤساء الدول معبرة تعبيرا دقيقا عن أفكار الرؤساء, وهذه مهمة من يتولى كتابة الخطابات وهم عادة, في الدول العريقة, أشخاص لهم مؤهلات خاصة, ليست لغوية فقط, وإنما مهارات تمكنهم من عرض أفكار الرئيس على نحو دقيق. غير أن الرؤساء العرب ومن يكتب لهم يفرطون عادة في استخدام الجمل البلاغية على حساب المضمون. ولو تمعنا في الخطاب الذي ألقاه صاحب السمو أمير البلاد بمناسبة حل مجلس الأمة, لوجدنا أنه تضمن كلمات مثل "غبار" وغيم" و"أمواج" و "عواصف" على نحو غير ملائم سوى "للسرايات" التي انتهى موسمها قبل صدور مرسوم حل مجلس الأمة بأيام قليلة. إن الأوصاف التي وردت في الخطاب الأميري بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي, فلا أظن ان الكويت كانت على حافة حرب أهلية مثلا, كما أن وحدتها الوطنية لم تكن على وشك الانهيار, ولم يهتز أمنها ولا استقرارها. كل ما في الأمر ان الخلاف بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة قد وصل فعلا إلى الحد الذي لا يمكنهما معه العمل, فكان لابد من صدور مرسوم حل مجلس الأمة وفقا للدستور. إنني لا أتصور ان مفردات الخطاب الأميري تعكس فعلا ما يجول في خاطر سمو الأمير ففيها مبالغة وتهويل أكثر مما يستدعيه المقام.
من جهة أخرى فإن المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة, وان كانت مفرداته ملائمة في اغلبها لواقع الحال, إلا انه تضمن عبارة لم يكن لها مبرر وهي العبارة التي تشير إلى "إثارة الفتن" فلم تشهد البلاد خلال الفترة السابقة على حل المجلس أي نوع من أنواع الفتن, لكن ان كان هناك من يرى أن رفع لافتات مضادة لرئيس مجلس الأمة السابق هو نوع من أنواع الفتنة فماذا يمكن أن يقال عن تصرف الرئيس السابق ذاته الذي استدعى القوات الخاصة ضد الناس... وماذا نسمي تحريض بعض كبار المسؤولين في الدولة بعض نواب الحكومة وشخصيات عامة على تنظيم ندوات مضادة لندوات أحمد السعدون وجماعته...عمل وطني مثلا!! ثم إذا كانت هناك فتنة فهل انتهت بمجرد صدور مرسوم الحل؟ إنها والله "خوش" فتنة تلك التي تبدأ بمهرجان خطابي في الشارع وتنتهي بمرسوم أميري. أقول هذا وأنا اتفق تماما مع مرسوم حل المجلس كمخرج "مؤقت" لما وصلت إليه العلاقة بين الحكومة والبرلمان.
على أي حال, خلال الأيام الماضية تم تداول فكرة أشار إليها الخطاب الأميري وهي فكرة خروج الحوار عن أروقة مجلس الأمة. والواقع ان هذا "الخروج" هو ما تحتاجه الكويت فعلا بعد ان تمادت الأطراف السياسية في ممارسة الوصاية على الرأي العام بعد أن تم اختزال العمل السياسي في العلاقة بين الوزراء والنواب, واغلب تلك العلاقة كان يمارس "تحت الطاولة" وعبر أدوات غير مشروعة مثل التنفيع والتربح. ان اشتراك الرأي العام في القضايا المهمة هو الذي يعزز الديمقراطية وليس الحوار تحت مظلة القوات الخاصة أو في الجلسات السرية أو في "قعدات" الوفرة أو غيرها! إننا نعلم ان اشتراك الرأي العام في مناقشة القضايا المهمة يجعل مهمة "فرقة التضبيط" صعبة وهذا ما حصل في موضوع الدوائر الانتخابية حيث "اضطر" بعض النواب الذين ترعرعوا في أحضان الحكومة إلى الوقوف ضدها فخرجت الأمور عن السيطرة ولم يعد ممكنا "تضبيط" النواب. وإذا كان هناك من أزعجه خروج الناس إلى الشارع وتعبيرهم عن رأيهم وممارسة الضغط السياسي فليبشر بالخير, فالمرحلة القادمة سوف تشهد المزيد من العمل العلني الشعبي خاصة ان الشباب تذوقوا طعم النجاح وهم لن يكتفوا بما أنجزوه.
والآن ننتقل إلى الحديث عن الحملة الانتخابية التي بدأت... ان هذه الحملة سوف تكون من أشرس الحملات من جهة تدخل بعض الشيوخ فيها, وهو تدخل يستهدف إسقاط بعض المرشحين وإنجاح غيرهم, وهذا هدف قديم. لكن الجديد هو ان كل الشيوخ الذين باشروا التدخل في الانتخابات القادمة يستهدفون تعزيز النفوذ الشخصي في مواجهة بعضهم البعض. إنني أتوقع أن تصرف في هذه الحملة الانتخابية مبالغ طائلة جدا ذلك ان المعركة هي معركة "كسر عظم"... ان بعض "شيوخ" الفساد يدركون ان نجاح "نواب المعارضة" يعني انتهاء حياتهم السياسية نظرا لتصاعد الحديث عن الفساد ووجوب محاربته, كما يدرك اغلب الشيوخ الذين القوا بثقلهم في هذه الانتخابات ان لمجلس الأمة القادم أهمية خاصة في "صراع الشيوخ" المتوقع عندما تظهر بوادر مرحلة الشيخ نواف الأحمد, والتي ينظر لها بعض الشيوخ على انها المرحلة "البلاتينية" لهم بعد ان تمكنوا من حصد نتائج مذهلة في المرحلة "الذهبية" التي انتهت مؤخرا, إنهم يسعون للحفاظ على وجودهم السياسي في الفترة القصيرة القادمة وتحجيم كل من ينافسهم.
إن الحملة الانتخابية الحالية سوف تشهد تقاطع طرق بين الشيوخ الذين يتطلعون لدور مهم في مرحلة الشيخ نواف الأحمد, وهو الموضوع الذي سوف أتطرق اليه بالتفصيل في مقال قادم بإذن الله.
وعلى ذلك من الواجب على العناصر الوطنية ان تقود حملة مبكرة ضد "شيوخ" الفساد... فنحن لا نريد ان نسمع من المرشحين شعارات رنانة, بل نريد منهم توصيل رسائل واضحة وصريحة ومباشرة إلى من يعنيهم الأمر. ان الرسالة الأهم هي تلك المتعلقة بتشكيل الحكومة, ولتتهيىء القوى السياسية الوطنية منذ الآن إلى التلويح باستجواب رئيس الوزراء القادم ان تضمنت تشكيلته الوزارية الجديدة وزراء "فاحت ريحتهم" أو وزراء يعبثون الآن في الانتخابات القادمة. إن المحافظة على مستقبل الكويت تتطلب العمل السياسي الجاد, فقد انتهى وقت "الموازنة والملائمة والمراعاة", ولو ان القوى السياسية في مجالس الأمة السابقة استجوبت رئيس وزراء لما وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
إنني أدرك تمام الإدراك ان مواجهة "شيوخ" الفساد ليست سهلة, فهم قد تمكنوا من التغلغل في كل زوايا المجتمع, كما أن لديهم موارد مالية ضخمة تمكنهم من الصرف بلا حساب, لذلك لا أرى وسيلة لمواجهتهم سوى اللعب على اختلافاتهم واختلاف مصالحهم, فصراعاتهم فيما بينهم سوف ترهقهم.
الفخار يبقى فخارا حتى لو طليته بالذهب... وحين يتصادم الفخار ببعضه يتكسر!!
وللحديث بقية...